الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني نقد الأخلاق في العهد الجديد
عند البحث فيما وقع تحت يدي من مؤلفات نقدية لعلماء المسلمين - فترة البحث- عن نقد الأخلاق في العهد الجديد وجدت أن من كتب حول هذا الموضوع قلة من الكتاب .. من هؤلاء الكتاب د/ أحمد طاهر، ود/ عمر عبد العزيز ويمكن عرض جهودهما في نقد الجانب الأخلاقى في العهد الجديد فيما يلي:
(1)
السلبية في مقابلة الشر
.
(2)
التحلل والإباحية.
السلبية في مقابلة الشر:
عرض د/ عمر عبد العزيز مبدأ التسامح من خلال الأناجيل بذكره للنصوص التي تدل على العفو والتسامح وغير ذلك من الأخلاق الكريمة (1) وكذلك د/ أحمد طاهر ذكر جملة من الأخلاق الفاضلة التي ورد ذكرها في العهد الجديد (2). ثم وجه كل منهما سهام النقد لما يسمي بالأخلاق السلبية في العهد الجديد فيقول د/ أحمد طاهر:
وعند استعراض بعض التعاليم المسيحية يتضح أنها تميل ميلًا كليًا إلى جانب دون جانب وبشكل مبالغ تنتفى معه الواقعية والدليل على ذلك من إنجيل متى: "ولكني أقول لكم لا تقاوموا الشر، ومن لطمك على خدك الأيمن فدر له خدك الآخر ليلطمك وإذا ما اختصمك إنسان طالبًا معطفك فدعه له أيضًا، ومن يجبرك على أن تسير ميلًا فسر ميلين"(3).
(1) منها: ما يدل على البشرى للمساكين والودعاء والأتقياء وصانعى السلام كما في متى: (5/ 1 - 12) ومنها: التحذير من إهانة الغير وإرضاء الخصوم كما في متى: (5/ 20 - 25) والتسامح والعفو كما في متى: (3/ 39 - 41) ومنها: حب الأقارب وبغض الأعداء كما في متى: (5/ 33 - 48) ولوقا: (6/ 27 - 38) وغير ذلك عن الأخلاق الكريمة.
(2)
إضافة لما سبق الإشارة إليه في هامش رقم 1 ذكر د/ أحمد طاهر، أدلة على العفو والمغفرة كما في متى:(18/ 22) والمحبة والعطف والرحمة كما في مرقس: (12/ 29 - 31) ويوحنا: (13/ 34 - 35) وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة.
(3)
متى: (5/ 39 - 41).
وفي نقده لهذا النص يقول: (ولعل هذه الموعظة قد قصدت تلطيف الحكم القاسي القائم على الانتقام عين بعين وسن بسن، إذا ما نُفذ حرفيًا كما هو في الشريعة اليهودية، ولكن هل نعمل بالموعظة التي نُسبت إلى المسيح؟، والتي فيها تخاذل وخنوع والتي تقول من ضربك على خدك الأيمن در له خدك الأيسر؟ هل نعتبر هذه الموعظة حكمًا عامًا؟ وهل يمكن أن يكون هذا الحكم شرع أو وصية معنوية تصلح لكل الأحوال ولجميع الظروف، خاصة وأن مقابلتنا للشر بسلبية مطلقة وخنوع واستسلام لا يدلّ على شيء؛ بل على جبن وخور وإذعان للمستبدين والمعربدين ولا يأتي بنتيجة طيبة؛ بل يزيد هؤلاء المتغطرسين المغرورين طغيانًا على طغيانهم وشرًا على شرهم، ومن الناحية الأخرى تزيد هذه الموعظة من نكبات الإنسانية وويلاتها)(1).
ويؤكد هذا الانحراف والميل د/عمر عبد العزيز فيقول:
(إن المسيحية في صورتها المثالية مجافية لفطرة الإنسان، والمسيحى المثالى يتجسد في الراهب المعتزل للحياة المنقطع عن الدنيا المعرض عن الطيبات حتى عن الزواج، والأخلاق المسيحية أخلاق غير واقعية؛ لأنها فوق الطاقة المعتادة للبشر كما في قول الإنجيل: "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم، من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ومن سرق قميصك فأعطه إزارك" (2).
وفي نقده لهذا النص يقول: إن هذا الأمر ليس في مقدور كل إنسان فهل يليق بمن سُرق منه القميص أن يعطي الإزار ثم يصبح عُريانًا (3).
فهل ظلت المسيحية على هذا التسامح؟ أم أنه حدث لها انحراف في السلوك وتحول في الأخلاق عبر الزمن، هذا ما رصده د/أحمد شلبي، عندما وقف وقفة نقدية مع سلطان الكنيسة المستبد وثورة الإصلاح الديني عليها وبين أنه تقرر في المجمع الذي عقد في سنة 1215م استئصال الخارجين على الكنيسة فاستعملت القتل والحرق وغير ذلك من الاضطهادات التي مارستها الكنيسة ضد المسيحيين (4).
ومع الزعم بأن المسيحية دين التسامح والمحبة فإن المنتسبين إليها ينوء كاهلهم بتاريخ شديد الظلمة حالك السواد، ملطخ بدماء العلماء والمفكرين الأحرار
…
تاريخ وقفت فيه الكنيسة مع الجمود ضد الفكر المستنير ومع الخرافة ضد العلم ومع الاستبداد ضد الحرية ومع الظلام ضد النور وصنعت من المجازر البشرية مالا ينساه التاريخ، فأين هذا من التسامح المزعوم؟! وإن كان هذا من التسامح فما التعصب إذن؟!
…
والدليل على ذلك ما حدث في أوروبا في العصور الوسطى من ثورة عارمة شعارها "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"(4).
(1) متي: (5/ 33 - 48) بالتصرف بالحذف.
(2)
التعصب الصليبي: د/عمر عبد العزيز ص16 وانظر متى: (5/ 39 - 41).
(3)
انظر المسيحية: د/ أحمد شلبي ص 257.
(4)
يُراجع: التعصب الصليبي، ص 17 بتصرف بالحذف، ولمزيد من التفصيل انظر: المسيحية: د/ أحمد شلبى، ص 258 - 259.