الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: نقد عقيدة التثليث بالأدلة والبراهين العقلية:
الدليل العقلي أحد الأدلة التي استخدمها علماء المسلمين في نقد الكتاب المقدس بقسميه، إذ أن إعمال العقل في فحص القضايا المتنازع فيها بين المسلمين والنصارى أمر من الأهمية بمكان ولأن النصارى لا يؤمنون بالقرآن وإذا استخدم العلماء القرآن الكريم في الرد عليهم فذلك منهج غير موضوعي لذا اتبع علماء المسلمين في إبطالهم لعقائد النصارى الدليل العقلي وذلك بعرض مفردات تلك العقائد على العقل وإثبات أنها تتعارض مع المسلمات البديهية وتتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة. وقد أبطل هذه العقيدة شيخ الإِسلام بأدلة عقلية أوردها في كتابه الجواب الصحيح وقد أورد العلامة رحمة الله الهندي أيضًا كثيرًا من الأدلة والبراهين العقلية على بطلان عقيدة التثليث عند النصارى ووافقه عليها أيضًا العلامة الألوسي .. من هذه الأدلة ما يلي:
1 -
لما كان التثليث والتوحيد حقيقيين عند المسيحيين
…
وإذا وجد التثليث الحقيقى لا بد من أن توجد الكثرة الحقيقية أيضًا ولا يمكن بعد ثبوتها التوحيد الحقيقى وإلا يلزم اجتماع الضدين الحقيقيين وهو محال فلزم تعدد الوجباء (أي تعدد واجب الوجود) وفات التوحيد يقينًا، فقائل التثليث لا يمكن أن يكون موحدًا لله تعالى بالتوحيد الحقيقى والقول بأن التثليث الحقيقى والتوحيد الحقيقى وإن كانا ضدين حقيقيين في غير الواجب لكنهما غير ذلك فيه سفسطة محضة لأنه إذا ثبت أن الشيئين بالنظر إلى ذاتيتهما ضدان حقيقيان أو نقيضان في نفس الأمر فلا يمكن اجتماعهما في أمر واحد شخصى في زمان واحد من جهة واحدة واجبًا كان ذلك الأمر أو غير واجب كيف وإن الواحد الحقيقى ليس له ثلث صحيح والثلاثة لها ثلث صحيح وهو واحد وأن الثلاثة مجموع آحاد ثلاثة، والواحد الحقيقي ليس مجموع آحاد رأسًا، وأن الواحد الحقيقي جزء الثلاثة فلو اجتمعا في محلّ واحد يلزم كون الجزء كلًا والكل جزءًا وأن هذا الاجتماع يستلزم كون الله مركبًا من أجزاء غير متناهية بالفعل لاتحاد حقيقة الكل والجزء على هذا التقدير، والكل مركب فكل جزء من أجزائه أيضًا مركب من الأجزاء التي تكون عين هذا الجزء وهلم جرا، وكون الشيء مركبًا من أجزاء متناهية بالفعل باطل قطعًا (1).
2 -
الاتحاد بين الجوهر اللاهوتي والناسوتي إذا كان حقيقيًا لكان أقنوم الابن محدودًا متناهيًا وكل ما كان كذلك كان قبوله للزيادة والنقصان ممكنًا وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر وكل ما كان كذلك فهو محدث فيلزم أن يكون أقنوم الابن محدثًا ويستلزم حدوثه حدوث الله، وهذا محال (2).
(1) إظهار الحق: 1/ 335، الجواب الفسيح: 1/ 191.
(2)
المرجع السابق: 1/ 336، الجواب الفسيح: 1/ 192.
3 -
فرقة البروتستانت ترد على فرقة الكاثوليك في استحالة الخبز إلى المسيح في العشاء الرباني شهادة الحس وتستهزئ بها. فهذا الرد والهزء يرجعان إليهما أيضًا؛ لأنّ الذي رأى المسيح ما رأى منه إلا شخصًا واحدًا إنسانًا وتكذيب أصدق الحواس الذي هو البصر يفتح باب السفسطة في الضروريات فيكون القول باطلًا كالقول باستحالة الخبز إلى المسيح والخمر إلى دمه (1).
وقد ذكر العلامة الهندي، ما يؤكد بطلان عقيدة التثليث بأبسط البراهين العقلية فنقل أنه تنصر ثلاثة أشخاص وعلمهم بعض القساوسة العقائد الضرورية سيما عقيدة التثليث أيضًا، وكانوا في خدمته فجاء محب من أحباء القسيس وسأله عمن تنصر؟ فقال ثلاثة أشخاص تنصروا. فسأل هذا المحب هل تعلموا شيئًا من العقائد الضرورية؟ فقال نعم وطلب واحدًا منهم ليرى محبه فسأله عن عقيدة التثليث فقال إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة أحدهم الذي هو في السماء والثاني تولد من بطن مريم العذراء والثالث الذي نزل في صورة الحمام على الإله الثاني بعد ما صار ابن ثلاثين سنة فغضب القسيس وطرده، ثم طلب الآخر منهم وسأله فقال: إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة وصُلب واحد منهم فالباقى إلهان فغضب عليه القسيس أيضًا وطرده، ثم طلب الثالث وكان ذكيًا بالنسبة إلى الأوليين وحريصًا في حفظ العقائد فسأله فقال يا مولاي حفظت ما علمتني حفظًا جيدًا وفهمت فهمًا كاملًا بفضل الرب المسيح أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد وصلب واحد منهم ومات فمات الكل لأجل الاتحاد ولا إله الآن وإلا يلزم نفي الاتحاد (2).
ثم يعلق على هذه القصة العلامة رحمة الله الهندي فيقول: لا تقصير للمسئولين فإن هذه العقيدة يخبط فيها الجهلاء هكذا ويتحير علماؤهم ويعترفون بأنهم يعتقدون ولا يفهمون ويعجزون عن تصويرها وبيانها ومن غير تصور يصدقون (3).
(1) المرجع السابق: (1/ 337) والجواب الفسيح: (1/ 194).
(2)
إظهار الحق: (1/ 338).
(3)
المرجع السابق: (1/ 338)، والجواب الفسيح:(1/ 195).
وغير ذلك من الأدلة والبراهين العقلية التي ساقها كل من العلامة الهندي والألوسى (1) والتي أثبتوا من خلالها ما يلي:
1 -
أن هذه العقيدة تتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة.
2 -
استحالة ما يدعيه النصارى من كون الثلاثة واحدًا والواحد ثلاثة.
3 -
أن هذه العقيدة تتعارض مع العقل في أبسط تصوراته.
4 -
تخبط النصارى في هذه العقيدة وتحير رؤساؤهم أيضًا في تناقضها وعدم فهمهم لها ويدعون أنها فوق العقل.
5 -
بطلان عقيدة التثليث بناء على ما سبق بيانه من الأدلة العقلية إلى ساقها علماؤنا الأجلاء.
6 -
استحالة وجود التوحيد الحقيقي والتثليث الحقيقي في نفس الوقت.
7 -
وإذا بطل التثليث من خلال ما تقدم ذكره فقد ثبت أن الله واحد لا شريك له ولكن النصارى يؤولون النصوص تأويلًا فاسدًا لتأييد دعواهم ويحملون النصوص على حقيقتها دون مراعاة للمعنى المجازي لها.
8 -
ولقد أبطل الله عز وجل ما ذهب إليه النصارى من التثليث، وبين كفر هؤلاء الذين يجعلون الآلهة ثلاثة بدلًا من أن ينزهوه عن الشريك والولد، فقال تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)
(1) لمزيد من التفصيل يراجع: إظهار الحق: 1/ 335 - 336، والجواب الفسيح: 1/ 192 - 195.
(2)
سورة المائدة، الآية:(73).
المبحث الخامس جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة الحلول (1) والاتحاد (2)
اختلف النصارى اختلافًا كبيرًا حول شخصية المسيح عليه السلام بين مؤمن معترف به كنبي ورسول وبين مغالٍ فيه فتارة يعتقدون بألوهيته وبنوته وتارة يقولون إنه إله تام وإنسان تام وتارة أخرى يقولون بحلول الله في جسد المسيح واتحاده به .. إلى غير ذلك من الشطط والانحراف.
ولقد اجتهد علماؤنا الأجلاء -فترة البحث- في إبطال هذه المزاعم المفتراة بالأدلة العقلية تارة وبالأدلة النقلية تارة أخرى.
وفي هذا المبحث أبين بعون الله وتوفيقه كيف نقد علماء المسلمين عقيدة الحلول والاتحاد .. ولذلك يمكن حصر ما قاموا به في النقاط التالية:
1 -
آراء الطوائف النصرانية في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها.
2 -
الأدلة التي يستندون عليها في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها ونقدها.
(1) الحلول لغة: النزول، وهو عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارد إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، والحلول نوعان عام وخاص، فالحلول العام معناه: حلول الله في الكون فيصبح الكون كله بكل جزيئاته محلًا له سبحانه وتعالي وهو قول غالب متعبدة الجهمية الذين يقولون: "إن الله بذاته في كل مكان ولا يخلو منه مكان"، والحلول الخاص: يُقصد به حلول ذات الله أو صفة من صفاته في جسد إنسان معين من خلقه أو روحه أو في أي كائن آخر حيًا كان أو جمادًا بحيث يصبح هذا الشخص المعين أو الكائن المعين محلا للإله ومظهرًا له .. وهذا النوع من الحلول هو الذي تقول به النصارى حيث يقولون: إن ذات الله حلت في عيسى كحلول الماء في الإناء، وكلا النوعين باطل في حق الله لما يترتب عليه من المحاولات في حقه عز وجل. (انظر: لسان العرب 2/ 972)، والتعريفات للجرجاني ص82، 83، ط/ الحلبي، 1938م، موقف ابن تيميه من النصرانية: 1/ 212 - 214، باختصار.
(2)
الاتحاد لغة: صيرورة الشيئين واحدًا: "وأحد الاثنين أي صيرهما واحدًا" انظر: تاج العروس: (2/ 288) فصل الهمزة باب الدال، والتعريضات للجرجاني ص6. والاتحاد نوعان: عام وخاص، فالاتحاد العام هو اتحاد الذات الإلهية مع جميع الكائنات فتصبح عين وجودها وهو قول الملاحدة الذين يزعمون أن ذات الله هي عين وجود الكائنات. والاتحاد الخاص: هو اتحاد الذات الإلهية ببعض الناس المخصوصين وامتزاج هذه الذات مع الإنسان في شخص واحد، كما تقول بذلك فرق النصارى حيث يقولون: باتحاد اللاهوت والناسوت معًا، وامتزاجهما في شخص المسيح عليه السلام وكلا النوعين باطل في حق الله عز وجل لما يترتب عليهما من المحاولات في حقه سبحانه وتعالي. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيميه: 2/ 171، بتصرف، موقف ابن تيميه من النصرانية:(1/ 215).