الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول نقد الشرائع والعبادات في العهد الجديد
هل يوجد في العهد الجديد تشريع مستقل؟
تبيّن فيما سبق فساد العقيدة النصرانية، وكيف اجتهد علماؤنا الأجلاء في إبطالها، وبينوا ضلال النصارى فيما يعتقدون، وقد وقفوا وقفات نقدية متنوعة أمام هذه الانحرافات العقائدية متبعين في ذلك المنهج العلمى في دراستهم لها.
وفي هذا الفصل أُبين من خلال جهودهم النقدية الأمور التالية:
- هل يوجد في المسيحية تشريع؟
- وهل جاء سيدنا عيسى عليه السلام بشريعة مستقلة وأحكام جديدة غير الأحكام التي وردت في التوراة أم لا؟
- ومن الذي أحدث وبدَّل وغير في أحكام التوراة وشرائع النصارى؟
وبالبحث وراء توضيح هذه التساؤلات ومن خلال القراءة المتأنية للإنتاج العلمى الذي أبدعته قرائح علمائنا الأجلاء وجدت ندرة ملحوظة في تناول هذا الجانب -وهو التشريع في النصرانية- إلا أن بعض الكتَّاب قد أسهم في بيان الشريعة التي يحتوي عليها العهد الجديد وأكد أن الشريعة التي جاء بها المسيح عليه السلام هى شريعة مكملة لما جاء في التوراة من تشريعات ولم يأت المسيح عليه السلام بشرع جديد ولم تكن هناك أحكام مستقلة في العهد الجديد، وأن الذي شرع للنصارى وخالف أقوال المسيح هو بولس إذ أنه قلب النصرانية رأسًا على عقب كما سبق بيانه.
ويبرز في مقدمة هذه الجهود النقدية ما قام به الإمام ابن القيم وأكد اتباع النصارى لبولس ومخالفتهم تعاليم المسيح عليه السلام حيث أثبت مخالفة النصارى للمسيح عليه السلام في الشرائع فذكر ما يدلّ على ذلك بالمعنى دون أن يذكر النص وقام د/السقا، بذكر بعض هذه النصوص في الهامش فقد قام بجهد واضح في تحقيق كتاب هداية الحيارى فيقول الإمام ابن القيم:
(وأما فروعه وشرائعه -أي دين النصارى- فهم -أي النصارى- مخالفون للمسيح في جميعها، وأكثر ذلك بشهاداتهم وإقرارهم ولكن يحيلون على البطاركة والأساقفة، فإن المسيح عليه السلام كان يتدين بالطهارة ويغتسل من الجنابة ويوجب غسل الحائض، وطوائف النصارى عندهم أن ذلك كله غير واجب)(1).
(1) هداية الحيارى: ص 263.
ويؤكد د/مصطفي شاهين أنه لا يوجد في المسيحية شريعة بالمعني التام، بل الموجود في كتب النصارى بعض الأحكام في العبادات والمعاملات مما يدخل تحت كلمة شريعة لكن هذا البعض قليل جدًا ولا يتناول فروع الشريعة كلها، إذ الشريعة هى الأحكام العملية المتصلة بالعمل لا بالاعتقاد؛ لأنّ ما يخص الجانب الاعتقادي هو المسمى بالإيمان وهو شيء في القلب أما ما يتصل بخارج القلب وهو العمل الذي بالجوارح وأحكام هذا العمل هو ما يسمى شريعة (1).
وقد قدم د/المطعني رؤية توضيحية لهذا الجانب - التشريع في المسيحية - فيقول: المسيح عليه السلام لم يأت برسالة منفصلة كل الانفصال عن رسالة موسى عليه السلام وإنما جاء برسالة هي امتداد لشريعة موسى عليه السلام بدليل قول الإنجيل: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقص بل لأكمل"(2). ثم يقول للحواريين الاثنى عشر موضحًا لهم المهمة التي أرسل من أجلها: "
…
إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا؛ بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة (3) " (4).
ويؤكد ذلك أيضًا د/محمَّد طلعت أبو صير فيقول:
(إن شريعة اليهود المقررة في العهد القديم هي نفسها المقررة في العهد الجديد فيما عدا ما ورد عن المسيح عليه السلام ونص بنسخه (5) أو تعديله، فقد أورد العهد الجديد نصوصًا قليلة ناسخة ومعدلة لبعض أحكام العهد القديم ومعظمها جاء في موعظة الجبل التي ألقاها وهو جالس على قمة الجبل وسمعها الحواريون والتلاميذ وجمهور كبير من الناس (6) ومنها:
- تقول التوراة: لا تزن أما أنا "المسيح" فأقول: لكل من نظر إلى امرأة وهو يشتهيها فإنه يزني بها في قلبه (7).
(1) النصرانية تاريخًا وعقيدة ومذاهب دراسة وتحليل ومناقشة: ص 227 طبعة دار الاعتصام بدون.
(2)
متى: (5/ 17) إكمال الناموس.
(3)
متى: (10/ 5 - 6) إرسال الاثنى عشر.
(4)
انظر: الإِسلام د/ المطعني، ص 310، 311، والإِسلام والأديان: د/ مصطفي حلمي، ص 189، تاريخ الإنجيل والكنيسة:
أحمد إدريس ص61.
(5)
إن عيسي عليه السلام لم يأت ناسخًا للتوراة بل مصدقًا لها عاملًا بها ولكنه نسخ بعض أحكامها قال تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} فقد كان حرّم على بني إسرائيل بعض الطيبات بظلمهم وكثرة سؤالهم فأحلها عيسى عليه السلام تفسير المنار (3/ 312).
(6)
أضواء على مقارنة لأديان: د/محمَّد طلعت أبو صير ص 87 - 88، وانظر: النصرانية: د/مصطفى شاهين، ص 232 - 233.
(7)
من: (5/ 27 - 28) الزنا.