الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مُقَدِّمَة الْكتاب]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْكَمَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَأَعْلَى أَعْلَامَ الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ بِمُعْظَمِ خِطَابِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَطَهِّرِينَ عَنْ النَّقَائِصِ بِتَتْمِيمِ مَسْحِ وُجُوهِهِمْ بِصَعِيدِ بَابِهِ.
(وَبَعْدُ) فَإِنَّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْمُسَلَّمَاتِ الْمُحَرَّرَةِ لَدَى ذَوِي الِاسْتِبْصَارِ أَنَّ شَرَفَ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارَيْنِ وَنَيْلَهُ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الْكَوْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِتَحْلِيَةِ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ تَزْكِيَةِ الْبَاطِنِ بِالْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، فَالْعِلْمُ الْمُتَكَفِّلُ بِتَعْرِيفِ الْأُولَى وَبَيَانِهَا وَالْمُتَخَصِّصُ مِنْ بَيْنِ الْعُلُومِ بِالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا يَكُونُ مِنْ أَوْلَى الْعُلُومِ بِالِاشْتِغَالِ، وَأَحْرَاهَا لِلْعَزْمِ عَلَيْهِ وَعَقْدِ الْبَالِ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ الَّذِي اعْتَنَى بِشَأْنِهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ النَّقِيَّةِ وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي تَشْيِيدِ أَرْكَانِهِ عُظَمَاءُ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ.
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ نَبِيَّنَا عليه السلام خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمُوَضِّحَ لِأَقْوَمِ الْمَنَاهِجِ وَالسُّبُلِ وَكَانَتْ حَوَادِثُ الْأَيَّامِ خَارِجَةً عَنْ التَّعْدَادِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا لَازِمَةً إلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَلَمْ تَفِ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ بِبَيَانِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لَهَا وَافٍ بِشَأْنِهَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْآلِهِيَّةُ جَعْلَ مَثَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ عُلَمَائِهِمْ كَمَثَلِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ فَجَعَلَ فِي قُدَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَئِمَّةً كَالْأَعْلَامِ، مَهَّدَ بِهِمْ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ، وَشَيَّدَ بُنْيَانَ الْإِسْلَامِ، وَأَوْضَحَ بِآرَائِهِمْ مُعْضِلَاتِ الْأَحْكَامِ لِيَنَالَ الْفَلَاحَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ، اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ، تُضِيءُ الْقُلُوبُ بِأَنْوَارِ أَفْكَارِهِمْ، وَتَسْعَدُ النُّفُوسُ بِاتِّبَاعِ آثَارِهِمْ، وَخَصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ نَفَرًا بِإِعْلَاءِ أَقْدَارِهِمْ وَمَنَاصِبِهِمْ، وَإِبْقَاءِ أَذْكَارِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ.
إذْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ مَدَارُ الْأَحْكَامِ، وَبِمَذَاهِبِهِمْ يُفْتِي فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ، وَخَصَّ مِنْهُمْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ، وَالْهُمَامَ الْأَقْدَمَ، سِرَاجَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الثَّابِتِ، الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ نُعْمَانَ الثَّابِتَ، بَوَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ، وَأَفَاضَ عَلَى مَرْقَدِهِ سِجَالَ الْغُفْرَانِ بِكَثْرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِمَذْهَبِهِ وَغَزَارَةِ مُسْتَنْبَطَاتِهِ وَعُذُوبَةِ مَشْرَبِهِ.
فَإِنَّ مَا أَفَادَهُ مِنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِبَدِيعِ قُدْرَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْمِنَحِ لِمَنْ شَاءَ كَمَا تَعَلَّقَ بِهِ سَوَابِقُ إرَادَتِهِ، وَمَنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَخَصَّهُ بِجَزِيلِ نِعْمَتِهِ وَوَفَّقَهُ لِنَهْجِ الرَّشَادِ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أُعِدُّهَا لِلْوُقُوفِ بِحَضْرَتِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا وَسَنَدَنَا وَمَلْجَأَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ بِوَاضِحِ شَرِيعَتِهِ شَهَادَةً تُنْجِي قَائِلَهَا مِنْ الْهَفَوَاتِ وَتُقِيلُهُ عِنْدَ عَثْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهِ النَّاقِلِينَ إلَيْنَا أَحْكَامَ دِينِهِ وَمِلَّتِهِ مَا تَجَلَّتْ وُجُوهُ الْأَحْكَامِ بِغُرَرِ التَّحْقِيقِ وَتَحَلَّتْ صُدُورُ الْأَحْكَامِ بِدُورِ التَّوْفِيقِ
الْأَحْكَامِ بَحْرٌ مُتَلَاطِمُ الْأَمْوَاجِ، بَلْ لِإِمَاطَةِ ظُلْمَةِ الضَّلَالِ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ، وَلَقَدْ كُنْت مِنْ إبَّانِ الْأَمْرِ وَعُنْفُوَانِ الْعُمْرِ مُغْتَرِفًا مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ وَأُصُولِهِ، مُتَفَحِّصًا عَنْ مَسَائِلِ أَبْوَابِهِ وَفُصُولِهِ، بِالِاسْتِفَادَةِ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ، وَالْإِفَادَةِ لِلطَّالِبِينَ الْمُكِبِّينَ عَلَيْهِ، وَابْتُلِيتُ فِي أَثْنَائِهِ بِبَلَاءِ الْقَضَاءِ بِلَا رَغْبَةٍ فِيهِ وَلَا رِضَاءٍ، وَأَعُدُّ مَا يَمْضِي فِيهِ مِنْ عُمْرِي عَبَثًا وَمُخَالَطَةِ الْعَوَامّ وَمُخَاطَبَةِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ خُبْثًا، حَتَّى كَانَ يَخْطِرُ فِي خَلَدِي دَائِمًا أَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِحَالِي.
وَكُنْت أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَدِّلَ بِالْخَيْرِ مَآلِي، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِابْتِلَاءُ خَالِيًا عَنْ حِكْمَةٍ وَلَا عَارِيًّا عَنْ فَائِدَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، حَيْثُ كَانَ سَبَبًا لِتَتَبُّعِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ وَالنَّوَازِلِ، وَالْعُثُورِ عَلَى تَقْيِيدِ إطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ فِي تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ، فَصَارَ بَاعِثًا لِي عَلَى كَتْبِ مَتْنٍ حَاوٍ لِلْفَوَائِدِ، خَاوٍ عَنْ الزَّوَائِدِ، مَوْصُوفٍ بِصِفَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي خُطْبَتِهِ، دَاعِيَةٍ لِكُمَّلِ الرِّجَالِ إلَى خِطْبَتِهِ، مَرْعِيٍّ فِيهِ تَرْتِيبُ كَتْبِ الْفَنِّ عَلَى النَّمَطِ الْأَحْرَى وَالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ، فَاخْتَلَسْت فُرَصًا مِنْ بَيْنِ الِاشْتِغَالِ، وَانْتَهَزْت نُهَزًا مَعَ تَوَزُّعِ الْبَالِ، وَحِينَ قَرُبَ إتْمَامُهُ وَآنَ أَنْ يُفَضَّ بِالِاخْتِتَامِ خِتَامُهُ خَلَّصَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَلَاءِ الْقَضَاءِ، إذْ بَعْدَ حُصُولِ الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ يُخَلِّصُ مِنْ الْبَلَاءِ، فَوَجَبَ عَلَيَّ شُكْرُ نِعْمَتَيْ إتْمَامِهِ وَإِحْسَانِ التَّلْخِيصِ عَنْ الْبَلَاءِ وَإِنْعَامِهِ، فَشَرَعْتُ فِي شَرْحِهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَتَيْنِ الْمَوْصُولَتَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا إلَى الدَّوْلَتَيْنِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ وَيُسَهِّلَ لِي بِالسَّلَامَةِ طَرِيقَ اخْتِتَامِهِ وَعَازِمًا أَنْ أُسَمِّيَهُ بَعْدَ الْإِتْمَامِ (دُرَرَ الْحُكَّامِ فِي شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ) إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالظَّرْفُ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَبْتَدِئُ الْكِتَابَ كَمَا فِي دَخَلْت عَلَيْهِ بِثِيَابِ السَّفَرِ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالظَّرْفُ لَغْوٌ كَمَا فِي: كَتَبْت بِالْقَلَمِ، مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أُدْخِلَ فِي التَّعْظِيمِ وَمَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَصْدُرْ بِاسْمِهِ تَعَالَى، وَإِضَافَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ فِي الْجُمْلَةِ تَشْمَلُ أَسْمَاءَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَضْعًا لِذَاتِهِ تَعَالَى الْمُتَّصِفِ بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ اخْتَصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ لِلْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُ مَعَانٍ وَصِفَاتٌ وَفِي التَّبَرُّكِ بِالِاسْمِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ كَمَالُ التَّعْظِيمِ لِلْمُسَمَّى فَلَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهِمَا بَلْ رُبَّمَا يُسْتَدَلُّ بِالْإِضَافَةِ عَلَى تَغَايُرِهِمَا.
وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ كَالْغَضْبَانِ مِنْ غَضِبَ، وَالْعَلِيمِ مِنْ عَلِمَ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى، وَمُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لَا لِأَنَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا، وَتَعْقِيبُهُ بِالرَّحِيمِ مِنْ قَبِيلِ التَّتْمِيمِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) جَمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ فِي الِابْتِدَاءِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي التَّصْنِيفِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْبَحْثِ فَتُقَارِنُهُ التَّسْمِيَةُ وَالتَّحْمِيدُ وَنَحْوُهُمَا، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ فِي أَوَائِلِ التَّصَانِيفِ أَبْتَدِئُ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا أَوْ لَغْوًا لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِلْحَدِيثِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَفِي تَقْدِيرِ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى لُطْفِ مَوْلَاهُ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ حَسَنُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ عَلِيِّ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْإِخْلَاصِ الْوَفَائِيُّ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْحَنَفِيُّ أَدَامَ اللَّهُ سَوَابِغَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَمُحِبِّيهِ وَالْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ وَمَنَحَهُمْ فَوْقَ مَا يَأْمُلُونَهُ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ بَسْطِ يَدَيْهِ وَأَرْبَحَهُمْ مِنْ كَرَمِهِ وَعَامَلَهُمْ بِالرِّضَى الْأَبَدِيِّ لَدَيْهِ آمِينَ: إنِّي لَمَّا قَرَأْت كِتَابَ دُرَرِ الْحُكَّامِ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ عَلَى أَتْقَى أُسْتَاذٍ عَلِمْته مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَأَعْظَمِهِمْ مُرَاقَبَةً فِي الْقِيَامِ بِأَوَامِرِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أُسْتَاذٍ كُنْتُ سَابِقًا قَرَأْت الْكِتَابَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَنِي لِمُلَازَمَةِ الْأُسْتَاذِ الْمَذْكُورِ وَأَمَرَ بِالْمُثَابَرَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَأَمَدَّ بِمَادَّةٍ غَزِيرَةٍ لَدَيْهِ وَلَاحَ مِنْ بَرَكَةِ إخْلَاصِ طَوِيَّتِهِمَا الطَّاهِرَةِ الشَّاهِدِ بِهَا حُسْنُ سِيرَتِهِمَا الظَّاهِرَةِ لَوَامِعُ أَنْوَارِ هِدَايَةٍ أَشْرَقَتْ عَلَيَّ وَسَوَاطِعُ أَسْرَارِ دِرَايَةٍ مِنْ أَنْفَاسِهِمَا الزَّكِيَّةِ عَبِقَتْ لَدَيَّ جَزَاهُمَا
مَعْنًى فَقَطْ، وَقَدَّمَ التَّسْمِيَةَ اقْتِفَاءً بِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْأَلْبَابِ.
وَالْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ إنْعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَدْحُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا، وَالشُّكْرُ مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَوْرِدِ وَأَخَصُّ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ غَالِبًا.
وَاللَّامُ فِي الْحَمْدُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَتُحْمَلُ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيُفِيدُ إثْبَاتَ حَصْرِ الْأَفْرَادِ وَلَا تُفِيدُهُ لَامُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا الْحَصْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ، وَالتَّخْصِيصُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ لَامِ الْحَمْدُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ.
(الَّذِي فَقَّهَ) أَيْ جُعِلَ فَقِيهًا مِنْ فَقُهَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً أَيْ صَارَ فَقِيهًا وَيُقَالُ فَقِهَ بِالْكَسْرِ فِقْهًا وَفَقَهَةً أَيْ فَهِمَ (الْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ) الْمُجَلِّي مِنْ أَفْرَاسِ السِّبَاقِ هُوَ السَّابِقُ، وَالْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي يَتْلُوهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةِ، وَالْمُزَاوَلَةِ (فِي حَلْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ خَيْلٌ تُجَمَّعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اُسْتُعِيرَتْ لِلْمِضْمَارِ (حِلْيَةِ الْعَالِمِينَ الْمُتَّقِينَ) وَهِيَ تَهْذِيبُ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْبَاطِنِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَارَسَ وَسَعَى فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا فَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرْتَبَةَ الْفَقَاهَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْعَمَلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ أُصُولِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
(وَطَهُرَ مَنْ تَيَمَّمَهُ) أَيْ قَصَدَهُ (بِمَسْحِ) أَيْ إصَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَهُ (أَنْفِ الِابْتِهَالِ) أَيْ التَّضَرُّعِ وَإِضَافَةُ الْأَنْفِ إلَيْهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَصِلُ إلَى الْأَرْضِ حَالَ السَّجْدَةِ لِلتَّضَرُّعِ هُوَ الْأَنْفُ (وَالْجَبِينِ) عَطْفٌ عَلَى الْأَنْفِ (عَلَى أَرْضِ الذِّلَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ (عَنْ أَنْجَاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَ (أَنْحَاسِ) النَّحْسُ ضِدُّ السَّعْدِ كَالنُّحُوسَةِ ضِدُّ السَّعَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ، وَالصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ، وَالْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ وَبِأَنْجَاسِهَا الْمُهْلِكَاتُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تَزُلْ لَأَفْضَتْ إلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ (الْمَارِدِينَ) أَيْ الْعَاتِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56](عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُزَكَّى) أَيْ الطَّهِرِ (الصَّائِمِ) أَيْ مُمْسِكٍ (قَلْبُهُ عَنْ) مُتَعَلِّقٌ بِصَائِمٍ (أَنْ يَحُجَّ) أَيْ يَقْصِدَ (مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ) بَيَانٌ لِمَا (وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُجَاهِدِينَ فِي رَفْعِ رَايَاتِ آيَاتِ دَقَائِقِ حَقَائِقِ الْحَقِّ الْمُبِينِ) الْحَقُّ الْمُبِينُ هُوَ الشَّرِيعَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ وَحَقَائِقُهَا الْأَحْكَامُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَالِاعْتِقَادِيَّات وَالْوِجْدَانِيَّات، وَدَقَائِقُ حَقَائِقِهَا الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لَهَا، وَآيَاتُ تِلْكَ الدَّقَائِقِ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مِنْ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَرَفْعُ رَايَاتِهَا إظْهَارُ تِلْكَ الطُّرُقِ لِلْمُسْتَدِلِّينَ إفْشَاؤُهَا بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ حَتَّى قَدَرُوا عَلَى اسْتِخْرَاجِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ فَقُهَ، وَالْمُصَلِّينَ وَتَيَمَّمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ رِعَايَةِ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ.
(أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ السَّنِيَّةِ) أَيْ الْعَلِيَّةِ (وَأَتَمِّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ جَزَائِهِ وَمَتَّعَهُمَا فِي الدَّارَيْنِ بِمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَتَكَرَّرَتْ قِرَاءَتِي لِذَا الْكِتَابِ مُرَاجِعًا كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُدَاوِمًا لِمُمَارَسَتِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا صِيغَ فِيهِ وَشُهْرَتُهُ فَوْقَ الْإِطْنَابِ فِي مِدْحَتِهِ رَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَتَغَمَّدَهُ بِمَغْفِرَتِهِ.
وَصَدَرَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ أُسْتَاذِي بِتَسْطِيرِ مَا ظَفِرْت بِهِ مِنْ تَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ، وَالتَّتْمِيمِ لِفَوَائِدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ حَالَ الِاشْتِغَالِ لِأَتَنَبَّهَ لَهُ فِي الْمَآلِ لَا لِأُبَاهِيَ بِهِ الْأَمْثَالَ أَرَدْت جَمْعَ مَا سَطَّرْته عَلَيْهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ مُرَاجِعًا لِلنَّظَرِ مُرَاعِيًا لِلْقُيُودِ وَالتَّتِمَّاتِ، مُعْتَمِدًا فِي الْآخِرِ كَالْأَوَّلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلُ مُنَبِّهًا فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْته، مُنَوِّهًا بِمَا فُتِحَ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا ابْتَكَرْته وَحَرَّرْته عَازِيًا كُلَّ حُكْمٍ لِمَنْ عَنْهُ نَقَلْته فَشَرَعْت مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَلَلِ فِي كُلِّ مَا كَتَبْته وَقُلْته وَمُعْتَمَدِي فِي الِاخْتِيَارِ، وَالتَّصْحِيحِ عَلَى مُحَقِّقِي الرِّوَايَاتِ، وَالدِّرَايَاتِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَمَا نَقَلْته بِصِيغَةِ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ
الْمَآرِبِ) جَمْعُ مَأْرَبَةٍ بِمَعْنَى الْحَاجَةِ (السَّمِيَّةِ) أَيْ الرَّفِيعَةِ (الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ تِلْقَاءَهَا) أَيْ جِهَتَهَا (عَنَانُ الْعِنَايَةِ وَيُصْرَفُ إلَيْهَا أَعْمَارُ أَهْلِ الْهِدَايَةِ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ عِلْمَ الْفِقْهِ) اسْمُ إنَّ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ (الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِنِظَامِ الْمَعَاشِ وَنَجَاةِ الْمَعَادِ وَفَلَاحِ الْعِبَادِ بِنَيْلِ الْمُرَادِ يَوْمَ التَّنَادِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفَاعَلَ مِنْ النِّدَاءِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَوْمٌ يُنَادِي أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ وَبِالْعَكْسِ (وَلَقَدْ كُنْت صَرَفْت) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصْنِيفِ (شَطْرًا) أَيْ بَعْضًا (مِنْ عُنْفُوَانِ الشَّبَابِ إلَى تَدَبُّرِ) أَيْ تَفَكُّرٍ (لِطَائِفِهِ وَتَدَرُّبِ) أَيْ اعْتِيَادِ (تَصَفُّحِ) تَقُولُ تَصَفَّحْت الشَّيْءَ إذَا نَظَرْت فِي صَفَحَاتِهِ (مَا فِيهِ مِنْ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ حَتَّى اتَّجَهَ لِي أَنْ أَكْتُبَ فِيهِ مَتْنًا كَمَا فِي الْأُصُولِ) وَهُوَ مِرْقَاةُ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ (بَيْدَ) أَيْ إلَّا (أَنَّ عَوَائِقَ الدَّهْرِ عَاقَتْهُ) أَيْ كَتْبَ الْمَتْنِ (عَنْ الْحُصُولِ حَتَّى سَاقَنِي زَمَانِي حِينَ رَمَانِي بِمَا رَمَانِي) إشَارَةٌ إلَى مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ مَرَضِ الطَّاعُونِ عَامَ الْوَبَاءِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ (إلَى أَنْ عَزَمْت) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَاقَنِي (عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى شَأْنُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ إنْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الْآفَةِ بِحَيْثُ أَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ فِي مَهَامِهِ الْمَعَارِفِ، وَالْعُلُومِ وَمَفَاوِزِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْفُهُومِ) الْمَهَامِهُ جَمْعُ مَهْمَهَ بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ، وَالْمَفَاوِزُ جَمْعُ مَفَازَةٍ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْفَوْزِ سُمِّيَ بِهِ الصَّحْرَاءُ تَفَاؤُلًا (أَصْرِفْ) جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ إنْ خَلَّصَنِي (خُلَاصَةً مِنْ بَقِيَّةِ عُمُرِي الْمَوْهِبَةِ إلَى إبْرَازِ مَا فِي خَلَدِي) أَيْ قَلْبِي (بِطَرِيقَةٍ مَنْدُوبَةٍ) بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (بِأَنْ أُصَنِّفَ فِيهِ) أَيْ فِي الْفِقْهِ (مَتْنًا مَتِينًا) أَيْ قَوِيًّا (رَائِقًا) أَيْ مُعْجِبًا (نِظَامُهُ) أَيْ تَرْتِيبُهُ (وَأَرْصُفَ) أَيْ أُرَتِّبَ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ عَقْدُ الْحِجَارَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِلْإِحْكَامِ (بُنْيَانًا) وَهُوَ مَا رُكِّبَ وَسُوِّيَ كَالْحَائِطِ.
(رَصِينًا) أَيْ مُحْكَمًا (أَنِيقًا) هُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى مُعْجِبًا (انْتِظَامُهُ خَالِيًا) أَيْ سَالِمًا (عَنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ حَالِيًا) أَيْ مُزَيَّنًا (بِالْقُيُودِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الشُّرُوحِ، وَالْفَتَاوَى لِإِطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ.
(وَالْإِشَارَاتِ) إلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ، وَالْمُسَاهَلَاتِ (الشَّرِيفَةِ اللَّطِيفَةِ) مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ، وَالنَّشْرِ (مُحْتَوِيًا عَلَى مَسَائِلَ مُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْمُتُونُ الْمَشْهُورَةُ مُنْطَوِيًا عَلَى أَحْكَامِ) أَيْ قَضَايَا (مُلِمَّاتٍ) أَيْ وَقَائِعَ (لَمْ تَكُنْ) تِلْكَ الْأَحْكَامُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْمُتُونِ الْمَشْهُورَةِ (مَسْطُورَةً مُعْجِبًا نَظْمُهُ الْفَصِيحَ الْأَدِيبَ) أَيْ الْمَاهِرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ.
(وَمُونِقًا فَحْوَاهُ الْفَقِيهَ الْأَرِيبَ) أَيْ الْعَاقِلُ وَلَا يَخْفَى لُطْفُ تَوْصِيفِ الْفَصِيحِ بِالْأَدِيبِ، وَالْفَقِيهِ بِالْأَرِيبِ (فَلَمَّا أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيَّ بِإِمَاطَةِ) أَيْ إزَالَةِ (مَا بِي مِنْ السَّقَامَةِ وَأَلْبَسَنِي مِنْ خَزَائِنِ رَأْفَتِهِ حُلَّةَ السَّلَامَةِ شَرَعْتُ فِي مَا أَرَدْتُ وَبَدَأْتُ بِمَا قَصَدْتُ وَرَاعَيْتُ مَا ذَكَرْتُ) مِنْ اتِّصَافِ الْمَتْنِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ (بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ) بِالْمَلِكِ الْمَنَّانِ وَعَزَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ (بِغُرَرِ الْأَحْكَامِ) بَعْدَ أَنْ يُيَسِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِي الِاخْتِتَامَ مُبْتَهِلًا إلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
(وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ، وَصَرَفَ عَنِّي الْعَوَائِقَ عَنْ إتْمَامِهِ مَعَ ابْتِلَائِي بِكَثْرَةِ الْمُشَادَّةِ وَالْمَشَاغِلِ، وَتَفَاقُمِ الْمَوَانِعِ عَلَيَّ وَالشَّوَاغِلِ، وَالْمَسْئُولِ مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَهُوَ أَصَحُّ تَصْحِيحٍ.
وَهَذَا حَسَبُ طَاقَتِي وَهِيَ الْقَاصِرَةُ وَهِمَّتِي وَهِيَ الْفَاتِرَةُ مَعَ كَثْرَةِ الْغُمُومِ وَقِلَّةِ الْمَوَادِّ وَوَفْرَةِ الْهُمُومِ، وَنُدْرَةِ الْمَوَادِّ وَابْتِغَائِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَحُصُولَ رِضْوَانِهِ، وَالْفَوْزَ بِمُشَاهَدَةِ ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ فِي أَعَالِي جَنَّاتِهِ وَأَرْجُو مِنْ جَزِيلِ كَرَمِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عُمْدَةً وَذَخِيرَةً لِي وَلِإِخْوَانِي فِي اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَائِلًا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَمَّا كَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا فِي بَابِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ طَاوِيًا شُقَّةَ الْمَشَقَّةِ فِي طَلَبِ الْمَسَائِلِ الْمُحَرَّرَةِ مُوَفِّرًا الْعَائِدَةَ عِنْدَ أُولِي النُّهَى، وَالتَّبْصِرَةِ مُوفِي الْفَائِدَةَ لَدَى ذِي التُّقَى، وَالْبَصَائِرِ النَّيِّرَةِ
(سَمِيَّةُ غُنْيَةَ ذَوِي الْأَحْكَامِ فِي بُغْيَةِ دُرَرِ الْأَحْكَامِ) وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ذِي الْجَلَالِ، وَالْإِكْرَامِ وَأَنْ يُوَفِّقَ لِلْإِتْمَامِ وَيُيَسِّرَ لِلِاخْتِتَامِ رَبَّنَا عَلَيْك تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْك أَنَبْنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ أَنْتَ مَوْلَانَا فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ الْمَصِيرُ.