الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (يَفْسُدُ حَجُّهُ وَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يَفْتَرِقَا) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي قَضَاءِ مَا أَفْسَدَاهُ (وَ) وَطْؤُهُ (بَعْدَ وُقُوفِهِ) أَيْ وُقُوفِ الْفَرْضِ (لَمْ يَفْسُدْ وَتَجِبُ بَدَنَةٌ وَ) إنْ وَطِئَ (بَعْدَ الْحَلْقِ) لَمْ يَفْسُدْ أَيْضًا (وَ) تَجِبُ (شَاةٌ، وَ) وَطْؤُهُ (فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِ أَرْبَعَةٍ يُفْسِدُهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ (فَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي، وَإِذَا وَطِئَ) فِي عُمْرَتِهِ (بَعْدَ أَرْبَعَةٍ) أَيْ بَعْدَ طَوَافِهِ أَرْبَعَةً (ذَبَحَ وَلَمْ يُفْسِدْ) الْوَطْءُ عُمْرَتَهُ
(إنْ
قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِارْتِكَابِهِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا) أَقُولُ يَعْنِي فِي قُبُلِ أَوْ دُبُرِ آدَمِيٍّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَمْ يُنْزِلْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا وَيَفْسُدُ حَجُّ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ، وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ لَهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَزِمَهَا دَمٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ لَا فِيمَا عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. وَيَفْسُدُ حَجُّ الصَّبِيِّ بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ اهـ، وَضَعَّفَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ، وَقَالَ يَدُلُّ عَلَى ضَعِيفِ مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْسَدَ الصَّبِيُّ حَجَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ اهـ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِأَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْإِنْزَالُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ يُوجِبُ شَاةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ، وَقَدْ وَعَدْنَا بِتَتِمَّةِ الْكَلَامِ عَلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ لَزِمَتْهُ شَاةٌ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفَضَ الْحَجَّةَ الْفَاسِدَةَ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ اهـ، وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ قَالَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الشَّاةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.
وَعَلَّلَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَ لُزُومِ الدَّمِ فِيمَا إذَا نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ أَسْنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا وَعَلَى هَذَا سَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ اهـ.
وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ.
قُلْت وَيُنْظَرُ فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا اهـ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفْرٍ وَبِالْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) أَيْ قَبْلَ وُقُوفٍ هُوَ فَرْضٌ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لَا عَلَى مَعْنَى فِي فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَاسِدِ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِحَجٍّ مُطْلَقًا
[قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ]
(قَوْلُهُ: إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ وَبَحْرِيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] ، الْآيَةَ. وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ الْبَحْرِيِّ سَوَاءً كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يُؤْكَلُ خَاصَّةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِ الْبَرِّ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ حَفِيرَةً فَعَطِبَ صَيْدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ الْحَيَوَانِ يُبَاحُ قَتْلُهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ فَتَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا أَوْ طَرَدَ الصَّيْدَ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ فِي التَّسْبِيبِ وَلَا يُشْبِهُ هَذِهِ الرَّمْيَةَ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّتْ جِنَايَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا مَا لَوْ انْقَلَبَ مُحْرِمٌ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ التَّعَدِّي فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِضْ بِالنَّظَرِ لِلتَّحَلُّلِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ كَمَا قَدَّمَهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ) الضَّمِيرُ فِي دَلَّ لِلْمُحْرِمِ فَخَرَجَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ، وَلَوْ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطٍ لِلُزُومِ الْجَزَاءِ بِالدَّلَالَةِ أَحَدُهَا وَتُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الدَّلَالَةِ عَدَمُ عِلْمِ الْمَدْلُولِ بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَتَصْدِيقُهُ فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَذِبَهُ وَاتِّصَالُ الْقَتْلِ بِالدَّلَالَةِ وَبَقَاءُ الدَّالِّ مُحْرِمًا عِنْدَ أَخْذِ الْمَدْلُولِ وَأَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَلِبَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَعَلَى هَذَا إذَا أَعَارَهُ سِكِّينًا لِيَقْتُلَهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعَ
مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ لَا أَوْ كَانَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَلَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ أَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (مُسْتَأْنَسًا أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا) وَهُوَ الَّذِي فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَالسَّرَاوِيلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ فَصَارَ كَالْبَطِّ قُلْنَا هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ (أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) بِالْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ جَزَاؤُهُ (مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ) فِي (أَقْرَبِ مَكَان مِنْهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْآخِذِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ قَوْسًا أَوْ نَشَّابًا يَرْمِيهِ بِهِ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّيَرِ بِأَنَّهُ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ الْجَزَاءُ، وَكَذَا إذَا دَلَّ عَلَى قَوْسٍ وَنَشَّابٍ مَنْ رَآهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ لِبُعْدِهِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ أَعَارَهُ سِكِّينًا لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَى قَتْلِهِ بِدُونِ سِكِّينٍ بِأَنْ يَخْنُقَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّابِقَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا وَالسَّبُعُ اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً اهـ.
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ كَالضَّبُعِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ اهـ لَفْظُ الْجَوْهَرَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي الْفَتَاوَى صَاحِبُ الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَمَالُ فَقَالَ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَصُلْ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، بَلْ ذَكَرَهُ حُكْمًا مَسْكُوتًا فِيهِ قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ) أَيْ سَبُعًا كَانَ أَوْ صَيْدًا غَيْرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّوْلُ الْحَمْلُ أَيْ الْوَثْبُ لِإِيصَالِ الْأَذَى وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِالصَّائِلِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَمَامِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ وَلْيُفْهَمْ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى اهـ.
وَالْحَمَامَةُ الْمُصَوِّيَةُ فِي كَوْنِهَا صَيْدًا رِوَايَتَانِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْبَطِّ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي فَصَارَ كَالدَّجَاجِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ لِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ بِخِلَافِ الْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْبُيُوتِ فَإِنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ اهـ.
وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ إوَزُّ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هُوَ، وَإِذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا، وَقَدْ اُضْطُرَّ فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ يَذْبَحُ الصَّيْدَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَتَنَاوَلُ الصَّيْدَ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتَةِ أَغْلَظُ لِارْتِفَاعِ حُرْمَةِ الصَّيْدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ بِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ أَخَفَّ الْحُرْمَتَيْنِ دُونَ أَغْلَظِهِمَا وَالصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَرْتَفِعُ الْحَظْرُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي نَظْمٍ لَهُ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ اهـ، وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا أَوْ مَال الْغَيْرِ فَالصَّيْدُ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَعَنْ ابْن سِمَاعَةَ الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَخَيَّرَهُ الْكَرْخِيُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ جَزَاؤُهُ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) قَيْدُ الْمُثَنَّى لَيْسَ لَازِمًا لِمَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قَالُوا الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى هُنَا بِالنَّصِّ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ بِالْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لِظَاهِرِ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ عَقِبَهُ وَقَلَّدَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ صَحَّحَ لُزُومَ الْمُثَنَّى وَأَنْتَ تَرَى أَنْ لَا تَصْحِيحَ فِيهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمَا اقْتِفَاءُ أَثَرِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمُقَوَّمِ وَاَلَّذِي لَمْ يُوجِبُوهُ أَيْ الْمُثَنَّى حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زِيَادَةُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ وَقَصْدُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ لَا يُنَافِيهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ دَاعِيَتَهُ وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلْقَةِ لَا بِمَا زَادَهُ التَّعْلِيمُ فَلَوْ كَانَ بَازِيًا صَيُودًا أَوْ حَمَامًا يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ قُوِّمَ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّيُودِيَّةِ وَالْمَجِيءِ مِنْ بَعِيدٍ فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يَزِيدُهُ التَّعْلِيمُ وَقِيمَتُهُ لِلْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ حَتَّى إذَا قَتَلَ بَازِيَ نَفْسِهِ الْمُعَلَّمَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِأَمْرِ خِلْقِيٍّ كَمَا إذَا كَانَ طَيْرًا يُصَوِّتُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِي شَيْءٍ وَفِي أُخْرَى يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ إذَا كَانَ مُطَوَّقًا (قَوْلُهُ: فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مَكَان مِنْهُ) أَقُولُ كَلِمَةُ أَوْ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقُومُ فِي مَكَانِ قَتْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ لَهُ قِيمَةٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ زَمَانِ الْقَتْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ
وَ) الْجَزَاءُ (فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ) وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا (ثُمَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيًا وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ يَصُومَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) طَعَامُ الْمِسْكِينِ نِصْفُ صَاعٍ وَمَا فَضَلَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِمَا فَضَلَ (أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ وَقَطْعِ عُضْوِهِ) أَيْ وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةِ الصَّيْدِ كَامِلَةً (بِنَتْفِ رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَضْمَنُ جَزَاءَهُ (وَكَسْرِ بَيْضِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَالْجَزَاءُ فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ) هَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ مُطْلَقًا وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ قِيمَةَ شَاةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَهُ أَيْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ. . . إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي أَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِلْقَاتِلِ لَا لِمَنْ قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الصَّيْدُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ الْخِيَارُ إلَى الْحُكْمَيْنِ وَفِي مَالِهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْحُكْمَيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ، فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَهَكَذَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُهُ بِمَكَّةَ) أَيْ بِالْحَرَمِ، وَإِذَا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ جَازَ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ لِوُجُودِ الْقُرْبَةِ بِالْإِرَاقَةِ فِي مَكَانِهَا، وَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ فَبِهَا وَإِلَّا فَيُكْمِلُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَجُوزُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ الْجَزَاءِ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ) وَالْإِبَاحَةُ تَكْفِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْإِطْعَامِ كَالتَّمْلِيكِ صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَكْفِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَيَجُوزُ دَفْعُ قِيمَةِ نِصْفِ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ قِيَاسًا عَلَى الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: لَا أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ لَا يَجْزِيهِ لَوْ دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا، وَكَذَا مَا أَعْطَاهُ زَائِدًا عَنْ نِصْفِ صَاعٍ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ وَيَقَعُ الزَّائِدُ تَطَوُّعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِ مِثْلِهِ، وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا خُصُوصًا وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلطَّعَامِ وَهُوَ فَاعِلُ فَضَلَ أَيْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ: نِصْفِ صَاعٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ: أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْجَزَاءُ لَا يَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ تَخَيَّرَ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ هُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ فِي الْجَزَاءِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا بَرِئَ وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جَرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الظَّاهِرُ إطْلَاقُ لُزُومِ أَرْشِ النَّقْصِ. اهـ.
قُلْت يَعْنِي الظَّاهِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِذَا قَالَ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ صَاحِبُ النَّهْرِ إنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ اهـ، وَلَوْ غَابَ لَمْ يَدْرِ مَاتَ أَوْ لَا لَزِمَ كُلُّ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ عُضْوِهِ) أَيْ يَجِبُ مَا نَقَصَ بِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْإِصْلَاحَ فَإِنْ قَصَدَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا خَلَّصَ حَمَامَةً مِنْ سِنَّوْرٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ خَيْطًا مِنْ رِجْلِهِ فَقُطِعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي كُلِّ فِعْلٍ قَصَدَ بِهِ الْإِصْلَاحَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَجَبَ قِيمَتُهُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَفَّرَ أَوَّلًا كَفَّرَ ثَانِيًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ رِيشِهِ) أَيْ إذَا كَانَ يَمْتَنِعُ بِهِ الطَّيَرَانُ فَلَوْ كَانَ لَا يَمْتَنِعُ بِهِ كَالنَّعَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النَّقْصَ بِنَتْفِ رِيشِهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِجَرْيِهَا مَعَ مُسَاعَدَةِ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ كُلِّ الْقَوَائِمِ، بَلْ إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا وَفَاتَ بِهِ الِامْتِنَاعُ وَجَبَ الْجَزَاءُ فَلْيُنْظَرْ اهـ، وَإِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) الْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَكَسْرِ بَيْضِهِ) كَذَا بِشَيِّهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ
الْبَيْضِ بِكَسْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ وَلَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ بَعْدَ كَسْرِ الْبَيْضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ يَجِبُ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَمَاتَ بِالْكَسْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَسَيَجِيءُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْحَلَالِ (وَحَلْبِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَبَ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةُ لَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَأَشْبَهَ كُلَّهُ
(وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُنْبَتُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الشَّجَرُ (مَمْلُوكًا) إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا إنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ وَشَجَرَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ شَجَرٌ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَشَجَرٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ أَوْ لَا يَكُونُ وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ بِأَنْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي مَاءٍ أَوْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ نَفَّرَ طَيْرًا عَنْ بَيْضِهِ حَتَّى فَسَدَ أَوْ وَضَعَ بَيْضَ الصَّيْدِ تَحْتَ الدَّجَاجِ فَفَسَدَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.
وَهَلْ قَوْلُهُ: وَطَارَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ اتِّفَاقِيٌّ فَلْيُنْظَرْ (تَنْبِيهٌ) إذَا شَوَى الْبَيْضَ أَوْ الْجَرَادَ وَضَمِنَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِأَكْلِهِ سَوَاءٌ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِهَذَا يُبَاحُ أَكْلُ الْبَيْضِ قَبْلَ شَيِّهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. اهـ.
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ مِنْ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) شَامِلٌ لِبَيْضِ النَّعَامَةِ فَإِذَا فَسَدَ لَا شَيْءَ بِكَسْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ فَانْتَفَى بِهَذَا مَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ لِقِشْرِهَا قِيمَةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ، بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمِذَرَّةِ عَرْضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ) لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمَتْنِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ بِخُرُوجِ الْفَرْخِ مَيِّتًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَقْسِيمِ الْمَسْأَلَةِ شَرْحًا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ: وَذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ) أَقُولُ إنَّمَا خَصَّ لُزُومَ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِيُخْرِجَ إشَارَةَ غَيْرِ الْمُحْرِمِ إلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ.
وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الدَّالِّ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ إلَى الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ وَعَبَّرْنَا بِالْمَقْتُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَيْتَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ صَيْدِ ذَبَحَهُ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مَعَ ضَمَانِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ) أَقُولُ وَالشَّجَرَةُ الَّتِي بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ فَهِيَ كَاَلَّتِي جَمِيعُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتُعْتَبَرُ أَغْصَانُهَا فِي حَقِّ صَيْدٍ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى غُصْنٍ مِنْهَا فِي الْحِلِّ حَلَّ صَيْدُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَحَلِّ قِيَامِ الصَّيْدِ فَلَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحِلِّ وَقَوَائِمُهُ فِي الْحَرَمِ فَضَرَبَ فِي رَأْسِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ بِعَكْسِهِ لَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَيَّدَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَمْلُوكًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ أَقُولُ مَنْعُ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إنْ قَيَّدَ غَيْرَ الْمَمْلُوكَةِ لِإِفَادَةِ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ الْحَرَمِ اهـ، ثُمَّ أَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَتْنًا حُكْمُ الْمَمْلُوكَةِ هَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ مُتَعَدِّدًا أَوْ لَا وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الدُّرَرِ مَتْنًا إلَّا لُزُومُ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْطُوعُ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً فَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّ الْأَمْنِ إلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مُنْتَفِيًا فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْأَقْسَامِ لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهَا لِمَالِكِهَا لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ. . . إلَخْ) كَذَا مِثْلُهُ
فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ (إلَّا مَا جَفَّ) حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ (وَلَا صَوْمَ فِي الْأَرْبَعَةِ) أَيْ لَا يَصُومُ فِي ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ بَدَلَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هَاهُنَا مِنْ الْقِيمَةِ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَبْحَ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الذَّابِحَ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُرْعَى الْحَشِيشُ) مِنْ الْحَرَمِ (وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، وَأَمَّا الْإِذْخِرُ فَقَدْ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَرَعْيُهُ (وَالْكَمْأَةُ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّبَاتِ
(وَ) تَجِبُ (صَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَاتَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ فَكَيْفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ: وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الْحَرَمِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْحَرَمِ فَبِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامُ التَّعَرُّضِ بِالنَّصِّ كَصَيْدِهِ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَمَلُّكَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَصَوَّرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ، بَلْ هِيَ سَوَائِبُ وَأَرَادَ بِالسَّوَائِبِ الْأَوْقَافَ وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَ الْمَالِكُ أُمَّ غِيلَانٍ مِنْ أَرْضِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى مَا ذُكِرَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلَّهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أُمِّ غِيلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُهُ وَلَا قَلْعُهُ، وَلَوْ قَلَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ اهـ، وَإِذَا لَزِمَ الْقَاطِعَ الْقِيمَةُ مَلَكَهُ وَكُرِهَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لِتَطَرُّقِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا جَفَّ) أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ وَصَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بِقَطْعِ الْجَافِّ مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ وَحَرُمَ قَطْعُ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ مِنْ شَجَرٍ وَكَلَأٍ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْجَافَّ اهـ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، ثُمَّ قَالَ «وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ فِي حَاصِلِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ دَلِيلٍ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ بِالنَّصِّ وَمَا أَثْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ وَالشَّوْكُ وَالْخَلَا فَالْخَلَا الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ، وَكَذَا الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيَحْلِلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ اهـ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ الْبُرْجَنْدِيُّ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَإِ حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْكَلَأُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا لَا يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ الْحَرَمِ لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَإِ مُطْلَقًا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ مَعًا اهـ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ أَيْ مَتْنِ الْوِقَايَةِ أَوْ قَطْعِ حَشِيشِهِ أَوْ شَجَرِهِ إلَّا مَمْلُوكًا أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا اهـ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ قَوْلُهُ: إنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِقَطْعِ الْكَلَإِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ، بَلْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الْحَشِيشِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضَدُ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ.
وَفِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ (قَوْلُهُ: وَالْكَمْأَةَ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ اهـ فَفِيهِ نَصٌّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا مَا جَفَّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ اهـ، وَلَوْ قَدَّرَ كَوْنَهَا أَيْ الْكَمْأَةِ نَبَاتًا كَانَتْ مِنْ الْجَافِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ) يَعْنِي، وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَيَتَصَدَّقُ لِقَضَاءِ
أَوْ جَرَادَةٍ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَعَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ (وَبَعُوضٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاتٍ وَلَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
التَّفَثِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةَ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي غَيْرِهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ قَمْلَةِ الْغَيْرِ إزَالَةُ التَّفَثِ عَنْ الْقَاتِلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.
وَإِلْقَاءُ قَمْلِ نَفْسِهِ وَإِشَارَتُهُ إلَيْهِ مُوجِبٌ لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَالْقَمْلَتَانِ وَالثَّلَاثُ كَالْوَاحِدَةِ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّالِثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نِصْفُ صَاعٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى كَقَاضِي خَانْ أَنَّ الْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ فَيَجِبُ بِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَهَذَا إذَا قَتَلَهَا قَصْدًا أَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ غَسَلَهَا لِقَصْدِ قَتْلِهَا، وَلَوْ أَلْقَاهُ لَا لِقَتْلِهَا فَمَاتَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ مِثْلُهُ، ثُمَّ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ وَهُوَ نَفْيُ الْجَزَاءِ بِإِلْقَاءِ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا لِقَتْلِ الْقَمْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَرَادَةٍ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَالْقَمْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ فَفِي الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَفِي الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ. . . إلَخْ) .
أَطْلَقَ نَفْيَ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْمَذْكُورَاتِ فَأَفَادَ عَدَمَ اسْتِيعَابِ جَزَاءٍ بِقَتْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى قِيلَ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ، وَقِيلَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ فِي الْعَقْعَقِ وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ أَنَّ فِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصَّيُودِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْهِدَايَةِ وَغُرَابُ الزَّرْعِ لَا يُقْتَلُ وَيَرْمِيهِ الْمُحْرِمُ لِيُنَفِّرَهُ عَنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَحِدَأَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ الْحِدَأُ اهـ، وَبِفَتْحِ الْحَاءِ فَأْسٌ يُنْقَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ لَهَا رَأْسَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ الدَّالِ بِلَا مَدٍّ طَائِرٌ يَصِيدُ الْفَأْرَ وَالْجَرَادَ.
(قَوْلُهُ: وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ وَاحِدَةُ الْفَأْرِ وَجَمْعُهُ فِيرَانٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّسْهِيلُ اهـ.
وَلَا شَيْءَ فِيهَا أَهْلِيَّةً أَوْ وَحْشِيَّةً وَالسِّنَّوْرُ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا كَانَ مِنْهُ بَرِّيًّا فَهُوَ مُتَوَحِّشٌ كَالصَّيُودِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. . . إلَخْ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابَ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الذِّئْبَ فِي الْمَتْنِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيْ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يُذْكَرْ فَاقْتَفَى أَثَرَ الَّتِي لَمْ تَذْكُرْهُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ فَهُوَ نَصٌّ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الذِّئْبُ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْكَلْبِ نَصًّا فَيَلْحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَلَكِنْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ صَرَّحَا بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِ الذِّئْبِ وَالْكَلْبِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ يَكُونُ مُكَرَّرًا فِي كَلَامِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَتْنًا أَيْضًا، هَذَا وَقَدْ فَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالذِّئْبِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّئْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ اهـ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ السِّبَاعَ كُلَّهَا صَيْدٌ إلَّا الذِّئْبَ وَالْكَلْبَ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَعُوضٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْبَعُوضُ صِغَارُ الْبَقِّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ بِالْهَاءِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا كَبَعْضِ الْبَقَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَثَلا مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحَلُومِ اهـ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ وَيُقَالُ أَيْضًا سُلَحْفِيَةٌ بِالْيَاءِ
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النَّمْلَ وَنَصَّ فِي الْكَنْزِ كَمَا شَرَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ وَمَا لَا تُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا تُضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ اهـ.
وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حَنِينٍ وَابْنِ عِرْسٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهِمَا وَلَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ اهـ، وَقَالَ الْكَمَالُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْقُنْفُذِ رِوَايَتَانِ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ الْفَأْرَةِ وَفِي أُخْرَى جَعَلَهُ كَالْيَرْبُوعِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ.
وَفِي الْفَتَاوَى لَا شَيْءَ فِي ابْنِ عِرْسٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ فِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالسَّمُّورِ وَالسِّنْجَابِ وَالدَّلَقِ وَالثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْأَرْنَبِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ وَلَا تَطِيرُ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ اهـ، وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ
حَلَالٌ وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةِ مُحْرِمٍ وَأُمِرَ بِهِ حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ) .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ إلَى آخِرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا قُلْت حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ (بِصَيْدٍ فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ حَتَّى إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (أَرْسَلَهُ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ
(وَرَدَّ بَيْعَهُ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي أَتَى بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْمَحْرَمِ (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (وَإِلَّا جَزَى) أَيْ أَعْطَى قِيمَتَهُ (كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ صَيْدَهُ) أَيْ يَرُدُّ الْمُحْرِمُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ فَائِتًا سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ (لَا صَيْدًا) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ أَرْسَلَهُ (فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ إنْ أَحْرَمَ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الصَّيْدِ وَمُحَافَظَتَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ صِيدَ فِيهَا صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَيَجِبُ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ
(أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا، قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ مِثْلِهِ يُجْزِي كُلٌّ) لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا (وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ إلَيْهِ
(مَا بِهِ دَمٌ عَلَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةٍ) شُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَزْمُهُ بِعَدَمِ الْإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ لَيْسَ فِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَفَادَ ضَعْفَ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْإِرْسَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدَيْهِ حَيْثُ قَالَ، وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ اهـ، وَكَذَلِكَ فِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ فِي الْبَحْرِ حُكْمَ دَاخِلِ الْحَرَمِ بِالصَّيْدِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ أَحْرَمَ فَقَالَ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْكَنْزِ، وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا دَخَلَ بِهِ وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ صَيْدٌ فِي قَفَصِهِ لَا فِي يَدِهِ لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إرْسَالِهِ تَسَيُّبَهُ؛ لِأَنَّ تَسَيُّبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ، بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ، وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدُّهُ وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجَوَارِحِ أَوْ لَا فَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ بَازِي فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ
(قَوْلُهُ: وَرَدَّ بَيْعَهُ. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ رَدِّ الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا يَخْلُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إشَارَةٌ بِقَوْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ. اهـ.
قُلْت وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ فَإِنْ بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَسَدَ الْبَيْعُ اهـ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ
(قَوْلُهُ: أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَلَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا مُطْلَقِ يَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَيَا الثَّانِيَ مَنَعْنَاهُ أَوْ الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِرْسَالِهِ، وَلَوْ فِي قَفَصٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَتْلَفَ الْمَعَازِفَ اهـ.
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، أَمَّا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ فَهُوَ ضَامِنٌ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْحُكْمِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فَيَمْلِكُهُ بِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَرِيبِهِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُحْرِمُ بِمَا غَرِمَهُ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ شَيْءٌ بِالْقَتْلِ يَلْزَمُهُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ، ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: مَا بِهِ دَمٌ عَلَى
الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ) دَمٌ لِحَجِّهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ (إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرُ مُحْرِمٍ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ (يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ) فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ (وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ) فَإِنَّ جَزَاءَ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحِلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ
(بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ وَحَرُمَ ذَبْحُهُ وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ) أَيْ لَوْ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ لَمْ يَغْرَمْ فَقَوْلُهُ لَا مُحْرِمٌ عَطْفٌ عَلَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ) كَذَا الصَّدَقَةُ تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَيْ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَيْضًا كَالْقَارِنِ فِي تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ، وَهَذَا أَيْ التَّعَدُّدُ إنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ، أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِمْدَادُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ (قَوْلُهُ: إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَزِمَ الْمُفْرِدَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ وَبِالْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِيَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ.
قُلْت لَكِنْ ذَكَرَ لِبَيَانِ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ دَمَانِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي التَّبْيِينِ وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَسَائِلَ عَلَى اقْتِصَارِهِمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. . . إلَخْ) كَذَا نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ. اهـ. قُلْت وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ إجْمَاعٌ وَغَيْرُهُ فِي عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ اهـ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَى الْحَلْقِ فَلَا يَنْتَهِي إلَّا بِهِ وَمَا فِي الْأَجْنَاسِ كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فَمُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِانْتِهَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَعَلِمْت ضَعْفَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ) لَيْسَ الْمُثَنَّى قَيْدًا، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ التَّعَدُّدُ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَزَاءُ كَامِلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا الْقَتْلُ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ وَلَيْسَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ بَلْ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ) هَذَا إذَا قَتَلَاهُ بِضَرْبَةٍ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِ نِصْفِ الْجَزَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ كُلٌّ ضَرْبَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مَا تَقْتَضِيهِ ضَرْبَتُهُ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِضَرْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ فِعْلِهِمَا جَمِيعُ الصَّيْدِ صَارَ مُتْلَفًا بِفِعْلِهِمَا فَضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ الْجَزَاءِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْجَزَاءُ الَّذِي تَلِفَ بِضَرْبَةِ كُلٍّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْبَاقِي مُتْلَفٌ بِفِعْلَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ تَفَارِيعُ لِهَذِهِ يَنْبَغِي عِلْمُهَا، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمُونَ وَمُحِلُّونَ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُحْرِمٍ مَعَ مَا خَصَّهُ مِنْ ذَلِكَ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ يَجِبُ عَلَى الْحَلَالِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقَسْمِ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(تَنْبِيهٌ) لِحُدُودِ الْحَرَمِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَّبَهَا إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَجْدِيدِهَا، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنهم وَهِيَ إلَى الْآنَ، وَقَدْ نَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ النُّوَيْرِيُّ بِقَوْلِهِ
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَهْ
…
ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ
…
وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا
…
وَقَدْ كَمَلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ
وَفِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ قُلْت يُغْنِي عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ مَا لَوْ جَعَلَ النِّصْفَ وَالْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي هَكَذَا
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ
…
وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ حَرَمٌ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ فِيهَا وَقَطْعُ حَشِيشِهَا وَرَعْيُهُ
(قَوْلُهُ: بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) هَذَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَلَوْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِذَا اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ ذَبْحُهُ) أَيْ مَذْبُوحُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ) هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ ضَمَانِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ)
ضَمِيرِ غَرِمَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ
(وَلَدَتْ ظَبْيَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَمَاتَا غَرِمَهُمَا) أَيْ الظَّبْيَةَ وَالْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ إذْ بَعْدَ أَدَاءِ جَزَاءِ الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ
(آفَاقِيّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ (وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ أَوْ مُحْرِمًا) أَيْ إنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ حَالَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا فِي الطَّرِيقِ (لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) وَإِنَّمَا قَالَ (وَلَبَّى) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا كَافٍ لِسُقُوطِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَوْدِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا (سَقَطَ) أَيْ الدَّمُ اللَّازِمُ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ عَادَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ الَّذِي قَتَلَهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَتَنَاوَلَهُ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنَّمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ سِوَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَذَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: غَرِمَهُمَا) أَيْ الْمُخْرِجُ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ) وَقَالَ الْكَمَالُ هَذِهِ أَيْ كَوْنُهَا مُسْتَحِقَّةَ الْأَمْنِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَالتَّأْنِيثُ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ مِثْلُ زَيْدٍ هُوَ هَدِيَّةٌ إلَيْك وَلَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ اكْتِسَابِ الْكَوْنِ لِلتَّأْنِيثِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِمَّا لَا يَصِحُّ حَذْفُهُ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الظَّبْيَةِ وَلَا يَصِحُّ الظَّبْيَةُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا فَوَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ) كَذَلِكَ كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ وَيُكْرَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: إذْ بَعْدَ جَزَاءِ الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ أَمِنَةً) الضَّمِيرُ فِي تَبْقَ لِلْأُمِّ أَيْ انْتَفَى عَنْهَا اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ وَهُوَ جَزَاؤُهَا إلَى مَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ كَوُصُولِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ الْكَمَالُ بَحْثًا مِنْهُ، وَقَالَ هَذَا أَدْيَنُ لِلَّهِ بِهِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى الْجَزَاءَ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى إعَادَتِهَا إلَى الْحَرَمِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِالْجَزَاءِ عَنْ عُهْدَتِهَا وَيُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَالْهَرَبِ إذَا ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ اهـ، وَنَاقَشَهُ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: أَفَاقِيٌّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) لَيْسَ قَيْدُهُ مُعْتَبَرَ الْمَفْهُومِ لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا) إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا نَذْكُرُ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ مَا تُوُهِّمَ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيْ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانُ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ اهـ، وَهَذَا الْوَهْمُ مَدْفُوعٌ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْكُوفِيُّ قَاصِدًا النُّسُكَ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، بَلْ التِّجَارَةَ أَوْ السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي قَاصِدِي مَكَّةَ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَوْجِيهِهِ وَمُوجِبُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ قَصَدَ النُّسُكَ أَمْ لَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِهِ وَلَا أَصْرَحُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ قَصْدُ الْحَرَمِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْإِحْرَامِ لِقَصْدِهِ مَكَّةَ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ آفَاقِيٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ. . . إلَخْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّ لِشُمُولِ الرَّقِيقِ فَإِذَا تَجَاوَزَ بِلَا إحْرَامٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَسَوَاءٌ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي تَجَاوَزَهُ أَوْ عَادَ إلَى غَيْرِهِ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مُحَاذِيًا لِمَا فَاتَهُ أَوْ أَبْعَدَ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) سَيُبَيِّنُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّوَافَ، وَلَوْ شَرْطًا (قَوْلُهُ: أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ وَلَبَّى) أَيْ عِنْدَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالظَّرْفِ لِبَيَانِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَوْ حَصَلَتْ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا عِنْدَهُ لَا تَكْفِي لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَيْ فِي الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَلَمْ يُلَبِّ فِي الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْعَوْدِ إنَّمَا تُسْقِطُ الدَّمَ إذَا حَصَلَتْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ تَصَوُّرِ الْعَوْدِ بِلَا إحْرَامٍ لِانْفِهَامِ
وَلَكِنْ بَعْدَمَا شَرَعَ فِي نُسُكٍ بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ (كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَخَرَجَا مِنْ الْحَرَمِ وَأَحْرَمَا) تَشْبِيهٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ فَإِنَّ إحْرَامَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا وَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ
(دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ كَالْبُسْتَانِيِّ) بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ مَوْضِعٌ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِذَا دَخَلَهُ لِحَاجَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِهِ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْبُسْتَانِ وَالْحَرَمِ كَالْبُسْتَانِيِّ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْبُسْتَانِيِّ، وَمَنْ دَخَلَهُ (إنْ أَحْرَمَا مِنْ الْحِلِّ وَوَقَفَا بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا اهـ.
(دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَزِمَهُ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (لَوْ خَرَجَ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ (وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَا بَعْدَهُ) وَقَالَ فِي زُفَرَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
حُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْعَطْفُ بِأَوْ فَيُفِيدُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ فَقَطْ يَمْنَعُ سُقُوطَ الدَّمِ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا، بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ اهـ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْكَمَالُ الِاسْتِلَامَ فَقَالَ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ اهـ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ طَوَافٍ (قَوْلُهُ: كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُقَيَّدْ الْمُعْتَمِرَ بِكَوْنِهِ خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ. . . إلَخْ)
قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُهُ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ بِدُخُولِ أَرْضِ الْحَرَمِ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمِيقَاتِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِعُمْرَةٍ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَدَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْحِلُّ
(قَوْلُهُ: فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ) يَعْنِي سَوَاءٌ نَوَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ شَرَطَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَزِمَ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَعْنِي مَنْ أَخَّرَ دُخُولَهُ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ مِرَارًا غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ دُخُولِهِ الْأَخِيرِ لَا عَمَّا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ: لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ) كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ اهـ.
وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ اهـ، وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَلَّ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَحَجُّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَيْهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةً مَنْذُورَةً، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ فَلَوْ قَالَ وَأَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ وَأَتَمَّهُ فِي عَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعُمْرَةَ الْمَنْذُورَةَ (قَوْلُهُ: لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ وُجُوبَ تَعْيِينِ الْإِحْرَامِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، بَلْ أَيُّ إحْرَامٍ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُجْزِئٌ لِوُجُودِ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ) أَيْ فَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا
الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي كَمَا مَرَّ
(جَاوَزَ مِيقَاتَهُ بِلَا إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَفْسَدَهَا مَضَى وَقَضَى وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ (مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَنْهِيٌّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَجْلِ الرَّفْضِ (وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ) لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَعَلَى فَائِتِهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ (وَلَوْ أَتَمَّهُمَا صَحَّ) لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُحَقِّقُ الْمَشْرُوعِيَّةَ.
(وَ) لَكِنْ (ذَبَحَ) لِلنُّقْصَانِ، وَهَذَا دَمُ جَبْرٍ وَفِي الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ
(مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ، ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ) أَيْ بِحَجٍّ آخَرَ (فَإِنْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ) حَتَّى يَقْضِيَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (بِلَا دَمٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ لِلْأَوَّلِ (فَبِهِ) أَيْ لَزِمَهُ الْآخَرُ بِالدَّمِ (قَصَّرَ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي (أَوَّلًا) أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ فَإِذَا حَلَقَ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَى الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَبَعْدَ هَذَا إنْ حَلَقَ تَحَلَّلَ عَنْ الْأَوَّلِ وَجَنَى عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِهِ قَصَّرَ أَوَّلًا (أَتَى بِعُمْرَةٍ) أَيْ بِأَفْعَالِهَا (إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَزِمَهُ دَمٌ
(آفَاقِيٌّ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ (ثُمَّ بِهَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ (لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ (وَبَطَلَتْ)
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَضَى وَقَضَى) أَيْ مِنْ أَحَدِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ الْحَرَمِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي شَرْحًا (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا) حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَخْفَى عَدَمُ فَهْمِهِ مِنْ الْمَتْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: مَكِّيٌّ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْقِرَانِ مَا يُغْنِي عَنْ الْكَلَامِ هُنَا وَحَاصِلُهُ صِحَّةُ قِرَانٍ وَصِحَّةُ تَمَتُّعٍ لِلْمَكِّيِّ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَدُفِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِمَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا. . . إلَخْ) كَذَلِكَ يَرْفُضُهَا لَوْ أَتَى بِأَقَلِّ أَشْوَاطِهَا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ قَارِنًا فَإِنْ أَتَى الْمَكِّيُّ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا رُفِضَ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِذَا لَمْ يَطُفْ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ) الرَّفْضُ التَّرْكُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَحْلِقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِقَصْدِ تَرْكِ الْحَجِّ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنْ الْعُمْرَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا نَذْكُرُهُ
(قَوْلُهُ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَحَجَّ لِمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِآخَرَ يَرْفُضُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ، وَحَاصِلُ تَقْسِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بِدْعَةٌ لِصِدْقِهِ بِالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَلَيْسَ الْمُقْسِمَ، وَقَدْ عَطَفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَوْ فَقَالَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) صَوَابُهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ لِمَا أَنَّهُ الْمُتَحَدِّثُ عَنْهُ لَا عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) أَقُولُ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ وَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَنَاسِكِ الْمَبْسُوطِ وَعَدَمُ ذِكْرِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَيْسَ نَفْيًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُوجِبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ فِي الْعُمْرَتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ ثَابِتٌ فِي الْحَجَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَا يَتِمُّ وَعَلَيْهِ جَعَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي لُزُومِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ) يَعْنِي كَالْقِرَانِ الِابْتِدَائِيِّ بِأَنْ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا، فَلَيْسَ تَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا قِرَانٌ بَقَاءً فَهُوَ كَالْقِرَانِ ابْتِدَاءً فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ