الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الذَّهَابِ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامُ كَالتَّقْلِيدِ (وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا جَائِزُ الْأُضْحِيَّةِ) وَسَيَجِيءُ بَيَانُهَا عَنْ قَرِيبٍ (وَجَازَ الْغَنَمُ) فِي كُلِّ شَيْءٍ (إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا وَوَطْئِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ (أَكَلَ) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ، بَلْ اُسْتُحِبَّ (مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ شُرِعَتْ جَزَاءً لِلْجِنَايَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِرْمَانُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِزِيَادَةِ الزَّجْرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا (وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا.
(وَ) يَذْبَحُ (غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ) مِنْ الْهَدَايَا (لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَتَعَيَّنَ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِ الْأَخِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَتَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَالِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي مُوجِبُهُ هُنَاكَ كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِفِدْيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ إمْسَاكِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَاقِيًا اهـ (تَتِمَّةٌ) يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيُكْرَهُ.
وَقَالَ الْكَمَالُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ حَجَّ الصَّرُورَةَ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنَى الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ، بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، وَالصَّرُورَةَ وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَإِلَّا قَالَ وَيَجِبُ إحْجَاجُ الْحُرِّ. . . إلَخْ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
[أَحْكَام الْهُدَى]
(قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَقُولُ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ وَمَا كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهَا، وَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ اهـ.
وَوَقْتُ تَقْلِيدِهِ مِنْ بَلَدِهِ إنْ بَعَثَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يَحْرُمُ هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا) أَيْ أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ (قَوْلُهُ: وَوَطِئَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَكْل) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ أَيْضًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ اُسْتُحِبَّ) أَيْ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ لُحُومِ كُلِّ هَدَايَاهُ» وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ مِنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَطَعَامِ الثُّلُثِ وَادِّخَارِ الثُّلُثِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ أَوْ ذَبَحَهُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ تَتِمُّ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ، بَلْ بِالتَّصَدُّقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ لِيَحْصُلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَرَادَ بِالْيَوْمِ زَمَانَ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا) أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ) شَامِلٌ دَمَ التَّطَوُّعِ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَكِنْ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ مِنْ الْهَدَايَا) أَيْ فَلَا تُجْزِيهِ لَوْ ذَبَحَهَا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرَهُ يَعْنِي إلَّا مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَيَذْبَحُهُ فِي مَحَلِّ عَطَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ الْكَمَالِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ التَّطَوُّعِ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ نَحْرَ الْمَنْذُورَةِ بِمَكَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي وَتَحَصَّلَ أَنَّ الدِّمَاءَ قِسْمَانِ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ دِمَاءُ الْحَجِّ وَإِنَّمَا حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَى دِمَاءِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ أَرْبَعَةٌ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَةِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهَا إلَى مَا عَطِبَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ كَدَمِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان كَدَمِ الْعَقِيقَةِ وَالْوَكِيرَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ) أَقُولُ إلَّا أَنَّ
شَاءَ كَمَا تَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ أَقُولُ رَبْطُ غَيْرِهَا مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ مَعْرِفَةٍ وَإِنْصَافٍ وَالْعِبَارَةُ الْمُخْتَارَةُ هَاهُنَا أَخْصَرُ وَأَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ) بِنَضْحِ ضَرْعِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ
(مَا عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ فَفِي وَاجِبِهِ إبْدَالُهُ وَالْمَعِيبُ لَهُ وَفِي نَقْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحَرَ بَدَنَةَ النَّفْلِ إنْ عَطِبَتْ) أَيْ قَرُبَتْ إلَى الْهَلَاكِ (فِي الطَّرِيقِ وَصَبَغَ نَعْلَهَا) أَيْ قِلَادَتَهَا (بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: رَبْطُ وَغَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ) هَذَا إذَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي غَيْرِهِمَا تَعَيَّنَ فَلَا يُنَاسِبُهُ مَتَى شَاءَ، وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ لَهُ عَامِلٌ يُنَاسِبُهُ كَذَبْحٍ فَلَا اعْتِسَافَ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ
وَزَجَّجْنَا الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا
أَيْ كَحَّلْنَا
وَعَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
أَيْ سَقَيْتهَا (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ) الْجُلُّ مَا يُلْبَسُ عَلَى الدَّابَّةِ اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخِطَامُ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُذْبَحَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ) فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ اللَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةً، وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ رُكُوبَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ أَوْ حَمَلَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَطْلَقَهُ أَيْ الْهَدْيَ فَشَمِلَ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِمَا. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مَرْفُوعًا «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا لَجَئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ.
(قُلْت) الْمُصَرَّحُ بِهِ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالسَّوْقِ وَبِالرُّكُوبِ يَصِيرُ كَالْمُرْتَجِعِ لَهَا اهـ، وَكَذَا صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ اهـ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا، وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ) هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: يَنْضَحُ ضَرْعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ) النَّضْحُ الرَّشُّ وَنَضَحَ يَنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ يَنْضَحُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ فَعَلَى هَذَا تُكْسَرُ ضَادُهُ وَتُفْتَحُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَيَنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالنُّقَاخِ بِالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ وَالْقَافِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يَنْفُخُ الْفُؤَادَ بِبَرْدِهِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ فَفِيهِ زِيَادَةٌ عَنْ لَفْظِ الْمَاءِ الْبَارِدِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَذْبًا
(قَوْلُهُ: أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ) هُوَ مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ (قَوْلُهُ: شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ) كَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي هُمْ بِهَا فِي مِنًى مُتَوَجِّهِينَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجْنَا بِهِ مِنْ مَكَّةَ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَانَ التَّاسِعَ لَا الثَّامِنَ وَلَا يُمْكِنُ لَلْإِمَامَ الْوُقُوفُ بِأَنْ يَسِيرَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِيَقِفَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا وَيَقِفُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ صَارَ كَشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَلَا يُدْرِكُهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْوُقُوفُ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَاتَ حَجُّهُ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَا يَجُوزُ وُقُوفُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عِنْدَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إعَادَتُهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ لِمَعْنًى يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَقْتُهُ شَرْعًا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّاسُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَيْ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأَى أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
وَلَوْ) شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ (قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) يَعْنِي أَنَّهُمْ وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ أَيْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَيُجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِيَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصًّا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً بِدُونِهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ فَلَا تُقْبَلُ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّدَارُكُ مُتَعَذِّرٌ وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ ظَاهِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ
(رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ) وَتَرَكَ الْأُولَى (فَإِنْ) قَصَدَ التَّكْمِيلَ وَ (رَمَى الْأُولَى) فَقَطْ (جَازَ) لِحُصُولِ الْكُلِّ، وَلَوْ بِلَا تَرْتِيبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (أَوْ) رَمَى (الْكُلَّ بِالتَّرْتِيبِ حَسُنَ) لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ
(نَذَرَ حَجًّا مَشْيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ الْفَرْضَ) يَعْنِي أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ
(اشْتَرَى جَارِيَةً أَحْرَمَتْ بِالْإِذْنِ) أَيْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَهُ قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله الْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ الثَّامِنَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ التَّاسِعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَاتٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَالْقَائِلُونَ إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا وَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا اهـ.
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَفَ النَّاسُ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ انْحَصَرَ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَيْ الْكَمَالُ، بَلْ صُورَتُهُ لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَقَدْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ فَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِمْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَلَا بِدْعَ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ اهـ.
(قُلْت) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَمْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوُقُوفِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مُسْتَحِيلٌ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَقَالُوا غَلَبَةُ الظَّنِّ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ فِي هَذَا شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ وَلَا رِفْقَ فِي شَهَادَتِكُمْ لَهُمْ، بَلْ فِيهِ تَهْيِيجُ الْفِتْنَةِ وَالْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً وَهِيَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَتَمَامِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) عَلِمْت مَا فِيهِ
(قَوْلُهُ: لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ وَبِخِلَافِ الْمَرْوَةِ فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الصَّفَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْوَاقِعُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَمَرَاتِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السُّنَّةِ إذْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَخَيَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا مَكْرُوهٌ وَرَاكِبًا أَفْضَلُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا وَالْمَشْيُ فِي الْحَجِّ صِفَةٌ كَمَال قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ مَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَالْمَشْيُ الْوَاجِبُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ الْمَكِّيِّ الْفَقِيرُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا، وَكَذَا الطَّوَافُ وَمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَشْيَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْإِثْمِ فِي مُجَادَلَةِ الرَّفِيقِ وَالْخُصُومَةِ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا كُفَّ بَصَرُهُ مَا أَسِفْت عَلَى شَيْءٍ كَأَسَفِي عَلَى أَنْ لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] مِنْ الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ يُبْتَدَأُ بِالْمَشْيِ وَالْكَمَالُ قَالَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَحَلِّ وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ قِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا حُكْمَ مَا لَوْ رَكِبَ، وَقَالَ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ إنْ رَكِبَ فِي الْكُلِّ أَرَاقَ دَمًا، وَكَذَا إنْ رَكِبَ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا