الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا أَقُولُ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ لَا تَجِبُ لِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا.
(بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ)
أَيْ مَا يُوجِبُ الْإِفْسَادَ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا (وَمُوجَبُهُ) أَيْ مَا يُوجِبُهُ الْإِفْسَادُ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَوْ الْقَضَاءِ فَقَطْ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الصَّادِرَةَ مِنْ الصَّائِمِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ - مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ لَهُ وَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَالثَّانِي - مَا يُفْسِدُهُ، وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَالثَّالِثُ - مَا يُفْسِدُهُ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْأَقْسَامَ بِالتَّرْتِيبِ وَذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ احْتَجَمَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
يَنْبَغِي لَهُ إجْرَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِ الْكُلِّ فِي الشُّهُورِ جَمِيعًا لِصِدْقِهِ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ: أَهْلُ الْمَحَلَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا كَمَا فِي الْقَسَامَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى يَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخِيِ قَلِيلٌ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرَطَ الْوَفَا وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ أَيْ حَدُّ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ إلَى رَأْي الْإِمَامِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ صِدْقًا
(قَوْلُهُ يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَوْهُ أَهْلُ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ لَمْ يَرَ أَهْلَ بَلَدِهِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا، وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ، وَقَدْ شَهِدَا بِهِ أَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةِ كَذَا رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ، وَهَذَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ غَدًا، وَلَا يُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ) هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَلَى الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي الْكَافِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبِنَحْوِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ اهـ. وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ مَجْرَاهُ أَمَامَ الشَّمْسِ، وَهِيَ تَتْلُوهُ فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ: إنْ غَابَ قَبْلَ الشَّفَقِ فَلِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ غَابَ بَعْدَهُ فَلِلرَّاهِنَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
[بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ فِي الِصَوْمِ]
(بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ)
يَجُوزُ كَسْرُ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ لِلْفِطْرِ وَفَتْحُهَا بِمَعْنَى الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْإِفْسَادِ (قَوْلُهُ إنْ أَكَلَ) الضَّمِيرُ فِي أَكَلَ لِلصَّائِمِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ نَاسِيًا) أَيْ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ الْكَمَالُ إلَّا فِيمَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ صَائِمٌ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَاسْتَمَرَّ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ: لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ نَاسٍ اهـ.
قُلْتُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ اهـ.
وَإِذَا رَآهُ أَحَدٌ يَأْكُلُ نَاسِيًا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا؛ لِأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ قَالَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: يُخْبِرُهُ إنْ كَانَ قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا اهـ.
فَلَمْ يَنْظُرْ لِلشَّيْخُوخَةِ بِذَاتِهَا، وَلَا لِلشُّبُوبَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَّرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) أَقُولُ أَوْ فِكْرٍ، وَإِنْ أَدَامَ النَّظَرَ وَالْفِكْرَ حَتَّى أَنْزَلَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسٍ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ اكْتَحَلَ) أَيْ لَمْ يُفْطِرْ وَسَوَاءً وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا، وَلَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَ الدَّمِ فِيهِ، وَقَدْ بَلَغَ شَيْئًا مِنْ بُزَاقِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ يُفْطِرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَالَ
أَوْ اغْتَابَ) مِنْ الْغِيبَةِ (أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ أَوْ ذُبَابٌ، وَلَوْ) كَانَ (ذَاكِرًا) لِلصَّوْمِ (أَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَوْ صَبَّ فِي إحْلِيلِهِ مَاءً أَوْ دُهْنًا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ) فِي (أُذُنِهِ مَاءً) احْتَرَزَ عَنْ الدُّهْنِ فَإِنَّ صَبَّهُ فِيهَا يُفْطِرُ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ (أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ فَاسْتَشَمَّهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ، وَلَوْ عَمْدًا) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ إنْ أَكَلَ. . . إلَخْ.
وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ فَأَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ (أَوْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَاضِي خَانْ إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، وَالْبُزَاقُ غَالِبٌ فَابْتَلَعَهُ وَلَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَسَدَ احْتِيَاطًا اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ) أَيْ، وَلَوْ غُبَارَ الطَّاحُونِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يُفْطِرُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ أَثَرُ طَعْمِ الْأَدْوِيَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا اهـ. لِدُخُولِهِ مِنْ الْأَنْفِ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ كَمَا فِي الْفَتْحِ قُلْت فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بُدًّا مِنْ تَعَاطِي مَا يَدْخُلُ غُبَارُهُ فِي حَلْقِهِ أَفْسَدَ لَوْ فَعَلَ (قَوْلُهُ أَوْ دُخَانٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ اهـ. .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الدُّخَانُ وَالْغُبَارُ إذَا دَخَلَ الْحَلْقَ لَا يُفْسِدُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ دُخُولِهِمَا مِنْ الْأَنْفِ إذَا طُبِّقَ الْفَمُ اهـ.
قُلْتُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْخَلَ الدُّخَانَ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ أَيَّ دُخَانٍ كَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِبَخُورٍ فَآوَاهُ إلَى نَفْسِهِ وَاشْتَمَّ دُخَانَهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ، سَوَاءٌ كَانَ عُودًا أَوْ عَنْبَرًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إدْخَالِ الْمُفْطِرِ جَوْفَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَشَمِّ الْوَرْدِ وَمَائِهِ وَالْمِسْكِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَوَاءٍ تَطَيَّبَ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَشِبْهِهِ وَبَيْنَ جَوْهَرِ دُخَانٍ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ (قَوْلُهُ أَوْ صَبَّ فِي إحْلِيلِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذُ أَوْ لَا؟ وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرَشُّحِ كَذَا تَقُولُ الْأَطِبَّاءُ. اهـ. وَالْإِقْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا أَيْضًا هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْسِدُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي أُذُنِهِ مَاءً. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ فِي أُذُنِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِانْعِدَامِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ إصْلَاحُ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِالدِّمَاغِ اهـ.
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ مُعَلِّلًا بِمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ خَاضَ نَهْرًا فَدَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَر أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي رحمه الله اهـ.
وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ حَكَّ أُذُنَهُ بِعُودٍ فَأَخْرَجَ الْعُودَ وَعَلَى رَأْسِهِ دَرَنٌ ثُمَّ أَدْخَلَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ. . . إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ ظَهَرَ الْمُخَاطُ عَلَى رَأْسِ أَنْفِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مِنْ عَدَمِ الْفِطْرِ بِبُزَاقٍ امْتَدَّ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فَمِهِ إلَى ذَقَنِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ بِجَذْبِهِ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ، وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فِيهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ مُتَّصِلٌ بِمَا فِي فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ اهـ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى لَوْ بَلَعَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ كَفَّرَ اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْكَمَالِ عَلَى غَيْرِ الصَّدِيقِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ أَيْ الْبُزَاقُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُكْرَهُ، وَلَا يُفْطِرُ اهـ.
وَكَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِقَوْلِهِ الصَّائِمُ إذَا دَخَلَ الْمُخَاطُ أَنْفَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ اسْتَشَمَّهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ فِي كَفِّهِ فَيَبْلَعَهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا الْمُخَاطُ وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمَهُ اهـ.
قُلْتُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الظُّهُورِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ نَزَلَ الْمُخَاطُ إلَى رَأْسِ أَنْفِهِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ثُمَّ جَذَبَهُ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَفْسُدْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَذَكَر فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَسْأَلَةَ الْمُخَاطِ وَعَقَّبَهَا بِكَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ بِجَرْيِ النُّخَامَةِ مِنْ فَضَاءِ الْفَمِ فِي جَوْفِهِ، وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ مِنْ مَجْرَاهَا وَقَدَرَ عَلَى مَجِّهَا أَفْطَرَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي النُّخَامَةِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ عَلَى قَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَحْبَبْت التَّنَبُّهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْبَلْغَمِ إذَا ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مَا تَخَلَّصَ بِالتَّنَحْنُحِ مِنْ حَلْقِهِ إلَى فَمِهِ وَلَعَلَّهُ كَالْمُخَاطِ فَلْيُنْظَرْ ثُمَّ وَجَدْتهَا بِحَمْدِ اللَّهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ ابْتَلَعَ الْبَلْغَمَ قَالَ: إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ لَا يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مِلْءَ فِيهِ يَنْتَقِضُ صَوْمُهُ عِنْدَ
مُكْرَهًا) وَفِي لَفْظِ أَفْطَرَ إشَارَةً إلَى فَسَادِ صَوْمِهِ (أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ فِطْرُهُ فَأَكَلَ عَمْدًا أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) أَيْ صَبَّ الدَّوَاءَ فِي أَنْفِهِ فَوَصَلَ إلَى قَصَبَتِهِ (أَوْ أَفْطَرَ فِي أُذُنِهِ) أَيْ دُهْنًا (أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) أَيْ جِرَاحَةً بَلَغَتْ الْجَوْفَ (أَوْ آمَّةً) هِيَ شَجَّةٌ بَلَغَتْ أُمَّ الدِّمَاغِ (فَوَصَلَ) أَيْ الدَّوَاءُ (إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ صَوْمًا، وَلَا فِطْرًا أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ وَطِئَ) امْرَأَةً (مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً أَوْ فَخِذًا) أَيْ أَمْنَى فِي الْفَخِذِ (أَوْ بَطْنًا) أَيْ أَمْنَى فِي الْبَطْنِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَطِئَ إلَى آخِرِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُنْزِلْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ (أَوْ أَفْسَدَ غَيْرَ) صَوْمِ (رَمَضَانَ) يَعْنِي أَدَاءَهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَهُ أَوْ أَدَاءَ غَيْرِ رَمَضَانَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي هَتْكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ إذْ لَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الزَّمَانِ (أَوْ وُطِئَتْ مَجْنُونَةٌ) بِأَنْ نَوَتْ الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ جُنَّتْ فِي النَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ وَإِلَّا فَكَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَبِي يُوسُفَ،.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُنْتَقَضُ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا. . . إلَخْ) أَقُولُ وَسَوَاءً بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَالْخَبَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْفِطْرَ ثُمَّ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِنْ نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَكَذَا لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ لَوْ كَانَ أَوَّلَ الْيَوْمِ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَكِنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ الْمُبِيحِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَ) بِفَتْحِ التَّاءِ، وَلَا يُقَالُ بِضَمِّهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ أَيْ صَبَّ الدَّوَاءَ فِي أَنْفِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ السَّعُوطِ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي إقْطَارِ الْمَاءِ فِي الْأُذُنِ لَا يَخْتَصُّ السَّعُوطُ بِالدَّوَاءِ فِي الْحُكْمِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ اسْتَعَطَ شَيْئًا فَدَخَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ اهـ. .
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ قَاضِي خَانْ: الْحُقْنَةُ تُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَكَذَا السُّعُوطُ وَالْوُجُورُ وَالْقُطُورُ فِي الْأُذُنِ أَمَّا الْحُقْنَةُ وَالْوُجُورُ؛ فَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَفِي الْقُطُورِ وَالسُّعُوطِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي السُّعُوطِ وَالْوُجُورِ وَالْحُقْنَةِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَكْلِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. كَمَا فِي الْكَافِي أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَهُوَ الِابْتِلَاعُ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ نَفْعُ الْجَسَدِ بَلْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ النَّفْعُ وَبِهِ لَا يَجِبُ إلَّا الْفِطْرُ دُونَ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ أَيْ دُهْنًا) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) هِيَ مَا تَكُونُ فِي اللَّبَّةِ وَالْعَانَةِ وَلَا تَكُونُ فِي الْعُنُقِ وَالْحَلْقِ قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ فَوَصَلَ أَيْ الدَّوَاءُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْيَابِسَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالرَّطْبِ كَالْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا، وَإِنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا يُقَيَّدُ بِالرَّطْبِ؛ لِأَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقًا بَيْنَ الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ اهـ.
وَيُعَلَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا رحمهم الله عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِلْ لَا يَفْسُدُ اهـ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُصَفَّى (قَوْلُهُ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فُرُوعًا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءً أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ إنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ) وَفَسَادُ الصَّوْمِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْكَافِي، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْتَلِعْهُ بِأَنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ دَخَلَ الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً) أَقُولُ أَمَّا إذَا وَطْءُ صَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَمْ يَفُضَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ. اهـ.
وَلَوْ أَدْخَلَ الْأُصْبُعَ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالْقَضَاءُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّتْ فِي النَّهَارِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ) أَيْ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فُعِلَ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْكَافِي تَأْوِيلُ الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ تُفِيقَ فَلَا يَسْتَوْعِبُ جُنُونُهَا الشَّهْرَ فَصَارَ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ رحمه الله هَذِهِ الْمَجْنُونَةُ فَقَالَ: لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ أَيْ الْمُكْرَهَةُ فَقُلْت: أَلَا تَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً فَقَالَ بَلَى ثُمَّ قَالَ كَيْفَ، وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورَةِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرَةِ ضَعِيفٌ اهـ. أَيْ ضَعِيفٌ لَفْظًا صَحِيحٌ حُكْمًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا)
وَهِيَ مَجْنُونَةٌ (أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ (أَوْ أَفْطَرَ) فِي آخِرِ النَّهَارِ (يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا) أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فِي الْأَوَّلِ وَالشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ فِي الثَّانِي (قَضَى فَقَطْ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً إلَى آخِرِهِ (وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ مَنْ تَسَحَّرَ وَمَنْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا (يُمْسِكَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا كَمُسَافِرٍ أَقَامَ وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتْ وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَمَرِيضٍ صَحَّ وَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَكُلُّهُمْ يَقْضُونَ إلَّا الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي صَبِيًّا وَكَافِرًا أَسْلَمَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ صَارَ عَلَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِهَذَا لَمْ يَسْتَقِمْ ظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّهَا كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً، وَهِيَ مَجْنُونَةٌ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَالَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّتْ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مُفْسِدٌ لَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي نَوَتْهُ كَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَوَى (قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ السُّحُورَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِي إلَى الْفَجْرِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ اهـ. ثُمَّ السُّحُورُ مُسْتَحَبُّ لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمُ الْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ إلَى مَا لَمْ يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَالسِّوَاكُ» (قَوْلُهُ يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا) الظَّنُّ قَيْدٌ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ إذْ لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّكُّ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَيْدًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ الشَّكُّ كَافٍ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ) أَيْ الْفِطْرَ وَالسُّحُورَ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ قَضَى فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطِ الْقَوْلِ لِيَتَّضِحَ أَمَّا فِي السُّحُورِ فَحَلَّ الْقَضَاءُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ السَّحُورِ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الطُّلُوعَ وَقْتَ أَكْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْفَجْرَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ: يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا نَقَلَهُ بِصِيغَةِ قِيلَ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَكَلَ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ اهـ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةِ قِيلَ: وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَقَلَ تَصْحِيحَهَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْإِيضَاحِ، وَتَحْقِيقُ الدَّلِيلِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: فَسَادَ الصَّوْمِ وَالْكَفَّارَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمَ الْإِثْمِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ أَيْ لُزُومًا وَعَدَمًا لِتَكْمُلَ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ كَمُسَافِرٍ) أَيْ فِي رَمَضَانَ أَقَامَ أَيْ بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَمَا أَكَلَ أَمَّا لَوْ قَدِمَ قَبْلَهُمَا فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ، وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ فَنَوَتْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لَا فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَذَا فِي الْجَوْهَرِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّفَسَاءَ مِثْلُ الْحَائِضِ (قَوْلُهُ وَمَجْنُونٌ أَفَاقَ) يَعْنِي بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ تَعَاطَى مُفْطِرًا فَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَكَانَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ كَوُجُودِهَا فِي الْكُلِّ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْمُبْتَغَى (قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ بَلَغَ) أَقُولُ، وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ كَانَ نَفْلًا لَا فَرْضًا وَفُرِّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ وَكَافِرٌ أَسْلَمَ) أَقُولُ، وَهُوَ كَالصَّبِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ وَالصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَزِمَ الْقَضَاءُ وَلِإِدْرَاكِ وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقْتَ النِّيَّةِ وَنَوَى النَّفَلَ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
حَالَةٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْضِ الْأَخِيرَانِ، وَإِنْ أَفْطَرَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهَا هُوَ الْجُزْءُ الْمُقَارَنُ بِالْأَدَاءِ أَوْ جُزْءٌ يَسَعُ مَا بَعْدَهُ الطَّهَارَةَ وَالتَّحْرِيمَةَ.
وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جَامَعَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) احْتِرَازٌ عَنْ قَضَائِهِ (أَوْ جُومِعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ (عَمْدًا) قَيْدٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ جَامَعَ إلَى هُنَا (أَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا قَضَى وَكَفَّرَ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ جَامَعَ. . . إلَخْ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الِاحْتِجَامِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» وَلَمْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ مَا قِيلَ: الزَّوَالُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْأَهْلِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَبُّهُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ التَّشَبُّهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ) أَيْ عَمْدًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنْ بَدَأَ بِهِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَمْدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يَفْسُدُ كَالِاحْتِلَامِ اهـ.
وَمَحَلُّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِيمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَطْرَأْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فَإِذَا نَوَاهُ نَهَارًا ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ، وَلَوْ أَكْرَهَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ، وَقَدْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا تَسْقُطُ لَوْ مَرِضَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى، وَلَوْ سَافَرَ أَوْ سُوفِرَ بِهِ كَرْهًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَسْقَطَهَا زُفَرُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) تَنَازَعَ فِيهِ جَامَعَ وَجُومِعَ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ غِذَاءً) أَيْ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيُنْقِصُ عَقْلَهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ إذَا مَضَغَ لُقْمَةً بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ بَعْدَمَا تَذَكَّرَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَابْتَلَعَهَا فَلَا كَفَّارَةَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا، وَإِذَا أَخْرَجَهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُعَافُ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ.
وَمَسْأَلَةُ بُزَاقِ الصَّدِيقِ لَا تَتَمَشَّى عَلَى تَفْسِيرِ التَّغَذِّي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ) أَقُولُ وَذَلِكَ كَالسَّفَرْجَلِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ وَهُوَ غَيْرُ مَطْبُوخٍ وَالْجَوْزَةُ الرَّطْبَةُ وَالطِّينُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَادُ أَكْلُ هَذَا الطِّينِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدْ أَكْلُهُ لَا كَفَّارَةَ بِهِ وَفِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَفِي الْمِلْحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْمِلْحِ الْقَلِيلِ لَا الْكَثِيرِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَنَاوَلَ الْكَثِيرَ دُفْعَةً فَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَى انْتِهَاءِ الْفِعْلِ فَيَكُونُ التَّنَاوُلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِمَرَّةٍ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ أَوْ احْتَجَمَ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ مَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ أَيْ سَوَاءً بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتَ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ
يُوجَدْ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِفَسَادِ صَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ الْفَتْوَى شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فِي نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَهُوَ إذَا صَلَحَ عُذْرًا فَقَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ أَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ آخَرَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ أَيْ ذَهَبَ ثَوَابُ صَوْمِهِمَا بِالْغِيبَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَوَّى بَيْنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ الْحَاجِمِ (كَالْمُظَاهِرِ) وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
(ذَرَعَهُ) أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ (قَيْءٌ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ مَرَّةً وَخَرَجَ لَمْ يُفْطِرْ مُلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ (فَإِنْ مَلَأَهُ) أَيْ الْفَمِ (وَعَادَ وَهُوَ ذَاكِرٌ) أَنَّهُ صَائِمٌ (لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ إذْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْإِفْطَارِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ، وَلَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى بِهِ عَادَةً (أَوْ أَعَادَ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ) لِوُجُودِ الْإِدْخَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْإِفْطَارِ (وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ فَاهُ لَمْ يُفْطِرْ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ) فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَ الْقَلِيلَ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ، وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (اسْتَقَاءَ مِلْءَ الْفَمِ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ) لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْ مِلْءِ فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ (وَلَا) يُفْطِرُ (فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ؛ وَلِذَا قَالَ (فَإِنْ عَادَ) الْقَيْءُ بِفِيهِ (لَمْ يُفْطِرْ) لِمَا ذَكَرْنَا (أَوْ أَعَادَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَفِي أُخْرَى يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ (وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَلَا يُفْطِرُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُفْطِرُ إذَا كَانَ مِلَاءَ الْفَمِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ مِثْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ، وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُفَطِّرُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْمُرَادُ بِهِ فَقِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ كَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ) يَعْنِي وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ. . . إلَخْ قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ ثُمَّ أَكَلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ) أَقُولُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ مِلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ أَعَادَ مَا ذَرَعَهُ وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ لَكَانَ أَوْلَى اهـ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ عَادَ الْقَلِيلُ بِلَا صُنْعِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مَلْءُ الْفَمِ وَدُونَهُ) أَقُولُ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا لَوْ اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ إنَّمَا تَصْحِيحُ بَعْضِهِمْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَلّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ) أَيْ إذَا اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَفِي الْكَافِي هُوَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُفْطِرُ فِي الصَّحِيحِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَيْضًا فَقَالَ قَوْلُهُ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَفْسُدُ صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ عَادَ) أَيْ مَا اسْتَقَاءَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ.
(أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ قَضَى) ، وَلَا كَفَّارَةَ (وَفِي الْأَقَلِّ لَا إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ، أَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ يُفْطِرُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ) بِحَيْثُ تَلَاشَتْ.
(كُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا كَرَاهَةُ الذَّوْقِ فَلِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ لَا بَأْسَ بِذَوْقِهَا بِلِسَانِهَا، قَالُوا هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمَضْغِ فَلِمَا فِيهِ أَيْضًا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْإِفْسَادِ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِمَّنْ لَا يَصُومُ، وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْضُوغُ (عِلْكًا) فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا تَعْرِيضًا لَهُ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) كَذَا قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ أَيْ فَقَوْلُهُمَا هُنَاكَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ وَبِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَلَا فَرْقَ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ اهـ.
قُلْتُ وَالْخِلَافُ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالْبَلْغَمِ فِيمَا إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ لَا فِي النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ هُنَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ
(قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةُ الْفَاصِلُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ بِخِلَافِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مَعْفُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مَعْفُوًّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَا يَبْقَى فِي فُرَجِ الْأَسْنَانِ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالرِّيقِ فَصَارَ كَثِيرًا اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْفَاصِلُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ مَا ذَكَرُوهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّقْدِيرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الِابْتِلَاعُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْكَثِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْقَلِيلِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ حَسَنٌ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ قَضَى، وَلَا كَفَّارَةَ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْكَمَالُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيُنْظَرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أُخِذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أُخِذَ بِقَوْلِ زُفَرَ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَمَالِ عَدَمَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِبَلْعِ بُزَاقِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَشَمِلَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ رَمَزَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ ابْتَلَعَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ لَا كَفَّارَةَ ثُمَّ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ وَقَالَ كَفَّرَ اهـ.
وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِبُزَاقِ الْحَبِيبِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ لَا) أَيْ لَا قَضَاءَ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ فَيَقْضِي بِلَا كَفَّارَةٍ، وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ بِإِعَادَةِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ أَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَبِالْأَكْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَضْمِ وَالْهَشِمِ لِيَشْمَلَ الِابْتِلَاعَ إلَّا أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَةَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ خَارِجٍ فَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِنَحْوِهَا مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ وَمَضَغَهُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَطَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ اهـ.
وَلَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَتَجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي. اهـ.؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِطْرُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ بِحَيْثُ تَلَاشَتْ) أَقُولُ أَيْ فَلَا قَضَاءَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهَا طَعْمًا فِي حَلْقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي فَقَالَ، وَإِنْ مَضَغَهَا أَيْ السِّمْسِمَةَ لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضَغَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) كَذَا الْأَمَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ.
وَهَلْ الْأَجِيرُ كَذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضَغُ. . . إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ فَلَيْسَ غَيْرُهُ عُذْرًا وَلَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَذُوقَ الْعَسَلَ أَوْ الدُّهْنَ يَعْرِفُ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ كَيْ لَا يُغْبَنَ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَمْضُوغُ عِلْكًا) الْعِلْكُ هُوَ الْمُصْطَكَا: وَقِيلَ: اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا) هَذَا وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ أَيْ لِلصَّائِمِ؛ لِأَنَّ مَضْغَهُ يَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَلَمْ يَأْنِ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَأْنِ وَقْتُ الِاشْتِهَاءِ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ اهـ.
وَأَمَّا مَضْغُهُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ عَلَى مَا قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ قَالَ الْكَمَالُ: أَيْ وَلَا يُكْرَهُ فَهُوَ مُبَاحٌ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ ثُمَّ قَالَ