الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ (وَقْتَ الدَّفْعِ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ جَازَ) دَفْعُهُ (مَرِضَ أَوْ لَا) لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مُطْلَقًا
(خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ
إنْ فُسِّرَ شَيْءٌ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فُسِّرَ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
(أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ) كَذَا فِي التَّجْرِيدِ
(وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ) يَعْنِي رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُمَا فَحَجَّ لَمْ يَقَعْ عَنْهُمَا، بَلْ (يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ (وَضَمِنَ مَالَهُمَا) إنْ أَنْفَقَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ (وَلَا يَجْعَلُهُ) أَيْ لَا يَقْدِرُ الْمَأْمُورُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّ (عَنْ أَحَدِهِمَا) وَلَكِنْ (جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) فَإِنَّهُ إنْ حَجَّ عَنْهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَفِي الْأَوَّلِ يَفْعَلُ بِحُكْمِ الْآمِرِ، وَقَدْ خَالَفَهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فُلَانٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّلْبِيَةِ لَمَّا فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ. . . إلَخْ وَأَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي عَنْ فُلَانٍ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِهِ مُخَالِفًا
[خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ]
(قَوْلُهُ: خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إنَّمَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ عَلَى مَنْ قَدَرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى مَاتَ فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَخَرَجَ عَنْ عَامِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ) قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى مَكَّةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْمُتَطَوِّعَ فَشَمِلَ الْوَارِثَ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ. اهـ.
قُلْت يَعْنِي لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْحَجِّ اهـ.
وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالْإِحْجَاجِ أَوْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا حَجَّ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ. . . إلَخْ) أَيْ إذَا أَمَرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحَجِّ عَنْهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَأَهَلَّ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْهُ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ مُعَيِّنًا وَمُبْهِمًا لَا نَصَّ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ قَطْعًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ: بَلْ وَقَعَ عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَقْلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ قَالَ وَلَا تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا أَمْرٌ بِالْحَجِّ عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَرْحًا وَإِنْ كَانَ الْمَتْنُ بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا وَحُكْمُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ كَالْوَالِدَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إنْ حَجَّ عَنْهُمَا. . . إلَخْ) يُفِيدُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قُلْت) وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ اهـ.
وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «لِمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا
فَيَقَعُ عَنْهُ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا) لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ (وَدَمُ الْقِرَانِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَاجِّ) أَمَّا دَمُ الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْآمِرُ بِالْقِرَانِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَةِ فَلِأَنَّهُ الْجَانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ (وَضَمِنَ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ (النَّفَقَة)(إنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ) وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ
(وَإِنْ مَاتَ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ (يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ،.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمُفْرَزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي فَإِنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ فِي حَيَاتِهِ مَالًا وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَتَى بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ ضَاعَ فَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ (لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا قَالَ عليه الصلاة والسلام إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، الْحَدِيثَ.
وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنَّ الْخُرُوجَ لَمْ يُوجَدْ
(الْهَدْيُ) وَهُوَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» اهـ.
(قَوْلُهُ: وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْحَاجِّ؛ لِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ رَاجِعٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا) فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا هَلْ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ كَالزَّكَاةِ، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَدَمُ الْقِرَانِ. . . إلَخْ) كَذَا الْمُتْعَةُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ وَتَنْقِيصُهَا يُنْقِصُ الثَّوَابَ بِقَدْرِهِ فَكَانَ الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ آمِرِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُوصِي بِالْحَجِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ وَكَانَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ يَكْفِي لِذَلِكَ بِأَنْ عَيَّنَ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَا يَكْفِي مِنْ مَنْزِلِ الْمُوصِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَمَاتَ وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَصِيُّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً أُخْرَى هَكَذَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ الَّتِي دَفَعَهَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحُجُّ بِهِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَوَجْهُ الْأَقْوَالِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْآمِرُ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. . . إلَخْ، وَقَدْ خَالَفَ الْمُصَنِّفُ صَنِيعَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ بِتَقْدِيمِ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي مُتَابَعَتُهُ لَهُمَا لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ، ثُمَّ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِهِمَا عَنْ تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ حُكْمُ الِاسْتِحْسَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» الْحَدِيثَ) تَمَامُهُ «إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَهُ الْكَمَالُ: ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْعَمَلِ وَالْكَلَامُ فِي بُطْلَانِ الْقَدْرِ الَّذِي وُجِدَ فِي حُكْمِ الْعِبَادَةِ وَالثَّوَابِ وَهُوَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ لَازِمِهِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْعَمَلِ لِفَقْدِ الْعَامِلِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَا كَانَ قَدْ وُجِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فِيمَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ حِينَ وُجِدَ، ثُمَّ طَرَأَ الْمَنْعُ مِنْهُ وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ