الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَضَاءُ لِلنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ وَيَمِينٌ بِمُوجِبِهِ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هَاهُنَا.
(نُدِبَ تَفْرِيقُ صَوْمِ السِّتَّةِ فِي شَوَّالٍ) يَعْنِي أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ بَعْدَ الْإِفْطَارِ مُتَتَابِعَةً مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَهُوَ مَالِكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ، وَإِنْ فَرَّقَهَا فِي شَوَّالٍ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
(نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا يَسْتَقْبِلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ (لَا فِي مُعَيَّنٍ) أَيْ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْكَافِي
(لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ) أَمَّا الزَّمَانُ فَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا أَوْ أَعْتَكِفَ رَجَبًا فَصَامَ أَوْ اعْتَكَفَ شَهْرًا قَبْلَهُ أَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا غَدًا فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَكَّةَ فَفَعَلَ فِي غَيْرِهَا جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (بِخِلَافِ) النَّذْرِ (الْمُعَلَّقِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ جَاءَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ أَوْ أَعْتَكِفَ فَفَعَلَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ سَبَبًا فَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ.
(نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَدَخَلَ) رَجَبٌ (وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُهُ) أَيْ الصَّوْمَ (إلَّا بِضَرَرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى كَرَمَضَانَ) أَيْ بِوَصْلٍ أَوْ بِفَصْلٍ.
[بَابُ الِاعْتِكَافِ]
[أَقَلّ الِاعْتِكَاف]
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
(هُوَ) لُغَةً اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَشَرْعًا (لُبْثُ رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا بِنِيَّتِهِ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشَرَةِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
يَكُونُ يَمِينًا وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ
(قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّنَةِ الْمُنَكَّرَةِ الْمَشْرُوطِ تَتَابُعُهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَتَابُعِهَا بِإِفْطَارِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَبُطْلَانُ تَتَابُعِ الشَّهْرِ الْمُنَكَّرِ بِإِفْطَارِهَا لِإِمْكَانِ صَوْمِ شَهْرٍ خَالٍ عَنْ أَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِخِلَافِ السَّنَةِ
(بَابُ الِاعْتِكَافِ)
(قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً: اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ) أَقُولُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَكَفَ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ وَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ وَمَنْعُهُ، وَاللَّازِمُ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا لُبْثُ رَجُلٍ. . . إلَخْ) اللُّبْثُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الرَّجُلَ بِالْمَسْجِدِ وَالْمَرْأَةَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْفَتْحِ وَمَسْجِدُ الْبَيْتِ الْمَحَلُّ الَّذِي أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) أَيْ هُوَ شَرْطٌ لِاعْتِكَافِ الرِّجَالِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ بِجَمَاعَةٍ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ الْمُخْتَارَةِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِمَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقَالَا يَجُوزُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَقِيلَ أَرَادَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ غَيْرَ الْجَامِعِ أَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ الْخَمْسُ كُلُّهَا بِجَمَاعَةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلُ يَجُوزُ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَامِعِ ثُمَّ كُلِّ مَكَان أَيْ مَسْجِدٍ أَهْلُهُ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْجَامِعُ قِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ كَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ) أَقُولُ وَالنَّذْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَلَوْ نَذَرَ بِقَلْبِهِ لَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ عَمَلُ اللِّسَانِ وَالنِّيَّةُ الْمَشْرُوعَةُ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ عَلَى شَأْنٍ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ) أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ مَلَامَةِ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدٍ إذَا أَتَى بِهِ بَعْضٌ مِنْهُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأُخَرَ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ
الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (وَالصَّوْمُ شَرْطُ الصِّحَّةِ الْأَوَّلُ) يَعْنِي الْوَاجِبَ (لَا لِلثَّالِثِ) يَعْنِي الْمُسْتَحَبُّ (فَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَمُخْتَارُهُمَا (سَاعَةٌ) وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ (وَقِيلَ) الصَّوْمُ (شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا) ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَأَقَلُّهُ يَوْمٌ فَمَنْ قَطَعَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ (يَقْضِي) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا وَأَبْطَلَهُ (لَا يَخْرُجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (أَوْ جُمُعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهَا ضَرُورَةً (وَقْتَ الزَّوَالِ) إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ (وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ فَوَقْتَ يُدْرِكُهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ يَعْنِي لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ بَلْ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً (وَ) بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا (يُصَلِّي السُّنَنَ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسِتًّا عِنْدَهُمَا وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا (وَلَا يَفْسُدُ بِمُكْثِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فَلَا يُدْرَى أَيَّةُ لَيْلَةٍ هِيَ وَقَدْ تَقَدَّمُ، وَقَدْ تَتَأَخَّرُ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَقَدَّمُ، وَلَا تَتَأَخَّرُ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ لِشُهْرَتِهَا فَأَوْرَدْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ تَتْمِيمًا لِأَمْرِ الْكِتَابِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَ: هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ، وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا، وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيُجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ فِيمَا سِوَاهُ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْسِيمِهِ الِاعْتِكَافَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ هُوَ الْحَقُّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ وَابْنُ الْمَلِكِ لَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ أَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَمُلَازَمَةَ عِبَادَتِهِ وَبَيْتِهِ وَالتَّحَصُّنَ بِحِصْنِهِ قَالَ عَطَاءٌ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ: مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ مَثَلُ رَجُلٍ يَخْتَلِفُ عَلَى بَابِ عَظِيمٍ لِحَاجَةٍ فَالْمُعْتَكِفُ يَقُولُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يُغْفَرَ لِي فَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ) أَقُولُ وَذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلِاعْتِكَافِ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمِ لَا اعْتِكَافَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا، وَهَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ نَذَرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ وَهْبَانَ رُجْحَانُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالظَّاهِرُ رُجْحَانُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْوَجْهُ لَهُ اهـ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ النِّيَّةُ وَالْمَسْجِدُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْوَاجِبِ وَأَمَّا الْمُكْثُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَا لِلصِّحَّةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) وَالِاغْتِسَالِ لِلْجَنَابَةِ إذَا احْتَلَمَ كَمَا فِي النَّهْرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً) اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْكَافِي وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ أَيْ الْخُطْبَةُ لَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ اهـ.
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا أَيْ الْخُطْبَةُ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ
الْمُفْسِدَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَإِنْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ (سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِي اللُّبْثَ وَمَا يُنَافِي الشَّيْءَ يَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ لِلطَّهَارَةِ وَقَالَ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ
(وَخُصَّ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ فِيهِ) يَعْنِي يَفْعَلُ الْمُعْتَكِفُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِ.
(وَ) لَكِنَّ (كُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ فِيهِ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ (وَالصَّمْتُ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ فَقَالَ: أَنْ تَصُومَ، وَلَا تُكَلِّمَ أَحَدًا قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ هَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَمَتَ نَجَا» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما (وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا بِخَيْرٍ فَمَا ظَنُّكَ بِالْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ.
(وَيُبْطِلُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافَ (الْوَطْءُ فِي فَرْجٍ) فِي الْمَسْجِدِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا، وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ كَوْنِ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأُ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحِرْزُ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّهَا) تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ.
وَفِي الْكَافِي بِتَذْكِيرِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلِاعْتِكَافِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِتْمَامُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ وَنَصَّ فِي الْمُبْتَغَى وَالْمُحِيطِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَسْجِدِ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى نَفْسِ بَيْتِهَا فَسَدَ، وَهَذَا فِي النَّذْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَيَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ سَاعَةً) أَيْ، وَلَوْ نَاسِيًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعُذْرِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ نَحْوِ الْجُمُعَةِ وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَقِيَ أَعْذَارٌ أُخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَحْبَبْت ذِكْرَهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ مَا إذَا خَرَجَ لِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ كَرْهًا فَدَخَلَ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ أَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُهُ لِعَدَمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ كَرْهًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَايِرِينَ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ اهـ.
وَنَقَلَ الْكَمَالُ خِلَافَهُ حَتَّى فِي الْخُرُوجِ لِلْجِنَازَةِ إنْ تَعَيَّنَتْ، وَكَذَا لِإِنْقَاذِ حَرِيقٍ أَوْ غَرِيقٍ أَوْ جِهَادٍ عُمِّمَ نَفِيرُهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ أَيْ فِي الْوَاجِبِ وَبِالْأَوْلَى فِي غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرُ فَيَتَوَلَّى حَقَّهُ اهـ.
أَقُولُ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَحَكَمَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ) أَقُولُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ أَوْسَعُ وَقَوْلُهُ أَيْ الْإِمَامِ أَقْيَسُ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُمَا الِاسْتِحْسَانُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ قَالَ وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَنَّهُ يَفْسُدُ، وَلَا يَتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا يُفْسِدُهُ الْخُرُوجُ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ يَعْنِي فَيَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ
(قَوْلُهُ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَهُ مَتْجَرًا فَيُكْرَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ» أَقُولُ وَقَالُوا: إنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةً. . . إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ لَمْ يَبْقَ قُرْبَةً فِي شَرِيعَتِنَا لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا مَا لَا إثْمَ فِيهِ فَشَمِلَ الْمُبَاحَ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ مَا فِيهِ إثْمٌ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي يَتَحَدَّثُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ بِمَا بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْثَمًا؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ فِي اعْتِكَافِهِ اهـ. .
وَفِي النَّهْرِ