الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ لَا تُكَسَّرُ عِظَامُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ إذَا وُجِدَتْ فِي قُبُورِهِمْ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ وَقَلْعُ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ
(بَابُ الشَّهِيدِ)
سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَاضِرٌ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ «شُهَدَاءُ أُحُدٍ فَإِنَّهُمْ كُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَقِّهِمْ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» الْحَدِيثَ وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يُلْحَقُ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْغُسْلِ وَمَنْ لَيْسَ بِمَعْنَاهُمْ وَلَكِنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا أَوْ مَاتَ حَرِيقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ مَبْطُونًا فَلَهُمْ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا يَرَى أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما حُمِلَا إلَى بَيْتِهِمَا بَعْدَ الطَّعْنِ وَغُسِّلَا وَكَانَا شَهِيدَيْنِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا تَعْرِيفُ شَهِيدٍ هُوَ بِمَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَلِهَذَا قَالَ (هُوَ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ) احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (بَالِغٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ (قُتِلَ ظُلْمًا) احْتِرَازٌ عَنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَقُولُ نَقَلَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ عَنْ التَّجْنِيسِ فَقَالَ لَا إثْمَ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمَّا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ عليه السلام مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى عليه السلام نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ عليه السلام بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ اهـ. أَيْ مَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّجْنِيسِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَفِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً. اهـ.
قُلْتُ وَأَيْضًا لَا يُمَاثِلُ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرَهُمْ لِكَوْنِهِمْ أَطْيَبَ مَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ لَا يَعْتَرِيهِمْ تَغَيُّرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَبْقَى جِيفَةً أَشَدَّ نَتْنًا مِنْ جِيفَةِ الْكَلْبِ تُؤْذِي كُلَّ مَنْ مَرَّتْ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُكْسَرُ عِظَامُ الْيَهُودِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمَّا حُرِّمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِذِمَّتِهِ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْحَرْبِيِّينَ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ وَطْؤُهُ وَالنَّوْمُ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ لَيْسَ إلَّا زِيَارَتَهَا وَالدُّعَاءَ عِنْدَهَا قَائِمًا وَاخْتُلِفَ فِي إجْلَاسِ الْقَارِئِينَ لِيَقْرَءُوا عِنْدَ الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ مَنْدُوبَةٌ لِلرِّجَالِ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُمَا وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ يس لِمَا وَرَدَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَا فِيهَا حَسَنَاتٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ فِي (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ) كَذَا الرُّطَبُ لِحَاجَةٍ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الرُّطَبِ إلَّا لِحَاجَةٍ
[بَابُ الشَّهِيدِ]
الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ لِلشَّهِيدِ بِحِيَالِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ فَكَانَ إفْرَادُهُ مِنْ بَابِ الْمَيِّتِ عَلَى حِدَةٍ كَإِفْرَادِ جِبْرِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عليهم السلام كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ) تَمَامُهُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ.
كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ غَرِيبٌ وَرَوَى أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فِي عَدَمِ غُسْلِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يَلْحَقُ بِهِمْ. . . إلَخْ) قَالَهُ فِي الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ ارْتَثَّ فَقَالَ ثُمَّ الْمُرْتَثُّ، وَإِنْ غُسِّلَ فَلَهُ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ كَالْحَرِيقِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيبِ اهـ.
وَهُوَ أَوْفَرُ فَائِدَةً مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) أَقُولُ: لَكِنْ لَا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَضْعِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بَلْ بِالْمَعْنَى مِنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وُجُوبُهُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ مِنْهُمَا فِي رَاوِيَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ كَمَا بَعْدَهُ فَيَجِبُ التَّغْسِيلُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: بَالِغٌ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمْ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ فَكَانَ يَنْبَغِي إبْدَالُ لَفْظِ بَالِغٍ بِمُكَلَّفٍ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (قَوْلُهُ: قُتِلَ ظُلْمًا) يَعْنِي بِأَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَيُّبًا مِنْهُمْ كَمَا لَوْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلَقُوهُمْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ وَالْكَرِّ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةً فَصَدَمَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَوْا نَارًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَبَّتْ بِهَا رِيحٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَرْسَلُوا مَاءً فَغَرَقَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُضَافُ إلَى الْعَدُوِّ تَسَبُّبًا أَمَّا لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهُمْ دَابَّةُ كَافِرٍ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ سِيَاقٍ أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ
مَنْ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا (وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ) احْتِرَازٌ عَنْ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ مَالٌ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ الِابْنُ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ وَجَبَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بَلْ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ (وَلَمْ يُرْتَثَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ ارْتَثَّ الْجَرِيحُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ رَمَقٌ وَالِارْتِثَاثُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُرْتَفَقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ أَوْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ
(سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ كَمَا عَرَفْتَ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ فَفِيهِمْ مَنْ دُمِغَ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ وَفِيهِمْ مَنْ قُتِلَ بِالْعَصَا وَقَدْ عَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ (أَوْ) قَتَلَهُ (غَيْرُهُمْ بِهَا) أَيْ بِجَارِحَةٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا قَتَلَهُ غَيْرُ بَاغٍ أَوْ غَيْرُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمُسْلِمًا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ بِجَارِحَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ شَهِيدًا
(أَوْ وُجِدَ) عَطْفٌ عَلَى قُتِلَ ظُلْمًا (جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) أَيْ مَعْرَكَةِ الْبَاغِي وَنَحْوِهِ وَاشْتَرَطَ الْجِرَاحَةَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ (فَيُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الصَّالِحِ لِلْكَفَنِ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ (وَيُزَادُ) إنْ نَقَصَ (وَيُنْقَصُ) إنْ زَادَ (لِيَتِمَّ) الْكَفَنُ (وَلَا يُغَسَّلُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) إكْرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا (وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ غُسْلِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الصَّلَاةِ (فَيُغَسَّلُ مِنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مِصْرٍ فِيمَا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ (يَجِبُ) إذَا وُجِدَ (فِيهِ) أَيْ الْقَتِيلِ (الْقَسَامَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ (وَلَمْ يُعْلَمُ قَاتِلُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ غُسِّلَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخُفِّفَ أَثَرُ الظُّلْمِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَاتِلِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْهِدَايَةِ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الْقَتْلِ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فَلِعَارِضِ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْقِصَاصِ فَلَا يُخْرِجُهُ هَذَا الْعَارِضُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ فَيُغَسَّلُ وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ عِنْدَنَا فَفِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْسُ الْقَتْلِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرٍّ وَلَا طَعْنٍ وَلَا دَفْعٍ مِنْ الْعَدُوِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرْتَثَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الصِّحَاحِ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي الْإِيضَاحِ مَعْنَى الِارْتِثَاثِ هُوَ أَنَّ خَلَقَ شَهَادَتِهِ مِنْ قَوْلِك ثَوْبٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وَجَدَ جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) لَوْ قَالَ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْجِرَاحَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرَةِ فَيَشْمَلُ الْبَاطِنَةَ الْمَعْلُومَةَ بِسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مُعْتَادِ خُرُوجِهِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْأَثَرَ غَيْرَ الْجِرَاحَةِ كَالْكَسْرِ لِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَأَنَّهُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ (قَوْلُهُ: كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) أَيْ عِنْدَ وِجْدَانِ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ وَإِلَّا دُفِنَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدَ الْكَفَنُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ: فَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ الْعُمْرَانُ وَمَا يَقْرُبُهُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ فِي الْقَتْلِ فَشَمَلَ الْقَتْلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا (قَوْلُهُ: فِيمَا أَيْ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ) أَقُولُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إيهَامٍ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إذَا وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ إذَا وُجِدَ فِيهَا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ بَدَلَ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ أَوْلَى مِنْ ضَمِّ الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ ضَمَّ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْمَقْتُولُ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَطْ اهـ قُلْتُ إذَا حُمِلَتْ الْوَاوُ عَلَى أَوْ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ انْدَفَعَ الْإِيرَادُ وَأَفَادَ الْحُكْمُ ظَاهِرًا لَا بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ الدِّيَةَ وَلَا يَنْعَكِسُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَيْ جُهِلَ بِالْمَرَّةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ وَكَانَ ظَالِمًا قُتِلَ بِمُحَدَّدٍ لَا يُغَسَّلُ وَأَشَرْت بِأَنَّ الْمُرَادَ جَهْلُ الْقَاتِلِ بِالْمَرَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا عُلِمَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا نَزَلَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ
فَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْعَارِضِ أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَفِي الْمَتْنِ أَخَذَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقُولُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِي شُرُوحِهِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ عَيْنًا وَأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَا قِصَاصَ يَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَاتِلِ الْمَعْلُومِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ جَدُّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ظُلْمًا أَيْ وَعُلِمَ قَاتِلُهُ وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ظُلْمًا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُعْتَدِيًا فَلَا يَكُونُ الْقَتْلُ ظُلْمًا وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَوَّلًا مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ فَمَعْنَاهُ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ قَيْدًا لِانْفِهَامِهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الثَّانِي قَيْدًا يُفْهَمُ مِنْ الدَّلِيلِ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ فِي الْمَآلِ وَاحِدٌ وَلَا اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ هَاهُنَا وَمَنْشَأُ تَوَهُّمِ الْمُخَالَفَةِ وَالِاخْتِلَافِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَبْلَ إلَّا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ بَعْدَهُ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
(أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ) فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِظُلْمٍ (أَوْ جُرْحٍ وَارْتَثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ آوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ) حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا (أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ إلَّا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّقْلُ مُنَافِيًا لِلشَّهَادَةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ أَوْصَى) بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْإِجْمَاعِ
(أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَقِيلَ بِكَلِمَةٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقُضُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلْقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ (هَذَا) أَيْ كَوْنُ مَا ذَكَرَ فِي بَيَانِ الِارْتِثَاثِ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ (إذَا وُجِدَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْحَرْبِ وَلَوْ فِيهَا لَا) أَيْ لَوْ وُجِدَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُغَسَّلُ مَنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الطَّرِيقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ يُحْفَظُ هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) .
أَقُولُ ذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا رَادًّا عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ قَالَ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ مُنْقَطِعًا وَلَا بَأْسَ فِيهِ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ) قَالَ الْكَمَالُ كَذَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحِصَّتِهِ وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَرَادَ إذْ لَمْ يَقْدِرْ لِلضَّعْفِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ فَكَوْنُهُ يَسْقُطُ بِهِ الْقَضَاءُ قَوْلُ طَائِفَةٍ وَالْمُخْتَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ أَرَادَ لِغَيْبَةِ الْعَقْلِ فَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَتَى يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْجَرِيحِ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَكَوْنُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ لِلضَّعْفِ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ فِيمَا إذَا قَدَرَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ عَلَى حَالِهِ فَلَا إثْمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ) تَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْمَصْرَعِ لَيْسَ بِنَيْلِ رَاحَةٍ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَيُوجِبُ حُدُوثَ آلَامٍ لَمْ تَحْدُثْ لَوْلَا النَّقْلُ وَالْمَوْتُ يَحْصُلُ عَقِيبَ تَرَادُفِ الْآلَامِ فَيَكُونُ النَّقْلُ مُشَارِكًا لِلْجِرَاحَةِ فِي إثَارَةِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ يَقِينًا فَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَالِارْتِثَاثُ فِيهِ لَيْسَ لِلرَّاحَةِ بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي هُوَ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ الْآخِرَةِ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْوَصِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصْفِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ ظَاهِرُهُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْوَصْفِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَنَقَلَ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَوْلَيْنِ فَقَالَ وَيُطْرِدُ أَبُو يُوسُفَ الِارْتِثَاثَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَقَطْ أَوْ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ فِي وَصِيَّةِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَثًّا أَوْ مُطْلَقًا أَيْ أَوْ خَالَفَهُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَثًّا فِي الْوَصِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْأَمْوَاتِ اهـ.
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلَقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ) يَعْنِي حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الْغُسْلِ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَالَ الْقِتَالِ يَكُونُ مُرْتَثًّا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ النِّهَايَةِ