الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)
(لَهَا فَرَائِضُ مِنْهَا التَّحْرِيمَةُ) التَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا وَالْهَاءُ لِتَحْقِيقِ الِاسْمِيَّةِ وَخُصَّتْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ (وَهِيَ التَّكْبِيرُ) أَيْ الْوَصْفُ بِالْكِبْرِيَاءِ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ (بِالْحَذْفِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهُ وَلَا فِي بَاءِ أَكْبَرُ (بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ) هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]
ِ) أَيْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قِيلَ الصِّفَةُ وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْوَصْفَ لُغَةً ذِكْرُ مَا فِي الْمَوْصُوفِ مِنْ الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ هِيَ مَا فِيهِ وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرُ وَصَفَهُ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهَوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْمُجْزِئِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الْجَوَاهِرِ وَلِهَذَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَالْفَسْخِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الشَّيْءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الْعَيْنُ وَهِيَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ وَالْعَيْنُ هُنَا الصَّلَاةُ وَالرُّكْنُ وَهُوَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ كَالْقِيَامِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ كَجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ وَثَوَابِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ الْآدَمِيُّ الْمُكَلَّفُ وَشَرْطُهُ كَالطَّهَارَةِ وَالسَّبَبُ كَالْوَقْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ لَهَا فَرَائِضُ) الْمُرَادُ مَا يَفُوتُ الْجَوْزُ بِفَوْتِهِ.
(قَوْلُهُ مِنْهَا التَّحْرِيمَةُ) هِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رُكْنٌ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَالشَّرْطُ الْإِتْيَانُ بِهَا قَائِمًا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَحَنَى ظَهْرَهُ ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ قَائِمًا يُرِيدُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ.
(تَنْبِيهٌ) : مِنْ فَرَائِضِهَا النِّيَّةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا شَرْطٌ وَلَمْ تُذْكَرُ هُنَا لِمَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ التَّكْبِيرُ أَيْ الْوَصْفُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا شَرْطٌ عِنْدَنَا عَلَى الْقَادِرِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا اهـ.
وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيُّ، وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إتْيَانِهِ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ كَاللَّهُ وَلَا بِأَكْبَرَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي التَّجْرِيدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِيرُ شَارِعًا بِكُلِّ اسْمٍ مُفْرَدًا أَوْ خَبَرًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَلَالَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ وَلَمْ يَزِدْ يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ قَالَ الْكَبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ أَكْبَرُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي الْفَتْحِ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ قُلْت فَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُسْنَدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرِ الِاسْمِ دُونَ الصِّفَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ اهـ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ الَّذِي تَقَدَّمَ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ كَانَ فِي قِيَامِهِ وَقَوْلَهُ أَكْبَرُ وَقَعَ فِي رُكُوعِهِ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ اهـ.
وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَإِلَّا فَيَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ مُصَلٍّ وَمُصَلٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَا يَأْتِي بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهِ وَلَا فِي أَكْبَرَ) أَقُولُ فَإِنْ أَتَى بِهِ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ يَكْفُرُ لِلشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِالْكُفْرِ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ اللَّهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا اهـ.
وَإِنْ أَتَى بِهِ فِي بَاءِ أَكْبَرَ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ اللَّهُ فَحَسَنٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ اهـ.
وَجَزْمُ الْهَاءِ مِنْ الِاسْمِ الْكَرِيمِ خَطَأٌ وَمَا بَحَثَهُ الْأَكْمَلُ مِنْ عَدِّ الْفَسَادِ وَالْكُفْرِ بِالْمَدِّ فَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ حَرْفَ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ وَلَا فِي أَكْبَرَ لِيُفِيدَ النَّهْيَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَتِهَا وَبَائِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
(قَوْلُهُ بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ هُوَ الْأَصَحُّ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَبُو يُوسُفَ يَرَى الرَّفْعَ مَعَ التَّكْبِيرِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَحَكَى عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَاضِي خَانْ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ وَقْتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ لَكِنْ يُضَعِّفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي اثِّنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ اهـ
نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ (حِذَاءَ إذْنَيْهِ) أَيْ يَرْفَعُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَيُمِسُّ طَرَفَيْ إبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ (وَ) بَعْدَ رَفْعِ (الْمَرْأَةِ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَاتُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ (وَالْأَصَابِعُ بِحَالِهَا) أَيْ غَيْرُ مُفَرَّجَةٍ وَلَا مَضْمُومَةٍ بَلْ مَنْشُورَةٌ (وَجَازَتْ) التَّحْرِيمَةُ (بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ) نَحْوُ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ (وَبِالتَّسْبِيحِ) نَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ (وَالتَّهْلِيلِ) نَحْوِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (وَبِالْفَارِسِيَّةِ) نَحْوِ خداي بزركست كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا (لَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الدُّعَاءِ) نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْدِلَ بِذِكْرٍ يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ وَلَا يَشُوبُ بِالدُّعَاءِ (وَجَهَرَ بِهِ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ (الْإِمَامُ وَكَبَّرَ مَعَهُ الْمُؤْتَمُّ سِرًّا) الْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُكَبِّرَ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُقَارَنَةِ وَعِنْدَ هُمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَفِي التَّسْلِيمِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ اللَّهُ أَكْبَرُ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ قَبْلَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) أَقُولُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ سَوَاءٌ كَانَ دُونَ الْمَسْنُونِ أَوْ فَوْقَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَعَلَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(تَنْبِيهٌ) : سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله الْآدَابَ فِي آخِرِ الْبَابِ كَإِخْرَاجِ الْكَفَّيْنِ مِنْ الْكُمَّيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا هُنَا وَوَضْعُ كُلٍّ مِنْهَا فِي مَحَلِّهِ كَمَا صَنَعَ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ.
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَيُمِسُّ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ مُغَايَرَتُهُ لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ بِالْمُحَاذَاةِ أَنْ يَمَسَّ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ لِيَتَيَقَّنَ مُحَاذَاةَ يَدَيْهِ أُذُنَيْهِ اهـ فَلَا مُخَالَفَةَ عَلَى هَذَا.
(قَوْلُهُ وَبَعْدَ رَفْعِ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا حُرَّةً فَشَمِلَ الْأَمَةَ لَكِنْ قَالَ الْحَدَّادِيُّ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ وَكَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَعْنِي أَنَّهَا تَنْضَمُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَازَتْ التَّحْرِيمَةُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِاللَّهِ أَكْبَرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ الْكَبِيرُ وَيَتَرَدَّدُ فِي كَبِيرٍ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَلَا يُجِيزُهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ خَامِسًا اللَّهُ الْكُبَارُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ نَحْوُ اللَّهُ أَجَلُّ) أَقُولُ.
وَأَمَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَوْ افْتَتَحَ بِهَا قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَالسِّرَاجِ. (قَوْلُهُ وَبِالتَّسْبِيحِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُشْرَعَ بِالتَّكْبِيرِ وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِافْتِتَاحِ بِالتَّكْبِيرِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ وَتَضْعِيفَ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَتَضْعِيفَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَبِالْفَارِسِيَّةِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا لَا خُصُوصَ الْفَارِسِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَهُوَ التَّعْظِيمُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إجْمَاعًا وَكَالتَّلْبِيَةِ وَالسَّلَامِ وَرَدِّهِ وَالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالْأَصَحُّ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ جَوَازِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا) هَذَا أَيْضًا مَرْجُوعٌ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنَّهُ لَوْ قَرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اُكْتُفِيَ بِهِ أَيْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ اهـ.
وَحَكَى مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا وَبِحَمْلِ مَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى الْقَصَصِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَا وَلَا تُفْسِدُ وَفِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا لُبِّ الْأُصُولِ اهـ.
وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
(قَوْلُهُ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ جَائِزٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي) أَيْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاحْفَظْنِي فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى اللَّهُمَّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالدِّرَايَةِ.
وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا.
(قَوْلُهُ الْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ لَا الْجَوَازِ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ اللَّهُ أَكْبَرُ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُؤْتَمَّ عَلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْخَطَأَ بِيَقِينٍ أَوْ بِغَالِبِ الظَّنِّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ أَكْبَرُ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَفْظُ أَكْبَرُ أَعْنِيَ الْخَبَرَ لَمْ أَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بَلْ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مَا لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ أَعْنِيَ الْمُبْتَدَأَ
فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ شَارِعًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَهِيَ) أَيْ التَّحْرِيمَةُ (شَرْطٌ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ إلَى النَّفْلِ بِلَا إحْرَامٍ جَدِيدٍ وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا كَانَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ بِشَرْطٍ أَدَّى بِهِ الْفَرْضَ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلْفَرْضِ وَأَدَّى بِهِ النَّفَلَ، وَإِذَا كَانَتْ رُكْنًا كَانَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ بِرُكْنِ الْفَرْضِ وَذَا لَا يَجُوزُ (وَالْمَذْكُورَاتُ سُنَنٌ) يَعْنِي رَفْعَ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَشْرَ أَصَابِعِهِ وَجَهْرَ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الْقِيَامُ فِي الْفَرْضِ) يَعْنِي أَنَّ فَرْضِيَّةَ الْقِيَامِ مَخْصُوصَةٌ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَا يَكُونُ فَرْضًا فِي النَّفْلِ حَتَّى جَازَ أَدَاؤُهُ بِدُونِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (وَفِيهِ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضَعُ عَلَى صَدْرِهِ، وَصِفَةُ الْوَضْعِ أَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقَ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ (وَيُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَفِيهِ الْوَضْعُ وَكُلَّ قِيَامِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَفِيهِ الْإِرْسَالُ (وَيُثْنِي) أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ تَقَعْ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ أَكْبَرُ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ. . . إلَخْ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْأَصَحِّيَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَهُمَا مُتَغَايِرَتَانِ عَلَى مَا رَأَيْتُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَيُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ قَالَ الْمُقْتَدِي اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَقَعَ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رحمه الله الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ اهـ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ لَفْظَ أَكْبَرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ مِنْ الْخَانِيَّةِ.
(تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا لَا مُنْفَرِدًا وَلَا مُقْتَدِيًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَبَّرَ قَبْلَ إمَامِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يُجَدِّدْ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُشَارَكَةَ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ اهـ لَكِنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهِ قَبْلَ إمَامِهِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ اهـ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ يَعْنِي رَفْعَ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ حُكْمَ إسْرَارِ الْمُقْتَدِي بِالتَّكْبِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقِيَامُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَحَدُّهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ رُكْبَتَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهُ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا وَالْوَاجِبَ وَاجِبًا وَالسُّنَّةَ سُنَّةً وَلَمْ أَرَهُ.
(قَوْلُهُ فِي الْفَرْضِ) أَقُولُ، وَكَذَا مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ كَالْوَاجِبِ.
(قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ فَرْضِيَّةَ الْقِيَامِ مَخْصُوصَةٌ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْقَطَعِيُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَالْوِتْرِ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ فِيهَا لَا عَلَى الْقَطْعِيِّ.
(قَوْلُهُ وَفِيهِ يَضَعُ يَمِينَهُ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْقِيَامِ وَلَا يُفِيدُ تَعْيِينَ الْوَضْعِ فِي ابْتِدَائِهِ بَلْ أَعَمُّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ يَضَعُ.
(قَوْلُهُ تَحْتَ سُرَّتِهِ هَذَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ) . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا الْوَضْعُ عَلَى صَدْرِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ حَالِهَا كَمَا قَدَّمَهُ فِي الرَّفْعِ لِلتَّكْبِيرِ.
(قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْوَضْعِ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمَرْأَةُ تَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى صَدْرِهَا وَلَا تَقْبِضُ بَلْ تَضَعُ كَفَّهَا الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ.
(قَوْلُهُ وَيُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُعْتَمَدُ فَإِنَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ ذِكْرًا مَسْنُونًا وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ اتِّفَاقُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) أَقُولُ، وَقِيلَ يَضَعُ بَيْنَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ. . . إلَخْ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سُنَّةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَيُرْسِلُ فِي الثَّنَاءِ وَالْقُنُوتِ وَالْجِنَازَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ) يَعْنِي إلَى آخِرِهِ وَهُوَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك سُبْحَانَ مَصْدَرٌ كَغُفْرَانٍ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلِهِ وُجُوبًا فَمَعْنَاهُ أُسَبِّحُك تَسْبِيحًا أَيْ أُنَزِّهُك تَنْزِيهًا أَيْ أَعْتَقِدُ نَزَاهَتَك عَنْ كُلِّ صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِك وَبِحَمْدِك أَيْ نَحْمَدُك بِحَمْدِك فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَطَفَ الْجُمْلَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَنَفَى بِسُبْحَانَكَ صِفَاتِ النَّقْصِ وَأَثْبَتَ بِقَوْلِهِ وَبِحَمْدِكَ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إظْهَارُ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ وَهَذَا وَجْهُ تَقْدِيمِ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَتَبَارَكَ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَكَاثَرَ خُيُورِ أَسْمَائِك الْحُسْنَى وَزَادَتْ عَلَى خُيُورِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الذَّاتِ السُّبُّوحِيَّةِ الْقُدْسِيَّةِ الْعُظْمَى وَالْأَفْعَالِ الْجَامِعَةِ لِكُلِّ مَعْنًى أَسْنَى وَتَعَالَى جَدُّك أَيْ ارْتَفَعَ عَظَمَتُك أَوْ سُلْطَانُك أَوْ غِنَاك عَمَّا سِوَاك وَلَا إلَهَ غَيْرُك فِي الْوُجُودِ فَأَنْتَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ فَبَدَأَ بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى التَّوْحِيدِ ثُمَّ خَتَمَ بِالتَّوْحِيدِ
إلَّا قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُك فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْمَشَاهِيرِ (سِرًّا إنْ أَمَّ أَوْ انْفَرَدَ أَوْ اقْتَدَى بِمُسِرٍّ أَوْ مُجَاهِرٍ قَبْلَ الْجَهْرِ) حَتَّى إذَا اقْتَدَى حِينَ يَجْهَرُ لَا يُثْنِي (وَلَا يُوَجِّهُ) أَيْ لَا يَضُمُّ إلَى الثَّنَاءِ قَوْلَهُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي. . . إلَخْ وَعِنْدَهُمَا لَوْ قَالَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِإِحْضَارِ الْقَلْبِ فَهُوَ حَسَنٌ (وَيَتَعَوَّذُ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلثَّنَاءِ فَيَتَعَوَّذُ الْمَسْبُوقُ) فِي قَضَاءِ مَا سَبَقَ (لَا الْمُؤْتَمُّ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْرَأُ وَلَا يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ أَثْنَى حَالَ اقْتِدَائِهِ فَيَتَعَوَّذُ وَالْمُؤْتَمُّ يُثْنِي وَلَا يَقْرَأُ فَلَا يَتَعَوَّذُ (وَيُؤَخِّرُهُ) أَيْ التَّعَوُّذَ (عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الثَّنَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّعَوُّذُ مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ لَا بِالثَّنَاءِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ (أَيْضًا سُنَنٌ) يَعْنِي وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ وَالْإِرْسَالَ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
تَرَقِّيًا فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِ النُّعُوتِ السَّلْبِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ إلَى غَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي الْأَحَدِيَّةِ وَالصَّمَدِيَّةِ فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
(قَوْلُهُ إلَّا قَوْلَهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُك) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ، وَإِنْ زَادَ وَجَلَّ ثَنَاؤُك لَا يُمْنَعُ عَنْهُ، وَإِنْ سَكَتَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَكَذَا فِي الْكَافِي لَكِنْ بِلَفْظِ قَالُوا.
(قَوْلُهُ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُقَيِّدًا بِالْفَرَائِضِ وَأَطْلَقَهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَظَرًا إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَرْوِيِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَحِلِّ، وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ أَوْ بِمُجَاهِرٍ قَبْلَ الْجَهْرِ) أَقُولُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يُحْرِمُ قَائِمًا وَيَرْكَعُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقَعْدَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُوَجِّهُ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِهِ عِنْدَهُمَا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبُرْهَانِ مَا يُفِيدُ سُنِّيَّةَ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَهُمَا حَيْثُ قَالَ وَيَجْمَعُ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَهُمَا أَيْ التَّوَجُّهِ وَالثَّنَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ آخِرًا أَيْ فِي قَوْلِهِ الْآخِرِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَّهْت وَجْهِي» فَيَكُونُ مُفَسِّرًا لِمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ اهـ، وَكَذَا مَا فِي الْكَافِي يُفِيدُ سُنِّيَّةً فِي النَّافِلَةِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي) أَقُولُ لَفْظَةُ إنِّي لَمْ يَذْكُرْهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
(قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ وَتَمَامُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ.
وَزَادَ عَلَى هَذَا فِي الْبُرْهَانِ مَرْوِيًّا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ «لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» .
(تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَالَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يُخْبِرْ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ كَانَ تَالِيًا وَإِذَا كَانَ مُخْبِرًا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَوْ قَالَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِإِحْضَارِ الْقَلْبِ فَهُوَ حَسَنٌ) أَقُولُ نَسَبَ هَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا قَالَ عليه السلام «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَتَعَوَّذُ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّتَهُ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ فِي الْكَافِي الْمُخْتَارُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا قِيلَ الْمُخْتَارُ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ حَمْزَةَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْأَوْلَى لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدْنَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَتَعَوَّذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ لَا لِلثَّنَاءِ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعَوُّذَ هَلْ هُوَ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْقِرَاءَةِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا فَيَكُونَ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ أَثْنَى حَالَ اقْتِدَائِهِ) أَقُولُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُثْنِ حَالَ اقْتِدَائِهِ أَتَى بِهِ فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا إذَا اقْتَدَى حِينَ الْجَهْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ.
(قَوْلُهُ وَيُؤَخِّرُهُ أَيْ التَّعَوُّذَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) أَقُولُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ رَاجِعٌ إلَى مَنْ يَأْتِي بِالتَّعَوُّذِ وَهُوَ الْإِمَامُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى وَيُؤَخَّرَ لِلْمَجْهُولِ.
(قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّعَوُّذُ مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ لَا بِالثَّنَاءِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُرَتِّبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّنَاءِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّعَوُّذِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الثَّنَاءِ أَعَادَهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَتَعَوَّذُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ اهـ.
(تَتِمَّةٌ) : قَالَ فِي الْكَافِي وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَيْ الْإِتْيَانُ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَاجِبًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى سُنِّيَّتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ الْمَذْكُورَاتُ إلَى قَوْلِهِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ)
الْعِيدِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ.
(وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الْقِرَاءَةُ) فَرْضُهَا آيَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَمَا دُونَهَا خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ (وَالْمُكْتَفِي بِهَا مُسِيءٌ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ سُورَةٍ أَوْ مِقْدَارِهَا إلَيْهَا وَاجِبٌ وَفِيهِ تَرْكُهُ (وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُسَمِّي) أَيْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (سِرًّا فِيهَا فَقَطْ) أَيْ لَا يُسَمِّي فِي سُورَةٍ بَعْدَهَا (وَيُؤَمِّنُ) أَيْ يَقُولُ آمِينَ (بَعْدَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (سِرًّا) سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا (وَيَضُمُّ إلَيْهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (سُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ (وَمَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالضَّمِّ سُنَّةٌ) فَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ سُنَّةً يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُسَمِّي أَوَّلَ صَلَاتِهِ ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ كَالتَّعَوُّذِ وَالثَّنَاءِ (وَهُمَا) أَيْ الْفَاتِحَةُ وَالضَّمُّ (وَاجِبَانِ) قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ عِنْدَنَا، وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا لَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ السُّرُوجِيُّ عَلَى قَوْلِهِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا بِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ رُكْنٌ وَخَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيهِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَمْ تَجُزْ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ، وَثَلَاثُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَالْإِسْرَارَ بِهِمَا أَيْ بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
(قَوْلُهُ وَفَرْضُهَا آيَةٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةُ مُطْلَقِ الْآيَةِ لَوْ قَرَأَ آيَةً هِيَ كَلِمَاتٌ نَحْوُ {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: 19] أَوْ كَلِمَتَانِ نَحْوُ ثُمَّ نَظَرَ يَجُوزُ بِلَا خِلَاف بَيْنَ الْمَشَايِخِ أَوْ آيَةً هِيَ كَلِمَةٌ نَحْوُ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] ص ق ن فَإِنَّهَا آيَاتٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقُرَّاءِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا إلَّا قَارِئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ قَارِئَ مَا دُونِ الثَّلَاثِ أَوْ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ لَا يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا فَشُرِطَتْ الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ أَوْ ثَلَاثٌ قِصَارٌ تَحْصِيلًا لِوَصْفِ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا وَحَرُمَتْ قِرَاءَةُ الْآيَةِ الْقَصِيرَةِ وَمَا دُونَ الطَّوِيلَةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ احْتِيَاطًا أَيْضًا لِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُكْتَفِي بِهَا مُسِيءٌ) يَعْنِي، وَقَدْ أَتَى بِهَا فِي كُلٍّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَامِلَةً فَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اُخْتُلِفَ فِيهِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَصَحَّحَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُسَمِّي) الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ التَّعَوُّذِ فَلَوْ سَمَّى قَبْلَ التَّعَوُّذِ أَعَادَهَا بَعْدَهُ، وَلَوْ نَسِيَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَا يُسَمِّي لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَنْزِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَيْ لَا يُسَمِّي فِي سُورَةٍ بَعْدَهَا) أَقُولُ أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي السِّرِّيَّةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا لِلسُّورَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الْإِتْيَانِ بِهَا بَلْ إنْ سَمَّى بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ كَانَ حَسَنًا سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً وَأَشَرْنَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ إلَى سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ احْتِرَازًا عَمَّا رَوَى الْجِنُّ أَنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْكِفَايَةِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُسَمِّي مَرَّةً فِي الْأُولَى فَحَسْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا.
(قَوْلُهُ وَيُؤَمِّنُ أَيْ يَقُولُ آمِينَ) أَقُولُ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ وَأَشْهُرُهُنَّ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ وَالثَّانِيَةُ بِالْقَصْرِ وَالتَّخْفِيفِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَالثَّالِثَةُ بِالْإِمَالَةِ وَالرَّابِعَةُ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ حَكَى الْأَخِيرَتَيْنِ الْوَاحِدِيُّ وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالرَّابِعَةِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَمِنْ الْخَطَأِ التَّشْدِيدُ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَلَا يَبْعُدُ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا) أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ آمِينَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ مَأْمُومًا) أَقُولُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ إذَا سَمِعَ تَأْمِينَ الْإِمَامِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُؤَمِّنُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُقْتَدَى التَّأْمِينَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى اهـ قُلْت فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَتَكُونُ التَّسْمِيهُ سُنَّةً) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَحَّحَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْقُنْيَةِ وُجُوبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ رَوَى الْحَسَنُ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ حَتَّى يُؤْمَرَ. . . إلَخْ) ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلْفَقِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ تَثْبُتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ قَالُوا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ تَرْكِ السُّورَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ نَعَمْ الْفَاتِحَةُ آكُدُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ السُّورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا دُونَ السُّورَةِ وَالْآكَدِيَّةُ لَا تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ
آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هَاهُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ (وَسُنَّتُهَا) أَيْ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ (فِي السَّفَرِ عَجَلَةً الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ وَأَمَنَةً نَحْوُ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ وَفِي الْحَضَرِ اُسْتُحْسِنَ فِي السَّفَرِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ وَالْمَغْرِبِ قِصَارُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) مِنْ الْحُجُرَاتِ طِوَالٌ إلَى الْبُرُوجِ وَمِنْهَا أَوْسَاطٌ إلَى لَمْ يَكُنْ وَمِنْهَا قِصَارٌ إلَى الْآخِرِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الرُّكُوعُ يُكَبِّرُ لَهُ خَافِضًا) أَيْ مُنْحَطًّا؛ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفْرِجًا أَصَابِعَهُ) لَا يُنْدَبُ التَّفْرِيجُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بَاسِطًا ظَهْرَهُ) حَتَّى لَوْ صُبَّ الْمَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ لَاسْتَقَرَّ (لَا رَافِعًا رَأْسَهُ وَلَا مُنَكِّسًا وَيُطَمْئِنُ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ (مُسَبِّحًا) أَيْ قَائِلًا سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا هِيَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَمَنْ قَالَ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّهَا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَكُلُّ مَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ عَلَى وِتْرٍ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
مُطْلَقًا لَا الْوَاجِبِ الْمُتَأَكِّدِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي السَّفَرِ عَجَلَةً الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) أَقُولُ أَطْلَقَ السُّنَّةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَمَا مَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ السُّنَّةُ لِثُبُوتِهَا بِهَا وَإِلَّا فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ سَفَرًا وَحَضَرًا.
(قَوْلُهُ وَأَمَنَةً نَحْوُ الْبُرُوجِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ كَمَا فِي الْكَافِي.
(قَوْلُهُ وَانْشَقَّتْ) لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْكَافِي بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ نَحْوُ الْبُرُوجِ يَعْنِي وَمَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ وَاضِحٌ لِيُنَاسِبَ التَّخْفِيفَ فِي سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ. وَأَمَّا انْشَقَّتْ فَهِيَ مِنْ الطِّوَالِ فَلَا تَخْفِيفَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ عَلَى مَا قِيلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
(قَوْلُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) قَسِيمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَأَطْلَقَ مَا يَقْرَأُ فَشَمِلَ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ مَثَّلَ فِي الْكَافِي الضَّرُورَةَ لِلْمُسَافِرِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ لِصٍّ وَمَثَّلَ لِلضَّرُورَةِ بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَأَيَّ سُورَةٍ شَاءَ وَفِي الْحَضَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَقْرَأُ بِقُدْرَةِ مَا لَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ اهـ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَخْتَصُّ التَّخْفِيفُ لِلضَّرُورَةِ بِالسُّورَةِ فَقَطْ بَلْ كَذَلِكَ الْفَاتِحَةُ كَمَا إذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ فَقَرَأَ آيَةً مَثَلًا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا. اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ طِوَالٌ) أَقُولُ هَذَا عَلَى مَا قِيلَ هُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْحُجُرَاتِ، وَقِيلَ مِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ (ق) كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ إلَى الْبُرُوجِ) أَقُولُ، وَقِيلَ إلَى عَبَسَ (قَوْلُهُ وَأَوْسَاطُهُ إلَى لَمْ يَكُنْ) أَقُولُ، وَقِيلَ أَوْسَاطُهُ مِنْ كُوِّرَتْ إلَى الضُّحَى وَالْبَاقِي قِصَارُهُ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(تَنْبِيهٌ) : الْغَايَةُ لَيْسَتْ مِمَّا قَبْلَهَا فَالْبُرُوجُ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا الطِّوَالِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَرَأَ فِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَى الْبُرُوجَ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الطَّارِقِ» . اهـ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الرُّكُوعُ) أَقُولُ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرُّكُوعِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ.
وَفِي الْحَاوِي فَرْضُ الرُّكُوعِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ أَصْلًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الرُّكُوعِ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِذَا بَلَغَتْ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يُكَبِّرُ لَهُ خَافِضًا) أَقُولُ، كَذَا فِي الْوِقَايَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَالْمُرَادُ أَنْ يُقَارِنَ التَّكْبِيرَ ابْتِدَاءُ الِانْحِطَاطِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُقَارِنٌ لِلِانْحِطَاطِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَذَا اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرَ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ الْقُدُورِيَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ الْمُحْتَمِلُ لِلْمُقَارَنَةِ وَضِدِّهَا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَهْوِي وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ قَالُوا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِئَلَّا تَخْلُوَ حَالَةُ الِانْحِنَاءِ عَنْ الذِّكْرِ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَقُولُ وَيَكُونُ نَاصِبًا سَاقَيْهِ، وَإِحْنَاؤُهُمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ.
(قَوْلُهُ مُفْرِجًا أَصَابِعَهُ) هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَفْرِجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» ) أَقُولُ أَيْ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ كَمَالُهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحْمَلُ لِلسُّنَّةِ لَا اللُّغَوِيُّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ تَوَاضُعًا وَتَذَلُّلًا نَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُقَابِلَهُ الْعَظَمَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ غَايَةَ التَّسَفُّلِ نَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُقَابِلَهُ الْعُلُوُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِاقْتِدَارُ لَا الْعُلُوُّ فِي الْمَكَانِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثِ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
يُمِلُّ الْقَوْمَ بِهِ (ثُمَّ يُسَمِّعُ) أَيْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ (رَافِعًا رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ (وَالْإِمَامُ يَكْتَفِي بِهِ) أَيْ بِالتَّسْمِيعِ (وَالْمُقْتَدِي) يَكْتَفِي (بِالتَّحْمِيدِ) يَعْنِي رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ.
وَفِي الْمُحِيطِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ الثَّنَاءِ (وَالْمُنْفَرِدُ قِيلَ كَالْمُقْتَدِي) يَعْنِي يَكْتَفِي بِالتَّحْمِيدِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ مَعَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ) الْمُنْفَرِدُ (يَجْمَعُهُمَا) أَيْ التَّسْمِيعَ وَالتَّحْمِيدَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ (وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا) بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ (وَمَا سِوَى الِاطْمِئْنَانِ) وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، وَمَا سِوَاهُ تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ وَتَفْرِيجُ الْأَصَابِعِ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّسْمِيعُ وَالْقِيَامُ مُسْتَوِيًا (سُنَنٌ وَهُوَ) أَيْ الِاطْمِئْنَانُ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ (وَاجِبٌ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ رُكْنٍ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ الْقَوْمَةِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّ الِاطْمِئْنَانَ فِيهَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُكَمِّلَ الْفَرْضِ وَاجِبٌ وَمُكَمِّلَ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (السُّجُودُ يُكَبِّرُ لَهُ) ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» إلَّا عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ) عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَقُلْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لَوْ أَتَمَّهُ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ قَبْلَ الْمُقْتَدِي لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يُتِمُّهُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَاجِبَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ.
(قَوْلُهُ أَيْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِسَمِعَ قِيلَ يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ زَيْدٍ أَيْ قَبِلَهُ فَهُوَ دُعَاءٌ بِقَبُولِ الْحَمْدِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَاللَّامُ فِي لِمَنْ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلْكِنَايَةِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
وَفِي الْفَوَائِدِ أَنَّهَا لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، كَذَا نَقَلَ الثِّقَاتُ اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَكَانَ النُّونِ اللَّامَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَغْوًا، وَإِنْ كَانَ لِسَانُهُ لَا يُطَاوِعُهُ يَتْرُكُ اهـ.
(قَوْلُهُ رَافِعًا رَأْسَهُ) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ التَّسْمِيعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ يَكْتَفِي بِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَضُمُّ إلَيْهِ التَّحْمِيدَ.
(قَوْلُهُ وَالْمُقْتَدِي يَكْتَفِي بِالتَّحْمِيدِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ) أَقُولُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " وَمِنْ " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ "؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَهُ أَرْبَعَةٌ وَأَفْضَلُهَا " اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ "؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْوَاوِ تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ وَيَلِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ وَيَلِيهِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ. . . إلَخْ) أَقُولُ حَكَى كُلًّا مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ لِلْقَوْلَيْنِ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ وَحَيْثُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا رَأَيْت فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ فَالْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ مَا فِي الْمَتْنِ يَعْنِي مَتْنَ الْكَنْزِ وَاكْتَفَى الْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا) لَوْ قَالَ وَالْقِيَامُ وَالِاسْتِوَاءُ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوْمَةِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّ الِاطْمِئْنَانَ فِيهَا سُنَّةٌ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَوُجُوبُ نَفْسِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِلْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَلِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ لُزُومِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ سَاهِيًا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ حَتَّى قَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمُكَمِّلَ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ) أَقُولُ وَمُكَمِّلُ السُّنَّةِ أَدَبٌ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا السُّجُودُ) أَقُولُ وَحَقِيقَتُهُ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَالصُّدْغُ وَمُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ عُذْرٍ بَلْ مَعَهُ يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ مَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَيَكْفِيهِ وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ لَمْ يَضَعْ الْأَصَابِعَ أَصْلًا وَوَضَعَ ظَهْرَ الْقَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَرَفْعُ قَدَمٍ وَوَضْعُ آخَرَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ وَضْعَهُمَا سُنَّةٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً. وَالْأَوْجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ هُوَ الْوُجُوبُ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ وَضْعَهُمَا فَرْضٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذَا.
(قَوْلُهُ إلَّا عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ) أَقُولُ أَيْ فَلَا يُكَبِّرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَمِّعُ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ
وَاضِعًا كَمَا قَالَ فِي الرُّكُوعِ خَافِضًا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يُقَارِنُ الْخَفْضَ هُنَاكَ وَلَا يُقَارِنُ الْوَضْعَ هُنَا (ثُمَّ) يَضَعُ (يَدَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رَاحَتَيْهِ) ؛ «لِأَنَّ وَائِلًا رضي الله عنه سَجَدَ وَاتَّكَأَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَرَفَعَ مَا بَيْنَ وَرِكَيْهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ يَسْجُدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» (ثُمَّ) يَضَعُ (وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا قَالَ وَائِلٌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ (ضَامًّا أَصَابِعَهُ) لَا يُنْدَبُ الضَّمُّ إلَّا هَاهُنَا (مُبْدِيًا) أَيْ مُظْهِرًا (عَضُدَيْهِ مُبْعِدًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا، وَقِيلَ لَا يَفْعَلُهُ إنْ كَانَ فِي الصَّفِّ حَذَرًا عَنْ إضْرَارِ الْجَارِ (وَاضِعًا رِجْلَيْهِ) عَلَى الْأَرْضِ (مُوَجِّهًا أَصَابِعَهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ» (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا (فَيَسْجُدُ) عَطْفٌ عَلَى يُكَبِّرُ (بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) لِمُوَاظَبَتِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَيْهِ قَدَّمَ الْأَنْفَ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقْوَى مِنْهُ فِي السُّجُودِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إذَا سَجَدَ (عَلَى مَا يَجِدُ حَجْمَهُ وَتَسْتَقِرُّ فِيهِ جَبْهَتُهُ) وَحَدُّ الِاسْتِقْرَارِ أَنَّ السَّاجِدَ إذَا بَالَغَ لَا يُنْزِلُ رَأْسَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ وَالتِّبْنِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا إلَّا أَنْ يَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ (فَجَازَ) السُّجُودُ (عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ دَوْرِهَا (وَفَاضِلِ ثَوْبِهِ) كَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ (إذَا وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَجَازَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاتَهُ) بِأَنْ يُصَلِّيَا الظُّهْرَ مَثَلًا حَتَّى إذَا لَمْ يُصَلِّيَا أَوْ صَلَّى الْمَسْجُودُ عَلَيْهِ غَيْرَ صَلَاةِ السَّاجِدِ لَمْ يَجُزْ (فِي الزِّحَامِ) لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ فِي السَّعَةِ (وَإِنْ كُرِهَ الْأَوَّلَانِ) أَيْ السُّجُودُ عَلَى الْكَوْرِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَالْمَرْأَةُ تَضَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا.
(قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ. . . إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَفْعَلَ أَيَّهُمَا تَيَسَّرَ جَمْعًا لِلْمَرْوِيَّاتِ بِنَاءً أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَفْعَلُ هَذَا أَحْيَانَا وَهَذَا أَحْيَانَا إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ كَانَ حَسَنًا اهـ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ ضَامًّا أَصَابِعَهُ) قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي السُّجُودِ فَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَفْعَلُهُ إنْ كَانَ فِي الصَّفِّ) أَقُولُ، كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ الضَّعْفَ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِمْ قَدْ جَزَمَ فِيهَا بِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي الصَّفِّ حِذَارًا عَنْ الْحَرَامِ وَإِضْرَارِ الْجَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَةٌ.
(قَوْلُهُ فَيَسْجُدُ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْأَنْفِ مَا صَلُبَ مِنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْجَبْهَةُ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ. وَأَمَّا مِقْدَارُ اللَّازِمِ مِنْهَا فَقَالَ فِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ إنْ كَانَ أَكْثَرُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَعْزِيًّا إلَى نَصِيرٍ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّجُودِ يَصْدُقُ بِوَضْعِ شَيْءٍ مِنْ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ أَكْثَرِهَا كَمَا قَالُوا فِي الْقَدَمَيْنِ يَكْفِي وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى سَجَدَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ جَبْهَتِهِ جَازَ وَنَقَلَ كَلَامَ نَصِيرٍ فَدَلَّ عَلَى تَضْعِيفِهِ نَعَمْ وَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ فَجَازَ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَيْ دَوْرِهَا) أَقُولُ أَيَّ دَوْرٍ مِنْ أَدْوَارِهَا نَزَلَ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا جُمْلَتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَيُقَالُ كَارَ الْعِمَامَةَ وَكَوَّرَهَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَهَذِهِ الْعِمَامَةُ عَشَرَةُ أَكْوَارٍ وَعِشْرُونَ كَوْرًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَنَبَّهْنَا بِمَا ذَكَرْنَا كَمَا نَبَّهَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تَنْبِيهًا حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ إذَا كَانَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُصِبْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ عَلَى الْقَوْلِ تَعْيِينِهَا وَلَا عَلَى أَنْفِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَعْيِينِهَا لَا يَصِحُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ فَيَظُنُّ الْجَوَازَ كَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَفَاضِلِ ثَوْبِهِ) هَذَا إذَا كَانَ عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ يُصِحُّ الْجَوَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ عَلَى فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْإِيمَاءَ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ عَلَى ظَهْرِ مِنْ يُصَلِّي صَلَاتَهُ) أَقُولُ قَيَّدَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنْ يَكُونَ الْمَسْجُودُ عَلَى ظَهْرِهِ سَاجِدًا عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ سَاجِدٍ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ لَا يَجُوزُ فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ قُلْت وَيَجُوزُ السُّجُودُ، وَلَوْ زَادَ الظَّهْرَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَيُحْمَلُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ أَنَّ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَرْفَعُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ مِقْدَارَ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ أَرَادَ لَبِنَةَ بُخَارَى وَهِيَ رُبْعُ ذِرَاعٍ اهـ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ هَذِهِ لَكِنْ هَلْ التَّقْيِيدُ بِالظَّهْرِ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ احْتِرَازِيٌّ فَلْيُنْظَرْ.
(قَوْلُهُ حَتَّى إذَا لَمْ يُصَلِّيَا أَوْ صَلَّى الْمَسْجُودُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ لَا عُمُومِ السَّلْبِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ الْأَوَّلَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِنَقْلِ «فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ فَلَمْ تَكُنْ تَحْرِيمِيَّةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ
وَفَاضِلِ الثَّوْبِ (كَالِاكْتِفَاءِ بِالْأَنْفِ) فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (بِخِلَافِ الْجَبْهَةِ) فَإِنَّ السُّجُودَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا كَرَاهَةٍ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا مَنْظُورٌ فِيهِ (وَيَطْمَئِنُّ) فِي السُّجُودِ (مُسَبِّحًا) أَيْ قَائِلًا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا هِيَ أَدْنَاهُ) لِمَا رَوَيْنَا فِي الرُّكُوعِ وَنُدِبَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَخْتِمَ بِالْوِتْرِ كَالْخَمْسِ وَالسَّبْعِ؛ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» ، وَإِنْ أَمَّ لَا يُطَوِّلُ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ، وَقَالُوا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْقَوْمُ مِنْ الثَّلَاثِ (وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) لِمَا مَرَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» قِيلَ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا إذْ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَحَقَّقُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ إذَا أُزِيلَتْ جَبْهَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَجْرِي الرِّيحُ بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ (وَيَجْلِسُ مُطْمَئِنًّا) قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ (وَيُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ مُطْمَئِنًّا) فَإِنْ قِيلَ فَرْضِيَّةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَالْأَمْرُ لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ تَكْرَارُ الرُّكُوعِ فَبِمَاذَا ثَبَتَ فَرْضِيَّةُ تَكْرَارِ السُّجُودِ وَلِمَا إذَا تَكَرَّرَ قُلْنَا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ آيَةَ الصَّلَاةِ مُجْمَلَةٌ وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ قَدْ يَكُونُ بِفِعْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ يَكُونُ بِقَوْلِهِ وَفَرْضِيَّةُ تَكْرَارِهِ ثَبَتَتْ بِفِعْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ تَوَاتُرًا إذْ كُلُّ مَنْ نَقَلَ صَلَاةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم نَقَلَ تَكْرَارَ سُجُودِهِ. وَأَمَّا وَجْهُ تَكْرَارِهِ فَقِيلَ إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ الْمَعْنَى كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ إنَّ الشَّيْطَانَ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ، وَقِيلَ الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّا خُلِقْنَا مِنْ الْأَرْضِ وَالثَّانِيَةُ إلَى أَنَّا نُعَادُ إلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ الْآيَةَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ) عَلَى عَكْسِ السُّجُودِ (وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا بِلَا اعْتِمَادٍ) عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَلَا قُعُودٍ) قَبْلَ الْقِيَامِ يُسَمَّى جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.
(وَ) الرَّكْعَةُ (الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى لَكِنْ لَا ثَنَاءَ وَلَا تَعَوُّذَ وَلَا رَفْعَ يَدٍ فِيهَا) أَيْ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَكِنْ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا رَفَعَ فِي الْأُولَى وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْمِيَةِ (تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فَتَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّكَلُّمِ قَضَاهَا فِي الصَّلَاةِ) يَعْنِي إذَا تَرَكَ سَجْدَةً ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَقَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَجَدَهَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ عَنْ مَحِلِّهَا الْأَصْلِيِّ وَلَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ بِفَوَاتِهَا عَنْهُ لِوُجُودِ الْمَحِلِّ فِي الْجُمْلَةِ لِقِيَامِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ كَالِاكْتِفَاءِ بِالْأَنْفِ فِي السُّجُودِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَالْأَصَحُّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ. وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ.
(قَوْلُهُ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا مَنْظُورٌ فِيهِ) أَقُولُ لَا يَتَّجِهُ التَّنْظِيرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ، وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَنْفِ عُذْرٌ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا اهـ.
وَمَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ وَلَا فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَرْجُوحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ.
(قَوْلُهُ قِيلَ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَمْ يَجُزْ. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيُفْتَرَضُ الرَّفْعُ مِنْ السُّجُودِ إلَى قُرْبِ الْقُعُودِ فِي الْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا زَالَتْ جَبْهَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ) أَقُولُ هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِمِقْدَارِ مَا يُسَمَّى رَافِعًا جَازَ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا بِلَا اعْتِمَادٍ) أَقُولُ سَيَذْكُرُ أَنَّ تَرْكَ الِاعْتِمَادِ سُنَّةً أَيْ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَإِنْ اعْتَمَدَ قَالَ الْوَبَرِيُّ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِرَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ النُّهُوضِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ سَوَاءٌ كَانَ شَيْخًا أَوْ شَابًّا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَتَرْكُهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَا قُعُودَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ حَتَّى لَوْ فُعِلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا اهـ لَكِنْ وَجَّهَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ سِيَاقِهِ مِثْلَ الْأَوْجَهِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ
خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ، وَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السَّجْدَةِ الْأَصْلِيَّةِ يَرْفَعُ تَشَهُّدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (وَبَعْدَ سَجْدَتَيْهَا يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا نَاصِبًا يُمْنَاهُ وَاضِعًا يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى فَخِذَيْهِ مُوَجِّهًا أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقْعُدُ الْقَعْدَتَيْنِ عَلَى هَذَا» (وَيَتَشَهَّدُ كَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ الْمُلْكُ، وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ، وَقِيلَ الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ السَّلَامَةُ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَجَمِيعِ وُجُوهِ النَّقْصِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَقِيلَ لَنَا قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَوَاتُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَقِيلَ كُلُّ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قَالَ الْأَكْثَرُونَ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَالَاهُ، وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ (وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ هُنَا) أَيْ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يَعْنِي لَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ (وَيَكْتَفِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ) عَبَّرَ بِهِ لِيَتَنَاوَلَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ (وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ أَوْ سَكَتَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السَّجْدَةِ الْأَصْلِيَّةِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ) فِيهِ تَسَامُحٌ وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْقُعُودِ.
(قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقُعُودِ قُدْرَةُ التَّشَهُّدِ لَا حَقِيقَةُ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ وَتَرْكَهُ مُفْسِدٌ وَالتَّشَهُّدُ وَاجِبٌ وَتَرْكُهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّشَهُّدُ سُمِّيَ تَشَهُّدًا بِاسْمِ جُزْئِهِ الْأَشْرَفِ.
(قَوْلُهُ وَهِيَ الْمُلْكُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي تَفْسِيرِهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ أَحْسَنُهَا أَنَّ التَّحِيَّاتِ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتِ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ وَالطَّيِّبَاتِ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةِ فَجَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ وَلَا يُتَقَرَّبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى مَا سِوَاهُ ثُمَّ هُوَ عَلَى مِثَالِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى الْمُلُوكِ فَيُقَدِّمُ الثَّنَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ الْخِدْمَةَ ثَانِيًا ثُمَّ بَذْلَ الْمَالِ ثَالِثًا.
(تَنْبِيهٌ) : اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ مَعَانِي التَّشَهُّدِ لِلِاتِّكَالِ عَلَى الطَّالِبِ فِي بَاقِيهَا وَيَنْبَغِي لَنَا ذِكْرُهَا مُخْتَصَرًا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقْصِدُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَانِيَهَا مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ مَعَانِيَهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا مِنْ عِنْدِهِ كَأَنَّهُ يُحَيِّي اللَّهَ وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا فِي السِّرَاجِ أَنَّ قَوْلَهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ حِكَايَةُ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا ابْتِدَاءُ سَلَامٍ مِنْ الْمُصَلِّي اهـ.
وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ مَا أَثْنَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى اللَّهِ تبارك وتعالى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَهِيَ سَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ ثَلَاثَةٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا، وَالسَّلَامُ تَسْلِيمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ أَوْ تَسْلِيمُهُ مِنْ الْآفَاتِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الرَّحْمَةَ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا نَفْسُ الْإِحْسَانِ وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَيْرِ وَيُقَالُ الْبَرَكَةُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ. وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَهُوَ إعْطَاءُ نَصِيبٍ مِنْ هَذِهِ الْكَرَامَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَكَرُّمًا لِإِخْوَانِهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الشَّارِعِ لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ هُوَ صَالِحٌ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِي ظَنِّي خَوْفًا مِنْ الشَّهَادَةِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ. وَأَمَّا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَمَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَعُبُودِيَّةَ مُحَمَّدٍ وَرِسَالَتَهُ صلى الله عليه وسلم وَقُدِّمَتْ الْعُبُودِيَّةُ عَلَى الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ صِفَاتِهِ وَلِذَا وَصَفَهُ سُبْحَانَهُ بِهَا فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ بِقَوْلِهِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10] .
(قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا مُبَاحَةٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِيهِمَا سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْ السُّجُودُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءَ بِهَا أَيْ الْفَاتِحَةِ وَيُحْمَلُ مَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الِاخْتِيَارِ مِنْ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ أَوْ سَكَتَ) لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مِقْدَارًا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ سَكَتَ.
وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ سَكَتَ أَيْ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ قَدْرَهَا وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالْأُصُولِ اهـ
جَازَ) لَكِنَّهُ إنْ سَكَتَ عَمْدًا أَسَاءَ، وَإِنْ سَهْوًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودَ السَّهْوِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتْرُكَهَا، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ (وَمَا سِوَى وَضْعِ الرِّجْلَيْنِ وَتَعْيِينِ الْأُولَيَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ وَالِاطْمِئْنَانِ فِي السُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالتَّشَهُّدِ فِيهِمَا) أَيْ الْقَعْدَتَيْنِ (وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى) أَيْ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (سُنَنٌ) أَرَادَ بِمَا سِوَى الْمَذْكُورَاتِ تَكْبِيرَ السُّجُودِ وَتَسْبِيحَهُ ثَلَاثًا وَوَضْعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَافْتِرَاشَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبَ الْيُمْنَى وَالْقَوْمَةَ وَالْجِلْسَةَ فَإِنَّهَا سُنَنٌ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَضْعُ الرِّجْلَيْنِ (فَرْضٌ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ حَتَّى إذَا سَجَدَ وَرَفَعَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ، وَلَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ قَالَ قَاضِي خَانْ وَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ الْحَقُّ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَالْبَوَاقِي وَاجِبَةٌ) وَهِيَ تَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ. . . إلَخْ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّشَهُّدِ قَدْرَ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ، وَقِيلَ حَرَّفَ عَمْدًا أَثِمَ أَوْ سَهْوًا سَجَدَ.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ فِيهِ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إذَا قُلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إذَا قُلْت هَذَا أَيْ قَرَأَتْ التَّشَهُّدَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْقُعُودِ. وَقَوْلُهُ أَوْ فَعَلَتْ هَذَا أَيْ قَعَدَتْ وَلَمْ تَقْرَأْ شَيْئًا فَصَارَ التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ لَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَنَاهِيَةٌ وَالتَّنَاهِي لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّمَامِ وَالتَّمَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِتْمَامِ وَذَا إنَّمَا يُعْلَمُ بِبَيَانِ الشَّارِعِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ فَيَكُونُ فَرْضًا فَإِنْ قِيلَ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُلْنَا نَعَمْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ جَازَ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْحِلُّ بِلَا كَرَاهَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ لَا الْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُجَامِعِ لِلْكَرَاهَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِمَا أَوْ سَكَتَ جَازَ لِعَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا لَكِنْ لَوْ سَكَتَ عَمْدًا يَكُونُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْكَافِي قَالَ وَيَقْرَأُ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ وَهُوَ بَيَانُ الْأَفْضَلِ فِي الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاجِبَةٌ رَوَاهُ الْحَسَنُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا كَانَ مُسِيئًا، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ. . . إلَخْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي.
(قَوْلُهُ وَالْقَوْمَةَ) أَيْ إتْمَامَهَا حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الرَّفْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ وَالْجِلْسَةَ) كَذَا نَصَّ فِي الْكَنْزِ عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُهَا وَالْمَذْهَبُ السُّنِّيَّةُ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّرَايَةِ فَمُسَلَّمٌ لِمَا عَمِلْت مِنْ الْمُوَاظَبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُونَ بِالسُّنِّيَّةِ فَيُتَّبَعُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ.
(قَوْلُهُ وَالْبَوَاقِي وَاجِبَةٌ وَهِيَ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ يُفْتَرَضُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أُمِرَتْ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ السَّجْدَةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَا نَأْخُذُ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ شَمِلَ إطْلَاقُهُ أَيْضًا الْقُعُودَ الْأَوَّلَ وَتَشَهُّدَهُ أَيْ وُجُوبَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ بِسُنِّيَّتِهِمَا أَوْ بِسُنِّيَّةِ التَّشَهُّدِ وَحْدَهُ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَحْدَهَا فَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ فِي الرَّفْعِ وَالْوَضْعِ وَاحْتَرَزْنَا بِالصَّحِيحِ عَنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَبِقَوْلِنَا بِالْمُسَبِّحَةِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْقِدُ يُمْنَاهُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رحمه الله حُكْمَ الْيَدَيْنِ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ هَلْ يُسَنُّ أَوْ يَجِبُ رَفْعُهُمَا وَوَضْعُهُمَا عَلَى الْفَخِذَيْنِ فَلْيُنْظَرْ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ) أَقُولُ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى فَرْضِيَّتِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي رُكْنِيَّتِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَتْ رُكْنًا.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعُلِمَ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَصَارَ التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ) لَيْسَ فِي لَفْظِ النُّبُوَّةِ هَذَا مَا يُفِيدُ التَّخْيِيرَ بَلْ بَيَانُ مَا بِهِ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَتَرْكُ التَّشَهُّدِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَصَارَ الْفِعْلُ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ دُونَ الْقَوْلِ لَكِنْ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ وَنَصِّهِ ثُمَّ قَالَ «إذَا فَعَلْت هَذَا أَوْ قُلْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»
لَا تَثْبُتُ بِهِ ابْتِدَاءً أَمَّا إذَا بَيَّنَ الْمُجْمَلَ بِهِ فَتَثْبُتُ كَمَا مَرَّ ثُمَّ قِيلَ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الْقَعْدَةِ مَا يَأْتِي فِيهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ مَا اُخْتِيرَ فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ التَّشَهُّدَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ (كَالْأُولَى) فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى (لَكِنَّهُ يَزِيدُ هَاهُنَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ) صلى الله عليه وسلم وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَفَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ وَدَعَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ (بِمَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ) أَيْ بِمَا يُشْبِهُهُ لَفْظًا وَمَعْنًى كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ أَوْ يَقُولَ اغْفِرْ لِأَبِي (أَوْ الْمَأْثُورَ) عَطْفٌ عَلَى مَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ أَيْ بِالْمَرْوِيِّ.
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الْقَعْدَةِ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِصِيغَةِ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْقَدْرَ. . . إلَخْ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَقُولُ وَالْمَسْبُوقُ يَزِيدُهُ أَيْضًا كَالْإِمَامِ تَبَعًا لَهُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إنَّمَا لَا يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ خُصُوصًا إذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا. . . إلَخْ) أَقُولُ إلَّا أَنَّهَا تُقْتَرَضُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً إذْ لَا يَقْتَضِي الْأَمْرُ صَلُّوا التَّكْرَارَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ وَهُوَ الذِّكْرُ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَتَدَاخَلُ الْوُجُوبُ فَيَكْفِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَتَكَرَّرُ مِنْ غَيْرِ تَدَاخُلٍ صَحَّحَ فِي الْكَافِي مِنْ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الزَّائِدَ نَدْبٌ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى الثَّانِيَ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْبُرْهَانِ الِافْتِرَاضُ كُلَّمَا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ إنَّمَا قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا اهـ قُلْت وَبَقِيَ تَصْحِيحٌ آخَرُ ذَكَرُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ صَرَّحَ بِهَا ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ تَكْرَارِ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي الْعَالَمِينَ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فَمَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ ضَعِيفٌ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) أَعَادَ حَرْفَ الْجَرِّ فِي الْآلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ آلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَاخْتُلِفَ فِيهِمْ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأُمَّةِ وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت إمَّا رَاجِعٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ أَجْوِبَةً جَمَّةً فَلْتُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا يُقَالُ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ السَّلَامِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ رحمه الله كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَدْعُو. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَقَالَ وَيَدْعُو بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا قَدَّمَهَا عَلَى دُعَائِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَتَى بَابَ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ التُّحْفَةِ لِخَاصَّتِهِ وَأَخَصُّ خَوَاصِّهِ هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتُحْفَتُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَيْهِ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَجَابَةٌ وَالدُّعَاءُ بَعْدَ الْمُسْتَجَابِ يُرْجَى أَنْ يُسْتَجَابَ؛ لِأَنَّ الْكَرِيمَ بَعْدَ إجَابَتِهِ أَوَّلَ الْمَسْئُولَاتِ لَا يَرُدُّ بَاقِيَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ. . . إلَخْ) أَقُولُ قَدَّمَ الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَلِجَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَالدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِ بِهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِالدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ غَيْرُ عَاصٍ بِالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الشِّرْكِ عَقْلًا قِيلَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْوَعِيدِ كَرَمٌ فَيَجُوزُ مِنْ اللَّهِ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ أَنْ يَقُولَ «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاعْفَرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ لَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ، ثُمَّ الْمُفْسِدُ إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَ) لَكِنَّ (الْمَرْأَةَ تَتَوَرَّكُ) أَيْ تُخْرِجُ رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَتُمَكِّنُ وَرْكَيْهَا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَسْتَرُ لَهَا وَمَبْنَى حَالِهَا عَلَى السَّتْرِ (فِيهِمَا) أَيْ الْقَعْدَتَيْنِ (وَالصَّلَاةُ وَالدُّعَاءُ سُنَّتَانِ) الْأَوَّلُ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (تَرْتِيبُ الْقِيَامِ) أَيْ تَقْدِيمُهُ بِقَصْدِ التَّرْتِيبِ (عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ) حَتَّى لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَهَا مَاهِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ شَرْعًا مِنْ أَجْزَاءٍ مَادِّيَّةٍ هِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَجُزْءٌ صُورِيٌّ هِيَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِرَاءَةَ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَادِّيَّةِ أَيْضًا إذْ لَا دَخْلَ لَهَا فِي حُصُولِ الْجُزْءِ الصُّورِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَحَلًّا مَخْصُوصًا بِطَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا عَيَّنَ لِبَاقِي الْأَرْكَانِ بَلْ جَعَلَهَا فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ تُرِكَتْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَوُجِدَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ لَوْ تُرِكَتْ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِهَذَا السِّرِّ الدَّقِيقِ جَعَلُوا مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا الْفَرَائِضِ وَاقْتَصَرُوا فِي التَّمْثِيلِ لِوُجُوبِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي آخِرِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ شُرِعَ فَإِذَا غَيَّرَهُ فَقَدْ قَلَبَ الْفِعْلَ وَعَكَسَهُ وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَحْقِيقُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَالسَّجْدَةِ فَإِنْ تَرَكَ الثَّانِيَةَ سَاهِيًا وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَتَذَكَّرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِيهَا كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا تَقَعُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ مُعْتَدًّا بِهَا بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ حَتَّى قَالَ فِي الْجَلَّالِيَّةِ التَّرْتِيبُ فَرْضٌ فِيمَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ فِيمَا تَعَدَّدَتْ شَرْعِيَّتُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَانْحَطَّ عَنْ رُكُوعِهِ فَسَجَدَهَا لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ فَإِنْ قِيلَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فَرْضٌ كَالْأُولَى وَمِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَادِّيَّةِ فَأَيُّ سِرٍّ فِي جَعْلِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا لَا فَرْضًا قُلْنَا السِّرُّ فِيهِ أَنَّ أَصْلَ السَّجْدَةِ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْجُدُوا وَتَكْرَارُهَا بِفِعْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَبَقَ فَإِذَا وُجِدَتْ الْأُولَى فِي مَحَلِّهَا فَقَدْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ الْمَفْرُوضُ لِوُجُودِ مُقْتَضَى النَّصِّ، وَلَوْ فُرِضَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَزِمَ مُسَاوَاةُ مَا ثَبَتَ بِالْفِعْلِ لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الثَّانِي وَيُعْلَمُ أَيْضًا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الْعَرَبِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ لَيْسَ بِحَتْمٍ عِنْدَنَا أَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجَمِيعِ مَرْجُوٌّ لِمُوجَبِ قَوْله تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] اهـ فَيَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِفَرْطِ شَفَقَتِهِ عَلَى إخْوَانِهِ الْأَمْرَ الْجَائِزَ الْوُقُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا اهـ.
(قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) مُسْتَدْرَكٌ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ الْفُرُوضِ تَرْتِيبُ الْقِيَامِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمِنْهَا تَرْتِيبُ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى غَيْرِهِ كَالسُّجُودِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقُعُودِ سَجْدَةً أَوْ نَحْوَهَا بَطَلَ الْقُعُودُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ أَيْ تَقْدِيمُهُ بِقَصْدِ التَّرْتِيبِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا فِي مَحَالِّهَا وَهُوَ لَا يَشْتَرِطُ تَحْصِيلُهُ.
(قَوْلُهُ وَجُزْءٌ صُورِيٌّ هِيَ الْهَيْئَةُ) أَنَّثَ الْعَائِدَ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْجِعُ مُذَكَّرًا رِعَايَةً لِلْخَبَرِ الْهَيْئَةُ
تَحْقِيقُ مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا تَقْدِيمُ الرُّكْنِ نَحْوُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ خَاصَّةً وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ وَفَرْضٌ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى أَرْكَانِ الْمَرْتَبَةِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَرْكَانِ بِمَا ذَكَرْنَا وَيُعْلَمُ مِنْ جَمِيع مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا مُخْتَلٌّ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَكَرَّرَ لَيْسَ قَيْدًا. . . إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَمَّا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَهُمْ لِنَظِيرِ تَقْدِيمِ الرُّكْنِ الرُّكُوعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّرْتِيبِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ رِعَايَةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي صُورَةٍ بِخُصُوصِهَا وُجُوبُ رِعَايَتِهِ فِي صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْخُصُوصِ. وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَخْطُرُ بِبَالِي. . . إلَخْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِالْبَالِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ نَفْسُهُ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ وَتَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا لِيَكُونَ مَقْدُورًا فَيَكُونَ فَرْضًا وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخِيرَةٌ وَتَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ لَا تَقْبَلُ فَكَّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ تَوْجِيهًا لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِي لِكَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا الْمَقَامِ وَتَحْقِيقِهِ، وَقَدْ وَقَعَ هَاهُنَا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ السَّلَفِ وَمَنْ حَالُهُ حِرْصٌ عَلَى رَدِّ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ وَشَغَفٌ مَا يَتَعَجَّبُ النَّاظِرُ فِيهِ مِنْ حَالِهِ وَيَقِيسُ عَلَيْهِ سَائِرَ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ مَقَالِهِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (الْخُرُوجُ) مِنْ الصَّلَاةِ (بِصُنْعِهِ) أَيْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَهُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَهُمْ) أَقُولُ إنْ أَرَادَ نَحْوَ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ لَازِمُ التَّقْدِيمِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ عَنْ الرُّكُوعِ فَصَدَقَ قَوْلُهُمْ الرُّكُوعُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ يُوجِبُ السَّهْوَ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَعَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ صَحِيحٌ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ تَقْدِيمِ الْمُتَّحِدِ شَرْعِيَّةً عَلَى مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ) يَعْنِي مِنْ بَيَانِ فَرْضِ التَّرْتِيبِ فِيمَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوهُ لِبَيَانِ مَا يُفْتَرَضُ تَرْتِيبُهُ وَلَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ مَا يَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي رُبَاعِيَّةٍ أَمَّا الثُّنَائِيَّةُ وَبَاقِي الْمَغْرِبِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَى مِنْهَا فَيُفْتَرَضُ تَقْدِيمُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ فِيهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِتَرْكِهِ فِيهَا فَقَوْلُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ هُنَا فَاعْلَمْهُ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ. . . إلَخْ) يَعْنِي فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ فِي صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْخُصُوصِ إمَّا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا) إنْ أَرَادَ الْإِشَارَةَ لِكَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي مَتْنِهِ فَالْمُرَادُ الْأَرْكَانُ الْمُتَكَرِّرَةُ فِي الرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَالْمُتَّحِدَةُ.
(قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بَلْ قَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ بِقَوْلِهِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ سُلِّمَ) أَيْ مَا خَطَرَ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ.
(قَوْلُهُ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا) أَقُولُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّوَابُ نَفْيُ الْفَرْضِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ فَكِّ التَّرْتِيبِ فَيُقَالُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا لَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا.
(قَوْلُهُ لِيَكُونَ مَقْدُورًا فَيَكُونَ فَرْضًا) ضَمِيرُهُ يَرْجِعُ لِلتَّرْتِيبِ فَالْمَعْنَى إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا مَقْدُورًا فَرْضًا وَهَذَا بَاطِلٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَتَى أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا.
(قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا بَلْ وَاجِبَةً فِيمَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُمْكِنُ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى تَدَارُكِ الْمَتْرُوكِ وَصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ فَكَّ التَّرْتِيبِ فَرْضٌ كَالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ بِتَدَارُكِ الرُّكُوعِ وَحْدَهُ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِي. . . إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ مَنْ حَشَّى عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ وَأَجَابَ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُحَشِّي هَذَا الْكِتَابِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ أَخَذَهُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ فَقَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لَمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَعَلَى تَخَرُّجِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَسَنَذْكُرُهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
مِثْلَهُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ فِي قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الرُّكْنِيَّةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْفَرِيضَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كَالتَّحْرِيمَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ اسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ إنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا. وَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الْخُرُوجِ بِقَوْلِهِ (يُسَلِّمُ) الْمُصَلِّي (مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ مُقَارِنًا سَلَامَهُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا فِي التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَعْدَ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ كَمَا يُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَهُ (عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَى جَانِبَيْهِ «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» (نَاوِيًا) بِخِطَابِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ (الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ، وَقِيلَ لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَحْضُرْنَ الْمَسْجِدَ غَالِبًا، وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَنْ يَسَارِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ وَيُخَاطِبُهُمْ بِلِسَانِهِ فَيَنْوِيهِمْ بِجَنَانِهِ إذْ السَّلَامُ قُرْبَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.
(وَ) نَاوِيًا (الْإِمَامَ فِي جَانِبِهِ وَفِيهِمَا إنْ حَاذَاهُ) يَعْنِي يَنْوِي إمَامَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ بِالْتِزَامِ صَلَاتِهِمْ صِحَّةً وَفَسَادًا، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ نَوَاهُ فِيهِمْ، وَلَوْ فِي الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِمْ، وَلَوْ بِحِذَائِهِ نَوَاهُ بِالْأَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ تَعَارَضَ الْجَانِبَانِ فَرَجَّحَ الْيَمِينَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يَنْوِي فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَ التَّعَارُضِ مُمْكِنٌ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ (وَ) يُسَلِّمُ (الْإِمَامُ) نَاوِيًا (بِهِمَا) أَيْ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَالْمُرَادُ خِطَابُهُمَا (الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ، وَ) يُسَلِّمُ (الْمُنْفَرِدُ) نَاوِيًا بِهِمَا (الْحَفَظَةَ فَقَطْ) إذْ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ خِطَابُ الْغَائِبِ (وَهُوَ) أَيْ لَفْظُ السَّلَامِ (وَاجِبٌ وَالْبَوَاقِي سُنَنٌ) وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (وَلَهَا) أَيْ لِلصَّلَاةِ (وَاجِبَاتٌ أُخَرُ كَرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا تَكَرَّرَ فِي الرَّكْعَةِ كَالسَّجْدَةِ) ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (وَتَرْكِ التَّكْرِيرِ فِيمَا فُرِضَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ كَالرُّكُوعِ) حَتَّى لَوْ كَرَّرَهُ عَمْدًا أَثِمَ أَوْ سَهْوًا وَجَبَ السَّجْدَةُ (وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِيمَا يُجْهَرُ وَيُسَرُّ) بِقَدْرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ هُمَا سُنَّتَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِمَا (وَلَهَا آدَابٌ هِيَ نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) حَالَ الْقِيَامِ وَإِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ حَالَ الرُّكُوعِ وَإِلَى أَرْنَبَتِهِ حَالَ السُّجُودِ وَإِلَى حِجْرِهِ فِي قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حَالَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَإِلَى الْأَيْسَرِ عِنْدَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَقَعَ بَصَرُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ)
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
(قَوْلُهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) يَعْنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ.
(قَوْلُهُ أَقُولُ فِي قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ. . . إلَخْ) الِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِجُلَّتِهَا حَقِيقَتُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمْلَةِ مَا تَتِمُّ بِهِ الصَّلَاةُ.
(قَوْلُهُ يُسَلِّمُ الْمُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ) أَقُولُ أَيْ إنْ كَانَ فَرَغَ الْمُصَلِّي مِنْ التَّشَهُّدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(تَنْبِيهٌ) : يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْفَرَائِضِ فِي الْيَقِظَةِ فَلَوْ أَتَى بِأَحَدِهَا نَائِمًا لَا يَحْتَسِبُ بِهِ بَلْ يُعِيدُهُ وَنَوْمُهُ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يُبْطِلُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَبْلَ النَّوْمِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِهَا يَقَظَةً أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَهَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ) الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا الْجَوَازِ عَلَى الصَّحِيحِ.
(قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا قَوْلُ الْعَامَّةِ وَبِمُجَرَّدِ لَفْظِ السَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ. . . إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى.
وَقَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ أُخْرَى اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَنَسِيَ يَسَارَهُ حَتَّى قَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. . . إلَخْ) هُوَ السُّنَّةُ فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِكَرَاهَةِ الْأَخِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ وَبَرَكَاتُهُ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثَابِتٌ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد اهـ.
وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) أَقُولُ وَمُؤْمِنِي الْجِنِّ أَيْضًا وَيُزَادُ عَلَيْهِ نِيَّةُ مَنْ كَأَنَّهُ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ بِالدَّلَالَةِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْوِي جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْحَفَظَةَ) أَخَّرَهُ لِلْإِشْعَارِ بِالتَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالتَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
(قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ، وَقِيلَ يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ لَفْظُ السَّلَامِ وَاجِبٌ) أَقُولُ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْوَاجِبُ لَفْظُ السَّلَامِ دُونَ عَلَيْكُمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَالْبَوَاقِي سُنَنٌ) أَقُولُ حَتَّى الِالْتِفَاتُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ يَمِينًا وَيَسَارًا وَالْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ فِيهِمَا