الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَاءِ) حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ بِهِ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ عَلَى الْمَاءِ (كَالْمُسْتَيْقِظِ) أَيْ كَانْتِقَاضِهِ بِمُرُورِ الْمُسْتَيْقِظِ بِهِ عَلَى الْمَاءِ (لَا الرِّدَّةُ) فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ حَتَّى إذَا تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِهِ (جُرِحَ أَكْثَرُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ (تَيَمَّمَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا (غَسَلَ) الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَالْغُسْلِ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا الْمَاءُ وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (الْمَانِعُ) مِنْ الْوُضُوءِ (لَوْ) كَانَ (مِنْ) قِبَلِ (الْعِبَادِ) كَأَسِيرٍ يَمْنَعُهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْوُضُوءِ وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ وَمَنْ قِيلَ لَهُ إنْ تَوَضَّأْت قَتَلْتُك (جَازَ لَهُ) التَّيَمُّمُ (وَيُعِيدُهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (إذَا زَالَ) الْمَانِعُ.
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)
(جَازَ بِالسُّنَّةِ) الْمَشْهُورَةِ فَيَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَيَكُونُ مَنْ لَمْ يَرَهُ مُبْتَدِعًا لَكِنْ مَنْ رَآهُ وَلَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مُثَابًا قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قُلْت هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا، وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ، وَالْغَسْلِ وَإِذَا نَزَعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءَ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغَسْلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَقُولُ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ سَهْوٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي بِالْمَشْرُوعِيَّةِ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ فَجُعِلَ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا أَوْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ، وَالنَّائِمُ قَادِرٌ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ نَائِمٌ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُحْدِثِ الْغَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ أَمَّا لَوْ كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا مُتَمَكِّنًا فَالنَّقْضُ بِالْمُرُورِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) أَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا تَسَاوَى الْجَرِيحُ وَالصَّحِيحُ وَلِمَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صَحِيحًا وَعَلَيْهِ مَشَى قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ اسْتَوَى الْجَرِيحُ، وَالصَّحِيحُ تَكَلَّمُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسَاوِيَ كَالْغَالِبِ فَيَتَيَمَّمُ اهـ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ أَشْبَهُ (قَوْلُهُ: غَسَلَ الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ) أَقُولُ الْمُرَادُ غَسَلَ الْأَعْضَاءَ الصَّحِيحَةَ وَأَمَّا الْجَرِيحَةُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَعَلَى الْخِرْقَةِ إنْ ضَرَّهُ (قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ الْوُضُوءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعِيدُ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ وَهَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ هُوَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ فَتَجِبُ ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ يُقَالُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ الْخَوْفُ الَّذِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّجَرُّدِ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ مِنْ الْغَيْرِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قُلْت) قَدْ نُقِلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْوِقَايَةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ بِالِاتِّفَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ حُبِسَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ انْضَمَّ عُذْرُ السَّفَرِ إلَى الْعُذْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْغَالِبُ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ فَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ. اهـ.
(قُلْت) وَلَا يَخْلُو عَنْ قَيْدٍ ظَاهِرٍ لِلْمُتَأَمِّلِ.
[بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
[حُكْم الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي. . . إلَخْ) أَقُولُ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِ الْكَافِي بِمَعْنَى الْحِلِّ الْمُقَابِلِ لِلْحُرْمَةِ لَا بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْبُطْلَانِ فَإِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ غَيْرُ وَارِدٍ فَإِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ فَقَدْ أَقَرَّ صِحَّةَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِدًا عَلَى الْكَافِي وَلَمْ يَرْتَضِ الْكَمَالُ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ وَنَظَرَ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَمَبْنَى هَدْمِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ يَعْنِي الَّذِي نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِبُطْلَانِ الْمَسْحِ
الْجَوَازُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِالْعَزِيمَةِ ثَمَّةَ بِأَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَأْثَمُ مَعَ أَنَّ فَرْضَهُ يَتِمُّ وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ أَنَّ الْمُتَرَخِّصَ مَا دَامَ مُتَرَخِّصًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ فَإِذَا زَالَ التَّرَخُّصُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَالِافْتِتَاحُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَإِذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرْبَعِ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهَا الْغَسْلُ حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَثِمَ وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَإِذَا نَزَعَ الْخُفَّ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغَسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ لِمَنْ تَدَرَّبَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى فَحْلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْفُحُولِ (مَرَّةً) إذْ لَمْ يُسَنَّ فِي الْمَسْحِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ فِي الْغَسْلِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَاسِحُ (امْرَأَةً) لِأَنَّ دَلِيلَ جَوَازِهِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ مَعَ دُخُولِهِنَّ فِي عُمُومَاتِ الْخِطَابِ.
(لَا جُنُبًا) لِأَنَّ الْمَسْحَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَنَابَةُ وَلِأَنَّ صِيغَةَ الْمُبَالَغَةِ أَعْنِي {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَوْجَبَتْ كَمَالَ التَّطْهِيرِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْمَسْحِ يَفُوتُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالُوا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْوِيرِ فَإِنَّ مَنْ أَجْنَبَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ لَكِنْ قِيلَ صُورَتُهُ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ثُمَّ يُجْنِبُ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
بِخَوْضِ الْمَاءِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَيَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِ مِنْ بَعْدِ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ يَعْنِي الْغَسْلَ لَمْ يَزُلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْغَسْلُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ، وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ ثُمَّ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ انْتَهَى كَلَامُ الْكَمَالِ رحمه الله (وَأَقُولُ) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْفَرْقِ فِيهِ تَأَمُّلٌ وَإِنَّ الْأَوْجَهِيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا إذَا خَاضَ الْمَاءَ لَا عَلَى مَا إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ دَاخِلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ ذَلِكَ الْفَرْعُ بِالْإِجْزَاءِ بِالْخَوْضِ فِيمَا ذَكَرَ صَرِيحًا بَلْ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ بِغَسْلِ الرِّجْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ كَغَسْلِ مَا لَمْ يَجِبْ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُوجِبْ النَّزْعَ لِحُصُولِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ وَهَذَا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْفَرْقِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ لِي هَذَا أَنَّ تِلْمِيذَهُ الْمُحَقِّقَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ.
وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَنْعَ صِحَّةِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ الْآنَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَانِعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّخَفُّفِ فَإِذَا نَزَعَ أَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ لِظُهُورِ عَمَلِ الْمُقْتَضِي الْآنَ اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْغَسْلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ بَعْدَ نَزْعِ الْخُفِّ هَذَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلًّا مِنْ تَنْظِيرِ الْكَمَالِ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ فِي إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَلْحَظٍ غَيْرِ مَا لَحَظَهُ الْآخَرُ وَقَدْ نَقَلَهُمَا جَمِيعًا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قُلْنَاهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هُدَاهُ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ قَدَمُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ.
قُلْت لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ فَرْعٍ يُخَالِفُ فَرْعًا غَيْرَهُ بُطْلَانُهُ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ مَاسِحُ الْخُفِّ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَابْتَلَّ مِنْ رِجْلِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْمَسْحِ وَإِنْ ابْتَلَّ بِهِ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله اهـ.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ: وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مُحِيطٌ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.
وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْمَسْحِ: وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ.
فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَصَحِّيَّةِ الْفَرْعِ وَضَعْفِ مَا يُقَابِلُهُ (قَوْلُهُ: يَأْثَمُ) فِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ) أَقُولُ الْأَوْلَى عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ التَّامَّةَ تَشْمَلُ التَّيَمُّمَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَيَمِّمِ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا لَا مَانِعًا.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ. . . إلَخْ) فِي هَذَا التَّمْثِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لِوَجْهَيْنِ عَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَعَدَمِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الثَّانِي فَقَطْ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا لَكِنَّهُ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْيُسْرَى.