الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ سَتْرُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُفْسِدُهَا فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَ (وَالْقِيَامُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ الْأُولَى) يَعْنِي حِينَ يُقَالُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِهِ إذْ مَعْنَاهُ هَلُمَّ وَأَقْبِلْ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ (وَالشُّرُوعُ عِنْدَ قَامَتْ الصَّلَاةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيُشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ.
فَصْلٌ
(الْإِمَامُ يَجْهَرُ فِي الْفَجْرِ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ أَدَاءً وَقَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّرَاوِيحِ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا (إلَّا فِي قُنُوتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ (وَالْمُنْفَرِدُ يُخَيَّرُ فِي) الصَّلَاةِ (الْجَهْرِيَّةِ إنْ أَدَّى) أَيْ إذَا أَرَادَ الْمُنْفَرِدُ الْأَدَاءَ خُيِّرَ إنْ شَاءَ جَهَرَ لِكَوْنِهِ إمَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَيُرْوَى إنْ صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ إذْ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ قَيَّدَ بِالْجَهْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ) أَقُولُ يَعْنِي إنْ كَانَ رَجُلًا.
(قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ الْأُولَى) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَاضِرًا بِقُرْبٍ مِنْ الْمِحْرَابِ وَإِلَّا فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ حِينَ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ قُدَّامَ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(قَوْلُهُ وَالشُّرُوعُ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(تَتِمَّةٌ) : سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِلْجُلُوسِ لِلْإِتْيَانِ بِالدُّعَاءِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِتْيَانِ بِالسُّنَنِ لَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرْضَ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ ذَلِكَ. وَرَوَى أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ حَتَّى يَتَشَوَّشَ الصُّفُوفَ، كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَوْرَادِ الَّتِي وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا لَكِنَّهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا بَعْدَهَا سُنَّةً فَالسُّنَّةُ وَصْلُهَا بِالْفَرْضِ وَرَجَّحَ كَرَاهَةَ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ بِالْأَذْكَارِ وَالْأَوْرَادِ وَالْأَدْعِيَةِ وَمُقَابِلُ مَا رَجَّحَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَهُمَا الْأَوْرَادَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ اهـ.
وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَكَذَلِكَ يَقْرَأَ الْمُصَلِّي لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ آمَنَهُ اللَّهُ عَلَى دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ وَأَهْلِ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّهُ ضَعَّفَ إسْنَادَهُ وَيَقْرَأُ الْمُعَوِّذَاتِ وَيُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَيَحْمَدُ كَذَلِكَ وَيُكَبِّرُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُهَلِّلُ مَرَّةً لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ. وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْجَامِعَةِ الْمَأْثُورَةِ لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ صَدْرِهِ جَاعِلًا بُطُونَ يَدَيْهِ مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ بِخُشُوعٍ وَسُكُونٍ ثُمَّ يَخْتِمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ} [الصافات: 180] الْآيَةَ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى مِنْ الْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَكُنْ آخِرُ كَلَامِهِ إذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ سُبْحَانَ رَبِّك الْآيَةَ وَيَمْسَحُ يَدَيْهِ، وَوَجْهَهُ فِي آخِرِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا دَعَوْت اللَّهَ فَادْعُ بِبَاطِنِ كَفَّيْك وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا فَإِذَا فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.
[فَصْلٌ فِي الْإِمَامَة]
(فَصْلٌ) .
(قَوْلُهُ الْإِمَامُ يَجْهَرُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ اهـ.
وَإِذَا جَهَرَ فَوْقَ حَاجَةِ النَّاسِ فَقَدْ أَسَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ إلَّا فِي قُنُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجْهَرُ فِي قُنُوتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْثُورَ فِيهِ الْإِخْفَاءُ وَهَذَا كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيُسِرُّ بِهِ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُقْتَدِي وَمَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ وَيُرْوَى أَنَّ مَنْ صَلَّى. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ أَيْ الْمُنْفَرِدُ فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ.
(قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْجَهْرِيَّةِ. . . إلَخْ) ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يُخَافَتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ فِيمَا دَفَعَ بِهِ شَارِحُ الْكَنْزِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدًا مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السُّجُودِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ
لَا يُخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا هُوَ الصَّحِيحُ (كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ (وَقِيلَ يُخَافِتُ) الْمُنْفَرِدُ (إنْ قَضَى الْجَهْرِيَّةَ كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ) فِي الْهِدَايَةِ مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَقَضَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (وَقِيلَ يُخَيَّرُ) فِي الْكَافِي مَنْ قَضَى الْعِشَاءَ نَهَارًا إنْ أَمَّ جَهَرَ وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ خُيِّرَ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي شُرُوحِهِمْ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ سَبَبَيْ الْجَهْرِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ انْتَفَى كُلٌّ مِنْهُمَا فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ. وَأَمَّا مُوَافَقَةُ الْقَضَاءِ الْأَدَاءَ فَلَيْسَ عَلَى سَبَبِيَّتِهَا إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَجَعْلُهَا سَبَبًا يَكُونُ إثْبَاتَ سَبَبٍ بِالرَّأْيِ ابْتِدَاءً وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَعَلَّ هَذَا حَمَلَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ عَلَى حَصْرِ الصِّحَّةِ فِيهِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ الصِّحَّةَ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَنْتَفِي إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حَصْرِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْمَذْكُورَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَيْفَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْحَصْرِ إجْمَاعٌ لَمَا حَصَلَ الذُّهُولُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفُحُولِ بَلْ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا سَبَبًا لِلْجَهْرِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ وَجَوَازُ الْجَهْرِ فِي الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ بَلْ أَفْضَلِيَّتُهُ مُعَلَّلٌ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ كَمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأَدَاءِ مَشْرُوعَةٌ أَيْضًا فِي الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي قَضَاءِ الْمُنْفَرِدِ الْجَهْرِيَّةَ أَيْضًا أَفْضَلَ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ دِرَايَةً أَيْضًا وَلِذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَافِي
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ اهـ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ أَيْ وُجُوبُ الْمُخَافَتَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُخَافِتُ الْمُنْفَرِدُ إنْ قَضَى الْجَهْرِيَّةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ جَعَلَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ سَنَدًا لِقَوْلِهِ قِيلَ يُخَافِتُ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي سَنَدًا لِقَوْلِهِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَالْأَكْثَرُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا كَيْفَ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي قَضَاءِ الْمُنْفَرِدِ الْجَهْرِيَّةَ أَيْضًا أَفْضَلَ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ) أَقُولُ الْحَدِيثُ هُوَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَيُرْوَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ. . . إلَخْ، وَقَدْ نَظَرَ الْكَمَالُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخَافَتَةُ فِي الْجَهْرِيَّةِ إذَا قَضَاهَا نَهَارًا فَقَالَ: وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ. . . إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَنْتَفِي بِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَعْلُومُ مِنْ الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْجَهْرِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ تَخْيِيرًا فِي الْوَقْتِ وَحَتْمًا عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَلَوْلَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَقُلْنَا بِتَقْيِيدِهِ بِالْوَقْتِ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ مَعْدُومٌ فَيَبْقَى الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الِانْتِفَاءِ الْأَصْلِيِّ وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شَرْعِيَّةُ الْإِخْفَاءِ وَالْجَهْرُ بِعَارِضِ دَلِيلٍ آخَرَ فَعِنْدَ فَقْدِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَشَرَعَ الْكُفَّارُ يُغَلِّطُونَهُ فَأَخْفَى صلى الله عليه وسلم إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ» فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا نَائِمِينَ وَبِالطَّعَامِ مَشْغُولِينَ فَاسْتَقَرَّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ بِعَارِضٍ وَأَيْضًا نَفْيُ الْمُدْرَكِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَدَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِمَا الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِهِمَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ رُوِيَ مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ اهـ.
وَرَأَيْت بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا صُورَتُهُ هَذَا الْقِيَاسُ لَمْ أَرَهُ إلَّا لِشَيْخِنَا وَاسْتَقَرَّ كَلَامُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهَا وَعِنْدِي أَنَّ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ إلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا» دَلِيلٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ. وَقَوْلُهُ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا يَعُمُّ الْإِمَامَ وَيَعُمُّ الْجَهْرَ وَغَيْرَهُ، وَكَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي غَدَاةِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ افْعَلُوا مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ قَالَ فَفَعَلْنَا، وَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ» فَإِنَّ مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ يَعُمُّ الْجَهْرَ وَمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ يَعُمُّ الْمُنْفَرِدَ وَغَيْرَهُ اهـ.
وَكَذَا تَعَقَّبَ الْهِدَايَةِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ أَنْ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى وَعِلَّةُ الْجَهْرِ هُنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يُحَاكِي الْأَدَاءَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْقَضَاءِ كَالْأَدَاءِ اهـ فَبِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي كَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ وَلِذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَافِي) أَيْ اخْتَارَ التَّخْيِيرَ لِمَنْ قَضَى الْعِشَاءَ نَهَارًا وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ كَمَا قَدَّمَهُ.
(قَوْلُهُ الْجَهْرُ إسْمَاعُ غَيْرِهِ) أَطْلَقَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ.
(قَوْلُهُ وَالْمُخَافَتَةُ
(الْجَهْرُ إسْمَاعُ غَيْرِهِ وَالْمُخَافَتَةُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ) هَذَا مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ لَا الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِلَا صَوْتٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ فِي الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ فِي التِّلَاوَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ.
(تَرَكَ سُورَةَ أُولَيَيْ الْعِشَاءِ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَرَأَهَا) أَيْ السُّورَةَ (مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) فِي الْأُولَيَيْنِ (لَا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَوْ قَضَى فِيهِمَا فَاتِحَةَ الْأُولَيَيْنِ لَزِمَ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
(وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ) عَلَى الثَّانِيَةِ (فَقَطْ) أَيْ لَا أُولَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْفَجْرِ إجْمَاعًا لِيُدْرِكَ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
إسْمَاعُ نَفْسِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي إلَّا لِمَانِعٍ أَيْ فَيَكْفِي مَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ لَسَمَّعَ نَفْسَهُ.
(قَوْلُهُ هَذَا مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ) أَقُولُ، وَكَذَا قَالَ الْفَضْلِيُّ أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رحمه الله الْأَصَحُّ أَنْ لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَيَسْمَعْ مَنْ بِقُرْبِهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ كَالتَّسْمِيَةِ. . . إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْع أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ مُخْتَلَفَاتِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدِي أَنَّ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ وَفِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ غَيْرِهِ مَثَلًا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَدْنَى الْمُشْتَرِي صِمَاخَهُ إلَى فَمِ الْبَائِعِ وَسَمِعَ يَكْفِي، وَلَوْ سَمَّعَ الْبَائِعُ نَفْسَهُ وَلَمْ يُسْمِعْهُ الْمُشْتَرِيَ لَا يَكْفِي وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ مِنْ بُعْدٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَا يَحْنَثُ اهـ قُلْت قَدْ ضَعَّفَهُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ. . . إلَخْ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ اهـ.
وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ الشَّرْطُ سَمَاعُ نَفْسِهِ، وَكَذَا يُضَعِّفُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ.
(قَوْلُهُ قَرَأَهَا أَيْ السُّورَةَ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ قَضَاءِ السُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَجَرَى مَجْرَى إخْبَارِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ اهـ.
كَذَا فِي الْكَافِي.
وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَيْ مَا فِي الْأَصْلِ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ.
(قَوْلُهُ مَعَ الْفَاتِحَةِ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِهِمَا، وَقَالَ الْكَمَالُ قِيلَ يُقَدِّمُ السُّورَةَ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ إذْ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمَعْهُودِ اهـ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْفَاتِحَةِ هَلْ تَصِيرُ وَاجِبَةً كَالسُّورَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ جَهْرًا) قَيْدٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ شَنِيعٌ وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى وَصَحَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ فَقَطْ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّوَابَ قَوْلًا بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ تَلْتَحِقُ بِمَوْضِعِهَا تَقْدِيرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قُلْت فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْتَدِي بِهِ وَاخْتَارَ الْمُخَافَتَةَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاةِ جَمَاعَةٍ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ إنْ قَصَدَ الْإِمَامَةَ اهـ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَمْعَ هُنَا بِاعْتِبَارَيْنِ فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا. . . إلَخْ) أَقُولُ يَرِدُ عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ كَمَا أَوْرَدَهُ أَبُو يُوسُفَ لِنَفْيِهِ قَضَاءَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي مَحِلِّهَا، وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا أَدَاءً فَجَازَ أَنْ تَقَعَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ اهـ قُلْت فَظَاهِرُهُ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعَةٌ لَهُ نَفْلًا وَالْقَضَاءُ صَرْفُ مَا شُرِعَ لَهُ لِمَا عَلَيْهِ فَقَضَاءُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعٌ وَبِالْإِتْيَانِ بِهِ يَحْصُلُ قَضَاءُ مَا عَلَيْهِ اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ مُورِدًا عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ كَانَ إيقَاعُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يُخْلِيهِمَا عَنْهَا حُكْمًا كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ثَانِيًا لِلْقَضَاءِ يَجِبُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَيَخْلُوَ الثَّانِي عَنْ تَكْرَارِهَا حُكْمًا ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ الْمُتَحَقِّقُ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَزِمَ كَوْنُهَا قَضَاءً. اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْ لَا أُولَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَالْفَجْرِ