الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ] [
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرُكْنِ الْبَيْعِ]
الْبَابُ الْأَوَّلُ:
فِي بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ:
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرُكْنِ الْبَيْعِ
(الْمَادَّةُ 167) :
الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ.
وَيَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ الْقَبُولُ مِنْ الشَّخْصِ الَّذِي حَصَلَ الْإِيجَابُ لَهُ وَإِلَّا فَالْقَبُولُ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرَهُ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا وَمَتَى اقْتَرَنَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَشْرُوعَةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَى إذْنِ أَحَدِ النَّاسِ أَوْ رِضَائِهِ. إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ الْآتِيَةُ:
1 -
مُرَافَقَةُ الْقَبُولِ لِلْإِيجَابِ.
2 -
وُجُودُ الْمُوجِبِ حِينَ الْقَبُولِ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ.
3 -
أَلَا يَكُونَ الْمُوجِبُ قَدْ رَجَعَ عَنْ إيجَابِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ.
4 -
أَلَا يَكُونَ الْمُخَاطَبُ قَدْ رَدَّ الْإِيجَابَ.
5 -
أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَدْ سَمِعَا أَلْفَاظَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.
6 -
صُدُورُ كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ شَخْصٍ غَيْرِ الشَّخْصِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ الْآخَرُ.
7 -
أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدَانِ جَادَّيْنِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ غَيْرَ هَازِلَيْنِ.
فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْمَادَّةِ " 177 " وَالْمَوَادِّ الَّتِي تَلِيهَا.
الشَّرْطُ الثَّانِي: هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُوجِبُ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ حِينَ الْقَبُولِ وَيَكُونَ أَهْلًا لِلْبَيْعِ. فَإِذَا تُوُفِّيَ الْمُوجِبُ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ فَإِيجَابُهُ يُصْبِحُ بَاطِلًا وَلَا يَصِحُّ قَبُولُ الْمُخَاطَبِ بَعْدَ ذَلِكَ هِنْدِيَّةٌ ".
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: سَيَأْتِي بَيَانُهُ " فِي الْمَادَّةِ " 184، وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ.
شَرْطُ الرُّجُوعِ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِيَكُونَ رُجُوعُ الْمُوجِبِ صَحِيحًا سَمَاعُ الْفَرِيقِ الْآخَرِ إيَّاهُ. فَإِذَا وَجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ بِقَوْلِهِ لِآخَرَ: قَدْ بِعْتُكَ مَالِي الْفُلَانِيَّ بِكَذَا وَقَبْلَ الْقَبُولِ رَجَعَ عَنْ إيجَابِهِ هَذَا فَأَجَابَهُ الْفَرِيقُ الْآخَرُ وَلَمْ يَسْمَعْ رُجُوعَهُ قَدْ قَبِلْت فَيُعْقَدُ الْبَيْعُ " الْهِنْدِيَّةُ
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: إذَا أَوْجَبَ أَحَدُ الْمُبَايِعَيْنِ الْبَيْعَ فَرَدَّ الثَّانِي إيجَابَهُ يَبْطُلُ الْإِيجَابُ فَلَوْ حَصَلَ الْقَبُولُ بَعْدَئِذٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ طَحْطَاوِيٌّ، (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 15) .
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ سَمَاعُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي إيجَابَهُمَا وَقَبُولَهُمَا فَلَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَسْمَعْ الْبَائِعُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَلَكِنْ إذَا سَمِعَ الْحَاضِرُونَ قَبُولَ الْمُشْتَرِي فَادِّعَاءُ الْبَائِعِ بِعَدَمِ السَّمَاعِ غَيْرُ مُصَدَّقٍ مَا لَمْ يَدَّعِ فَقْدَ السَّمْعِ أَوْ ضَعْفَهُ " هِنْدِيَّةٌ ".
الشَّرْطُ السَّادِسُ: لَا يَصِحُّ قِيَامُ شَخْصٍ بِمُفْرَدِهِ مَقَامَ الْعَاقِدَيْنِ فَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَوَلِّي شَخْصٍ فِي عَقْدِ بَيْعٍ وَاحِدٍ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ مَعًا؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مُتَمَلِّكٌ وَالثَّانِي مُمَلَّكٌ وَلَا تَجْتَمِعُ الصِّفَتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفِي شَيْءٍ وَاحِدٍ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْبُيُوعُ الْآتِيَةُ صَحِيحَةً:
1 -
إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِبَيْعِ مَالٍ وَوَكَّلَ آخَرُ الْوَكِيلَ بِاشْتِرَاءِ الْمَالِ فَبَاعَهُ مُوَكِّلَهُ الثَّانِي فَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا " مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ " 2 - إذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ بِبَيْعِ مَالٍ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ بَاعَ مَالَ الرَّجُلِ أَوْ اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ فَلَا يَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا (خُلَاصَةٌ فِي بَيْعِ الْأَبِ وَالْأُمِّ) .
3 -
إذَا وَكَّلَ أَبٌ بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِابْنٍ صَغِيرٍ ثَانٍ لَهُ وَالْوَكِيلُ فَعَلَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ غَيْرُ جَائِزٍ، أَمَّا إذَا وَكَّلَ أَبٌ شَخْصًا فِي بَيْعِ مَالٍ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ وَوَكَّلَ آخَرَ فِي شِرَاءِ ذَلِكَ الْمَالِ لِوَلَدِهِ الْآخَرِ الصَّغِيرِ فَيَكُونُ الْبَيْعُ جَائِزًا. وَذَلِكَ لِوُقُوعِهِ مِنْ شَخْصَيْنِ (رَاجِعْ الْمَادَّةَ 1449) .
عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْحُكْمِ مُسْتَثْنَيَاتٍ يَجُوزُ فِيهِمَا صُدُورُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ أَحْيَانًا فِيهِمَا بِالْإِيجَابِ فَقَطْ وَإِلَيْكَ إيَّاهُمَا.
1 -
لِأَبِي الصَّغِيرِ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَأَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْبَيْعَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ الْأَنْقِرْوِيُّ فَقَدْ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مِنْ الْأَبِ مَقَامَ اللَّفْظَيْنِ بِدَاعِي الشَّفَقَةِ الْأَبَوِيَّةِ. مِثَالٌ: لَوْ أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ بَيْعَ مَالٍ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَقَالَ: بِعْت مَالِي مِنْ وَلَدِي الصَّغِيرِ فُلَانٍ بِكَذَا قِرْشًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِلَا حَاجَةٍ لِقَبُولِ الْأَبِ أَوْ قَبُولِ شَخْصٍ آخَرَ لِهَذَا الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ شِرَاءَ مَالِهِ لِنَفْسِهِ فَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا.
عَلَى أَنَّ انْعِقَادَ الْبَيْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ إنَّمَا يَتِمُّ بِإِنْشَاءِ الْعَاقِدِ الْبَيْعَ بِأَلْفَاظٍ تُفِيدُ الْأَصَالَةَ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا رَأَيْت فِي الْمِثَالَيْنِ، أَمَّا إذَا أَنْشَأَ الْعَاقِدُ الْبَيْعَ بِأَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَى الْوِلَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَبُولِ لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ. مِثَالٌ: لَوْ أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ شِرَاءَ مَالِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ قَائِلًا: قَدْ بِعْت مِنْ نَفْسِي هَذَا الْمَالَ الْمَمْلُوكَ لِوَلَدِي الصَّغِيرِ بِكَذَا دِينَارًا فَمَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَيْعَ فَلَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ بِقَوْلِهِ " بِعْتُ " فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ الْبَيْعَ بِصِفَتِهِ وَلِيًّا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ
لَوْ أَرَادَ أَبُو الصَّغِيرِ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ هَذَا مِنْ وَلَدٍ صَغِيرٍ آخَرَ لَهُ. فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى هُنَا أَيْضًا طَرَفَيْ الْعَقْدِ أَنْقِرْوِيٌّ هِنْدِيَّةٌ ".
مِثَالٌ: لَوْ قَالَ الْأَبُ: قَدْ بِعْت هَذَا الْمَالَ الْمَمْلُوكَ لِوَلَدِي الصَّغِيرِ فُلَانٍ مِنْ وَلَدِي الصَّغِيرِ الْآخَرِ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ.
وَيَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ هَذَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَبُو الْأَبِ، وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي هِنْدِيَّةٌ ".
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي الْبَيْعِ رَسُولًا لِكِلَا الْعَاقِدَيْنِ هِنْدِيَّةٌ ".
الشَّرْطُ السَّابِعُ: رَاجِعْ شَرْحَ الْمَادَّةِ " 69 ".
هَذَا وَبِمَا أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَلَيْسَ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الرُّجُوعُ عَنْ الْبَيْعِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدَاعِي أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يُرْبَطْ بِحُجَّةٍ أَوْ سَنَدٍ، أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّ مَجْلِسَ الْبَيْعِ لَمْ يُفَضَّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا فَيَكُونُ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّ الْمِلْكِيَّةِ الثَّابِتَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْبَائِعُ فَيَكُونُ قَدْ أَبْطَلَ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِيَّةِ الْبَيْعِ " بَدَائِعُ ".
فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَلَا فَائِدَةَ مِنْ رُجُوعِ الْبَائِعِ بَعْدَئِذٍ، وَقَوْلُهُ: نَدِمْتُ فَلَا أُرِيدُ بَيْعَ مَالِي " رَاجِعْ الْمَادَّةَ 375 " هِنْدِيَّةٌ ".
أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَلِلْعَاقِدَيْنِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا يَعْنِي أَنَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ أَوْ أَنْ يُجِيزَهُ حَتَّى انْفِضَاضِ الْمَجْلِسِ وَإِذَا أَمْضَى أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَأَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْخِيَارِ بَقِيَ الْخِيَارُ لِلطَّرَفِ الْآخَرِ.
أَمَّا إذَا تَفَرَّقَ الْمُتَعَاقِدَانِ بَدَنًا أَوْ اخْتَارَا لُزُومَ الْعَقْدِ فَلَا خِيَارَ مَجْلِسٍ وَالتَّفَرُّقُ مِنْ الْمَجْلِسِ يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَدٌّ أَوْ مِقْدَارٌ فَيُرْجَعُ بِهَا إلَى الْعُرْفِ، وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ يَثْبُتُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ بِدُونِ أَنْ يَشْتَرِطَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتَّى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ خِيَارُ مَجْلِسٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ الْبَاجُورِيُّ وَالْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَسْتَدِلُّ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِالْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» .
أَمَّا الْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ فَيَقُولُونَ: إنَّ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُقْصَدُ بِهِ خِيَارُ رُجُوعِ الْقَوْلِ يَعْنِي إذَا قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ فَيَحِقُّ لِلْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ أَنْ يَقُولَ: رَجَعْتُ عَنْ الْبَيْعِ، كَمَا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ الْبَيْعَ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا الْمَالَ فَيَحِقُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ: رَجَعْتُ، قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، كَمَا أَنَّهُ يَحِقُّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ: لَا أَقْبَلُ، فَالْخِيَارُ الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ هُوَ هَذَا الْخِيَارُ بَدَائِعُ ".
أَسْبَابُ الِاخْتِلَافِ: يُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِاسْتِعْمَالِ اسْمِ الْفَاعِلِ.
إذَا كَانَ مَعْنَى الْمَصْدَرِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَوْجُودًا فِي زَمَنِ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَيَكُونُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ اسْمُ الْفَاعِلِ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ كَاسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ " ضَارِبٍ " فِيمَنْ يَضْرِبُ فِي الْحَالِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبَيْنِ.
2 -
إذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرَ مَوْجُودٍ إلَّا أَنَّهُ سَيُوجَدُ فِي الْآتِي فَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ فِي ذَلِكَ مَجَازِيٌّ كَاسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ " ضَارِبٍ " فِيمَنْ لَمْ يَضْرِبْ وَسَيَضْرِبُ وَهَذَا أَيْضًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
3 -
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمَاضِي وَانْقَضَى فِي الْحَالِ فَاسْتِعْمَالُ اسْمِ الْفَاعِلِ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَجَازٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَقِيقَةٌ كَإِطْلَاقِ كَلِمَةِ " ضَارِبٍ " عَلَى مَنْ وَقَعَ مِنْهُ الضَّرْبُ وَانْقَطَعَ.
وَلَفْظَةُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْوَارِدَةُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ بِمَا أَنَّهَا قَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَنْ وَقَعَ مِنْهُمَا الْبَيْعُ فَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يُثْبِتُوا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَحَمَلُوا كَلِمَةَ التَّفَرُّقِ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَثْبَتُوا خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَحَمَلُوا لَفْظَةَ التَّفَرُّقِ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ.
أَمَّا سَبَبُ وُجُوبِ الْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكًا لِآخَرَ بِدُونِ قَبُولِهِ وَرِضَاهُ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الرِّضَاءِ وَالْقَبُولِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ يَتَفَرَّعُ مِنْهَا وُجُوبُ الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي عُقُودِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى الْمِيرَاثُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. فَمَالُ الْمُوَرِّثِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ بِدُونِ رِضَا الْوَارِثِ - حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَارِثُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ. إنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَرَاخِيًا أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ أَيْ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ أَوَّلًا وَالْقَبُولُ ثَانِيًا. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ. وَإِمَّا أَنْ يَصْدُرَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَعَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ لَا يَنْعَقِدُ مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ " الدُّرُّ الْمُنْتَقَى " الْبَحْرُ، وَلَمْ يَرِدْ فِي الْمَجَلَّةِ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ صَرَاحَةً إلَّا أَنَّ قَوْلَ الْمَجَلَّةِ فِي الْمَادَّةِ " 101 " وَالْمَادَّةِ " 102 " إنَّ الْإِيجَابَ هُوَ أَوَّلُ كَلَامٍ وَأَنَّ الْقَبُولَ هُوَ ثَانِي كَلَامٍ يَشْمَلُ اخْتِيَارُهَا الْقَوْلَ الثَّانِيَ.
يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ مِنْ الَّذِي وُجِّهَ إلَيْهِ الْإِيجَابُ فَلَوْ أَوْجَبَ شَخْصٌ الْبَيْعَ لِشَخْصٍ فَقَبِلَ الْبَيْعَ آخَرُ كَانَ مَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ.
مِثَالُ ذَلِكَ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: بِعْتُك هَذَا الْحِصَانَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَمْ يُجِبْ ذَلِكَ الشَّخْصُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّ الشَّخْصَ الْآخَرَ الْجَالِسَ بِجَانِبِ ذَلِكَ الشَّخْصِ قَالَ: قَبِلْت الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ وَقَعَ مِنْ شَخْصٍ لَمْ يُوَجَّهْ إلَيْهِ الْإِيجَابُ.
وَلَكِنْ إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: بِعْتُك هَذَا الْمَالَ وَأَمَرَ الْمُوَجَّهُ إلَيْهِ الْإِيجَابُ آخَرَ مَوْجُودًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَنْ يَقْبَلَ الْبَيْعَ فَقَبِلَهُ يُنْظَرُ مَاذَا قَبِلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ فَإِنْ كَانَ قَبِلَ الْبَيْعَ بِأَلْفَاظِ قَبُولِ الرَّسُولِ لِلْبَيْعِ فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ وَأَمَّا إذَا قَبِلَ بِأَلْفَاظِ قَبُولِ الْوَكِيلِ لِلْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ. وَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِدُونِ أَنْ يَتَوَقَّفَ الِانْعِقَادُ عَلَى إذْنِ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ كَيْفَمَا يَشَاءُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي تَصَرُّفِهِ لِإِذْنِ آخَرَ " اُنْظُرْ الْمَادَّةَ " 1192 " وَعَلَى هَذَا فَكَمَا يَحِقُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ دَارِهِ وَأَمْوَالَهُ الْمَنْقُولَةَ لِشَخْصٍ آخَرَ بِدُونِ إذْنٍ فَكَذَلِكَ يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَشْجَارَهُ الْمَغْرُوسَةَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ مَرْبُوطَةٍ بِمُقَاطَعَةٍ أَوْ أَبْنِيَتِهِ الْمُنْشَأَةِ عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ بِدُونِ