الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْمَوَادِّ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَبْسِ الْمَبِيعِ]
خُلَاصَةُ الْفَصْلِ - إنَّ حَقَّ الْحَبْسِ يَثْبُتُ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ أَوْ بَيْعِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ وَلَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْ قِسْمٍ مِنْ الثَّمَنِ وَأَدَاءِ قِسْمٍ وَيَسْقُطُ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ عَشَرَةٍ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي الْمَادَّتَيْنِ 281 و 282. وَكَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَرْهُونَ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْحَبْسَيْنِ فَرْقًا مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ مُطْلَقًا لَكِنْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ غَائِبًا بِأَنْ كَانَ فِي مَدِينَةٍ وَكَانَ إحْضَارُهُ يُكَلِّفُ الْمُرْتَهِنَ نَفَقَةً فَلَيْسَ الْمُرْتَهِنُ مُلْزَمًا بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ.
الثَّانِي: إذَا أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّهْنِ وَلَا أَنْ يَسْتَرِدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا أَعَارَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي.
الثَّالِثُ: إذَا نَقَدَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ الثَّمَنَ وَقَبَضَ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ وَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فَظَهَرَ الثَّمَنُ الَّذِي أَدَّاهُ إلَى الْبَائِعِ نُقُودًا زَائِفَةً فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ أَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (أَشْبَاهٌ)(الْمَادَّةُ 278) فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ أَعْنِي غَيْرَ الْمُؤَجَّلِ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الثَّمَنِ.
وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ بَعْضُهُ مُعَجَّلًا فَإِذَا كَانَ حَالًّا جَمِيعُهُ فَلِلْبَائِعِ وَقْفُ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُعَجَّلًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الْبَعْضَ الْمُعَجَّلَ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ (هِنْدِيَّةٌ) فَعَلَى هَذَا لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ مِنْ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ (بَزَّازِيَّةٌ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ وَدَفَعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا عَلَى الْآخَرِ.
مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ حِصَانَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ رَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ فَإِذَا أَوْفَى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ حَتَّى يُؤَدِّيَ
الْآخَرُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا اشْتَرَى شَخْصَانِ حِصَانًا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُعْلَمْ مُسْتَقَرُّهُ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَلِلْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ أَدَاءُ كُلِّ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْحِصَانِ مِنْ الْبَائِعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ غَيْرَ مِثْلِيٍّ أَمَّا الْمِثْلِيُّ كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَلَا جَبْرَ عَلَى دَفْعِ الْكُلِّ وَلِذَا مَثَّلْتُ الْمَسْأَلَةَ بِالْحِصَانِ كَمَا ذَكَرْنَا (رَدُّ الْمُحْتَارِ) أَقُولُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ كُلِّهِ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا لِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الثَّمَنِ فَإِذَا دَفَعَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ مِنْ الْمَبِيعِ الْمِثْلِيِّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ الْآتِيَةِ فَاضْطِرَارُ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ إلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ كُلِّهِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيَمِيِّ وَالْمِثْلِيِّ (شَارِحٌ) .
فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ جَمِيعِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ فَإِذَا حَضَرَ الْمُشْتَرِي الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْمُشْتَرِي الَّذِي أَدَّى جَمِيعَ الثَّمَنِ أَنْ يُمْسِكَ الْمَبِيعَ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا تَلِفَ الْحِصَانُ قَبْلَ حُضُورِ الْمُشْتَرِي الْغَائِبِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ طَلَبِهِ الْحِصَانَ فَلِلْحَاضِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرَ لَيْسَ فِي دَفْعِهِ حِصَّةَ الْغَائِبِ مِنْ الثَّمَنِ مُتَبَرِّعًا بَلْ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُجْبَرٌ (الْمُخْتَارُ)(رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
أَمَّا إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَطَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي تَسْلِيمَهُ الْحِصَانَ فَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ وَحَبَسَهُ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ مِنْهُ فَإِذَا تَلِفَ الْحِصَانُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ فِي أَثْنَاءِ حَبْسِهِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِي الْغَائِبَ بِمَا دَفَعَهُ عَنْهُ كَمَا لَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي الْغَائِبِ أَنْ يَطْلُبَ تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي الْحَاضِرِ قِيمَةَ الْحِصَانِ (هِنْدِيَّةٌ)(اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 91) وَإِنَّمَا قِيلَ (إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَائِبًا وَلَمْ يُعْلَمْ مُسْتَقَرُّهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي الْآخَرُ لَيْسَ غَائِبًا بَلْ حَاضِرًا فَاَلَّذِي يَدْفَعُ كُلَّ الثَّمَنِ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُضْطَرًّا فِي إيفَاءِ الْكُلِّ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى الْقَاضِي فِي أَنْ يَنْقُدَ حِصَّتَهُ لِيَسْتَوْفِيَ نَصِيبَهُ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) وَمَا دَامَ لِلْبَائِعِ حَقُّ وَقْفِ الْمَبِيعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَسَبَ الْمَادَّةِ 262 مُجْبَرًا عَلَى إيفَاءِ الثَّمَنِ قَبْلًا فَلِذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ خَمْسِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِأَلْفِ قِرْشٍ حَالَّةً فَأَوْفَى الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ قِرْشًا مِنْ الْأَلْفِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَقْبِضَ عَشَرَةَ الْقُرُوشِ الْبَاقِيَةِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْبَائِعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ كَيْلَةً وَنِصْفًا.
وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ شَخْصٌ سَبْعِينَ كَيْلَةً حِنْطَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ قِرْشٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَلْفُ قِرْشٍ مِنْهَا مُعَجَّلَةً وَخَمْسُمِائَةٍ مُؤَجَّلَةً فَلِلْبَائِعِ حَبْسُ كُلِّ الْمَبِيعِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ الْقِسْمَ الْمُعَجَّلَ وَهُوَ الْأَلْفُ الْقِرْشِ وَلَا يَحِقُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطْلُبَ تَسْلِيمَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَيْلَةً حِصَّةَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْدَعَ شَخْصٌ آخَرَ فِي الْآسَتَانَةِ كَذَا رِطْلِ زَيْتٍ ثُمَّ لَاقَى الْمُسْتَوْدَعَ فِي مَدِينَةٍ بُورْصَةَ فَبَاعَ الْوَدِيعَةَ مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يُجَدِّدْ تَسْلِيمَ ذَلِكَ الزَّيْتِ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْمُشْتَرِي (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 262) لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إذَا اشْتَرَى مَا أُودِعَ فَلَا يَكُونُ قَابِضًا بِقَبْضِ الْإِيدَاعِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضٍ جَدِيدٍ.
وَأَمَّا تَسْلِيمُ الثَّمَنِ فَيَقْتَضِي إحْضَارَ السِّلْعَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا قَائِمَةٌ فَإِذَا أَحْضَرَهَا الْبَائِعُ أَمَرَ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ دَفْعِهِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا عَنْ مِصْرِ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ غَيْرِهَا (خَيْرِيَّةٌ) . إذَا نُظِرَ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَائِهِ الثَّمَنَ فَحَسَبَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي