الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجَارَةُ الدَّوَابِّ.
النَّوْعُ الثَّانِي: عَقْدُ الْإِجَارَةِ الْوَارِدِ عَلَى الْعَمَلِ وَهُنَا يُقَالُ لِلْمَأْجُورِ أَجِيرٌ كَاسْتِئْجَارِ الْخَدَمَةِ وَالْعَمَلَةِ وَاسْتِئْجَارِ أَرْبَابِ الْحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
حَيْثُ إنَّ إعْطَاءَ السِّلْعَة لِلْخَيَّاطِ مَثَلًا لِيَخِيطَ ثَوْبًا يَصِيرُ إجَارَةً عَلَى الْعَمَلِ كَمَا أَنَّ تَقْطِيعَ الثَّوْبِ عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ مِنْ عِنْدِ الْخَيَّاطِ اسْتِصْنَاعٌ.
وَمَعَ أَنَّ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ مِنْ الْعُرُوضِ أَيْضًا فَلَمْ يَأْتِ ذِكْرُهَا وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إذَا اُسْتُؤْجِرَتْ عَلَى أَنْ تُسْتَهْلَكَ فَإِجَارَتُهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَلَوْ أُوجِرَ شَيْءٌ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ عَلَى أَنْ يُنْتَفَعَ بِاسْتِعْمَالِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ فَالْإِجَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً إلَّا أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ إجَارَةِ الْعُرُوضِ.
أَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ: إجَارَةُ الْحَيَوَانَاتِ، كَإِيجَارِ الْحِصَانِ وَالْبَغْلِ وَالْجَمَلِ وَالثَّوْرِ وَغَيْرِهَا فَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْهُ فِي الْمَادَّةِ (538) وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ الْوَارِدِ عَلَى عَمَلِ الْإِنْسَانِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ 413) .
لَا يُقَالُ إنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ السَّابِقَةِ (الْمَنْفَعَةُ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ) فَيَكُونُ فِي تَقْسِيمِ هَذِهِ الْمَادَّةِ إلَى إجَارَةٍ وَارِدَةٍ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَإِلَى أُخْرَى وَارِدَةٌ عَلَى الْعَمَلِ - تَقْسِيمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا التَّقْسِيمِ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَرِدُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَعْيَانِ وَأَحْيَانًا تَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْآدَمِيِّ (تَكْمِلَةُ الْفَتْحِ) .
فَمَثَلًا: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمَادَّةِ (455) : (تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً) أَنَّ الْإِجَارَةَ الْوَارِدَةَ عَلَى الْعَمَلِ تَرِدُ أَيْضًا عَلَى الْمَنْفَعَةِ.
هَذَا وَلَمَّا كَانَتْ الْإِجَارَةُ لَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ، فَقَطْعُ قُبَاءَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مِنْ الْخَيَّاطِ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ خُصُوصِيَّةٍ (اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ 405) قَوْلُهُ (حِرَفٌ) جَمْعُ حِرْفَةٍ (وَصَنَائِعُ) جَمْعُ صَنْعَةٍ وَكِلْتَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ كَمَا أَنَّ تَقْطِيعَ الثَّوْبِ عَلَى أَنَّ السِّلْعَةَ مِنْ الْخَيَّاطِ اسْتِصْنَاعٌ فَقَدْ جَاءَ اسْتِطْرَادًا وَلَمَّا كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُذْكَرَ فِي مَسَائِلِ الِاسْتِصْنَاعِ فَقَدْ بَحَثَ فِيهِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (388)(الْهِنْدِيَّةُ. فِي الْبَابِ الْحَادِيَ وَالثَّلَاثِينَ وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ) .
وَسَيُبَيِّنُ فِي الْفُصُولِ: الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَقْسَامَ نَوْعَيْ الْإِجَارَةِ هَذَيْنِ وَأَحْكَامَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[
(الْمَادَّةُ 422) الْأَجِيرُ عَلَى قِسْمَيْنِ]
(الْمَادَّةُ 422) :
الْأَجِيرُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ كَالْخَادِمِ الْمُوَظَّفِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَيَّدٍ بِشَرْطِ أَلَّا يَعْمَلَ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْحَمَّالِ وَالدَّلَّالِ وَالْخَيَّاطِ والسَّاعَاتِيِّ وَالصَّائِغِ وَأَصْحَابِ كَرْوَسَاتِ الْكِرَاءِ وَأَصْحَابِ الزَّوَارِقِ الَّذِينَ هُمْ يُكَارُونَ فِي الشَّوَارِعِ وَالْجُوَّالُ مَثَلًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَؤُلَاءِ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ
وَاحِدٍ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِكُلِّ أَحَدٍ.
لَكِنَّهُ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَكُونُ أَجِيرًا خَاصًّا فِي مُدَّةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ حَمَّالٌ، أَوْ ذُو كَرْوَسَةٍ أَوْ ذُو زَوْرَقٍ إلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْمُسْتَأْجِرِ وَأَنْ لَا يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَاحِدًا، أَوْ أَكْثَرَ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .
وَعَلَى هَذَا فَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَلُ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ بِقِسْمَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَادَّةِ (423) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْرِيفِ أَنَّ الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِعَمَلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ الْعَائِدَةِ إلَيْهِ لِغَيْرِهِ.
فَلَوْ عَمِلَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ بِإِنْسَانٍ عَمَلًا لِغَيْرِهِ فَقَصَّرَ فِي عَمَلِ مُسْتَأْجِرِهِ الْأَوَّلِ لِاشْتِغَالِهِ بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي فِي الْمُدَّةِ الْمُسْتَأْجَرِ فِيهَا لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْأَجِيرِ بِقَدْرِ تَقْصِيرِهِ فِي عَمَلِهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ ظِئْرًا مُدَّةً فَأَجَرَتْ نَفْسَهَا مِنْ آخَرَ بِدُونِ عِلْمٍ مِنْهُ فِي خِلَالِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا فِيهَا لَكِنْ قَامَتْ بِإِرْضَاعِ وَلَدَيْ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَتَمَّ الْقِيَامِ؛ فَلَهَا الْأُجْرَةُ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ كَامِلَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ غَابَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا بِاشْتِغَالِهَا بِالْآخَرِ فَلِلْأَوَّلِ نَقْصُ أُجْرَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي انْقَطَعَتْ فِيهَا عَنْ إرْضَاعِ ابْنِهِ كَمَا أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْإِجَارَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِإِيجَارِ الظِّئْرِ نَفْسَهَا مِنْ الْآخَرِ.
أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ فَاسْتِئْجَارُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَيَّدَ بِعَدَمِ الْعَمَلِ لِغَيْرِهِ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْعَمَلِ لِمُسْتَأْجِرِهِ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ وَعَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ مَا دَامَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِعَدَمِ الْعَمَلِ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ عَمِلَ أَمْ لَمْ يَعْمَلْ.
الثَّانِي: أَنْ يُسْتَأْجَرَ لِعَمَلٍ مَا مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ لِهَذَا الْعَمَلِ فَهَذَا أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ أَيْضًا.
وَعَلَى هَذَا فَالْإِجَارَةُ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ صَحِيحَةٌ وَذَلِكَ كَاسْتِئْجَارِ إنْسَانٍ لِنَقْلِ حِمْلٍ إلَى مَكَان وَخَيَّاطٍ لِقَطْعِ قَمِيصٍ أَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ.
أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ خَيَّاطًا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهُ قَمِيصًا فِي بَيْتِهِ بِدُونِ تَعْيِينِ الْمُدَّةِ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ سَوَاءٌ عَمِلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ أَمْ لَمْ يَعْمَلْ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ آخَرَ لِيَرْعَى لَهُ غَنَمَهُ بِمَبْلَغِ كَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَهَذَا الْأَجِيرُ مُشْتَرَكٌ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بَعْدَ رَعْيِ أَغْنَامِ الْغَيْرِ.
(الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ. رَدُّ الْمُحْتَارِ أَنْقِرْوِيّ، الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ ضَمَانِ الْأَجِيرِ التَّكْمِلَةُ) .
لَكِنْ إذَا صَرَّحَ فِي الْإِجَارَةِ بِكَوْنِ الْأَجِيرِ أَجِيرًا خَاصًّا طِوَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ فِيهَا فَهُوَ أَجِيرٌ خَاصٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُصِرَتْ مَنَافِعُ الْأَجِيرِ فِي الْمُسْتَأْجِرِ فَقَدْ امْتَنَعَ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ فِي الْوَقْتِ عَيْنِهِ.
كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ عَرَبَةً مُعَدَّةً لِلْكِرَاءِ مَعَ سَائِقِهَا يَوْمًا كَامِلًا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، فَالْعَرَبَةُ أَجِيرٌ خَاصٌّ طِوَالَ
الْيَوْمِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ رَاعِيًا مُدَّةً مُعَيَّنَةً بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لِرَعْيِ أَغْنَامِهِ، عَلَى أَلَّا يَرْعَى لِغَيْرِهِ فَذَلِكَ الرَّاعِي أَجِيرٌ خَاصٌّ طَوَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ فِيهَا.
وَبَيْنَ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ فَرْقٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: مِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ 424 و 425، وَفِي شَرْحِ الْمَادَّةِ 425، وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ.
الْفَرْقُ الثَّانِي: مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِضَابِطَيْنِ:
الْأَوَّلُ: إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ بِدُونِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ، فَالْأَجِيرُ مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي.
وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى الْعَمَلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَذَلِكَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُذْكَرَ الْعَمَلُ وَحْدَهُ فِي الْعَقْدِ، أَوْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّةِ، أَوْ الْأُجْرَةِ، وَفِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ الْأَجِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُذْكَرُ الْعَمَلُ فَقَطْ، وَفِي الِاثْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ تُعْقَدُ الْإِجَارَةُ بِذِكْرِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْعَقْدِ فِي الْأَوَّلِ وَكَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُذْكَرُ الْعَمَلُ فَقَطْ وَذَلِكَ كَمَا ذَهَبْتَ إلَى نَجَّارٍ وَطَلَبْتَ مِنْهُ عَمَلَ خِزَانَةٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يُذْكَرُ الْعَمَلُ ثُمَّ الْمُدَّةُ ثُمَّ الْأُجْرَةُ وَهَذِهِ الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِيهَا الْعَمَلُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالْعَمَلُ هُنَا مَعْلُومٌ وَذِكْرُ الْمُدَّةِ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهُ إيرَادُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَعْطُوفًا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا لِلْإِسْرَاعِ فِي إنْجَازِ الْعَمَلِ الْمُقَاوَلِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ لِيَعْمَلَ لَهُ وَاسْتَأْجَرَهُ لِأَجْلِهِ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ إتْمَامِهِ وَإِنْجَازِهِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَالْأَجِيرُ هُنَا أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ أَيْضًا.
وَإِلَّا؛ فَلَيْسَتْ الْمُدَّةُ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا حَتَّى يَكُونَ الْأَجِيرُ هُنَا أَجِيرًا خَاصًّا وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ آخَرَ لِيَصْبُغَ لَهُ رِدَاءً فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ بِكَذَا قِرْشًا فَقَالَ لَهُ: اُصْبُغْ هَذَا الرِّدَاءَ الْيَوْمَ، أَوْ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَى الْمَسَاءِ بِكَذَا قِرْشًا فَفِي هَذَا الْمِثَالِ الصَّبْغُ الْعَمَلُ وَالْيَوْمُ هُوَ الْمُدَّةُ وَ (كَذَا قِرْشًا) الْأُجْرَةُ.
فَالصَّبَّاغُ إذَا أَتَمَّ صَبْغَ الرِّدَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَ الظُّهْرِ؛ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً كَمَا لَوْ أَتَمَّهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَإِنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ كَامِلَةً.
وَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ إلَى فَسَادِ الْإِجَارَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ (لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ وَذِكْرُ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَ الْعَمَلِ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَنَفْعُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ فَفَسَدَ الْعَقْدُ)(الزَّيْلَعِيُّ) .
وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ يُذْكَرُ الْعَمَلُ أَوَّلًا ثُمَّ الْأُجْرَةُ ثُمَّ الْمُدَّةُ وَعَلَى ذَلِكَ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ أَيْضًا فَالْأَجِيرُ مُشْتَرَكٌ أَيْضًا وَالْإِجَارَةُ فِي هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْأُجْرَةِ وَذِكْرُ الْوَقْتِ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلتَّعْجِيلِ وَلَيْسَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانٌ آخَرَ