الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الكتاب الحادي والثلاثون] : كتاب الجهاد والسير
[الفصل الأول: أحكام الجهاد]
الجهاد1 فرض كفاية2، مع كل برٍّ وفاجر3 إذا أَذِنَ الأبوان4 وهو مع إخلاص النية يكفر الخطايا إلا الدين5، ويلحق به6
1 وقد أمر الله بالجهاد بالأنفس والأموال، وأوجب على عباده أن ينفروا إليه، وحرم عليهم التثاقل عنه؛ قال تعالى:{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41]، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَاّ قَلِيلٌ} [التوبة: 38] .
وللحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه "6/ 13 رقم 2792" ومسلم "3/ 1499 رقم 112/ 1180". عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحة، خير من الدنيا وما فيها".
2 لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: 122] ، أما إذا استنفر الإمام المسلمين للجهاد، أو داهَمَ العدوُّ بلاد المسلمين، فيصبح الجهاد فرض عين؛ لقوله تعالى:{إِلَاّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 39] .
3 لأن الأدلة الدالة على وجوب الجهاد من الكتاب والسنة، وعلى فضيلته والترغيب فيه وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلًا، بل هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله تعالى على عباده المسلمين من غير تتقييد بزمن أو مكان أو شخص أو عدل أو جور، فتخصيص وجوب الجهاد بكون السلطان عادلًا ليس عليه أثارة من علم.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 140 رقم 3004" ومسلم "4/ 1975 رقم 5/ 2549" عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك"؟ قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد".
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1502 رقم 119/ 1886" عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أن رسول الله صلى الله علهي وسلم قال: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين".
6 أي بالدَّيْن.
حقوق الآدمي1، ولا يستعان فيه بالمشركين إلا لضرورة2، وتجب على الجيش طاعة أميرهم إلا في معصية الله3، وعليه مشاورتهم والرفق بهم وكفهم عن الحرام4، ويشرع للإمام إذا أراد غزوًا أن يكتم حاله أو يوري بغير ما يريده5، وأن يذكي العيون ويستطلع الأخبار6، ويرتب الجيوش ويتخذ الرايات والألوية7، وتجب الدعوة قبل القتال إلى
1 من غير فرق بين دم أو عرض أو مال؛ إذ لا فرق بينهم.
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1449 رقم 150/ 1817" عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبر أدركه رجل، قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: لا. قال: "فارجع؛ فلن أستعين بمشرك"، قالت: ثم مضى، حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة. قال:"فارجع فلن أستعين بمشرك". قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء. فقال له كما قال أول مرة "تؤمن بالله ورسوله"؟ قال: نعم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فانطلق". بحرة الوبر: هو موضع على نحو ما أربعة أميال من المدينة.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "13/ 111 رقم 7137" ومسلم "3/ 1466 رقم 33/ 1835"، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني".
3 لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر} [آل عمران: 159] ، وللحديث الذي أخرجه مسلم "31/ 1403 رقم 83/ 1779" عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عباد فقال: إيانا تريد يا رسول الله؟، والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا".
وللحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1358 رقم 19/ 1828" عن عائشة رضي الله عنه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم، فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "8/ 113 رقم 4418" ومسلم "4/ 2120 رقم 53/ 2769" من حديث كعب بن مالك وفيه: "ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها".
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "7/ 406 رقم 4113" ومسلم "4/ 1879 رقم 48/ 2415" عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يوم الخندق، فانتدب الزبير، ثم ندبهم، فانتدب الزبير ثم ندبهم، فانتدب الزبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لكل نبي حواريٌّ وحواريِّي الزبير".
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم: 2874- البغا" عن البراء بن عازب صلى الله عليه وسلم قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرجالة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد الله بن جبير، فقال:"إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم".
وللحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 72 رقم 2592" والترمذي "4/ 195 رقم 1679" وابن ماجه "2/ 941 رقم 2817"والنسائي "5/ 200 رقم 2866" وغيرهم عن جابر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لواؤه يوم دخل مكة أبيض، وهو حديث حسن.
إحدى ثلاث خصال: إما الإسلام أو الجزية أو السيف1، ويحرم قتل النساء والأطفال والشيوخ إلا لضرورة2، والمثلة والإحراق بالنار3، والفرار عن الزحف إلا إلى فئة4، ويجوز تبييت الكفار5، والكذب في الحرب6، والخداع7.
1 لحديث بريدة المتقدم في هامش "ص203".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 148 رقم 3014" ومسلم "3/ 1364 رقم 24/ 1744" عن عبد الله بن عمر أن امرأة وُجِدَت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 149 رقم 3016" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج:"إني أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار ولا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموها فاقتلوهما".
4 لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَاّ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] .
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 146 رقم 3012" ومسلم "3/ 1364 رقم 26/ 1745" عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء -أو بودان- فسئل عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم، قال:"هم منهم"، وسمعته يقول:"لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم".
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 160 رقم 3032" عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لكعب بن الأشرف"؟ فقال محمد بن مسلمة: أتحب أن أقتله؟ قال: "نعم". قال: "فأْذنْ لي فأقول، قال: "قد فعلت". وأخرجه مسلم "3/ 1425 رقم 119/ 1801" مع القصة.
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 158 رقم 3030" ومسلم "3/ 1361 رقم 17/ 1739". عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحرب خدعة".
[الـ] فصل [الثاني: أحكام الغنائم]
وما غنمه الجيش كان لهم أربعة أخماسه وخمسه يصرفه الإمام في مصارفه1، ويأخذ الفارس من الغنيمة ثلاثة أسهم والراحل سهمًا2. ويستوي في ذلك القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل3، ويجوز تنفيل بعض الجيش4، وللإمام الصفي وسهمه كأحد الجيش5، ويرضخ من الغنيمة6 لمن حضر، ويؤثر المؤلفين إن رأى في ذلك صلاحًا7، وإذا رجع ما أخذه الكفار من المسلمين كان لمالكه8،
1 لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 4] .
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "7/ 484 رقم 4228" ومسلم "3/ 1383 رقم 57/ 1762" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفرس سهمين، وللراجل سهمًا قال: فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم: 3896-البغا"، عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلًا على ما دونه فقال النبي صلى الله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 237 رقم 3135" ومسلم "3/ 1369 رقم 40/ 1750" عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينفل بغض من يبعث من السرايا؛ لأنفسهم خاصة، سوى قسم عامة الجيش، والخمس في ذلك واجب كله.
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 398 رقم 2994" عن عائشة قالت: كانت صفية من الصفي، وهو حديث حسن.
6 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1445 رقم 139/ 1812": عن يزيد بن هرمز. قال: كتب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما؟ وعن قتل الولدان؟ وعن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ وعن ذوي القربى، من هم؟ فقال ليزيد: اكتب إليه، فلولا أن يقع في أحموقةٍ ما كتبت إليه. اكتب: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لها شيء؟ وأنه ليس لهما شيء. إلا أن يخزَيا
…
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 251 رقم 3150" ومسلم "2/ 739 رقم 1062". عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال:"فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
8 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 182 رقم 3067"، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ذهب فرس له فأخذه العدو، فظهر عليه المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبق عبد له فلحق بالروم، فظهر عليه المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم".
ويحرم الانتفاع بشيء من الغنيمة قبل القسمة إلا الطعام والعلف1، ويحرم الغلول2، ومن جملة الغنيمة الأسرى3، ويجوز القتل أو الفداء أو المن4.
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 153 رقم 2708" وغيره عن رويفع بن ثابت الأنصاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه" وهو حديث حسن.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "11/ 592 رقم 6707" ومسلم "1/ 108 رقم 183/ 115" عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، ففتح الله علينا، فلم نغنم ذهبًا ولا ورقًا، غنمنا المتاع والطعام والثياب، ثم انطلقنا إلى الوادي، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد له، وهبه له رجل من جذام، يدعى رفاعة بن زيد من بني الضبيب، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل رحله، فرُمِيَ بسهم، فكان فيه حتفه فقلنا: هنيئًا له الشهادة يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلًّا، والذي نفس محمد بيده إن الشملة لتلتهب عليه نارًا، أخذها من الغنائم يوم خيبر، لم تصبها المقاسم" قال: ففزع الناس، فجاء رجل بشراك أو شراكين، فقال: يا رسول الله، أصبت يوم خيبر، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شراك من نار أو شراكان من نار".
يحل رحله: الرحل هو مركب الرجل على البعير. الشملة: كساء صغير يؤتزر به. بشراك: الشراك هو السير المعروف الذي يكون في النعل على ظهر القدم.
3 لا خلاف في ذلك.
4 لقوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] .
أثخنتموهم: أثقلتموهم بالقتل والجراح. فشدوا الوثاق: فأسروهم وشدوا رباطهم حتى لا يقتلوا منكم. مَنًّا: تمنون مَنًّا، والمن هو الإنعام والمراد إطلاقهم من غير فدية. تضع الحرب أوزارها: حتى تنتهي الحرب يوضع المقاتلين أسلحتهم وكفهم عن القتال، وأصل الوزر ما يحمله الإنسان فأطلق على السلاح؛ لأنه يحتمل.
وللحديث الذي أخرجه البخاري "رقم 4028- البغا" ومسلم "3/ 1387 رقم 1766" عن ابن عمر رضي الله عنه قال: حاربت النضير وقريظة، فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومنَّ عليهم، حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم: بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة.
[الـ] فصل [الثالث: أحكام الأسير والجاسوس والهدنة]
ويجوز استرقاق العرب1
1 لأن الأدلة الصحيحة دلت على جواز ذلك؛ منها: ما أخرجه البخاري "5/ 170 رقم 2541" ومسلم "3/ 1356 رقم "1/ 1730" عن ابن عون قالت: كتبت إلى نافع، فكتب إلى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارُّون وأنعامهم تسقى على الماء. فقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية. حدثني به ابن عمر، وكان في ذلك الجيش.
وقتل الجاسوس1، وإذا أسلم الحربي قبل القدرة عليه أحرز أمواله2، وإذا أسلم عبد الكافر صار حرًّا3، والأرض المغنومة أمرها إلى الإمام فيفعل الأصلح من قسمتها أو تركها مشتركة بين الغانمين أو بين جميع المسلمين4، ومن أمنه أحد المسلمين صار آمنًا5، والرسول كالمؤمن6،
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 168 رقم 3051" عن سلمة بن الأكوع -قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم عينٌ من المشركين -وهو في سفر- فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "اطلبوه واقتلوه" فقتلتُهُ، فنفله سلبه.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 75 رقم 25" ومسلم "1/ 53 رقم 36/ 22" عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله".
عصموا: حفظوا ووقَوْا، وألحق صغار الأولاد بما ذكر؛ لأن الولد تبع لأبويه في الإسلام. بحق الإسلام: أي إذا فعلوا ما يستوجب عقوبة مالية أو بدنية في الإسلام، فإنهم يؤاخذون بذلك قصاصًا، حسابهم على الله: أي فيما يتعلق بسرائرهم وما يضمرون.
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 148 رقم 2700" والترمذي "5/ 634 رقم 3716" وقال: حديث حسن صحيح غريب، عن علي بن أبي طالب، قال: خرج عبدانٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني يوم الحديبية- قبل الصلح، فكتب إليه مواليهم فقالوا: يا محمد، والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربًا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا" وأبى أن يردهم، وقال:"هم عتقاء الله عز وجل"، وهو حديث حسن.
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1376 رقم 47/ 1756" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث؛ منها: وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما قرية أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ولرسوله ثم هي لكم".
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 999 رقم 470/ 1371" عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف".
6 للحديث الذي أخرجه أحمد "3/ 487" وأبو داود "3/ 191 رقم 2761"، عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: "ما تقولان أنتما"؟ قالا: نقول كما قال، قال:"أما والله لولا أن الرسل لا تُقتَل لضربت أعناقكما"، وهو حديث حسن.
وتجوز مهادنة الكفار1، ولو بشرط وإلى أجل أكثره عشر سنين2، ويجوز تأبيد المهادنة بالجزية3، ويمنع المشركون وأهل الذمة من السكون في جزيرة العرب4.
1 وملوكهم وقبائلهم إذا اجتهد الإمام وذوو الرأي من المسلمين فعرفوا نفع المسلمين في ذلك، ولم يخافوا من الكفار مكيدة.
2 هذا القدر في مدة الصلح هو المعتمد، وبه جزم ابن سعد في الطبقات "2/ 97" ورجحه ابن حجر في الفتح "5/ 343" وأخرجه الحاكم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم 4360- البغا" ومسلم "4/ 2273 رقم 6/ 2961". عن المسور بن مخرمة أنه أخبره: أن عمرو بن عوف الأنصاري وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرًا، أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين، يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، وقال:"أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء" قالوا: أجل يا رسول الله، قال:"فأبشروا وأملِّوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلتكتهم".
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1388 رقم 63/ 1767": عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلمًا".
[الـ] فصل [الرابع: حكم قتال البغاة]
ويجب قتال البغاة حتى يرجعوا إلى الحق1، ولا يقتل أسيرهم، ولا يتبع مدبرهم ولا يجاز على جريحهم، ولا تغنم أموالهم2.
1 لقوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] .
وانظر سبل السلام "7/ 248-253" بتحقيقي، ومجموع الفتاوى "28/ 630".
2 لأن الأصل في دماء المسلمين وأموالهم الحرمة، فلا يحل شيء منها إلا بدليل شرعي.
[الـ] فصل [الخامس: من أحكام الإمامة]
وطاعة الأئمة واجبة في غير معصية الله [تعالى] 1
ولا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة ولم يظهروا كفرًا بواحًا2، ويجب الصبر على جورهم3، وبذل النصيحة لهم4.
وعليهم الذب عن المسلمين وكف يد الظالم، وحفظ ثغورهم وتدبيرهم بالشرع في الأبدان والأديان والأموال، وتفريق أموال الله في مصارفها، وعدم الاستئثار بما فوق الكفاية
1 لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] .
ولحديث أبي هريرة المتقدم في هامش "ص219"، وللحديث الذي أخرجه البخاري "13/ 121 رقم 7144" ومسلم "3/ 1469" رقم 38/ 1839" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1482 رقم 66/ 1855" عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلُّون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم" قالوا: قلنا: يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وآلٍ، فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعته".
وللحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1476 رقم 52/ 1847" عن حذيفة بن اليمان، قال: قلتُ: يا رسول الله، إنا كنَّا بشر فجاء الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال:"نعم" قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم"، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستتون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس" قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "13/ 121 رقم 1743" ومسلم "3/ 1477 رقم 55/ 1849" عن ابن عباس يرويه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات، فمَيْتَةٌ جاهلية".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "6/ 495 رقم 3455" ومسلم "3/ 1471 رقم 44/ 1842" عن أبي حازم، قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عيه وسلم قال:"كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي. وستكون خلفاء فتكثر" قالوا: فما تأمرنا؟ قال: "فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم".
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "1/ 74 رقم 95/ 55" عن تميم الداري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
بالمعروف، والمبالغة في إصلاح السيرة والسريرة1.
وإلى هنا انتهى المختصر بخط مؤلفه: محمد بن علي بن محمد الشوكاني، غفر الله لهم آمين آمين
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "13/ 126 رقم 7150" ومسلم "1/ 125 رقم 227/ 142" عن الحسن قال: عاد عبيدُ الله بن زياد معقلَ بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه، قال معقل: إني محدثك حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علمت أن لي حياة ما حدثتك: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رَعِيَّة، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
وللحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه "1/ 126 رقم 229/ 142" عن أبي المليح؛ أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه فقال له معقل: إني محدثك بحديث لولا أني فِي الموت لم أحدثك به: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجتهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة".
تم الكتاب بفضل الله وتوفيقه، ومنِّه وكرمه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الله أسأل أن ينفع به، ويجعله في ميزاني يوم العرض عليه.
المؤلف
محمد صبحي بن حسن حلاق