الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: حياته العلمية
وقد ساعدته الثقافة الواسعة وذكاؤه الخارق، إلى جانب إتقانه للحديث وعلومه، والفقه وأصوله، على الاتجاه نحو الاجتهاد وخلع ربقة التقليد، وهو دون الثلاثين، وكان قبل ذلك على المذهب الزيدي، فصار علمًا من أعلام المجتهدين، وأكبر داعية إلى ترك التقليد، وأخذ الأحكام اجتهادًا من الكتاب والسنة، فهو بذلك يعد في طليعة المجددين في العصر الحديث، ومن الذين شاركوا في إيقاظ الأمة الإسلامية في هذا العصر.
وقد أحس بوطأة الجمود، وجناية التقليد الذي ران على الأمة الإسلامية من بعد القرن الرابع الهجري وأثره في زعزعة العقيدة، وشيوع البدع، والتعلق بالخرافات، وانصراف الناس من التعاليم الدينية وانكبابهم على الموبقات والمنكرات، مما جعله يشرع قلمه ولسانه في وجه الجمود والتقليد ويقف حياته على محاولة تغيير هذه الأوضاع الفاسدة، وتطهير تلك العقائد الباطلة
…
1
ويمكن أن نبين أبعاد هذه الحياة العلمية في ثلاث أهداف:
1-
دعوته إلى الاجتهاد ونبذ التقليد.
2-
دعوته إلى العقيدة السلفية في بساطتها أيام الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم.
3-
دعوته إلى محاربة كل ما يخل بالعقيدة الإسلامية.
قلت: وعلى رأس أهدفه تحكيم شرع الله في جميع مجالات الحياة2.
1 الإمام الشوكاني مفسرًا للدكتور: محمد حسن بن أحمد الغماري "ص62-63" بتصرف.
2 انظر: الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، للشوكاني. بتحقيقنا.
المبحث الرابع: توليه القضاء
في عام "1209" من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم توفي كبير قضاة اليمن، القاضي يحيى بن صالح الشجري السحولي، وكان مرجع العامة والخاصة وعليه المعول في الرأي والأحكام ومستشار الإمام والوزارة1.
قال الشوكاني2: "وكنت إذ ذاك مشتغلًا بالتدريس في علوم الاجتهاد والإفتاء والتصنيف منجمعًا عن الناس لا سيما أهل الأمر وأرباب الدولة، فإني لا أتصل بأحد منهم كائنًا من كان، ولم يكن لي رغبة في غير العلوم
…
فلم أشعر إلا بطلاب لي من الخليفة بعد موت القاضي المذكور بنحو أسبوع، فعزمت
3 البدر الطالع: "2/ 334".
4 البدر الطالع: "1/ 464-466".
إلى مقامه العالي، فذكر لي أنه قد رجح قيامي مقام القاضي المذكور، فاعتذرت له بما كنت فيه من الاشتغال بالعلم، فقال: القيام بالأمرين ممكن.
وليس المراد إلا القيام بفصل ما يصل من الخصومات إلى ديوانه العالي في يومي اجتماع الحكام فيه، فقلت: سيقع مني الاستخارة لله والاستشارة لأهل الفضل، وما اختاره الله ففيه الخير، فلما فارقته ما زلت مترددًا نحو أسبوع، ولكنه وفد إلي غالب من ينتسب إلى العلم في مدينة صنعاء وأجمعوا على أن الإجابة واجبة، وأنهم يخشون أن يدخل في هذا المنصب الذي إليه مرجع الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية من لا يوثق بدينه وعلمه
…
فقبلت مستعينًا بالله ومتكلًا عليه.. وأسأل الله بحوله وطوله أن يرشدني إلى مراضيه، ويحول بيني وبين معاصيه، وييسر لي الخير حيث كان، ويدفع عني الشر، ويقيمني في مقام العدل، ويختار لي ما فيه الخير في الدين والدنيا" اهـ.
قلت: وربما أن الشوكاني رأى في منصب القضاء فرصة لنشر السنة وإماتة البدعة، والدعوة إلى طريق السلف الصالح..
كما أن منصب القضاء سيصد عنه كثيرًا من التيارات المعادية له، ويسمح لأتباعه بنشر آرائه السديدة، وطريقته المستقيمة.
"والأئمة الثلاثة الذين تولى الشوكاني القضاء الأكبر لهم ولم يعزل حتى واتته المنية هم:
1-
المنصور علي بن المهدي عباس، ولد سنة "1151هـ" وتوفي سنة "1224هـ" ومدة خلافته 25 سنة.
2-
ابنه المتوكل علي بن أحمد بن المنصور علي، ولد سنة 1170هـ وتوفي سنة "1231هـ" ومدة خلافته نحو "7" سنوات.
3-
المهدي عبد الله، ولد سنة "1208هـ" وتوفي سنة "1251هـ" ومدة خلافته "20" سنة1.
قلت: كان تولي الشوكاني القضاء كسبًا كبيرًا للحق والعدل، فقد أقام سوق العدالة بينا وأنصف المظلوم من الظالم، وأبعد الرشوة، وخفف من غلواء التعصب، ودعى الناس إلى اتباع القرآن والسنة، إلا أن هذا التعصب قد منعه من التحقيق العلمي يظهر ذلك إذا ما تتبع المرء مؤلفاته قبل توليه القضاء وبعده، يجد الفرق واضحًا.
1 الإمام الشوكاني مفسرًا، للغماري "ص71" باختصار.