الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الكتاب العاشر] : كتاب البيع
[الباب الأول: أنواع البيوع المحرمة]
المعتبر فيه مجرد التراضي، ولو بإشارة من قادر على النطق1، ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام2 والكلب3 والسنور4، والدم5
1 الأصل في مشروعية البيع آيات. منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
2 لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 424 رقم 2236" ومسلم "3/ 1207" رقم 71/ 1581" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بمكة عام الفتح: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".
يطلى: يدهن. يستصبح: يجعلونها في مصابيحهم ويوقدون فتيلًا فيها؛ ليستضيئوا بها. قاتل: لعن. شحومها: شحوم الميتة. أو شحوم البقرة والغنم، كما أخبر تعالى بقوله:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] . جملوه: أذابوه واستخرجوا دهنه.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 426 رقم 2237" ومسلم "3/ 1198" رقم 39/ 1567" عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي، وحلوان الكاهن". مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهرًا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين. حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته.
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1199 رقم 1569" عن أبي الزبير، قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 426 رقم 2238" عن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله ولعن المصور".
حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله ولعن المصور".
وعسب الفحل1 وكل حرام2، وفضل الماء3 وما فيه غرر4 كالسمك في الماء، وحبل الحبلة5، والمنابذة والملامسة6 وما في الضرع، والعبد الآبق، والمغانم حتى
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 461 رقم 2284". عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل".
2 لحديث جابر بن عبد الله، انظر هامش "ص138".
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 751 رقم 3478" والنسائي "7/ 307 رقم 4662" والترمذي "3/ 571 رقم 1271" وقال: حديث حسن صحيح عن إياس بن عبد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن فضل الماء" وهو حديث صحيح.
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1153" وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر ".
بيع الحصاة: فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. والثاني: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة. والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا. فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا.
بيع الغرر: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع. ويدخل فيه مسائل كثير من منحصرة: كبيع الآبق، والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة، ومعنى الغرر الخطر، والغرور والخداع، واعلم أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسيب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة في النهي عن الغرر، ولكن أفردت بالذكر ونهي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة.
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1153 رقم 5/ 1514" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن بيع حبل الحبلة".
بيع حبل الحبلة: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 358 رقم 2144" ومسلم "3/ 1152 رقم 3/ 1512" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار. ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه. ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض".
تقسم1، والثمر حتى يصلح2، والصوف في الظهر، والسمن في اللبن، والمحاقلة والمزابنة والمعاومة والمحاضرة3 والعربون4، والعصير إلى من يتخذه خمرًا5 والكالئ بالكالئ6 وما اشتراه قبل قبضه7، والطعام حتى يجري فيه الصاعان8، ولا يصح الاستثناء في البيع إلا إذا كان
1 للحديث الذي أخرجه النسائي "7/ 301 رقم 4645" عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغانم حتى تقسم، وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن، وعن لحم كل ذي ناب من السباع" وهو حديث صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 394 رقم 2194" ومسلم "3/ 1165 رقم 49/ 1534" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 404 رقم 2207" عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 50 رقم 2381" ومسلم "3/ 1175 رقم 85/ 1536" عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة، "قال أحدهما: بيع السنين هي المعاومة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا".
المحاقلة: بيع الزرع بكيل من الطعام معلوم. المخاضرة: بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها.
المزابنة: بيع ثمر النخل بأوساق من التمر. المعاومة: بيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد. المخابرة: هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع. الثنيا: هي أن يستثني في عقد البيع شيء مجهول.
4 العربون: هو أن يعطي المشتري البائع درهمًا أو نحوه قبل البيع، على أنه إذا ترك الشراء كان الدرهم للبائع بغير شيء. وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:"نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربون". ضعيف.
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 81 رقم 3674" وابن ماجه "2/ 1121 رقم 3380". عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه" وهو حديث صحيح.
6 أي المعدوم بالمعدوم.
7 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1162 رقم 41/ 1529" عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ابتعت طعامًا، فلا تبعْهُ حتى تستوفِيَه".
8 للحديث الذي أخرجه ابن ماجه "2/ 750 رقم 2228" والدارقطني "3/ 8 رقم 24" والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 316" عن جابر، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري" وهو حديث حسن.
معلومًا1 ومنه استثناء ظهر المبيع2، ولا يجوز التفريق بين المحارم3، ولا أن يبيع حاضر لبادٍ4، والتناجش5 والبيع على البيع6، وتلقي الركبان7، والاحتكار8، والتسعير9.
1 لحديث جابر بن عبد الله عند مسلم وغيره "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثنيا" انظر هامش "ص140" وزاد النسائي "7/ 37 رقم 3880" والترمذي "3/ 585 رقم 1290": "إلا أن تعلم".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 314 رقم 2718" ومسلم "3/ 1221 رقم 109/ 715" عن جابر بن عبد الله، أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه، فسار سيرًا لم يسر مثل، قال:"بعنيه بوُقَيَّة" قلت: لا. ثم قال: "بعنيه" فبعته بوقية، واستثنيت عليه حُملانه إلى أهلي. فلما بغلت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه ثم رجعت، فأرسل في أثري. فقال:"أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهو لك".
ماكستك: المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن.
3 للحديث الذي أخرجه الترمذي "3/ 580 رقم 1283" وقال حديث حسن غريب عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرق بين الوالدة وولدها، فرق بينه وبين أحبته يوم القيامة". وهو حديث صحيح. بل الأصح جواز التفريق لحديث جابر، انظر هامش "ص140".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 372 رقم 2161" ومسلم "3/ 1158 رقم 212/ 1523" وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن يبيع حاضر لبادٍ وإن كان أخاه أو أباه".
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 355 رقم 2142" ومسلم "3/ 1156 رقم 13/ 1516". عن ابن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش.
النجش: هو زيادة في السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره فيشتريها.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 353 رقم 2140" ومسلم "3/ 1155 رقم 12/ 1515". عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لبادٍ ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه. ولا يخطب على خطبة أخيه. ولا تسأل المرأة طلاق أختها؛ لتكفأ ما في إنائها".
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 370 رقم 2158" ومسلم "3/ 1157 رقم 19/ 1521" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لبادٍ" قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: "لا يبع حاضر لباد"؟ قال: لا يكون له سمسارًا.
8 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1228 رقم 130/ 1605" عن معمر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحتكر إلا خاطئ".
9 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 731 رقم 3451" والترمذي "3/ 605 رقم 1314" وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه "2/ 741 رقم 2200" وغيرهم عن أنس بن مالك، قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعِّرْ لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال". وهو حديث صحيح.
ويجب وضع الجوائح1، ولا يحل سلف وبيع2، وشرطان في بيع3 وبيعتان في بيعة4، [وربح ما لم يضمن] 5، وبيع ما ليس عند البائع6، ويجوز بشرط عدم الخداع7، والخيار في المجلس ثابت ما لم يتفرقا8.
1 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1190 رقم 14/ 1554" عن جابر بن عبد الله. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا؛ بم تأخذ مال أخيك بغير حق"؟ الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 769 رقم 3504" والنسائي "7/ 288 رقم 4611" والترمذي "3/ 535 رقم 1234" وقال: حديث حسن صحيح عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك". وهو حديث حسن.
3 لحديث عبد الله بن عمرو، انظر الهامش "2".
4 للحديث الذي أخرجه النسائي "7/ 295 رقم 4632" وأبو داود "3/ 838 رقم 3461" والترمذي "3/ 533 رقم 1231" وغيرهم. عن أبي هريرة. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا". وهو حديث حسن.
5 لحديث عبد الله بن عمرو، انظر الهامش "2".
6 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 768 رقم 3503" والترمذي "3/ 534 رقم 1232"والنسائي "7/ 289 رقم 4613" وابن ماجه "2/ 737 رقم 2187" وغيرهم عن حكيم بن حزام، قال: يا رسول الله، يأتيني الرجل، فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق؟ فقال:"لا تبع ما ليس عندك" وهو حديث صحيح. انظر هامش "ص140".
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 337 رقم 2117" ومسلم "3/ 1165 رقم 48/ 1533" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع، فقال:"إذا بايعت فقل: لا خلابة".
لا خلابة: لا خديعة: أي لا تحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك.
8 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 328 رقم 2110" ومسلم "3/ 1164 رقم 47/ 1532".
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
بينا: أي بيَّن كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن. محقت بركة بيعهما: أي ذهبت بركته. وهي زيادته ونماؤه.
[الباب الثاني] : باب الر با 1
يحرم بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا مثلًا بمثل يدًا بيد2، وفي إلحاق غيرها بها خلاف3، فإن اختلفت الأجناس جاز التفاضل إذا كان يدًا بيد4، ولا يجوز بيع الجنس بجنسه مع عدم العلم بالتساوي5
1 التعامل بالربا من الكبائر، والأصل في تحريمه آيات؛ منها: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278- 279] . وأحاديث؛ منها ما أخرجه مسلم "3/ 1219 رقم 106/ 1598": عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال:"هم سواء". هم سواء: أي يستوون في فعل المعصية والإثم.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 377 رقم 2174" ومسلم "3/ 1210 رقم 79/ 1586" وغيرهما عن مالك بن أوس أنه التمس صرفًا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا، حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه، حتى تأخذ منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء".
إلا هاء وهاء: فيه لغتان: المد والقصر: والمد أفصح وأشهر، وأصله: هاك، فأبدلت المدة من الكاف، ومعناه خذ هذا، ويقول صاحبه مثله، والمدة مفتوحة، ويقال: بالكسر أيضًا.
وللحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1210 رقم 80/ 1587" وغيره عن عبادة بن الصامت: قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى".
3 لم يرد دليل تقوم به الحجة على إلحاق ما عدا الأجناس المنصوص عليها بها.
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1211 رقم 81/ 1587" عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم. إذا كان يدًا بيد".
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1163 رقم 42/ 1530" عن جابر بن عبد الله، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر، لا يعلم مكيلتها، بالكيل المسمى من التمر".
الصبرة: هي الكومة. والمعنى: نهى عن بيع الكومة من التمر المجهولة القدر، بالكيل المعين القدر من التمر.
وإن صحبه غيره1، ولا بيع الرطب بما كان يابسًا2 إلا لأهل العرايا3، ولا بيع اللحم بالحيوان4، ويجوز بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه5
ولا يجوز بيع العينة6.
1 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1213 رقم 90/ 1591" عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر، قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"لا تباع حتى تُفَصَّل". ففصلتها: أي ميزت ذهبها وخرزها.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 384 رقم 2185" ومسلم "3/ 171 رقم 72/ 1542" وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 390 رقم 2192" ومسلم "3/ 1169 رقم 64/ 1539" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلًا".
العرايا: جمع عريِّة، فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ويحتمل أن تكون فعيلة، فاعلة، من عري يعرى إذا خلع ثوبه، كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت، وقيل في تفسيرها: إنه لما نهى عن المزابنة، وهي بيع التمر في رءوس النخل بالتمر، رخص في جملة المزابنة في العرايا؛ وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل لهم يطمعهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: يعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات؛ ليصيب من رطبها مع الناس، فرخص فيه إذا كان دون خمسة أوسق. الوسق =60 صاعًا كيلًا. الصاع =4 أمداد. المد =544 جرامًا من القمح. إذن الصاع =4×544 =1276 جرامًا. الوسق= 60×2176= 130560 جرامًا= 130.56 كيلو جرامًا. إذن خمسة أوسق =6×130.56= 652.8 كيلو غرامًا.
4 للحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك "2/ 35" والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 296" عن سمرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد؛ رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة، ووافقه الذهبي". وقال البيهقي: "هذا إسناد صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عده موصولًا، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب، أخرجه مالك في الموطأ "2/ 655" ورجاله ثقات، والقاسم بن أبي بزة أخرجه البيهقي "5/ 296-297"، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه أخرجه البيهقي "5/ 297".
قلت: والخلاصة أن الحديث حسن والله أعلم. وقد حسنه الألباني في الإرواء "5/ 198 رقم 1351".
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 652 رقم 3357" وغيره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة". وهو حديث حسن.
القلوص: هي الناقة الشابة. وتجمع علاى قلاص، وقلص أيضًا.
6 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 740 رقم 3462" وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتهم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
العينة: بيع التاجر سلعته بثمن إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن.