الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة السادسة
في:
متى يكون للنذر حكم اليمين
قال الحنابلة وهم يذكرون الصور التي ينقلب فيها النذر إلى يمين:
ينقسم النذر المنعقد إلى ستة أقسام:
الأول: النذر المطلق وهو أن يقول: على نذر، أو لله علي نذر ولم ينو بنذره شيئًا معينًا سواء قال: إن فعلت كذا، أو لم يقل، فيلزمه بهذا كفارة يمين.
الثاني: نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق النذر بشرط يقصد منه الناذر المنع من المعلق عليه، أو الحث عليه، أو التصديق عليه إن كان خبرًا كقول: إن كلمتك فعلي صوم كذا، يريد منع نفسه من كلامه وكقول: إن لم أضربك فعلي صلاة كذا، يريد حث نفسه على ضربه. وكقول: إن لم أكن صادقًا فعلي صوم كذا يريد تحقيق الخبر، وحكم هذا النذر أن الناذر مخير بين كفارة اليمين إذا وجد الشرط وبين فعل المنذور.
الثالث: نذر المباح كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي، وحكم هذا أن الناذر مخير أيضًا بين فعل المنذور وكفارة اليمين. فنذر المباح كالحلف بفعله، فإنه إذا حلف أنه يأكل أو يشرب فإنه يكفر أو يفعل.
الرابع: نذر المكروه كالطلاق وأكل الثوم والبصل وترك السنة ونحو ذلك، وحكم هذا أنه يستحب للناذر أن يكفر كفارة اليمين، فإذا فعل المكروه فلا كفارة عليه؛ لأنه وفى بنذره.
الخامس: نذر المعصية كشرب الخمر، وصوم يوم الحيض والنفاس، ويوم العيد، وأيام التشريق، وحكم هذا أنه لا يجوز الوفاء به، ويقضي الصوم في أيام أخرى وعليه كفارة، فإن وفى أثم ولا كفارة بنذره عليه.
وقال الحنفية:
ينقسم النذر إلى قسمين: نذر معلق على شرط، ونذر مطلق. والنذر المعلق ينقسم إلى قسمين:
الأول: معلق على شيء يراد وقوعه كقوله: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا، فإنه معلق على شفاء المريض وهو مرغوب في حصوله للناذر.، وحكم هذا لزوم الوفاء به عند تحقيق المعلق عليه متى استوفى الشروط
…
الثاني: معلق على شيء لا يراد حصوله كقوله: إذا دخلت الدار فعلي كذا نذر، أو إن كلمت فلانا. وهذا القسم هو يسمى نذر اللجاج عند الشافعية، لأن المقصود منه المنع عن الفعل. وحكمه أن ناذره مخير بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين.
وقال المالكية:
تجب الكفارة بأربعة أمور: الأول: النذر المبهم، وهو الذي لم يعين فيه المنذور كأن يقول: لله علي نذر، أو نذر لله علي إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا فإنه تجب فيه الكفارة إن حنث، وكذا إذا قال: إن شفى الله مريضي علي نذر، أو لله علي نذر فشفى الله مريضه، فإنه يجب عليه كفارة اليمين اهـ من (الفقه على المذاهب الأربعة).
وقال الشافعية:
من نذر يريد البر فيجب عليه الوفاء، ومن نذر اللجاج ويسمى نذر الغضب ويمين الغلق، وهو النذر المرتبط بما لا يريد وقوعه بأن يقصد الناذر حث نفسه على شيء أو منعها مثل: إن كلمت فلانًا فلله علي صوم، فالناذر هاهنا بالخيار إن شاء وفى وإن شاء كفر كفارة يمين.
1540 -
* روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لم يسمه، فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذرًا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذرًا أطاقه، فليف به" وفي رواية: إنه موقوف.
1541 -
* روى مسلم عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفارة النذر إذا لم يسم شيئًا، كفارة اليمين".
1542 -
* روى مالك عن عائشة رضي الله عنها سئلت عن رجلٍ، قال: مالي في رتاج الكعبة؟ فقالت: يكفره ما يكفر اليمين.
أقول: نص فقهاء الحنفية على أن نذر العبادة غير المقصودة لذاتها لا ينعقد به النذر، ومن ذلك ما هو وسائل للعبادة كبناء المساجد، ومن ههنا كان نذر الإنسان مالا للكعبة لا ينعقد نذرًا وفيه كفارة يمين على مذهب عائشة رضي الله عنها، واعتبر هذا النذر الوارد في النص فقهاء الشافعية وآخرون أنه نذر لجاج وغضب وكفارته كفارة يمين.
1543 -
* روى أبو داود عن سعيد بن المسيب رحمه الله أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما أخاه القسمة، فقال له الآخر: إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة، فعاد يسأله، فأتى عمر، فقال له: إن الكعبة لغنية عن مالك، كفر عن يمينك، وكلم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا تملك".
1540 - أبو داود (3/ 241) كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذرًا لا يطيقه.
روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أوقفوه على ابن عباس، والوقوف أصح.
1541 -
مسلم (3/ 1265) 26 - كتاب النذر، 5 - باب في كفارة النذر. ولم يقل:"إذا لم يسم شيئًا".
وأبو داود (3/ 241) كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذرًا لم يسمه، ولم يقل:"إذا لم يسم شيئًا".
والترمذي (4/ 106) 21 - كتاب النذور والأيمان، 4 - باب ما جاء في كفارة النذر إذا لم يسم.
وقال: حديث حسن صحيح غريب.
والنسائي (7/ 26) 25 - كتاب الأيمان والنذور، 41 - باب كفارة النذر. ولم يقل:"إذا لم يسم شيئًا".
1542 -
الموطأ (3/ 481) كتاب النذور والأيمان، 9 - باب جامع الأيمان.
1543 -
أبو داود (3/ 237) كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين في قطيعة الرحم.
قال ابن الأثير:
(الرتاج): الباب، يقال: جعلت مالي في رتاج الكعبة، أي: جعلته لها، وليس المراد الباب نفسه، وإنما المعنى: أن يكون ماله هديًا إلى الكعبة أو في كسوتها والنفقة عليها.
أقول: في هذه الرواية نموذج على ما يسمى بنذر اللجاج وهي إحدى الصور التي نص عليها فقهاء الحنابلة والشافعية أنها تنقلب يمينًا.
1544 -
* روى النسائي عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصيةٍ، ولا فيما لا يملك ابن آدم".
وفي أخرى (1) له قال: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمينٍ".
وفى أخرى (2)"لا نذر في غضب الله، وكفارته كفارة يمينٍ".
وهذا طرف من حديث طويل أخرجه مسلم وأبو داود (4).
1545 -
* روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصيةٍ، وكفارته كفارة يمينٍ".
1546 -
* روى مالك عن يحيى بن سعيدٍ رحمه الله أنه سمع القاسم بن محمدٍ يقول:
1544 - النسائي (7/ 19) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - باب النذر فيما لا يملك.
(1)
النسائي (7/ 26) الموضع السابق.
النسائي (7/ 28) الموضع السابق.
(2)
مسلم (2/ 1262) 36 - كتاب النذر، 3 - باب لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد.
أبو داود: (3/ 239) كتاب الأيمان والنذور، 37 - باب في النذر فيما لا يملك.
1545 -
أبو داود (3/ 232) كتاب الأيمان والنذور، 21 - باب ما جاء في النذر في المعصية.
والترمذي (4/ 103) 21 - كتاب النذور والأيمان، 1 - باب ما جاء عن رسول الله
…
وقال: هذا حديث لا يصح.
والنسائي (7/ 28) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 41 - كفارة النذر.
(الكفارة) معروفة، وأصلها من: التغطية والستر، وهي فعالة من ذلك.
1546 -
الموطأ (2/ 476) 22 - كتاب النذور والأيمان، 4 - باب مالا يجوز من النذور في معصية الله.
وإسناده صحيح.
أتت امرأة إلى عبد الله بن عباسٍ، فقالت: إني نذرت أن أنحر ابني، فقال ابن عباسٍ: لا تنحري ابنك، وكفري عن يمينك فقال شيخ عند ابن عباس: إن الله تعالى قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت.
أقول: من نذر أن يذبح ولده نحر شاةً عند أبي حنيفة وجزورًا عند مالك، وقال الشافعية: لا شيء عليه. وقال أحمد في رواية عنه: عليه كفارة يمين، ومن نذر ذبح نفسه أو أجنبي فهو نذر معصية ولا قياس فيه، وعليه كفارة يمين عند أحمد أو ذبح كبش ويطعمه المساكين، ولا شيء عليه عند الشافعية وآخرين.
1547 -
* روى الطبراني عن مسروقٍ قال: أتي عبد الله بضرعٍ فأخذ يأكل منه فقال للقوم: ادنوا: فدنا القوم وتنحى رجل منهم، فقال عبد الله: ما شأنك؟ قال: إني حرمت الضرع. قال: هذا من خطوات الشيطان: ادن وكل وكفر يمينك، ثم تلا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} .
أقول: لا يعتبر فقهاء الحنفية نذر المعصية منعقدًا ولا يوجبون فيه شيئًا، وما ورد من أن كفارته كفارة يمين فمحمول على الندب. ونص فقهاء الحنابلة على أن نذر المعصية يحرم الوفاء به وتجب به كفارة يمين، أما تحريم الحلال ففيه كفارة يمين بنص القرآن قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1)، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2).
* * *
1547 - المعجم الكبير (9/ 206).
مجمع الزوائد (4/ 19). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
(1)
التحريم: 1.
(2)
التحريم: 2.