الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقول ومسائل وفوائد
قال الشوكاني رحمه الله:
الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة. وقيل إن كان مليًا لزمه، وإن كان فقيرًا فعليه كفارة يمين، وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد وإن كان متوسطًا يخرج قدر زكاة ماله. والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة. وعن الشعبي وابن أبي ليلى لا يلزمه شيء أصلا. وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس. وقيل يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارة يمين. وعن سحنون يلزمه أن يخرج ما لا يضر به. وعن الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل. وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل. وإذا تقرر ذلك فقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه، ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ، وقيل إن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال: فمن كان قويًا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنه وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك فلا، وعليه يتنزل "لا صدقة إلا عن ظهر غني"، وفي لفظ:"أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى" اهـ.
قال الشرنبلالي في مراقي الفلاح وهو من الحنفية:
وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيه مقصودًا للناذر، بل مراعاة حق فلان، فلا يصح التزامه بالنذر. وفي ظاهر الرواية: عيادة المريض وتشييع الجنازة وإن كان فيه معنى حق الله تعالى فالمقصود حق المريض والميت، والناذر إنما يلتزم بنذره ما يكون مشروعًا حقا لله تعالى مقصودًا. اهـ.
قال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح:
(قوله: بل مراعاة حق فلان) هو المقصود له. (قوله: فلا يصح التزامه) منه يؤخذ عدم صحة النذر للأموات.
قال في الدر: واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقربا إليهم فهو باطل وحرام. اهـ.
قال في البحر: لوجوه:
منها: أنه نذر لمخلوق، ولا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق.
ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.
ومنها: أنه إن ظن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى كفر، اللهم إلا أن يقول يا الله: إني نذرت لك إن شفيت مريضي، أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة، أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي رضي الله عنه، أو الإمام الليث، أو أشتري حصرًا لمساجدهم، أو زيتًا لوقودها. أو دراهم لمن يقوم بشعائرهم إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عز وجل.
وذكر الشيخ: إنما هو بيان لمحل صرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده فيجوز بهذا الاعتبار، إذ مصرف النذر الفقراء وقد وجد، ولا يجوز أن يصرف ذلك إلى غني غير محتاج إليه ولا لشريف منصب، لأنه لا يحل له الأخذ مالم يكن محتاجًا فقيرًا، ولا لذي نسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرًا، ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرًا، ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق، ولا ينعقد ولا تشتغل به الذمة، وإنه حرام بل سحت. اهـ.
أقول: قد مر معنا أن فقهاء الحنفية يرون أن من نذر أن يتصدق على فقير فله أن يتصدق على غيره، وإن نذر أن يتصدق على فقراء مكان فله أن يتصدق على فقراء مكانٍ آخر.
* * *