الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض إجمالي
أدخلنا فصل النذر في مباحث العقائد؛ لأن النذر في الأصل إنشاء عبادة، وقد وقع بعض الناس في صور من الغلو في النذر تقتضي تصحيحًا، ومن ههنا أدخلناه في مباحث العقيدة، وإن جرت عادة الفقهاء أن يدخلوه في أبواب الفقه. ونحن إذا أدخلناه ههنا فإنا سنتحدث عن بعض مسائله في الأقسام التالية: فأول ما نتكلم به عن النذر هو أن الأصل في المسلم أن يبتعد عن النذور، وأن يفعل الخير ما استطاع دون أن ينذر؛ لأنه إذا نذر ما يجب الوفاء به فقد يدخله ذلك في دائرة الحرج؛ لأنه قبل النذر يكون في فسحة، فإذا نذر ما يجب الوفاء به افترض عليه الوفاء لقوله تعالى:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (1)، {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (2)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3)، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} (4){وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (5)، والنذر نوع من العهد من الناذر مع الله عز وجل ويدخل في العقود والعهود.
ومن ثم قال الشافعية والحنابلة: النذر مكروه كراهة تنزيه لا تحريم: وقال الحنفية:؛ هو مباح في الطاعات. وفرق المالكية بين النذر المطلق واعتبروه مندوبًا، وبين النذر المكرر، كصوم كل يوم خميس مثلًا فمكروه.
ولا يصح النذر من الصبي أو المجنون أو الكافر. والنذر على أنواع: الأول: قربة، فيجب الوفاء بها على تفصيل بين المذاهب، الثاني: معصية، فيحرم الوفاء بها، وهناك خلاف حول وجوب كفارة اليمين بمثل هذا النذر، الثالث: المكروه: فيكره الوفاء به، وهو كسابقه في وجوب كفارة اليمين في الخلاف، والنوع الرابع: النذر المباح، فيباح الوفاء به وتركه وفيه تفصيلات:
أما بالنسبة للنذر بقربة، فيفرق الحنفية بين القربة المقصودة لذاتها من جنسها واجب، وبين القربة التي ليست مقصودة بذاتها وليس من جنسها واجب.
(1) الحج: 29.
(2)
الإنسان: 7.
(3)
المائدة: 1.
(4)
الإسراء: 34.
(5)
النحل: 91.
فالشافعية: أوجبوا الوفاء بكل قربة كعيادة المريض والسلام والزيارة والصوم والحج والاعتكاف، وأما الحنفية: فلم يوجبوا الوفاء إلا بنذر عبادة مقصودة لذاتها من جنسها واجب: كصلاة وصيام، أما ما لم يكن من جنسها واجب فلا يجب الوفاء به كعيادة المرضى والوضوء وتكفين الميت ومس المصحف والأذان وبناء المساجد ومن نذر المعصية يحرم عليه الوفاء بها ولا يجب عند الجمهور على الناذر شيئًا، وقال أبو حنيفة والحنابلة: عليه كفارة يمين.
وكذلك النذر بالمكروه: يكره الوفاء به وعلى صاحبه كفارة يمين عند الحنفية.
وأما إذا نذر المباح، فيباح له أن يفعله أو أن يتركه، وقال الحنفية والمالكية والشافعية: في الأصح لا كفارة عليه إن لم يف بنذره، وقال الحنابلة: إن لم يف فعليه كفارة يمين.
والصيغة التي ينعقد بها النذر عند الحنفية هو النذر لله صراحة أو صمنًا مثل قوله: لله علي كذا، أو علي كذا، أو علي نذر أو هذا هدي أو صدقة، أو مالي صدقة أو ما أملاك صدقة.
والنذر في العادة على نوعين: مطلق ومقيد، فالمطلق مثل أن يقول: علي أن أصوم كذا، أو أصلي كذا، وأما المقيد فهو المعلق بشرط كقوله: إن قدم فلان أو شفى الله مريضي فعلي كذا.
وكلا النوعين يجب الوفاء به إذا تحققت شروط وجوب الوفاء.
ولا يعتبر النذر بالفريضة أو الواجب سواء عينيًا أو كفائيًا من باب النذر؛ لأنه واجب في أصل الشرع، ولكنه يتأكد القيام به.
ومن كلام الشافعية: أن نذر اللجاج يسمى أيضًا يمين اللجاج والغضب، ويمين الغلق، وهو الذي قصد به الناذر حث نفسه على فعل شيء أو منعها غير قاصد للنذر ولا القربة، مثل قوله: إن لكمت فلانًا فلله علي صوم، فالأظهر عندهم في هذا النوع أن الناذر بالخيار إن شاء وفى بما التزم، وإن شاء كفر كفارة يمين. وقال الحنابلة مثل ذلك.
وإن نذر صلاة ركعتين في المسجد الحرام فأداها في ما هو أقل شرفًا منه أو في ارض عادية أجزأه عند أئمة الحنفية ما عدا زفر، وقال المالكية: يلزمه أن يؤدي الصلاة والاعتكاف في المكان الذي سمى، وقال الشافعية إذا نذر الصلاة أو الاعتكاف في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد الأقصى، لزمه الأداء في المكان وكذلك قال الحنابلة.
* * *