المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفقرة الخامسةفي:أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده - الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية - جـ ٣

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الفقرة العشرونفي:صفة المسيح ابن مريم عليه السلام ونزوله

- ‌مقدمة

- ‌نصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌جدول ما ثبت بالقرآن والسنة من أمارات المسيح عيسى عليه السلام

- ‌بعض ما ورد من أحوال أمه عليهما السلام

- ‌محل ولادته عليه السلام وكيفية ذلك

- ‌أحوال مريم بعد ولادته عليه السلام

- ‌وجاهة عيسى عليه السلام

- ‌خصائص عيسى المسيح عليه السلام

- ‌حليته عليه السلام وقت نزوله

- ‌بعض أحواله عليه السلام وقت نزوله

- ‌محل نزوله عليه السلام ووقت نزوله

- ‌أحوال الحاضرين في المسجد وقت نزوله عليه السلام

- ‌بعض أحواله بعد نزوله عليه السلام

- ‌المشروعات التي يقوم بها بعد نزوله عليه السلام

- ‌البركات الظاهرة والباطنة في زمنه عليه السلام

- ‌أحوال العرب في ذلك الزمان

- ‌وفاته عليه السلام وبعض الأحوال قبل وفاته

- ‌أحوال المسلمين بعد وفاته عليه السلام

- ‌الفقرة الحادية والعشرونفي:يأجوج ومأجوج

- ‌مقدمة

- ‌القبائل المنغولية واليواشية:

- ‌منغوليا، مهد الشعوب القديمة:

- ‌نصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانية والعشرونفيلا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الثالثة والعشرونفي:نار عدن

- ‌مقدمة

- ‌النصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الوصل الثانيفيالموت والحياة البرزخية

- ‌المقدمة

- ‌بعض النصوص القرآنية

- ‌النصوص الحديثية

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الوصل الثالثفيالساعة وما يأتي بعدها

- ‌المقدمة

- ‌الفقرات

- ‌الفقرة الأولىعرض إجمالي

- ‌الفقرة الثانيةفي:النفختين وفي: يوم القيامة

- ‌1 - النصوص القرآنية

- ‌2 - النصوص الحديثية

- ‌3 - بعض ما يكون بالنفخة الأولى

- ‌4 - بعض ما يكون بالنفخة الثانية

- ‌الفقرة الثالثةفيالحشر

- ‌1 - النصوص القرآنية

- ‌2 - نصوص حديثية

- ‌الفقرة الرابعةفي:مشاهد من القرآن الكريم فيما يجري فياليوم الآخر من حوار

- ‌الفقرة الخامسةفي:أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده

- ‌تعليق وتأكيد:

- ‌الفقرة السادسةفيالحوض

- ‌النصوص

- ‌فوائد

- ‌الفقرة السابعةفي:الحساب والميزانعرض إجمالي

- ‌النصوص

- ‌الفقرة الثامنةفي:الصراطعرض إجمالي

- ‌النصوص

- ‌الفقرة التاسعةفي:الشفاعات

- ‌النصوص

- ‌الفقرة العاشرةفي:الجنة والنار:

- ‌1 - المقدمة

- ‌2 - مشاهد من القرآن الكريم

- ‌2 - نصوص حديثيه في النار

- ‌4 - نصوص حديثيةفي ما وصف به أهل الجنة وبعض نعيم أهلها

- ‌5 - في بعض ما ورد في آخر أهل النار خروجًا منه

- ‌6 - رؤية الله تعالى في الآخرة

- ‌مقدمة

- ‌النصوص

- ‌7 - في ذبح الموت

- ‌8 - في متفرقاتفي الجنة والنار وبعض صفات أهلهماوبعض ما يحصل لأهل كل منهما

- ‌9 - الجنة والنار مخلوقتان موجودتان

- ‌الفقرة الحادية عشر{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}

- ‌خاتمة الباب الثاني

- ‌الباب الثالثفي:مباحث عقدية

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولفي:بعض المشوشات الزائفة على النبوةالسحر والكهانة والتنجيم

- ‌المقدمة

- ‌نُقولفي:السحر والكهانة والتنجيم

- ‌نصوصفي:السحر والكهانة والتنجيم

- ‌الفصل الثانيفي:نسبة الحادثات إلى الأسبابمقطوعة عن الله عز وجل

- ‌مقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الثالثفي:الطيرة والفأل والشؤم والعدوىوما يجري مجراها

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الرابعفي:العين والتمائم والرقي

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌1 - في: العين

- ‌2 - في: التمائم

- ‌3 - في: الرقى

- ‌الفصل الخامسفيالنذر

- ‌عرض إجمالي

- ‌الفقرات

- ‌الفقرة الأولىفي:حكم النذر ومتى يجب الوفاء به

- ‌الفقرة الثانيةفي:النذر فيما لا يطيق

- ‌الفقرة الثالثةفي:حكم مراعاة المكان في النذر

- ‌الفقرة الرابعةفي:قضاء الحي نذر الميت

- ‌الفقرة الخامسةفي:نذر الجاهلية إذا وافق عبادة إسلامية

- ‌الفقرة السادسةفي:متى يكون للنذر حكم اليمين

- ‌الفقرة السابعةفي:نذر صيام يوم النحر

- ‌الفقرة الثامنةفي:نذر المقيم بمكة أو بالمدينة المنورة الصلاة ببيت المقدس

- ‌الفقرة التاسعةفي:موضوعات متعددة

- ‌نقول ومسائل وفوائد

- ‌الفصل السادسفي:اليمين

- ‌عرض إجمالي

- ‌الفقرات

- ‌الفقرة الأولى:في:بعض أقوال العلماء في اليمين

- ‌الفقرة الثانيةفي:بعض ما ورد في القرآن الكريم في اليمين

- ‌الفقرة الثالثةفي:بعض ما ورد في الحلف بغير الله

- ‌الفقرة الرابعةفي:اليمين الغموس

- ‌الفقرة الخامسةفي:أن الاستثناء في اليمين يلغي اليمين

- ‌الفقرة السادسةفيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها

- ‌الفقرة السابعةفي:متفرقات في الإيمان

- ‌اليمين على نية المستحلف:

- ‌بعض ما حلف به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حلف:

- ‌هل للحلف مكان

- ‌الترهيب من اقتطاع الحقوق بالإيمان وفي أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌كفارة الأيمان المنعقدة:

- ‌المسائل والفوائد

- ‌خاتمة قسم العقائدمؤمنون لا فلاسفة

الفصل: ‌الفقرة الخامسةفي:أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده

‌الفقرة الخامسة

في:

أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده

1216 -

* روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة"؟ قالوا: لا، قال:"فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة"؟ قالوا: لا. قال: "فو الذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، فيلقى العبد ربه، فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فل: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث، فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: أي رب: آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول ها هنا إذن، ثم يقول: الآن نبعث شاهدا عليك، فيتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليه؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعلمه، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق ذلك الذي يسخط الله عليه".

أقول: في الحديث عن الرؤية وهي خاصة بأهل الإيمان، وكلام عن المحاسبة والمخاطبة في موقف من مواقف القيامة وهي عامة كما هو ظاهر من الحديث.

1216 - مسلم (4/ 2271) 53 - كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (16).

(تضارون): روي بتخفيف الراء من الضير، يقال: ضاره يضيره.

ص: 1284

1217 -

* روى البخاري عن سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال:"هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب"؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال:"فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب"؟ قالوا: لا، قال:"فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمه فيها منافقوها، فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتنا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا؟ فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب، مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان"؟ قالوا: نعم، قال "فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل، ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار" وفي رواية: "فمنهم المؤمن بقي بعمله، ومنهم المجازى حتى ينجى- حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار، إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبه في حميل السيل،

1217 - البخاري (2/ 292) 10 - كتاب الأذان، 129 - باب فضل السجود.

(السعدان): نبت ذو شوك معقف من مراعي الإبل.

(يوبق): أوبقته الذنوب، أي: أهلكته.

(يخردل) المخردل: المرمي المصروع، وقيل: هو المقطع، والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط، حتى يقع في النار.

(امتحشوا): الامتحاش: الاحتراق، وقيل: هو أن تذهب النار الجلد، وتبدي العظم.

(الحبة): بكسر الحاء: البرورات، وبفتحها، كالحنطة والشعير.

(حميل السيل): الزبد وما يلقيه على شاطئئه، وهو فعيل بمعنى مفعول. =

ص: 1285

ثم يَفرُغُ الله من القصاص بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار- وهو اخر أهل النار دخولا الجنة- مقبل بوجهه قبل النار، فيقول: يارب، اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاها، فيدعو الله بما شاء أن يدعوه، فيقول: هل عسيت إن أفعل ذلك تسأل غير ذلك؟ فبقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهة عن النار، فإذا أقبل بوجهه على الجنة، ورأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب، قدمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والمواثيق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشفى خلقك، فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك، لا أسألك غير هذا، فيعطى ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها، رأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور"

- وفى رواية (1): "فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة: فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك! يا ابن ادم ما اغدرك؟ أليس قد أعطيت العهود أن لا تسأل غير الذي قد أعطيت؟ فيقول: يا رب، لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تمن. فيتمنى، حتى إذا انقطع أمنيه، قال الله تعالى: تمن من كذا وكذا -يذكره ربه- حتى إذا انتهت به الأماني قال الله: لك ذلك ومثله معه"

قال أبو سعيد الخدري لأبى هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا

= (قشبني ريحها): آذاني، والقشب، السم، والقشيب: المسموم، فكأنه قال: قد سمني ريحها.

(ذكاها): ذكا النار، مفتوح الأول مقصورًا: اشتعالها ولهبها.

(الزهرة): الحسن والنضارة والبهجة.

(1)

البخاري (13/ 419) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ

}.

(انفهقت): أي انفتحت واتسعت.

(الحبرة): السرور والنعمة

ص: 1286

قوله: "لك ذلك ومثله معه" قال أبو سعيد: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لك ذلك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: وذلك الرجل اخر أهل النار دخولا الجنة.

وفي رواية مسلم (1) عن عطاء وابن المسيب، وقال أبو هريرة: إن الناس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ .... وساق الحديث بمثله. هكذا قال مسلم، ولم يذكر لفظه، وأخرجه البخاري عن عطاء وحده بنحوه.

ورواه الترمذي (2) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أخصر من هذا: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثم يطلع عليهم رب العالمين، فيقول: ألا يتبع كل إنسان ما كان يعبد، فيمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين، فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك، الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم". قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: "وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر "؟ قالوا: لا، يا رسول الله قال: " فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة، ثم يتوارى، ثم يطلع، فيعرفهم نفسه، ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون، ويوضع الصراط، فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه: سلم سلم، ويبقى أهل النار، فيطرح منهم فيها فوج فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثم يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها، وأزوى بعضها إلى بعض، ثم قال: قط، قالت: قط قط، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار: أتي بالموت ملببا فيوقف

(1) مسلم (1/ 163 - 167) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية.

(2)

الترمذي (4/ 6910 39 - كتاب صفة الجنة، 20 - باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار.

(زويت): الشيء إلى الشيء: ضمت بعضه إلى بعض، وجمعته إليه.

(قط قط): بمعنى حسبي وكفاني.

(ملببا): كأنه أخذ بتلابيبه، وهو استعارة، والأخذ بالتلابيب: أن يجمع على الإنسان ثوبه، ويأخذ بمقدمه فيجر به.

ص: 1287

على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين، يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقول- هؤلاء وهؤلاء- قد عرفناه، هو الموت الذي وكل بنا، فيضجع، فيذبح ذبحا على السور، ثم يقال لهم: يا أهل الجنة، خلود لا موت، ويا أهل النار، خلود لا موت".

وروى النسائي (1) منه طرفا من وسطه، وهو قوله:"فتأتي الملائكة فتشفع ويشفع الرسل" وذكر الصراط، فقال رسول الله صلى لله عليه وسلم:"فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع، فيشفعون بعلاماتهم، إن النار تأكل كل شيء من بني آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحية في السيل".

أقول: في النص الذي مر معنا عدد من مشاهد يوم القيامة وهى بعض من كل، وهي تعطينا تصورا عن تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن طريقة وعظه، فالنص ابتدأ بالإجابة على سؤال ثم كان هناك تذكير بأكثر من مشهد من مشاهد يوم القيامة مما يناسب حال السامعين، وقد طوى النص مشاهد كثيرة من مشاهد يوم القيامة جاءت بمناسبات أخرى أو ذكرها القرآن الكريم ومنه نعلم أن الواعظ يتخير لوعظه ما يناسب حال السامعين، والمحدث يتخير لحديثه ما يناسب حال المخاطبين وقل مثل ذلك في المحاضرة والخطبة والدرس والعلم والتعليم وقد حاولنا أثناء العرض الإجمالي ومن خلال التعليقات أن ننقل أكبر قدر من مشاهد يوم القيامة مع إبراز تسلسل الأحداث بالقدر الذي أسعفتنا فيه المراجع ولم نقف عند الكثير من النصوص؛ لأن أمر القيامة غيب والمسلم مستقر في قلبه التنزيه والتسليم فلا يفوته أن يفهم النصوص على ضوء التنزيه ولا يفوته مع التنزيه أن يسلم:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (2).

(1) النسائي (2/ 229) 12 - كتاب التطبيق، 81 - باب موضع السجود.

(2)

الأعراف: (53).

ص: 1288

1218 -

* روى مسلم عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية: قال: قلنا- يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نعم، فهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البد صحوا ليس فيها سحاب"؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: "ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله -من الأصنام والأنصاب- إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنظرون؟ تتبع كل أمه ما كنت تعبد، قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا -مرتين أو ثلاثا- حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله به بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد الله

1218 - مسلم (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية.

(غبر): جمع غابر، وهو الباقي، وغبرات جمع الجمع.

(الحطم): الكسر والدق، أي ينكسر بعضها على بعض. =

ص: 1289

اتقاء ورياء، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صوبته التي رأوه فيها أول مره، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم" قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: "دحض منزلة، فيه خطاطيف وكلاليب، وحسكه تكون بنجد، فيها شويكة، ويقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق والريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فو الذي نفسى بيده، ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنون يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار" وفي رواية "فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد مجوا في إخوانهم، فيقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخدت النار إلى نضف ساقه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقى فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا، لم نذر فيها أحدًا ممن

= (اتقاء): فعلت ذلك اتقاء، أي خوفا.

(طبقة): الطبقة والطبق: الصحيفة الواحدة.

(دحض): الدحض: الزلق، وهو الماء والطين.

(مزلة): موضع الزلل، وأن لا يثبت القدم على شيء فيسقط صاحبها.

(خطاطيف): الخطاطيف كالكلاليب. المعقفة: المعوجة.

(كأجاويد الخيل): الجواد: الفرس الرائع للذكر والأنثي، والجمع جياد وأجاويد، وكأن أجاويد جمع الجمع.

(مخدوش): المخدوش: المجروح، و"المكدوس" قال الحميدي: كذا وقع في الروايات: مكدوس، وقد سمعت بعضهم يقول: إنه تصحيف من الرواة، وإنما هو مكردس، فإن صحت الرواية في مكدوس، فلعله من الكدس، وهو المجتمع من الطعام، فكأن الإنسان تجمع يداه ورجلاه ويشد، ويلقى في النار، وهو بمعنى المكردس، وقد جاء في بعض نسخ مسلم "مكدوش" بالشين المعجمة، فإن صح، فهو من الكدش بمعنى الخدش، والكدش أيضًا: السوق الشديد، والكدس -بالسين المهملة- إسراع المثقل في السير، فيجوز أن يكون منه، كأنه مثقل بذنوبه، ولهمن يحثه على المشي، وذلك أكد في تعذيبه وتعبه.=

ص: 1290

أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا" وكان أبو سعيد يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث، فاقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (1). "فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعلوا خير قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلا الظل، يكون أبيض"؟ فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال:"فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا".

قال مسلم: قرأت على عيسى بن حماد- زغبة- المصري هذا الحديث في الشفاعة، وقلت له: أحدث بهذا الحديث عنك، أنك سمعته من الليث بن سعد؟ فقال: نعم.

وقال مسلم عن أبي سعيد: إنه قال: قلنا: يا رسول الله، أنرى ربنا؟ قال:"هل تضارون في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو"؟ قلنا. لا

وساق الحديث، حتى انقضى إلى أخره، وزاد بعد قول:"بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه": "فقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه". قال أبوسعيد: بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد

(1) النساء: 40.

(حمما): جمع حممة، وهي الفحمة.

ص: 1291

من السيف، وليس فيه:"فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين" وما بعده.

وفي رواية (1) قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحوا"؟ قلنا: لا، قال:"فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتها". قال: "ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله عز وجل من بر وفاجر، وغبرات من اهل الكتاب، ثم يؤتي بجهنم تعرض كأنها السراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا بعبد عزيرا ابن الله، فقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم اليوم، فإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا؟ فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال: نعم، الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كل يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهرة طبقًا واحدًا ثم يؤتي بالجسر، فيجعله بين ظهري جهنم" قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: "مدحضة مزلة، عليها خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة،

(1) البخاري (13/ 420) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ....} .

(مفلطحة): المفلطح: الذي فيه عرض.

ص: 1292

لها شوكة عقيفة تكون بنجد، يقال لها: السعدان، يمر المؤمن عليها كالطرف وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم، يسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، فإذا رأوا أنهم قد نجوا شفعوا في إخوانهم، يقولون: ربنا، إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله عز وجل: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار بذنوبهم، فبعضهم قد غاب في النار إلى قدميه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجوه من عرفوا- قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني، فاقرؤوا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (1) - فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، فما كان من الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى جانب الظل منها كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه".

وفي رواية النسائي (2) طرف منه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مجادلة أحدكم في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين

(عقيفة). المعفف: الملوى مثل الصنارة، والتعقيف: التعويج.

(مناشدة) " المناشدة: المسألة.

(1)

النساء: 40.

(2)

النسائي (8/ 112) 1 - كتاب القيامة، 18 - باب زيادة الإيمان.

ص: 1293

أُدخلوا النار"، قال: "ربنا، إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلهم النار"؟ قال:"فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم" قال: "فيأتون فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذتم إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا" قال: "ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من إيمان، ثم من كان في وزن بصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه وزن ذرة" قال أبو سعيد: فمن لم يصدق، فليقرأ هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (1).

أقول: الملاحظ أن الروايات التي مرت معنا وبعض الروايات التي ستمر معنا في هذه الفقرة تتحدث عن رؤية الله عز وجل في المحشر قبل دخول الجنة ورؤية الله عز وجل ثانية لأهل الإيمان في المحشر وفي الجنة، وفي حديث أبي سعيد تركيز على مواقف بعينها أما محل هذه المواقف بالنسبة لتسلسل الأحداث يوم القيامة فإنه يحتاج إلى استشراف لعامة النصوص. والظاهر من النصوص أن إدخال أهل النار النار وإدخال أهل الجنة الجنة أنه يكون بعد إقامة أنواع من الحجج ولكن كما ذكر ابن كثير في النهاية أن بعض الرواة يطوون ذكر بعض المشاهد ويركزون على بعض المشاهد، ردا على جاحد أو مبتدع وقد يكون هذا الطي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركيز معنى معين عند أصحابه في جلسة من الجلسات ثم يركز على معنى آخر في جلسة أخرى فقد كان من سنته عليه الصلاة والسلام تركيز المعاني في الأنفس حتى إنه كان يكرر الكلمة ثلاثا لتعقل منه.

وقد مرت معنا في رواية أبي سعيد كلمة يحسن أن نقف عندها لأنها تصادفنا كثيرًا وهي قوله عن الصراط: "بلغني أن الجسر أدق من الشعر واحد من السيف" فهذه العبارة حملها بعضهم على الحقيقة، والتحقيق آنها محمولة على المجاز كما مر معنا في العرض الإجمالي لأن نصوصًا أخرى تتحدث عن جنبتي الصراط وليس لحد السيف جانبان.

(1) النساء: 40.

ص: 1294

1219 -

* روى مسلم عن أبي الزبير رضي الله عنه سمع جابرًا يسأل عن الورود؟ فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر- أي ذلك فوق الناس- قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد: الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فنقول: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر أليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم، ويتبعون، ويعطى كل إنسان منهم- منافق أو مؤمن- نورا ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنين، فتنجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء. ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفاء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

1220 -

* روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء" قال: "وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا أن يولى كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم؟ قالوا بلى" قال: "فيطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويقولون في الدنيا". قال: "فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون" قال: "ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته" قال:

1219 - مسلم (1/ 177) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

1220 -

المعجم الكبير (9/ 417).

مجمع الزوائد: (10/ 340) وقال: رواه كله الطبراني من طرق، ورجاله أحدهما رجال الصحيح، غير أبي خالد الدالاني وهو ثقه.

قال الحافظ ابن حجر: أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيرًا وكان يدلس.

أقول: وطيق الطبراني الأخرى حسنة السند متصلة والله أعلم.

ص: 1295

"فيتمثل الرب تبارك وتعالى فيأتيهم فيقول ما لكم لا تنطلقون كانطلاق الناس فيقولون: إن لنا لإلها ما رأيناه. فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها". قال: "فيقول: ما هي فنقول: يكشف عن ساقه" قال: "فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرة ويطفأ مرة فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفئ قام". قال: "والرب تبارك وتعالى أمامهم، حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف" قال: "فيقول: مروا فيمرون على قدر نورهم: منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرحل حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه يجثو على وجهه ويدية ورجليه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها فقال: الحمد لله فقد أعطاني الله ما لم يعط أحدًا إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها". قال: "فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلل الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله: أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار؟ فيقول: رب اجعل بيني وبينها حجابا لا أسمع حسيسها" قال: "فيدخل الجنة ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأن ما هو فيه إليه حلم فيقول: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول له: لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول: لا، وعزتك لا أسألك غيره، وأنى منزل أحسن منه، فيعطى فينزله. ويرى أمام ذلك منزلا كأن ما هو فيه إليه حلم، قال: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالى له: فلعلك إن أعطيتكه تسأل

ص: 1296

غيره فيقول وعزتك يا رب وأنى منزل يكون أحسن منه، فيعطاه وينزله ثم يسكت فيقول الله جل ذكره: مالك لا تسأل؟ فيقول: رب قد سألتك حتى قد استحييتك وأقسمت حتى استحييتك. فيقول الله جل ذكره: ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتنا إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه، فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله" قال: فرأيت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، قد سمعتك تحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغت المكان ضحكت، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى يبدو أضراسه قال: "فيقول الرب جل ذكره: لا ولكني على ذلك قادر، سل: فيقول: ألحقني بالناس، فيقول الحق بالناس" قال:"فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدًا فيقال له: ارفع رأسك، مالك؟ فيقول: رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له: إنما هو منزل من منازلك" قال: "ثم يلقى رجلا فيتهيأ للسجود له، فيقال له، مه. فيقول: رأيت أنك ملك من الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن من خزانك وعبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه" قال: "فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر" قال: "وهو من درة مجوفة، سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوارء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضه ازدادت في عينه سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك فيقول لها: والله لقد ازدادت في عينه سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك فيقول لها: والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا وتقول له: وأنت ازددت في عيني سبعين ضعفاً، فيقال له: أشرف فيشرف. فيقال له: ملك ميسرة مائة عام ينفذه بصرك" قال: فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلاً فكيف أعلاهم؟ قال: يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. إن الله جل ذكره خلق دارًا جعل فيها ما شاء

ص: 1297

من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قال كعب {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) قال: وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلفه، ثم قال: من كان كتابه غي عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون لريحه، فيقولون: واها لهذا الريح، هذا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه، قال: ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها. فقال كعب: إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا لركبتيه حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول: رب نفسي نفسي. حتى لو كان لك عمل سبعين نبيًا إلى عملك لظننت أن لا تنجو. وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقوم الناس لرب العالمين ألف سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء" قال: فذكر مثل حديث زيد بن أبي أنيسة.

أقول:

من الملاحظ أنه قد ورد معنا في هذا النص تحديد للزمن الذي يسبق فصل الخطاب، فأول الرواية ذكرت أربعين سنة، وآخر النص ذكر رواية أخرى حددته بألف عام، ولمثل هذا كان للتحقيق من أهله محله في فهم النصوص، وفي جمع بعضها مع بعض وفي ترجيح الأخذ ببعضها، وبسبب من هذا وجد في كل علم أئمة هدى سلمت لهم الأمة فمع إيماننا بعدالة الصحابة جميعًا ومع ثقتنا بالعدول من الرواة فإن للوهم أو للخطأ محلاً في الرواية، ولذلك أحالنا القرآن في سياقه على الراسخين في العلم في كل ما تشابه من القرآن، وهو المنقول تواترًا والمحفوظ من الله عز وجل فكيف بما تشابه من نصوص السنة التي لم يوجد في كل نص منها تواتر بل وجد في بعضها تواتر لفظي أو معنوي وبعضها لم يوجد فيه تواتر أصلًا، ثم هي لم يدخل كل نص منها بالتحديد في دائرة الحفظ الإلهي، ومن هنا كان الرجوع في فهم غير القطعيات في الشريعة إلى فهوم الراسخين في العلم من أئمة الهدى هو الذي ينبغي أن

(1) السجدة: 17.

ص: 1298

يكون ملاذ المؤمن قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "وبين ذلك امور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس" ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا "فرب مبلغ أوعى من سامع"، وكما يكون هذا يكون العكس فرب مبلغ لا يعي أن يضع النصوص في مواضعها، ولا يحملها على محاملها الصحيحة ولا يعطيها محلها في مجموعة النصوص الواردة في الموضوع الواحد، ومن ههنا فإننا لا نعطي حق الإمامة في الدين والاجتهاد في الفهم إلا لمن توافرت فيه شروطه، ثم إن الصحابة أنفسهم قد يوجد عند بعضهم من العلم مالا يوجد عند الآخر مع أن الجميع لا يفوتهم قطعي في الشريعة ولا معلوم من الدين بالضرورة، ولكن قد يفوت بعضهم ما عند الآخر فإذا جمع ما عند الجميع وترك ما خالف فيه الثقة الثقات وما كان فيه عله تمنع الأخذ به استقام الأمر ويبقى القرآن هو الأصل والسنة شارحة له وكل ذلك يجعلنا نحتاج لتحقيقات الراسخين في العلم. وعلى كل الأحوال إذا فاتنا أن نعرف تحقيقات الراسخين في العلم فلا يفوتنا ونحن نقرأ نصوص السنة الثابتة التسليم، وإذا وجدنا تعارضا مع القطعيات المرجع، وإذا لم يكن هناك قطعيات فالتفويض لله والتصديق بما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العاصم، كما لا يفوتنا في كل الأحوال ونحن نقرأ نصوص الكتاب والسنة أن يكون من جملة أهدافنا التأثر والجد والتشمير ليوم النشور، وهذا يتحقق في كل الأحوال سواء عرفنا تحقيق أهل التحقيق في الفهم الدقيق نتيجة الرسوخ في العلم والتدبر العميق أو لم نعرفه، ولنحذر أهل الشذوذ الذين يخالفون إجماع الراسخين في العلم ممن يسيئون الظن الهدى الذين أجمعت الأمة على إمامتهم.

1221 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفع إليه الذراع- وكانت تعجبه- فنهس منها نهسه وقال: "أنا سيد الناس

1221 - البخاري (8/ 295) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} .

وله طرف فيه: (6/ 371) 60 - كتاب الأنبياء، 3 - باب قول الله عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} .

مسلم (1/ 184) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

والترمذي (4/ 622) 38 - كتاب صفة القيامة، 10 - باب ما جاء في الشفاعة. وقال: حديث حسن صحيح.

(فنهس): النهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان.

ص: 1299

يوم القيامة هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والأخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة، فعصيت، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا وشكورًا، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب مثله، ولن يغضب بعد مثله، وإنه قد كان لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت بني الله، وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، إما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعد مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات

فذكرها نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: أنت رسول الله، فضلك برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغصب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى، إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي، نفسي، نفسي،

ص: 1300

اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم "وفي رواية "فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، إلا ترى ما نحن فيه؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع راسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب" ثم قال "والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، كما بين مكة وهجر- أو كما بين مكة وب صرى" وفي كتاب البخاري:"كما بين مكة وحمير".

أقول: مر معنا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات كلها تدخل تحت مسمى المقام المحمود سوى شفاعاته الأخرى: شفاعة لفصل الخطاب، وشفاعة لعبور الصراط، وشفاعة لدخول الجنة، وكل هذه الشفاعات تكون بعد أن يلجأ الناس إلى بعض الأنبياء فيحيل كل منهم على آخر حتى يصل الأمر إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام، وكثيرًا ما تتشابه النصوص فلا يعرف القارئ أي شفاعة من هذه الشفاعات يراد بنص من نصوص الشفاعة العظمى، ولا يكلف المسلم أن يعرف كيف يحمل كل نص من هذه النصوص على مقام بعينه بل يخشى عليه من الخطأ فيكفيه أن يعرف أصل المسألة مع التسليم والتفويض والجد والتشمير. وبمناسبة هذا الحديث الذي مر معنا نقول: إن العلماء يخشون أن يفهم فاهم من هذا الحديث وامثاله ما يتنافى مع عصمة الأنبياء وهي قضية مجمع عليها عند أهل السنة والجماعة فما يرد من ذكر المعاصي في حق الأنبياء محمول على أنها كانت قبل النبوة قال فرعون لموسى: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} (1). أي قتله القبطي فقال موسى عليه السلام {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} (2){فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (3) أو هي محمولة على أنها من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو أنها محمولة على اجتهاد مأذون لهم فيه فلم

(1) الشعراء: 11.

(2)

الشعراء: 20.

(3)

الشعراء: 21.

ص: 1301