الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - رؤية الله تعالى في الآخرة
مقدمة
قال تعالى عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (1).
وهذا يفيد أن ذلك عقوبة لهم ويفيد أن أهل الإيمان يرونه.
وقال تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2).
وقال تعالى عن موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} (3).
فطلبُ موسى الرؤية وهو العارف بربه دليل على إمكانها، وتعليق الله عز وجل إياها على ممكن دليل على إمكانها، ولذلك أجمع أهل السنة على أن رؤية الله تعالى ممكنة عقلًا واجبة نقلًا واقعة فعلًا للمؤمنين دون الكافرين بلا كيف ولا انحصار:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4)، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (5).
ومن كلام أهل السنة والجماعة أن من أدعى رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة فقد كفر واختلفوا في ثبوت الرؤية فى الدنيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج؛ فالجمهور على ثبوتها والمسألة خلافية منذ عصر الصحابة، والراجح ثبوت الرؤية له عليه الصلاة والسلام.
قال النووي: "أعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلًا، وأجمعوا أيضًا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع: المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلًا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الآمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها نحو عشرين صحابيًا عن رسول الله
(1) المطففين: 15.
(2)
القيامة: 22، 23.
(3)
الأعراف: 143.
(4)
الشورى: 11.
(5)
طه: 110.
صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة، وكذلك باقي شبههم وهي مستقصاة في كتب الكلام وليس بنا ضرورة إلى ذكرها هنا، وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنه لا تقع في الدنيا وحكم الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته المعروفة عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكى فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري: أحدهما وقوعها، والثاني لا تقع، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضًا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط. وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالي ن ذلك؛ بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم". أهـ (شرح النووي على مسلم).
وقال ابن حجر:
وأدلة السمع طافحة بوقوع ذلك في الآخرة لأهل الإيمان دون غيرهم، ومنع ذلك في الدنيا إلا أنه اختلف في نبينا صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من الفرق بين الدنيا والآخرة أن أبصار أهل الدنيا فانية وأبصارهم في الآخرة باقية جيد، ولكن لا يمنع تخصيص ذلك بمن ثبت وقوعه له، ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية متمسكين بأن من شرط المرئي أن يكون في وجهة؛ والله منزل عن الجهة، واتفقوا على أنه يرى عباده، فهو راء لا من جهة، واختلف من أثبت الرؤية في معناها فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب:"كما ترون القمر" إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم وقال بعضهم: إن المراد بالرؤية العلم. وعبر عنها بعضهم بأنها حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الإبصار إلى المرئيات، وقال بعضهم: رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم، إلا أنه أتم وأوضح من العلم وهذا أقرب إلى الصواب من الأول، وتعقب الأول، بأنه حينئذٍ لا اختصاص لبعض دون بعض؛ لأن العلم لا يتفاوت، وتعقبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين تقول: رأيت زيدًا
ففيها أي علمته، فإن قلت رأيت زيدًا منطلقًا لم يفهم منه إلا رؤية البصر، ويزيده تحقيقًا قوته في الخبر:"إنكم سترون ربكم عيانًا"، لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم، وقال ابن بطال: ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثًا وحالًا في مكان، وأولوا قوله {نَاظِرَةٌ} بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى، ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم، فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي. قال وتعلقوا بقوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} وبقوله تعالى لموسى:{لَنْ تَرَانِي} والجواب عن الأول: أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا، جمعًا بين دليلي الآيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثاني: المراد لن تراني في الدنيا جمعًا أيضًا، ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية. وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف، وقال القرطبي: أشترط النفاة في الرؤية شروطًا عقلية كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم، وأهل السنة لا يشترطون شيئًا من ذلك سوى وجود المرئي، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى. أ. هـ. (فتح الباري).
وقد مرت معنا نصوص حول الرؤية في ما مضى وهذه نصوص أخرى ولقد خصصنا لهذا البحث عنوانًا لأهميته في عقائد أهل السنة والجماعة: