الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الأولى
في:
حكم النذر ومتى يجب الوفاء به
.
1525 -
* روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له، فيستخرج به من البخيل، فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل".
وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له، يستخرج به من البخيل".
وأخرج مسلم (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن قدر له، ولكن النذر يوافق القدر، فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج".
وفي أخرى له (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال:"أنه لا يرد من القدر شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل".
وفي أخرى (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل".
1525 - البخاري (11/ 576) 83 - كتاب الإيمان والنذور، 26 - باب الوفاء بالنذر، وقول الله تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} .
قال ابن حجر في (فتح الباري): هذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله عز وجل.
(1)
البخاري (11/ 499) 82 - كتاب القدر، 6 - باب إلقاء العبد النذر إلى القدر.
(2)
مسلم (3/ 1262) 26 - كتاب النذر، 20 باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئًا.
(3)
مسلم: الموضع السابق.
(4)
مسلم: الموضع السابق.
قال ابن الأثير:
(النهي عن النذر) إنما هو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل، لكان في ذلك إبطال حكمه، وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ كان بالنهي يصير معصيةً، فلا يلزم الوفاء به، وإنما وجه الحديث: أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعًا، ولا يصرف عنهم ضرًا، ولا يرد قضاءً، فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدره الله لكم، أو يصرف به عنكم ما جرى به القضاء عليكم، فإذا فعلتم ذلك فاخرجوا عنه بالوفاء، فإن الذي نذرتموه لازم لكم.
1526 -
* روى الطيراني عن ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وأمر بالوفاء به.
وفي أصل النذر قالت المذاهب الأربعة ما يلي:
الحنابلة- قالوا: النذر مكروه ولو عبادة لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه وقال: "إنه لم يأت بخير""وإنما يستخرج به من البخيل"، والنذر لا يرد قضاء ولا يملك الناذر به شيئًا جديدًا ولا يرفع واقعًا، فإذا وقع منه وجب الوفاء به
…
[على تفصيل].
المالكية- قالوا: النذر المطلق مندوب، وهو ما أوجبه على نفسه شكرًا لله تعالى على ما حصل ووقع فعلا من نعمة أو دفع نقمة، كمن نجاه الله من كربة أو شفى مريضه أو رزقه مالًا أو علمًا فنذر لله قربة يفعلها شكرًا، فالإقدام على مثل هذا النذر مندوب والوفاء به فرض لازم. أما النذر المعلق: وهو أن ينذر قربة معلقا على شيء في المستقبل محبوب وليس للعبد فيه مدخل كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي كذا فاختلف فيه؛ فبعضهم يقول بالكراهة وبعضهم يقول بالجواز، ومحل هذا فيمن لا يعتقد أن مثل هذا النذر نافع في حصول غرضه، وإلا كان محرمًا والناذر الذي يعتقد أن نذره ينفع يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم، إنه لا ينفع فإذا وقع يجب الوفاء به، وإذا علق النظر على أمر من فعل العبد كقوله: إن فعلت كذا فعلي كذا فإنه مكروه بلا خوف وكذا إذا نذر نذرا مكروها كأن نذر أن يصوم كل يوم فإنه يثقل على النفس فعله فيكره ويجب الوفاء بهما بعد وقوعهما على أي حال. أما
1526 - مجمع الزوائد (4/ 185) وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.
نذر ما لا طاقة له به فهو حرام.
الحنفية- قالوا: النذر الصحيح المستكمل للشروط الآتية قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج ونحوهما، وأما كونه مشروعًا فللأوامر الوردة بإيفائه.
الشافعية- قالوا: الإقدام على النذر قربة في نذر التبرر، لأنه مناجاة لله تعالى، ولذلك لا يصح من الكافر. مكروه في نذر اللجاج. اهـ (من الفقه على المذاهب الأربعة). وها نحن ننقل لك من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ما تعرف به شروط وجوب النذر عند الحنفية:
قال صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة معرفًا النذر وذاكرًا شروط وجوب الوفاء به على مذهب الحنفية:
النذر هو أن يوجب المكلف على نفسه أمرًا لم يلزمه به الشارع.
وحكمه وجوب الوفاء به متى كان صحيحًا مستكملا للشرائط الآتي بيانها لقول الله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} .
ولابد للناذر من أن ينذر لله تعالى، فلا يحل النذر لولي ولا لمقرب وإن وقع يكون باطلًا. ويشترط لصحة النذر سبعة شروط:
الأول: أن يكون من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي على الأصح كالصوم والصلاة والصدقة، فإذا نذر أن يصوم تطوعًا فإنه يجب عليه الوفاء؛ لأن الصوم من جنسه فرض وهو صوم رمضان. وكذا إذا نذر أن يصلي نافلة فإنه يجب عليه الوفاء؛ لأن الصلاة من جنسها واجب هو الصلوات الخمس. وكذا إذا نذر أن يتصدق فإن الصدقة من جنسها واجب وهو الزكاة إلا الاعتكاف فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، مع أنه ليس من جنسه واجب على التحقيق، لأن الإجماع منعقد على وجوب الوفاء بنذره.
وإذا لم يكن من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي فإنه لا يجب على الناذر الوفاء به كعيادة المريض، ودخول المسجد ولو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى. أو
الحرم المكي، لأنه ليس من جنسها فرض مقصود. وكذا لو نذر تسبيحًا أو دعاء عقب الصلاة فإنه لا يجب الوفاء به؛ لأنه ليس من جنسه فرض. أما إذا نذر تكبيرًا فإنه يجب الوفاء به؛ لأن التكبير من جنسه فرض وهي تكبيرة الإحرام. وكذا إذا نذر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجب الوفاء به على الصحيح؛ لأنه من جنسها فرض وهو الصلاة عليه في العمر مرة.
الثاني: أن يكون المنذور عبادة مقصودة، فلا يصح النذر بما هو وسيلة كالوضوء، والاغتسال، ومس المصحف، والأذان، وتشييع الجنازة وعيادة المريض، وبناء المساجد وغير ذلك، فهذه الأمور وإن كانت قربة إلا أنها غير مقصودة لذاتها، بل المقصود هو ما يترتب عليها، فالضابط الكلي في صحة النذر: أن يكون المنذور عبادة مقصودة من جنسها فرض.
الثالث: أن لا يكون المنذور معصية لذاته، فإذا نذر أن يقتل فلانا أو يشرب الخمر أو يزني كان يمينًا ولزمته الكفارة بالحنث. أما إذا نذر أن يصوم يوم عيد الفطر أو الأضحى فإنه يكون قد نذر محرمًا لعارض لا لذاتها، فإن الصيام في ذاته طاعة، وتحريمه في هذا اليوم عارض بنهي الشارع، فيصح نذره ويلغو لأنه يوم العيد فيجب قضاؤه في يوم آخر. ومثله ما إذا نذر أن يصلي ركعتين من غير وضوء، فإنه يصح نذره؛ لأن نذر الصلاة صحيح ويلغو قيد من غير وضوء، فيجب أن يصلي ركعتين بوضوء، لأن التزام المشروط وهو الصلاة التزام الشرط وهو الوضوء، وكذا نذر أن يصلي ركعة واحدة فإنه يلزمه أن يصلي ركعتين. وكذا نذر أن يصلي ثلاثة فإنه يلزم بأربعة.
الرابع: أن لا يكون فرضًا عليه قبل النذر، فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها.
الخامس: أن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه، فلو نذر ألفا وهو لا يملك إلا مائة يلزم بالمائة فقط.
السادس: أن يكون ممكن الوقوع، فلو نذر مستحيلًا كأن يصوم أمس فإنه لا يصح نذره، وكذا إذا نذرت الحائض أن تصوم أيام حيضها فهو باطل؛ لأن صوم أيام الحيض
مستحيل شرعًا، وكذا إذا نذرت أن تصوم غدًا ثم أصبحت حائضًا فإن نذرها باطل، وهذا عند محمد، وقال أبو يوسف: يجب عليها القضاء في الصورة الثانية.
السابع: أن لا يكون ملكًا للغير.
واعلم أن النذر المطلق لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا دراهم ولا فقير، فإذا نذر أن يتصدق يوم الجمعة بهذا الدرهم على فلان فتصدق يوم الخميس أو يوم السبت بغير هذا الدرهم على شخص آخر جاز. وكذا لو عين شهرًا للاعتكاف أو للصوم فجعل صح، وكذا إذا نذر أن يحج سنة كذا فحج سنة قبلها صح، أما النذر المعلق فإنه يتعين فيه الوقت فقط: إذ لا يصح تقديمه على وقوع المعلق عليه بخلاف تأخيره عنه فإنه جائز. أما تعيين الفقير والدرهم. والمكان فيه فليس بلازم، فيصح أن يدفع غير الدرهم للنذور لفقير آخر غير الذي ذكره، فلو نذر لفقراء مكة جاز الصرف لفقراء غيرها، سواء كان النذر مطلقًا أو معلقًا.
والنذر عمل اللسان، والقياس يقتضي أنه لا ينعقد إلا بلفظ: لله علي كذا، أو علي كذا، أما إذا قال: إن عوفيت صمت كذا، فإنه لا ينعقد به النذر قياسًا، وينعقد استحسانًا. اهـ.
* * *