المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النصوص 1452 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي - الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية - جـ ٣

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الفقرة العشرونفي:صفة المسيح ابن مريم عليه السلام ونزوله

- ‌مقدمة

- ‌نصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌جدول ما ثبت بالقرآن والسنة من أمارات المسيح عيسى عليه السلام

- ‌بعض ما ورد من أحوال أمه عليهما السلام

- ‌محل ولادته عليه السلام وكيفية ذلك

- ‌أحوال مريم بعد ولادته عليه السلام

- ‌وجاهة عيسى عليه السلام

- ‌خصائص عيسى المسيح عليه السلام

- ‌حليته عليه السلام وقت نزوله

- ‌بعض أحواله عليه السلام وقت نزوله

- ‌محل نزوله عليه السلام ووقت نزوله

- ‌أحوال الحاضرين في المسجد وقت نزوله عليه السلام

- ‌بعض أحواله بعد نزوله عليه السلام

- ‌المشروعات التي يقوم بها بعد نزوله عليه السلام

- ‌البركات الظاهرة والباطنة في زمنه عليه السلام

- ‌أحوال العرب في ذلك الزمان

- ‌وفاته عليه السلام وبعض الأحوال قبل وفاته

- ‌أحوال المسلمين بعد وفاته عليه السلام

- ‌الفقرة الحادية والعشرونفي:يأجوج ومأجوج

- ‌مقدمة

- ‌القبائل المنغولية واليواشية:

- ‌منغوليا، مهد الشعوب القديمة:

- ‌نصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانية والعشرونفيلا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الثالثة والعشرونفي:نار عدن

- ‌مقدمة

- ‌النصوص

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الوصل الثانيفيالموت والحياة البرزخية

- ‌المقدمة

- ‌بعض النصوص القرآنية

- ‌النصوص الحديثية

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الوصل الثالثفيالساعة وما يأتي بعدها

- ‌المقدمة

- ‌الفقرات

- ‌الفقرة الأولىعرض إجمالي

- ‌الفقرة الثانيةفي:النفختين وفي: يوم القيامة

- ‌1 - النصوص القرآنية

- ‌2 - النصوص الحديثية

- ‌3 - بعض ما يكون بالنفخة الأولى

- ‌4 - بعض ما يكون بالنفخة الثانية

- ‌الفقرة الثالثةفيالحشر

- ‌1 - النصوص القرآنية

- ‌2 - نصوص حديثية

- ‌الفقرة الرابعةفي:مشاهد من القرآن الكريم فيما يجري فياليوم الآخر من حوار

- ‌الفقرة الخامسةفي:أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده

- ‌تعليق وتأكيد:

- ‌الفقرة السادسةفيالحوض

- ‌النصوص

- ‌فوائد

- ‌الفقرة السابعةفي:الحساب والميزانعرض إجمالي

- ‌النصوص

- ‌الفقرة الثامنةفي:الصراطعرض إجمالي

- ‌النصوص

- ‌الفقرة التاسعةفي:الشفاعات

- ‌النصوص

- ‌الفقرة العاشرةفي:الجنة والنار:

- ‌1 - المقدمة

- ‌2 - مشاهد من القرآن الكريم

- ‌2 - نصوص حديثيه في النار

- ‌4 - نصوص حديثيةفي ما وصف به أهل الجنة وبعض نعيم أهلها

- ‌5 - في بعض ما ورد في آخر أهل النار خروجًا منه

- ‌6 - رؤية الله تعالى في الآخرة

- ‌مقدمة

- ‌النصوص

- ‌7 - في ذبح الموت

- ‌8 - في متفرقاتفي الجنة والنار وبعض صفات أهلهماوبعض ما يحصل لأهل كل منهما

- ‌9 - الجنة والنار مخلوقتان موجودتان

- ‌الفقرة الحادية عشر{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}

- ‌خاتمة الباب الثاني

- ‌الباب الثالثفي:مباحث عقدية

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأولفي:بعض المشوشات الزائفة على النبوةالسحر والكهانة والتنجيم

- ‌المقدمة

- ‌نُقولفي:السحر والكهانة والتنجيم

- ‌نصوصفي:السحر والكهانة والتنجيم

- ‌الفصل الثانيفي:نسبة الحادثات إلى الأسبابمقطوعة عن الله عز وجل

- ‌مقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الثالثفي:الطيرة والفأل والشؤم والعدوىوما يجري مجراها

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌الفصل الرابعفي:العين والتمائم والرقي

- ‌المقدمة

- ‌النصوص

- ‌1 - في: العين

- ‌2 - في: التمائم

- ‌3 - في: الرقى

- ‌الفصل الخامسفيالنذر

- ‌عرض إجمالي

- ‌الفقرات

- ‌الفقرة الأولىفي:حكم النذر ومتى يجب الوفاء به

- ‌الفقرة الثانيةفي:النذر فيما لا يطيق

- ‌الفقرة الثالثةفي:حكم مراعاة المكان في النذر

- ‌الفقرة الرابعةفي:قضاء الحي نذر الميت

- ‌الفقرة الخامسةفي:نذر الجاهلية إذا وافق عبادة إسلامية

- ‌الفقرة السادسةفي:متى يكون للنذر حكم اليمين

- ‌الفقرة السابعةفي:نذر صيام يوم النحر

- ‌الفقرة الثامنةفي:نذر المقيم بمكة أو بالمدينة المنورة الصلاة ببيت المقدس

- ‌الفقرة التاسعةفي:موضوعات متعددة

- ‌نقول ومسائل وفوائد

- ‌الفصل السادسفي:اليمين

- ‌عرض إجمالي

- ‌الفقرات

- ‌الفقرة الأولى:في:بعض أقوال العلماء في اليمين

- ‌الفقرة الثانيةفي:بعض ما ورد في القرآن الكريم في اليمين

- ‌الفقرة الثالثةفي:بعض ما ورد في الحلف بغير الله

- ‌الفقرة الرابعةفي:اليمين الغموس

- ‌الفقرة الخامسةفي:أن الاستثناء في اليمين يلغي اليمين

- ‌الفقرة السادسةفيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها

- ‌الفقرة السابعةفي:متفرقات في الإيمان

- ‌اليمين على نية المستحلف:

- ‌بعض ما حلف به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حلف:

- ‌هل للحلف مكان

- ‌الترهيب من اقتطاع الحقوق بالإيمان وفي أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر:

- ‌كفارة الأيمان المنعقدة:

- ‌المسائل والفوائد

- ‌خاتمة قسم العقائدمؤمنون لا فلاسفة

الفصل: ‌ ‌النصوص 1452 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي

‌النصوص

1452 -

* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة" فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال إبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب، فيدخل فيها فيجربها كلها؟ فقال:"فمن أعدى الأول".

قال البخاري: ورواه الزهري عن أبي سلمه عن عبد الرحمن، وسنان بن أبي سنان، وفي رواية سنان وحده: بنحو ذلك.

وفي رواية لأبي سلمه (1): أنه سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يوردن ممرض على مصح". وأنكر أبو هريرة حديث الأول، قلنا: ألم تحدث: أنه "لا عدوى؟ " فرطن بالحبشية، قال أبو سلمه: فما رأيته نسي حديثًا غيره.

وفي رواية أخرى (2) عن أبي سلمه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى" وتحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يورد ممرض على مصح". قال الزهري: قال أبو سلمه: كان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صممت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله:"لا عدوى"، وأقام على أن "لا يورد ممرض على مصح". قال: فقال الحارث بن أ [ي ذباب- وهو ابن عم أبي هريرة- قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثًا آخر قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى" فأبي أبو هريرة أن يعرف ذلك، وقال:"لا يورد ممرض على مصح". فماراه الحارث في ذلك حق غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا، أبو هريرة: إني قلت: "أتيت". قال أبو سلمه: ولعمري، لقد كان أبو هريرة يحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى". فلا

1452 - البخاري (10/ 171) 76 - كتاب الطب، 25 - باب لا صفر.

مسلم (4/ 1742) 29 - كتاب السلام، 23 - باب لا عدوى ولا طيرة.

(1)

البخاري (10/ 241) 76 - كتاب الطب، 53 - باب لا هامة.

(2)

مسلم (4/ 1743) 39 - كتاب السلام، 33 - باب لا عدوى ولا طيرة.

ص: 1491

أدري: أنسي أبي هريرة، أو نسخ أحد القولين الآخر؟

وفي رواية أخرى (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طيرة، وخيرها الفأل". قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال:"الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم".

وعند البخاري (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر".

وله في أخرى (3) زيادة: "وفر من المجذوم كما تفر من الأسد".

وفي رواية لمسلم (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا هامة، ولا نوء، ولا صفر".

وفي أخرى (5): "لا عدوى، ولا هامة، ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح".

قال أبو داود: قال بقية: سألت محمد بن راشد عن قوله: "ولا هامة"؟ فقال: كان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة. وعن قوله: "ولا صفر"؟ قال: كانوا يستشئمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صفر". قال: وسمعت من يقول: هو وجع يأخذ في البطن، يزعمون أنه يعدي. قال أبو داود: وقال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفر عامًا، ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا صفر".

(ولا هامة) الهام جمع هامة، وهو طائر كانت العرب تزعم أن عظام الميت تصير هامة فتطير، وكانوا يقولون: إن القتيل تخرج من هامته - أي: رأسه- هامة، فلا تزال تقول: اسقوني، حتى يقتل قاتله.

(1) البخاري (10/ 212) 76 - كتاب الطب، 43 - باب الطيرة.

ومسلم (4/ 1745) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

(2)

البخاري (10/ 215) 76 - كتاب الطب، 43 - باب لا هامة.

(3)

البخاري (10/ 158) 76 - كتاب الطب، 43 - باب الجذام.

(4)

مسلم (4/ 1744) 39 - كتاب السلام، 33 - باب لا عدوى ولا طيرة.

(5)

مسلم (4/ 1746) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

ص: 1492

(لا يورد مُمرض على مُصح) الممرض: هو الذي إبله مراض، والمصح: الذي إبله صحاح، فنهى أن يورد اصحب الإبل المراض إبله على إبل ذي الإبل الصحاح.

(فرطن) الرطانة: التكلم بالعجمية أي لغة كانت.

(فماراه) المماراة والمجادلة: المخاصمة.

(أتيت) أي: ذهبت وتغير عليك حسك، فتوهمت ما ليس بصحيح صحيحًا.

(خيرها الفأل) هو مثل أن يكون الرجل مريضًا، فيسمع آخر يقول: يا سالم. أو يكون طالبًا، فيسمع آخر يقول: يا واجد. فيقع في ظنه أن يبرأ من مرضه، ويجد ضالته، فيتوقع صحة هذه البشرى، ويتنفس بذلك نفسه؛ لأنه وقع من القائل على جهة الاتفاق، تقول منه: تفاءلت، والافتئال: افتعال منه، فالفأل: فيما يرجى وقوعه من الخير، ويتحسن ظاهره ويسر، والطيرة: لا تكون إلا فيما يسوء، وإنما أحب النبي صلى الله عليه وسلم الفأل: لأن الناس إذا أملوا فائدة من الله، ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي: فهم على خير، وإن لم يدركوا ما أملوا، فقد أصابوا في الرجاء من الله وطلب ما عنده، وفي الرجاء لهم خير معجل، ألا ترى أنهم إذا قطعوا أملهم ورجاهم من الله كان ذلك من الشر؟. فأما الطيرة: فإن فيها سوء الظن، وقطع الرجاء، وتوقع البلاء وقنوط النفس من الخير، وذلك مذموم بين العقلاء، منهي عنه من جهة الشرع.

(ولا نوء) النوء: واحد الأنواء، وهو ثمانية وعشرون نجمًا، هي منازل القمر، تسقط كل ثلاث عشرة ليلة، منها منزلة من طلوع الفجر وتطلع أخرى مقابلها، فتنقضي هذه الثمانية والعشرون مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها يكون مطر، فينسبون المطر إلى المنزلة، ويقولون: مطرنا بنوء كذا، وإنما سمي نوءًا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، أي: طلع ونهض، وقيل: إن النوء هو الغروب، وهو من الأضداد، قال أبو عبيد: ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع.

وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء، لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من

ص: 1493

جعل المطر من فعل الله عز وجل، وأراد بقوله: مطرنا بنوء كذا، أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز.

وفي معنى النوء قال البغوي في شرح السنة:

قوله: "ولا نوء" أراد به ما كانت العرب تنسب المطر إلى أنواء الكواكب الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، وتقول: مطرنا بنوء كذا، فأبطل الشرع أن يكون بنوء النجوم شيء إلا بإذن الله أ. هـ.

أقول: لقد لاحظنا في الحديث الذي مر معنا إثبات العدوى، ولذلك ورد: لا يوردن ممرض على مصح. كما رأينا أن فيه نفي العدوى، والجمع بينهما أن الشارع أثبت العدوى كواقع، وطالب بالاحتياط منها، ونفى أن يترتب على العدوى مسؤولية قضائية.

وقد مر في الحديث النهي عن التشاؤم بذكر ما جرت عادة العرب أن تتشاءم منه، ومن ذلك التشاؤم من صفر، وأبطل الحديث خرافة الهامة التي كانت موجودة عند العرب في الجاهلية ولا زالت بعض الشعوب تتشاءم حيث لا ينبغي التشاؤم، ومن ذلك تشاؤم الغربيين بالعدد رقم- 13 - ، وهو من قبيل تشاؤم الجاهلية.

1453 -

* روى الترمذي عن عبيد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا، فقال:"لا يعدي شيء شيئًا". فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل يأتيها البعير الأجرب الحشفة بذنبه فيجربها كلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فمن أجرب الأول منها؟ ألا لا عدوى ولا صفر، إن الله خلق كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها ومحابها".

1454 -

* روى مسلم عن عمرو بن الشريد رضي الله عنه، عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم:"إنا قد بايعناك، فارجع".

1453 - الترمذي (4/ 450، 541) 33 - كتاب القدر، 9 - باب ما جاء لا عدوى، وهو حديث حسن.

قال ابن الأثير:

(يعدي): أعدى المريض: إذا تجاوز من واحد إلى آخر، كما يتعدى الجرب.

1454 -

مسلم (4/ 1752) 29 - كتاب السلام، 36 - باب اجتناب المجذوم ونحوه.

ص: 1494

أقول: هذا الحديث أحد الأدلة على أن العدوى ثابتة بالشرع، وإنما المنفي هو إثبات المسؤولية المادية بسببها.

1455 -

* روى الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى"، فقال أعرابي: يا رسول الله فإنا نأخذ الشاة الجربة فنطرحها في الغنم فتجرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أعرابي من أجرب الأولى".

1456 -

* روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الطيرة شرك، الطيرة شرط، الطيرة شرك"- ثلاثًا- "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل".

وفي رواية الترمذي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة من الشرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل".

ورواه أيضًا ابن حبان (2).

(الطيرة) ما يتشاءم به من الفأل الرديء وغيره، واشتقاقها من الطير، وكانت العرب تتطير من الغراب والأخيل ونحوهما من الطير، وتتشاءم به، وترى أن ذلك مانع من الخير، فنفى الإسلام ذلك، وقال:"ولا طيرة": وهو مصدر، كالتطير، تطير الرجل تطيرًا وطيرة، كما قالوا: تخيرت الشيء تخيرًا وخيرة، ولم يجئ من المصادر على هذا القياس غيرهما.

وقال البغوي في شرح السنة مبينًا ماهية الطيرة:

وذلك أن العرب كانت تتطير ببروح الطير وسنوحها، فيصدهم ذلك عما يمموه من مقاصدهم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب نفع، أو ضر، ويقال:

1455 - المعجم الكبير: (11/ 228).

مجمع الزوائد: (5/ 102) وقال: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح.

1456 -

أبو داود (4/ 17) كتاب الطب، باب في الطيرة.

(1)

الترمذي (4/ 160 - 161) 22 - كتاب السير، باب ما جاء في الطيرة وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

الإحسان بترتيب ابن حبان: (7/ 642).

ص: 1495

الطيرة أن يخرج لأمر، فإذا رأي ما يحب، مضى، وإن رأى ما يكره انصرف، فأما ما يقع في قلبه من محبوب ذلك ومكرهه، فليس بطيرة، إذا مضى لحاجته، وتوكل على ربه. قال ابن عباس: إن مضيت، فمتوكل، وإن نكصت فمتطير. وقال إبراهيم: قال عبد الله: لا تضر الطيرة إلا من تطير. أهـ.

(وما منا إلا) في هذا الكلام محذوف، تقديره: وما منا إلا ويعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة له، فحذف ذلك اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع، وقد جاء في كتاب الترمذي أن هذا من كلام ابن مسعود، وليس من الحديث، والله أعلم.

1457 -

* روى أحمد عن بريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملًا سأل عن اسمه؟ فإذا أعجبه فرح به، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئى كراهية ذلك في وجهه.

قال ابن الأثير:

(بشر) البشر: طلاقة الوجه وأمارات الفرح التي تظهر على الإنسان عند رؤية ما يسر، أو سماعه. أهـ.

قال البغوي: وينبغي للإنسان أن يختار لولده وخدمة الأسماء الحسنة أ. هـ.

1458 -

* روى مسلم عن معاوية بن الحكم، قال: قلت يا رسول الله: منا رجال يتطيرون؟ قال: "ذلك شيء تجدونه في أنفسكم، فلا يصدنكم". قال: قلت: ومنا رجال يأتون الكهان؟ قال: "فلا تأتوهم". قال: قلت: ومنا رجال يخطون. قال: "خط نبي، فمن وافق علمه علم".

1457 - أحمد (5/ 237).

وأبو داود (4/ 19): كتاب الطب، 34 - باب في الطيرة.

1458 -

مسلم (1/ 383) 5 - كتاب المساجد، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة.

ص: 1496

قال البغوي في شرح السنة في تفسير قوله عليه السلام "يخطون":

قال الخطابي: فقد يحتمل أن يكون معناه: الزجر عنه، إذ كان من بعده لا يوافق خطه، ولا ينال حظه من الصواب؛ لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي، وعلمً لنبوته، فليس لمن بعده أن يتعطاه طمعًا في نيله والله أعلم. روي عن طاووس قال: سمعت ابن عباس يقول: إن قومًا يحسبون بأبي جاد، وينظرون في النجوم، وما أرى لمن فعل ذلك من خلاق أهـ.

أقول: أبي جاد: المراد بها الأحرف الأبجدية نسبة على (أبجد هوز) والمعروف أن العرب تعطي لكل حرف منها عددًا، وبعض الناس يحسبون أعداد الأحرف لشيء ما وعلى ضوء ذلك يقدمون أو يحجمون. وهذا الذي نهى عنه ابن عباس وسفه أهله لأنه تحكم وتحكيم لغير العاقل بالعاقل، وهو في الأصل شيء غير معقول المعنى ولم يأت به شرع.

1459 -

* روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل". قالوا: وما الفأل؟ قال: "كلمة طيبة".

وروى البخاري مثله (1)، وقال:"ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة".

وروى مسلم مثله (2)، وقال:"ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، الكلمة الطيبة".

قال ابن الأثير:

(لا عدوى) يقال: أعداه المريض: إذا أصابه منه بمقارنته ومجاورته أو مؤاكلته ومباشرته.

1459 - البخاري (10/ 244) 76 - كتاب الطب، 54 - باب لا عدوى.

مسلم (4/ 1746) 29 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

(1)

البخاري (10/ 214) 76 - كتاب الطب، 44 - باب الفأل.

(2)

مسلم (4/ 1746) 29 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

ص: 1497

1460 -

* روى الطبراني، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يبلغنا من لقاحنا". فقام رجل فقال: أنا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك"؟ قال: صخر أو جندل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس". ثم قال: "من يبلغنا لبن لقاحنا"؟ فقام رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك" قال: يعيش. قال: "بلغنا من لقاحنا".

1461 -

* روى الترمذي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة: أن يسمع: يا راشد، يا نجيح.

وفي الصحيحين (1) معناه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

1462 -

* روى الطبراني، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقم أو رجع من سفر تطيرًا". وفي رواية: "أو تطير طيرة ترده عن سفر لم ينظر إلى الدرجات العلى".

1463 -

* روى أبو داود عن قطن بن قبيصة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العيافة والطيرة والطرق: من الخبث".

قال ابن الأثير:

(العيافة): زجر الطير والتفاؤل بها، كما كانت العرب تفعله، عاف الطير يعيفه: إذا زجره.

1460 - المعجم الكبير: (17/ 292).

مجمع الزوائد (5/ 106) وقال: رواه الطبراني، وفيه سعيد بن أسد بن موسى، روى عنه أبو زرعة الرازي ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات.

1461 -

الترمذي (4/ 161) 22 - كتاب السير، 47 - باب ما جاء في الطيرة.

وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.

(1)

البخاري (10/ 214) 76 - كتاب الطب، 44 - باب الفأل.

مسلم (4/ 1745) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

1462 -

مجمع الزوائد (5/ 118). وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات.

1463 -

أبو داود (4/ 16) كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير، وهو حديث حسن، وقال أبو داود: الطرق: الزجر، والعيافة: الخط.

ص: 1498

(الطرق): الضرب بالعصا، وقيل: هو الخط في الرمل، كما يفعله المنجم لاستخراج الضمير ونحوه، وقد جاء في كتاب أبي داود: أن الطرق: الزجر، والعيافة: الخط.

(الجبت) كل ما عبد من دون الله، وقيل: هو الكاهن والشيطان.

قال البغوي في شرح السنة:

وأراد بالعيافة: زجر الطير. والطرق: هو الضرب بالحصى، وأصل الطرق: الضرب: ومنه سميت مطرقة الصائغ والحداد؛ لأنه يطرق بها. وقال ابن سيرين: الجبت: الساحر، والطارق: الكاهن.

قال ابن جرير في (جامع البيان) 8/ 465:

والصواب من القول في تأويل {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} أن يقال: يصدقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إليهن، وذلك أن "الجبت" و"الطاغوت" اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله أو طاعة أو خضوع له كائنًا مال كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان، وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله، فقد كان جبوتًا وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولًا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله. أهـ.

أقول: الحاصل أن الحديث نهى عن ضرب الرمل الذي عرفنا فيما مضى أن الخط فيه لاستخراج أمر كان معجزة لنبي، وقد حرم في شريعتنا، كما حرم في الحديث الطيرة التي هي زجر الطير والبناء على خط سيرها سلبًا أو إيجابًا من العمل، كما نهى الحديث عن ضرب الحصى للبناء على ذلك، كأن يضرب الإنسان حصاة فإذا وقعت في مكان مضى لشانه وإلا أحجم، فكل ذلك وكل ما أدخله الشراح في شرح الحديث من صور على اختلاف تفسيراتهم، كل ذلك يدخل في إتباع خطوات الشيطان، فهي من الجبت الذي هو عبادة غير الله والخضوع له.

ص: 1499

1464 -

* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا عدوى، ولا صفر، ولا غول".

قال ابن الأثير:

(ولا غول) الغول: هذا الحيوان التي كانت العرب تزعم أنه يعرض لها في بضع الأوقات والطرق، فيغتال الناس، وإنه ضرب من الشياطين، وليس قوله:"ولا غول" نفيًا لعين الغول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في اغتياله وتلونه في الصور المختلفة، يقول: لا تصدقوا بذلك. أهـ.

أقول: إن النصوص أثبتت إمكانية تشكل الجن ببعض الصور، فهذه الحيثية ليست منفية في الحديث، ولكن تصورًا وهميًا من تصورات الجاهلية عن شيء يسمونه الغول فيتوهمون بسببه، قد أبطله الإسلام.

وقد قال الله عز وجل عن الإنسان: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (1) فالإنسان، محفوظ إلا إذا قضى الله عليه قضاء، ولذلك فإن المسلم يغلب عليه حال التوكل فلا يخشى إلا الله، فإذا داهمه أمر عمل بمقتضى أمر الله.

1465 -

* روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاث: في الفرس، والمرأة، والدار".

وفي رواية (2) قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن كان الشؤم: ففي الدار، والمرأة، والفرس".

1464 - مسلم (4/ 1745) 39 - كتاب السلام، 33 - باب لا عدوى ولا طيرة.

(1)

الرعد: 11.

1465 -

البخاري (10/ 212) 76 - كتاب الطب، 43 - باب الطيرة.

مسلم (4/ 1747) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

(2)

البخاري (6/ 60) 56 - كتاب الجهاد، 47 - باب ما يذكر من شؤم الفرس.

مسلم (4/ 1748) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

ص: 1500

ولمسلم (1): "في المرأة والفرس والمسكن".

1466 -

* روى أبو داود عن سعد بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا هامة، ولا عدوى، ولا طيرة، وغن تكن الطيرة في شيء: ففي الفرس، والمرأة، والدار".

1467 -

* روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال وجل: يا رسول الله، غنا كنا في دار، كثر فيها عددنا، وكثر فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروها ذميمة".

قال ابن الأثير:

(ذروها ذميمة) أي: اتركوها مذمومة، وإنما أمرهم بالتحول عنها إبطالًا لما وقع في نفوسهم من أن المكروه غنما أصابهم بسبب الدار وسكناها، فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم، وزال ما خامرهم من الشبهة والوهم الفاسد، والله أعلم.

1468 -

* روى أحمد عن أبي حسان نحوه وفيه: قالت عائشة: والذي أنزل القرآن على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إنما قال: "كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك".

وفي رواية (2): "كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في الدار والمرأة والدابة".

ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (3) الآية.

(1) مسلم الموضع السابق.

1466 -

أبو داود (4/ 19) كتاب الطب، باب في الطيرة.

وهو حديث صحيح.

1467 -

أبو داود (4/ 19) كتاب الطب، باب في الطيرة.

وإسناده حسن.

1468 -

مسند أحمد (6/ 240).

(2)

مسند أحمد (6/ 246).

مجمع الزوائد (5/ 104). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(3)

الحديد: 22.

ص: 1501

1469 -

* روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن كان في شيء: ففي الفرس والمرأة والمسكن". يعني: الشؤم.

وفي رواية مسلم والنسائي عن جابر مثله (1).

قال ابن الأثير:

(إن كان الشؤم في شيء) يعني: إن كان ما يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاثة، وتخصيصه المرأة والفرس والربع والدار؛ لأنه لما أبطل مذهب العرب في التطهير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحو ذلك، قال: فإن كان لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس لا يعجبه ارتباطه، فليفارقها، بأن ينتقل عن الدار، ويبيع الفرس، ويطلق الزوجة، وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه، وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره.

وقد قيل: إن شؤم الدار. ضيقها وسوء جارها، وشؤم الفرس: أن لا يغزى عليها، وشؤم المرأة: أن لا تلد.

قال ابن حجر حول هذا الحديث:

قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة. قلت: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله: أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره، قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته فإن ذلك خطأ، وإنما عنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره.

1469 - البخاري (6/ 60) 56 - كتاب الجهاد، 47 - باب ما يذكر من شؤم الناس.

مسلم (4/ 1748) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

والموطأ (3/ 972) 54 - كتاب الاستئذان، 8 - باب ما يتقى من الشؤم.

(1)

مسلم (4/ 1748) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل

والنسائي (6/ 230) 28 - كتاب الخيل 50 - باب شؤم الخيل.

ص: 1502

قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء، قال المازري: مجمل هذه الرواية: إن يكن الشؤم حقًا فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاثة". فقالت: لم يحفظ، إنه دخل وهو يقول:"قاتل الله اليهود، يقولون الشؤم في ثلاثة". فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله. قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان، أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: غن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة في الفرس والمرأة والدار". فغضبت غضبًا شديدًا وقالت: ما قاله، وإنما قال:"إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك". انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، وقد تأوله غيرها على أن ذلك سبق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة يبعد هذا التأويل لأنه صلى الله عليه وسلم. إنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه.

قال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء، وروى أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك، أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عن سكني الدار فتصير في تلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعًا. وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وغنما هو عبارة عن جري العادة فيها فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل. وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب. أ. هـ (فتح الباري).

ص: 1503

أقول: في النصوص التي ذكرت الشؤم في الدار والمرأة والفرس حض على حسن الاختيار للمرأة والمسكن والفرس وإباحة لمفارقة ما يكرهه الإنسان منها، فكأن هذه النصوص تبين أن هذا النوع الذي يمكن أن يدخل في مسمى الطيرة لا يعتبر من الطيرة المنهى عنها والتي كان عليها الجاهلية، ويبدو أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون في بعض الأحوال من مجرد رؤية المرأة أو الفرس أو الدار، فهذا النوع من الطيرة منفي في الإسلام وعلى هذا يحمل كلام عائشة رضي الله عنها، وعلى الأول تحمل الروايات الأخرى.

* * *

ص: 1504