الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة السادسة
في
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها
قال البغوي في شرح السنة:
قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} (1) الآية.
قال الأزهري: {عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} أي: مانعًا لكم عن البر، والاعتراض: المنع، وكل شيء منعك عن أمر تريده فقد اعترض عليك، وتعرض لك، والأصل فيه: الطريق المسلوك يعترض فيه بناءً أو شيء يمنع السابلة من سلوكه، وقيل: العرضة: الاعتراض في الخير والشر يقول: لا تعترضوا باليمين في كل ساعة ألا تبروا ولا تتقوا. اهـ
1583 -
* روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أتتك عن مسألةٍ وكلت إليها، وإن أتتك عن غير مسألةٍ أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت غيرها خيرًا منها، فائت الذي هو خيرٌ، وكفر عن يمينك".
وفي رواية لأبي داود (2): لم يذكر حديث "الإمارة" وأول حديثه: "إذا حلفت".
(1) البقرة: 224.
1583 -
البخاري (11/ 516) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى:(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).
مسلم (3/ 1373) 37 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه.
والترمذي (4/ 106) 21 - كتاب النذور والأيمان، 5 - باب ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها. وقال: حديث حسن صحيح.
والنسائي (8/ 225) 49 - كتاب آداب القضاة، 5 - باب النهي عن مسألة الإمارة.
(2)
أبو داود (3/ 229) كتاب الأيمان والنذور، باب الرجل يكفر قبل أن يحنث.
وله في أخرى (1): "فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير".
وللنسائي (2) أيضا قال: " إذا حلف أحدكم على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، ولينظر الذي هو خير فليأته".
أقول: يدخل في هذا الشأن أمور متعددة:
فأول ما يدخل فيه: الحلف على المعصية، فيحرم على الإنسان أن يفعلها وتجب في ذلك الكفارة، كما لا يصح للإنسان أن يبر إذا حلف على مكروه وعليه الكفارة، وإذا حلف على مباح فرأى المصلحة في غيرها فله أن يحنث وعليه الكفارة، وهناك حالات تحتاج الموازنة فيها بين الخيرية وغيرها إلى علم وفقه أو فتوى من أهل ذلك، وذلك في الأوضاع الاستثنائية، كأن يكون الإنسان بين ضررين أو شرين فالأخف في الضرر والأخف في الشر يعتبر خيرًا بالنسبة للحالف والأحاديث الواردة في موضع فعل الخير وترك ما دونه كثيرة كما سنرى في هذه الفقرة.
ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها هل يجوز له أن يكفر قبل الحنث؟
قال أبو حنيفة: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث مطلقًا، وأجاز تقديم الكفارة على الحنث الحنابلة والشافعية والمالكية، والأفضل عند المالكية والشافعية تأخير الكفارة إلى ما بعد الحنث مراعاة للخلاف.
1584 -
* روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينِ، فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليفعل" زاد في رواية (3)"الذي هو خير".
(1) أبو داود: الموضع السابق.
(2)
النسائي (7/ 11) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 16 - باب الكفارة بعد الحنث.
1584 -
مسلم (3/ 1273) 27 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه.
(3)
مسلم: الموضع نفسه.
وفي رواية (1) قال: أعتم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله فوجد الصبية قد ناموا، فأته أهله بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثم بدا له فأكلن فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه".
1585 -
* روى مسلم عن تميم بن طرفة الطائي رضي الله عنه، قال: جاء سائلٌ إلى عدي بن حاتم يسأله نفقةً- أو في ثمن خادمٍ، أو في بعض ثمن خادمٍ- فقال: ليس عندي ما أعطيك، إلا درعي ومغفري، فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها، قال: فلم يرض، فغضب عدي، فقال: أما والله لا أعطيك شيئًا، ثم إن الرجل رضي، فقال: أما والله لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف على يمينٍ، ثم رأى أتقى لله منها فليأت التقوى" ما حنثت في يميني.
وفي أخرى (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حلف أحدكم على اليمين، فرأى خيرًا منها، فليكفرها، وليأت الذي هو خيرٌ".
وفي أخرى للنسائي (3): "فليأت الذي هو خيرٌ، وليترك يمينه".
1586 -
* روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نحن الآخرون السابقون" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله
(1) مسلم: (3/ 1371) الموضع السابق.
والموطأ (2/ 478)، 22 - كتاب النذور والأيمان، 7 - باب ما تجب فيه الكفارة من الأيمان.
والترمذي (4/ 106) 21 - كتاب النذور والأيمان، 5 - باب ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(أعتم) الإنسان: إذا دخل في العتمة، وهي ظلمة أول الليل.
1585 -
مسلم (3/ 1372) 27 - كتاب الأيمان، 2 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه.
(المغفر): زرد يلبس على الرأس.
(2)
مسلم: الموضع نفسه.
(3)
النسائي (7/ 11) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 16 - باب الكفارة بعد الحنث.
1586 -
البخاري (11/ 517) 82 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى:(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)
…
آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه".
وللبخاري (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استلج في أهله بيمين، فهو أعظم إثمًا ليبر، يعني الكفارة".
قال ابن الأثير:
(لج واستلج) في يمينه: إذا لج في الاستمرار عليها، وترك تكفيرها ورأى أنه صادق فيها، وقيل: هو أن يحلف ويرى أن غيرها خير منها، فيقيم على ترك الكفارة والرجوع إلى ما هو خير.
(آثم): أكثر إثمًا، لأنه قد أمر أن يأتي الذي هو خير.
أقول:
اختلف العلماء في القائل (أعاهد الله) هل هو يمين أو لا، فعلى القول بأنها يمين فمن رأى غير ما عاهد عليه الله أبر أو عجز عن الوفاء فإن عليه الكفارة، وعلى القول: إنها ليست بيمين فإنه لا كفارة على صاحبها، وإذا عجز أو رأى غيرها خيرًا منها بالمعيار الشرعي فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه.
قال البغوي في شرح السنة:
ولو قال: علي عهد الله وميثاقه، فليس بيمين إلا أن يريد به اليمين، وكذلك لو قال: شهدت بالله، أو أشهد بالله، أو عزمت بالله، أو أعزم بالله، فلا يكون يمينا إلا أن يريده، ولو قال: أقسمت بالله، أو حلفت بالله، أو أقسم بالله، أو أحلف بالله، فإن أراد بالأول إخبارًا عن يمين في الماضي، أو أراد بالثاني وعد يمين في المستقبل، فليس بيمين، وإن أراد بها يمينًا في الوقت، فهو يمين، وإن أطلق، ففيه قولان، ولو قال: شهدت أو أشهد، أو عزمت، أو أعزم أو أقسمت، أو أقسم، ولم يقيده بذكر الله، فليس بيمين وإن
مسلم (2/ 585) 7 - كتاب الجمعة، 6 - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة.
(1)
البخاري: الموضع السابق
نواه، وعند أبي حنيفة: كلها يمين أهـ
1587 -
* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما كان أبو بكر يحنث قط في يمين، حتى نزلت كفارة اليمين، فلما نزلت حنث إذا رأى غيرها خيرا منها، وكفر.
وفي رواية (1)، أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين قط، حتى أنزل الله عز وجل كفارة اليمين، فقال: لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني.
وفي أخرى (2)، إلا قبلت رخصة الله، وفعلت الذى هو خير.
1588 -
* روى أبو داود عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير". أو قال: "إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني".
وعند النسائي (3) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض يمين أحلف عليهما فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيته".
وله في أخرى (4) قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله، فقال:"والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه"، ثم لبثنا ما شاء الله، فأتي يا بل فأمر بثلات ذود، فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا، أتينا
1587 - البخاري (11/ 516) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} .
(1)
البخاري: الموضع السابق
(2)
البخاري (8/ 275) 65 - كتاب التفسير، 8 - باب {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} .
1588 -
أبو داود (3/ 329) كتاب الأيمان والنذور، باب الرجل يكفر قبل أن يحنث.
(3)
النسائي (7/ 9) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} .
(4)
النسائي: الموضع السابق.
رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله، فحلف لا يحملنا، قال أبو موسى: فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك له، فقال:"ما أنا حملتكم، بل الله حملكم، إني والله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير".
وفي رواية البخاري ومسلم (1) نحو هذه التي للنسائي، وزاد فيها:"فأمر لنا بثلاث ذود عز الذرى" وفيها: "وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، ثم أرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير".
زاد في رواية (2): "وأتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني".
قال ابن الأثير:
(نستحمله) استحملت الإنسان: إذا طلبت منه شيئًا تركبه، أو تحمل عليه متاعك.
(الذود) من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى التسع من الإناث خاصة، وقيل: ليس للإناث به اختصاص، إنما اللفظية مؤنثة.
(الذرى): الأسنمة، وصفها أنها "غر" أي: أنها بيض حسان لسمنها.
أقول: يلاحظ أن بعض الروايات تذكر التكفير ثم الحنث، وبعض الروايات تذكر الحنث ثم التكفير ومن هاهنا وجد من الفقهاء من يقول: إذا كفر ثم حنث تجب عليه إعادة الكفارة، ومنهم من يقول: تجزئ الكفارة ولو كانت قبل الحنث وقد مر معنا هذا من قبل ونزيد الأمر وضوحًا:
قال البغوي في شرح السنة:
اختلف أهل العلم في تقديم كفارة اليمين على الحنث، فذهب أكثر أهل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى حوازه، كما ورد به الحديث، ويروى ذلك عن ابن عمر، وابن
(1) البخاري (11/ 517) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى:(لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).
مسلم (3/ 1271) 27 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منه
…
إلخ
(2)
البخاري: الموضع السابق.
عباس، وعائشة، وبه قال الحسن البصري، وابن سيرين، وإليه ذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، إلا أن الشافعي يقول: إن كفر بالصوم قبل الحنث، لا يجوز، إنما يجوز تقديم العتق أو الإطعام، او الكسوة، كما يجوز تقديم الزكاة على الحول. ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته.
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث، وهو قول أصحاب الرأي، وجوزوا تعجيل الزكاة، وجوز تعجيل الكفارة، وقال الثوري: إن كفر بعد الحنث أحب إلي، وإن كفر قبل الحنث، أجزأه. أهـ.
1589 -
* روى النسائي عن الأحوص عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت ابن عم لي، آتيه أسأله، فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج إلى فيأتيني فيسألني، وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله؟ فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني.
* * *
1589 - النسائي (7/ 11) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 16 باب الكفارة بعد الحنث.