الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة العاشرة
في:
الجنة والنار:
1 - المقدمة
إن نهايتكم أيها الإنس والجن إما إلى جنة وإما إلى نار فهل أنتم متذكرون أو غافلون؟
- من أجل أن نتذكر هذه النهاية بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزلت الكتب وكانت المعجزات وظهرت الكرامات لتقوم الحجة على الخلق.
- وها إن القرآن بين يديك وهو معجزة فيها معجزات يحدثك عما سيكون بين يديك، وها إن محمدًا صلى الله عليه وسلم من كان القرآن معجزته وأكرمه الله بمعجزات أخرى، ومن بشر به من قبله من الرسل، ومن كانت صفاته وثمراته تدل عليه- أنذرك وبشرك.
- وها أنت ترى بقايا الوحي الإلهي في كثير من الأديان مع كثرة التغيير والتبديل تحدثك عما أعده الله لأهل طاعته وأوعد به أهل معصيته.
وكما أن الأصل في الأمور الغيبية أن نتلقاها عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم فإذا ثبتت عنه كان من واجبنا التسليم فإن أمر الآخرة كله كذلك وأمر الجنة والنار من ذلك.
وهناك قضايا من أمر الإيمان يكفي فيها الإيمان الإجمالي وهناك قضايا لابد فيها من الإيمان التفصيلي، وفي كل الأحوال فالإيمان التفصيلي الذي هو أثر عن معرفة النصوص كلها وفهمها حق الفهم على ضوء تحقيقات العلماء الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة هو الأرقى.
وإذا مر معك وأنت تقرأ النصوص ما لم تعتد أن تشاهده في الدنيا من أمر الآخرة ففر إلى الإيمان وفر إلى تصديق الله، وفر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أصدق من الله ورسوله (وصدق الله ورسوله)(1)(ومن أصدق من الله حيثا)(2) اللهم لا أحد.
(1) الأحزاب: 22.
(2)
النساء: 87.
والنار هي السجن الذي أعده الله للكافرين والعصاة قال تعالى: (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا)(1) والجنة هي دار السلام ودار النعيم المقيم أعدها الله لأهل الإيمان فكل ما فيها سلام وكل ما فيها سلام قال تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم)(2).
- والجنة والنار قد خلقهما من قبل فهما موجودتان قال تعالى عن النار (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)(3)، (إنا أعتدنا للظالمين نارا)(4). وقال عن الجنة (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)(5)، فكل من الجنة والنار قد خلق وأعد وكتب له الخلود، والجنة علوية وهي الآن فوق السماء السابعة والنار مغيبة لا يعلم مكانها إلا الله ومن أطلعه الله على ذلك ويوم القيامة يؤتي بالنار ويؤتي بالجنة فتكونان متلاصقتين ويعبر الناس من أرض الحشر إلى الجنة على الصراط وقد مرت معنا نصوص كثيرة تدل على ذلك.
- والنار من السعة بمها يهول قال تعالى: (يوم نقول لجنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد)(6) والجنة من السعة بما يهول قال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض)(7)(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض)(8).
ولا تستغربن عرض الجنة أن يكون كذلك فمحيط الدائرة أوسع من قطرها والسموات السبع على القول الراجح كروية فإذا كانت الجنة فوق السماء السابعة فمحيط السماء السابعة أكبر من قطرها الذي عرض السموات والأرض.
- والجنة والنار باقيتان أبدًا وأما قوله تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} (9) فالمراد والله أعلم أنهم يعذبون العذاب أحقابًا ثم يكون عذاب أشد أو أنه كلما انتهى حقب بدأ حقب إلى ما لا نهاية له.
(1) الإسراء: 8.
(2)
الأنعام: 127.
(3)
البقرة: 24.
(4)
الكهف: 29.
(5)
آل عمران: 133.
(6)
ق: 30.
(7)
الحديد: 21.
(8)
آل عمران: 123.
(9)
النبأ: 23 - 25.
- وأما قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (1) أي غير مقطوع، فليس المراد بالاستثناء نفي الديمومة بل المراد بالاستثناء أن الجنة والنار خالدتان خلود السموات والأرض باستثناء ما حدث للسموات والأرض يوم القيامة فإن ذلك لا يصيبهما وللعلماء اتجاهات أخرى في فهم الآيتين، فمن قطيعات الاعتقاد الإيمان بديمومة الجنة والنار فمن أنكر ذلك وقع في الضلال المبين.
قال ابن كثير وهو يتحدث عن أهل الجنة:
"وثبت أن أول زمرة منهم على صورة القمر ثم الذين يلونهم في البهاء كأضوأ كوكب دري في السناء، وأنهم يجامعون ولا يتناسلون ولا يتوالدون إلا ما يشاؤون. وأنهم لا يموتون ولا ينامون، لكمال حياتهم وكثرة لذاتهم وتوالي نعيمهم ومسراتهم، وكلما ازدادوا خلودًا ازدادوا حسنًا وجمالًا وشبابًا وقوة وكمالًا، وازدادت لهم الجنة حسنًا وبهاء وطيبًا وضياء، وكانوا أرغب شيء فيها وأحرص عليها وكانت عندهم أعز وأغلى وألذ وأحلى، كما قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} "(2). أهـ. (النهاية في الفتن والملاحم).
وقال ابن كثير وهو يتحدث عن أهل النار:
"إذا خرج أهل المعاصي من النار فلم يبق فيها غير الكافرين فلا يموتون ولا يحييون كما قال تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} (3). فلا خروج لهم منها ولا محيد لهم بل هم خالدون فيها أبدًا وهم الذين حبسهم القرآن وحكم عليهم بالخلود، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (4). وقال تعالى في سورة النساء {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ
(1) هود: 106 - 108.
(2)
الكهف: 108.
(3)
الأعلى: 11 - 12.
(4)
الأحزاب: 64، 65.
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (1) أهـ (النهاية في الفتن والملاحم).
ولشيخ الإسلام تقي الدين السبكي رسالة سماها: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"، رد فيها على من ادعى غير ذلك وجمع فيها النصوص القطعية الواردة في ذلك وختمها بقوله:"فهذه الآيات التي استحضرناها في بقاء الجنة والنار وبدأنا لأنا وقفنا على تصنيف لبعض أهل العصر في فنائها. وقد ذكرنا نحو مائة آية منها من ستين في النار، ونحو من أربعين في الجنة، وقد ذكرنا الخلود وما اشتق منه في أربع وثلاثين آية في النار وثمان وثلاثين في الجنة، وذكرنا التأبيد في ثلاث في النار مع الخلود، وفي ثمان في الجنة منها سبع من الخلود. وذكر التصريح بعدم الخروج أو بمعناه في أكثر من ثلاثين. وتضافر هذه الآيات ونظائرها يفيد القطع بإرادة حقيقة معناها، وأن ذلك ليس مما استعمال فيه الظاهر في غير المراد، ولذلك أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك ونقلوه خلفًا عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة، بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك، ومن رد ذلك فهو كافر ومن تأوله فهو كمن تأول الآيات الواردة في البعث الجسماني وهو كافر أيضًا" أهـ (الاعتبار).
- فحدد يا أخي بصر الإيمان إلى مقرك ومستقرك وأقبل على الله بالذكر والفكر والتأمل في المصير وأكثر من قراءة القرآن فإنه الذي يذكرك بكل شيء، وها نحن نعرض عليك بعض النصوص حول الجنة والنار مع شيء من التعليقات بما يتناسب مع غرض الكتاب، وهي نصوص من الكتاب والسنة فيما وصفت به النار والجنة وبعض نعيم أهل الجنة وبعض عذاب أهل النار وفي بعض ما استحق به أهل الجنة وأهل النار النار ونبدأ هذه الفقرة بذكر مشاهد من القرآن الكريم حول ما ذكرناه.
(1) النساء: 168، 169.