الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد
ذكر أخونا الشيخ الشهيد أديب كيلاني في شرحه لعقائد أهل السنة والجماعة عن الموت والحياة البرزخية ما نأخذ منه هذه المقتطفات:
- "ولابد من سؤال الميت، ولو تمزقت أعضاؤه أو أكلته السباع في أجوافها؛ إذ لا يبعد أن الله تعالى يعيد له الروح في أعضائه ولو كانت متفرقة، لأن قدرته تعالى صالحة لذلك. وإن مات جماعة في وقت واحد بأقاليم مختلفة، فقد ذهب القرطبي إلى جواز أن الملكين يعظمان فيسألان الجميع بوقت واحد أو أن ملائكة السؤال عديدون، كما ذهب إليه الحافظ السيوطي ووافقه عليه الحليمي.
- والأنبياء لا يسألون، وقيل يسألون عن الوحي وجبريل، وكذلك الصديقون والشهداء والمرابطون والملازمون لقراءة سورة الملك كل ليلة من حين بلوغ الخبر إليهم ولا يضر الترك مرة بعذر، وذكر بعضهم سورة السجدة كذلك، وكذلك من قرأ بمرض موته سورة الإخلاص، ومريض البطن، والميت بالطاعون أو بغيره في زمنه صابرًا محتسباً، والميت ليلة الجمعة أو يومها. والراجح أن غير الأنبياء وشهداء المعركة يسألون سؤالًا خفيفاً. والظاهر كما جزم به الجلال السيوطي وغيره اختصاص السؤال بالمكلفين بخلاف الأطفال
…
-مما يجب اعتقاده عذاب القبر، وإنما أضيف العذاب للقبر لأنه الغالب، وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه عذب، قبر أو لم يقبر، ولو غرق أو صلب أو التهمته الضواري أو حرق ثم ذرته الرياح، وتفتت الأعضاء لا يمنع من وجود العذاب.
- والعذاب للكافر والمنافق دائم ديمومة البرزخ. وينقطع عن المؤمن العاصي إن خفت جرائمه، كما يرفع بالدعاء أو الصدقة، أو غير ذلك، كما قال ابن القيم وكل من لا يسأل في القبر لا يعذب. وضغطة القبر من عذابه، وهي التقاء حافتيه التقاءً برزخياً يتناسب مع عالم البرزخ، وما يحكمه من قوانين، فتضمه الأرض حتى تختلف أضلاعه ولا ينجو من الضمة أحد حتى الصلحاء، ما خلا الأنبياء.
- وأما المؤمنون الصالحون الذين قدر الله لهم ألا يعذبون فهم في نعيم القبر. وقد بلغت النصوص في نعيمه مبلغ التواتر. وكما أن العذاب لا يختص بالقبر فكذلك النعيم، فهو يشمل كل ميت قدر له، قبر أو لم يقبر، ولا يختص بالمؤمنين في هذه الأمة، ولا بالمكلفين ومن النعيم توسيع القبر، وفتح طاقة فيه من الجنة، وامتلاؤه بالريحان وجعله روضة من رياض الجنة وتنويره حتى يغدو كالقمر ليلة البدر، وكل هذا بما يتناسب مع عالم البرزخ.
والأنبياء- وإن كانوا جميعهم أحياء حياة برزخية- أكمل حياة من الشهداء، والشهداء أكمل حياة من بقية الأموات.
- وعلى كل فهي أمور خارقة للعادة فلا يقاس عليها غيرها، ويجب اعتقاد أن الله تعالى يرزق شهيد الحرب من محبوب نعيم الجنات، إلا إنه يتناولون الأكل والشرب للتلذذ، لا للاحتياج.
- وإنما سمي الشهيد شهيدًا لشهادة الله وملائكته له بالجنة والرضا عنه.
- ولأن روحه شهدت دار السلام بخلاف غيره، فإنه لا يشهدها إلا يوم القيامة. وقد قال النسفي: بأن أرواح المسلمين- إن دخلت الجنة الآن، كما دلت عليه الأحاديث- لا تكون كالشهيد في الحياة والرزق بل لا تأكل فيها ولا تتمتع. أهـ.
أقول: وكخاتمة لهذا الوصل، وكجسر للكلام عن الوصل اللاحق نذكر لك ما قاله صاحب الإحياء وهو يوصيك عما ينبغي أن يكون عليه عقلك وقلبك بالنسبة للنصوص التي تتحدث عن اليوم الآخر:
قال الإمام الغزالي في الإحياء:
"إياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا، فإنك لو لم تكن شاهت عجائب الدنيا، ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارًا لها، وفي طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به!
ولو لم يشاهد الإنسان الحيه وهي تمشي على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشي على غير رجل والمشي بالرجل أيضًا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك. ولولم يشاهد
الإنسان توالد الحيوان، وقيل له: إن له صانعاً يصنع من النطفة القذرة مثل هذا الآدمي: المصور، العاقل، المتكلم، المتصرف
…
لاشتد نفور باطنه عن التصديق به.
ففي خلق الآدمي مع كثرة عجائبه واختلاف تركيب أعضائه: أعاجيب تزيد على الأعاجيب في بعثه وإعادته، فكيف ينكر ذلك من قدرة الله تعالى وحكمته: من يشاهد ذلك في صنعته وقدرته؟! فإن كان في إيمانك ضعف فقو الإيمان بالنظر في النشأة الأولى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (1) بلى إن الله على كل شيء قدير". أهـ.
* * *
(1) القيامة: 36 - 40.