الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
في الموت جانب محسوس وهو محل الرؤية والتعليل الطبي، وفي الموت جانب غيبي، فقد أخبرنا الكتاب والسنة عن مفارقة الروح للجسد، وعن قبض الروح بواسطة ملك الموت وأعوانه فهذا القدر داخل في الاعتقاد:
{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (1).
{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (2).
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (3).
وتحدث عن الموت معان كانكشاف شيء غيبي للإنسان، ويرافق الموت معان، ويحدث للروح بعد الموت معان، وهناك نوع تعلق للروح في جسدها بعد الوفاة، ومن ههنا يأتي نعيم القبر وعذابة وهي قضايا غيبية، ثم إن لروح المؤمن والشهيد أوضاعًا خاصة في عالم البرزخ ولروح الكافر أوضاع أخرى، فهناك حياة برزخية فيما بعد وفاة الإنسان حتي النفخة الأولى إذ تقوم القيامة الكبرى فعندئذ تبدأ مرحلة جديدة في رحلة الإنسان، وكل هذه قضايا غيبية يجب الإيمان بها وهي مرتبطة بالإيمان باليوم الآخر فالموت هو القيامة الصغرى وبالنفخة الأولى تقوم القيامة الكبرى.
* * *
ويتوضح حول الموت أكثر من موضوع فهناك أدب التعامل مع الموت وهناك الصلاة على الميت وهناك الجانب الغيبي في الموت، فأما أدب التعامل مع الموت فسنذكره في القسم الرابع في (الأخلاقيات وأحكام الحياتيات والعاديات)، والجانب الغيبي محله هنا في قسم (العقائد) وهو محل بحثنا هنا، والقرآن فيه تفصيل كل شيء ومن جملة ذلك الجانب الغيبي في أمر الحياة والموت:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (4).
(1) الزمر: 42.
(2)
السجدة: 11.
(3)
الأنعام: 61.
(4)
تبارك: 2.
{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (1).
ونصوص السنة توضح وتبين وتزيد التفصيل تفصيلاً.
* * *
والملحدون والماديون وبعض أهل الفلسفة ينكرون الروح وذلك كفر، كيف والروح تعبر عن نفسها بحركة الجنين بعد أن يمر عليه أربعة أشهر ونيف وتدل على ذاتها بالنوم وبالتنويم المغناطيسي وتعبر عن نفسها وتطلعاتها الأصلية أو الملابسة بأنواع التطلعات.
وبعض الماديين ينكرون ما ورد في بعض النصوص من ذكر أن عذاب القبر يحس به ما سوى الإنس والجن مع أن ذلك مشاهد عند بعض الحيوان فكثيرا ما تصغي الخيل إذا مرت بالقبور، ثم إنه من الثابت أن أذن الإنسان إنما تسمع الأصوات التي تكون ذبذباتها ضمن حد معين بينما المخلوقات الأخرى لها عتبات أخرى، وإنما نذكر هنا من باب التقريب، وإلا فحيث ثبت النص فواجبنا التسليم:
(1) الأنعام: 61.
(2)
إبراهيم: 27.
(3)
غافر: 46.
(4)
آل عمران: 169.
(5)
الأعراف: 40.
(6)
الفجر: 27 - 30.
{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1).
* * *
لقد أعطانا الله صورة مصغرة عن الموت بالنوم ورد في حديث صحيح: "النوم أخو الموت" وفي الآية {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (2). وكما أن النائم يفرح ويتألم ويتلذذ ويتعذب ولا يحس بما يحدث له من يراقبه فكذلك شأن الميت مع الفارق بين الحالين.
وهاك عرضًا إجماليًا لموضوع الموت والحياة البرزخية:
الأمم لها آجال والحيوانات لها آجال وأفراد الإنس والجن لهم آجال فلا يموت أحد حتى يستوفي أجله الذي قدره الله له، قال تعالى:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (4).
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (6).
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (7).
{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} (8).
{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} (9).
(1) الكهف: 29.
(2)
الزمر: 42.
(3)
الأعراف: 34.
(4)
الأنعام: 38.
(5)
آل عمران: 154.
(6)
الزمر: 30.
(7)
آل عمران: 185.
(8)
المنافقون: 11.
(9)
آل عمران: 158.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1).
-وإذا كان الموت قادمًا بالنسبة للإنسان فعليه أن يستعد له، قال تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2).
{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (3).
-وإنما يتم الموت بنقض روح الإنسان من قبل الملك الموكل بذلك وأعوانه {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (4).
والملائكة تبشر أهل الاستقامة عند قبض أرواحهم وتبكت الكافرين:
-وعند الموت وبعده تنكشف للإنسان الكثير من الغيوب فيستبشر المؤمن ويتحسر الكافر ويتمنى الرجوع ويندم ولات حين مندم:
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (7).
(1) الرحمن: 26 - 27.
(2)
الحشر: 18.
(3)
البقرة: 197.
(4)
الأنعام: 61.
(5)
فصلت: 30 - 31.
(6)
الأنعام: 93.
(7)
ق: 19.
(8)
المؤمنون: 99 - 100.
-ومن قوله تعالى {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (1) سمى العالم الذي ينتقل إليه الإنسان بعالم البرزخ فالبرزخ هو الواقع بين الشيئين فالبرزخ هو العالم الذي ينتقل إليه الإنسان بعد الموت ويبقى فيه إلى يوم البعث فجميع الأموات يصيرون إلى عالم البرزخ قبروا أو لم يقبروا.
-فإذا قبضت روح الإنسان ذهب بها إلى السماء فإن كان صاحبها مؤمنًا دخلت السماء لتلقى ربها راضية مرضية على الوجه الذي يشاؤه ربنا {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (2) ثم ترجع إلى الأرض ليكون لها نوع لقاء بجسمها سواء مقبورًا أو مذرورا فتكون ضمة قبر وسؤال ونعيم برزخي وإن كان صاحبها كافرًا أو منافقًا لا تفتح لها أبواب السماء وترد نوع رد إلى جسمها لتسأل وتعذب:
-وأرواح الأنبياء والشهداء وبعض المؤمنين لها نفحاتها الخاصة في الجنة:
-ولعالم الروح في البرزخ أحوال على حسب وضع صاحبها، وللأرواح لقاءات وزيارات وصلات فعالم البرزخ أوسع بما لا يقاس من عالم الدنيا بل هو بالنسبة لعالم الدنيا كعالم الدنيا بالنسبة لعالم البطن.
ومن المتفق عليه بين أهل السنة والجماعة: أن الميت منعم أو معذب على حسب وضعة وحاله، ولكن هل هذا النعيم أو العذاب للروح فقط أو للجسد صلة بشكل ما مع الروح في النعيم والعذاب؟ الذي عليه جماهير أهل السبة والجماعة: أن هذا النعيم أو العذاب للروح وللجسد بكيفية علمها عند الله؛ قال تعالى:
{فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ
(1) المؤمنون: 100.
(2)
الأحزاب: 44.
(3)
الأعراف: 40.
(4)
آل عمران: 169.
الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (1).
-والأموات ينتفعون بدعاء الأحياء لهم وبما يعتبر استمرارًا لخير قدموه قال تعالى:
{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} (5).
-وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة حول الموت والحياة البرزخية وألفت في ذلك الكتب الكثيرة، ولو أردنا أن نتعرض لكل ما ورد لطال بنا المقام ولذلك فإننا سنقتصر على ذكر بعض نصوص السنة النبوية هنا، وهناك نصوص تأتي في سياقات أخرى كالكلام عن الشهداء وكالكلام عن أدب التعامل مع الموت وكالكلام عن صلاة الجنازة.
-ومن العناوين التي ذكرها الشيخ عبد الله سراج الدين في كتابه (الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها) نعرف سعة هذا الموضوع فقد ذكر العناوين الآتية:
الموت وحقيقه -كلمات حول الروح الإنساني- بشارة الملائكة عليهم السلام عند الموت- إنذار الملائكة عليهم السلام للكفار عند موته بالعذاب- حسرات الكافرين والعصاة حين ينزل بهم الموت وتمنيهم العودة إلى الدنيا- عالم البرزخ- الناس على مراتب في لقاء
(1) الواقعة: 88 - 94.
(2)
الفجر: 27 - 30.
(3)
غافر: 45 - 46.
(4)
الحشر: 10.
(5)
يس: 12.
ربهم- السؤال في البرزخ- نعيم القبر وعذابه- تعوذه صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر وأمره بذلك- أسباب عذاب القبر- نعيم القبر على مراتب متعددة- تكليم الله سبحانه وتعالى أولياءه ونظرهم إليه سبحانه في عالم البرزخ- اطلال أهل البرزخ وسماعهم- انتفاع الأموات بالأعمال الصالحة والأقوال الطيبة التي يهديها إليهم الاحياء- عرض الأعمال على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عرض الأعمال على الأقارب والعشيرة في البرزخ- حال أهل البرزخ من حيث الأعمال التعبدية- تلاقي الأموات في عالم البرزخ وتساؤلهم وتزاورهم- التقاء أهل الدنيا بأهل البرزخ واتصالهم بهم.
فالموضوع واسع وما لا يدرك كله لا يترك جله. وسنذكر هنا من النصوص ما هو الألصق بموضوعنا: