الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وفوائد
(1)
من أعظم الكتب التي ألفت في نزول المسيح عليه السلام كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" الذي حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حفظه الله، فقد ذكر فيه مؤلف الكتاب الشيخ محمد أنور شاه الكشميري ستة وسبعين حديثًا في نزول المسيح، وأضاف إليها الشيخ عبد الفتاح حفظه الله عشرة أحاديث استدركها على الشيخ فأصبحت الأحاديث الواردة في نزول المسيح عليه السلام ستة وثمانين، ثم ذكر الشيخ أنور من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة وعشرين أثرًا، واستدرك عليه الشيخ عشرة أثار فبلغت الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة وثلاثين، فيكون مجموع الوارد في نزول المسيح ما بين خبر وأثر (121)، فدل ذلك على أن هذه المسألة من القطعيات في الشريعة من أنكرها فقد كفر.
وفي سياق هذه الآثار والأخبار تمر نصوص كثيرة لها علاقة بالدجال ويأجوج ومأجوج والمهدي عليه السلام وأشراط الساعة، مما يضاف على ما ورد من أحاديث مفردة في بعض هذه الشؤون ليقويها، ومن ها هنا كانت أحاديث الدجال متواترة وكذلك أحاديث المهدي عليه السلام. وفي الكتاب من الفوائد ما لو وزن الكتاب بالذهب لكان قليلًا في حقه.
(2)
ورد في القرآن الكريم أربع آيات تشير إلى نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهي:
1 -
2 -
(1) آل عمران: 45، 46.
(2)
المائدة: 110.
3 -
4 -
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} (2). {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (3). {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (4).
أشارت الآية الأولى والثانية إلى نزوله بتكليمه الناس كهلا والصحيح أنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين والكهولة فوق هذه السن.
وأشارت الآية الثالثة إلى نزوله بإيمان أهل الكتاب به إيمانًا صحيحًا قبل أن يموت وذلك بعد نزوله.
وأشارت الآية الرابعة إلى المسيح علم للساعة على قراءة: أي علامة، و (علم) في قراءة، فهو في كل الأحوال يدل بنزوله على أن الساعة أصبحت قريبة.
روى ابن حبان (5)، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:(وإنه لعلم للساعة) قال: "نزول عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة".
وعن ابن عباس (6) رضي الله عنه في قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) قال: خروج عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة).
(1) النساء: 157 - 159
(2)
الزخرف: 57
(3)
الزخرف: 59
(4)
الزخرف: 61
(5)
الإحسان بترتيب ابن حبان (8/ 288).
(6)
مجمع الزوائد (7/ 104) وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه.
وأخرجه ابن جرير.
قال الشيخ عبد الفتاح:
"أي أن سيدنا عيسى عليه السلام -والمراد نزوله- أمارة وعلامة على قرب وقوع الساعة. والآية المذكورة من سورة الزخرف: 61. وهذه قراءة ابن عباس وأبي هريرة وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم كما في "تفسير ابن كثير": 4: 132، وهي قراءة الأعمش من القراء أصحاب القراءات كما في "إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر" للدمياطي ص 386. وقراءة الجمهور: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}. وفي هذه القراءة أيضًا الضمير عائد إلى عيسى عليه السلام. والمراد أن عيسى عليه السلام بحدوثه من غير أب وبإحيائه الموتى: يكفي دليلًا على صحة البعث وإعادة الخلق يوم القيامة، وهو عليه السلام أيضًا علم للساعة أي تعلم لنزوله، فهو أمارة وعلامة عليها، قال الزمخشري في "الكشاف" 3: 424 {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي أن عيسى عليه السلام شرط -علامة- من أشراطها تعلم به، فسمي الشرط علما لحصول العلم به. انتهى وهكذا فسر الآية أبو حيان الأندلسي في تفسيره "البحر" 8: 26 وابن قتيبة في "غريب القرآن" ص 400 وغيرهم من المفسرين، وتكون الآية بقراءتيها ناطقة أن عيسى عليه السلام علم وعلامة على الساعة بنزوله من السماء قبل قيامها". اهـ (التصريح).
وروى ابن جرير (1)، عن ابن زيد في قوله تعالى:{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} . قال: قد كلمهم عيسى عليه السلام في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل.
وروى ابن جرير وابن أب حاتم (2)، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: قبل موت عيسى.
(1) الدر المنثور: تفسير آل عمران (2/ 25).
(2)
الدر المنثور: تفسير النساء (2/ 241).
وأشار إليه ابن حجر وصحح إسناده في الفتح: 6/ 492 (60 - كتاب الانبياء، 49 - باب نزول عيسى).
(3)
صرح جماعة من الراسخين في العلم أن الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام متواترة، فقال العلامة السيد محمود الألوسي في تفسيره:"روح المعاني": "ولا يقدح في ذلك- أي في ختم النبوة- ما أجمعت الأمة عليه، واشتهرت فيه الأخبار -ولعلها بلغت مبلغ التواتر المعنوي- ونطق به الكتاب على قول- ووجب الإيمان به. وأكفر منكره كالفلاسفة: من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، لأنه كان نبيا قبل تحلي نبينا صلى الله عليه وسلم بالنبوة في هذه النشأة". اهـ.
وقال العلامة الألوسي في تفسيره بعد هذا: "ثم إن عيسى عليه السلام حين ينزل باق على نبوته السابقة لم يعزل عنها مجال، لكنه لا يتعبد بها لنسخها في حقه وحق غيره، وتكليفه بأحكام هذه الشريعة أصلًا وفرعًا، فلا يكون إليه عليه السلام وحي ولا نصب أحكام، بل يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاكمًا من حكام ملته بين أمته بما علمه في السماء قبل نزوله من شريعته عليه الصلاة والسلام كما في بعض الآثار". اهـ.
وبه صرح الحافظ عماد الدين ابن كثير، حيث قال في "تفسيره" في تفسير سورة الزخرف عند قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} : "وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة "إمامًا عادلًا، وحكمًا مقسطًا" اهـ. وصرح به في تفسير سورة النساء أيضًا.
وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة:
" [ومنهم]: الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" عند قوله تعالى في سورة آل عمران: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 3: 203، فقد قال بعد أن ذكر الأقوال في معنى التوفي: "وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال معنى ذلك: أني قابضك من الأرض ورافعك إلي. لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال
…
".
قال شيخنا الإمام الكوثري رحمه الله تعالى في كتابه: "نظرة عابرة في مزاعم من ينكر
نزول عيسى عليه السلام قبل الآخرة" ص 31: "وليس في قول الإمام ابن جرير الطبري: "وأولى الأقوال بالصحة) ما يحتج به أن تلك الأقوال مشتركة في أصل الصحة، وكيف وقد ذكر بينها ما هو معزو إلى النصارى؟ ولا يتصور أن يصح ذلك في نظره، بل كلامه هذا من قبيل ما يقال: فلان أذكى من حمار، وأفقه من جدار، كما يظهر من عادة ابن جرير في "تفسيره" عند نقله لروايات مختلفة، كائنة ما كانت قيمتها العلمية، وقد يكون بينها ما هو باطل حتمًا، فلا يكون لأحد إمكان التمسك بمثل تلك العبارة في تقوية الروايات المردودة".
قلت: وهذه قاعدة وفائدة تستفاد لفهم كلام ابن جرير في "تفسيره" فاعلمها واشدد عليها بيديك، فغنها من العلم المكنون.
ومنهم: الإمام المفسر ابن عطية الغرناطي الأندلسي، فقد قال في "تفسيره":"وأجمعت الامة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، ويفيض العدل، وتظهر به ملة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحج البيت، ويعتمر". انتهى
ومنهم: العلامة الشوكاني اليمني، قال في كتابه:"التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح" بعد أن ساق الأحاديث الواردة في ذلك: "فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والاحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة". كما نقله عنه أستاذنا العلامة الشيخ عبد الله ابن الصديق الغماري فرج الله عنه في كتابه: "عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام" ص 11.
ومنهم: شيخ شيوخنا العلامة المحدث الشريف سيدي محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله تعالى في كتابه: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر": ص 147 حيث قال: "وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى عليه السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليه السلام" اهـ (التصريح).
(4)
قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله:
(تواردت النصوص المتواترة على نزول سيدنا عيسى عليه السلام، ولكن لا توقيت فيها لزمن نزوله بالتحديد والتعيين، وإنما التوقيت فيها بالأمارات والعلامات الدالة على نزوله.
قال الإمام ابن جرير الطبري في مقدمة "تفسيره": 1: 74 و 92: "تأويل جميع القرآن على أوجه ثلاثة: أحدها لا سبيل إلى الوصول إليه، وهو ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وهو الذي استأثر الله بعلمه، وحجب علمه عن جميع خلقه، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، وما أشبه ذلك.
فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه، وبذلك أنزل ربنا محكم كتابه، فقال:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئًا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه، دون تحديده بوقته، كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال:"إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم". وما أشبه ذلك من الأخبار الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن عنده علم أوقات شيء منه بمقادير السنين والأيام، وأن الله جل ثناؤه إنما عرفه مجيئه بأشراطه، ووقته بأدلته") اهـ (التصريح).
(1) الأعراف: 187.