الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الأولى:
في:
بعض أقوال العلماء في اليمين
قال البغوي في شرح السنة:
وقال بعضهم: قيل للحلف: يمين باسم يمين اليد، وكانوا يبسطون أيمانهم إذا تحالفوا، ويقولون في اليمين: وايمن الله، ويحذف بعضهم النون، فيقول: وايم الله. اهـ.
وقال صاحب الهداية- وهو من فقهاء الحنفية-:
الأيمان على ثلاثة أضرب: اليمين الغموس، ويمين منعقدة، ويمين لغو. فالغموس: هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه، فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها، لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حلف كاذبا أدخله الله النار، ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار.
وقال الشافعي رحمه الله: فيها الكفارة لأنها شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى، وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة. ولنا أنها كبيرة محضة والكفارة عبادة تتأدى بالصوم، ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة لأنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ، وما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق، والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة لقوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (1) وهو ما ذكرنا. واليمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه كما قال والأمر بخلافه، فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها. ومن اللغو أن يقول: والله إنه لزيد وهو يظنه زيدًا، وإنما هو عمرو، والأصل فيه قوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} الآية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره اهـ.
وقال صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في حكم اليمين:
(1) المائدة: 89.
يختلف حكم الحلف باختلاف الأحوال، فتارة يكون واجبًا إذا توقف عليه واجب، كما إذا توقف عليه إنقاذ إنسان بريء مصون الدم من الهلاك، وقد يكون حرامًا كما إذا حلف على ارتكاب محرم أو حلف بما لا يباح الحلف به. اهـ.
ومن كلام المالكية:
الأصل في اليمين أن يكون جائزًا متى كان باسم الله تعالى أو بصفة من صفاته ولو لم يطلب منه الحلف، وقد يستحب إذا كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور، على أن تكثير الحلف من غير ضرورة من البدع الحادثة بعد السلف، ومتى كان اليمين مباحًا كان الحنث مباحًا وعليه الكفارة، إلا أن يكون الخير في الحنث فإنه حينئذ يتبع ذلك في الحكم، فإن حلف على ترك واجب وجب الحنث، وإن حلف على فعل معصية وجب الحنث، وينعكس الحكم إذا حلف على فعل واجب أو ترك معصية وهكذا.
والحنابلة:
قالوا: الحلف يكون واجبًا وحرامًا كما ذكر، ويكون مكروها إذا كان على فعل مكروه أو على ترك مندوب. ومن الحلف المكروه: الحلف على البيع والشراء لحديث: "الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة"(1).
ويكون مندوبا إذا تغلقت به مصلحة كإصلاح بين متخاصمين ولو كان الحالف أحد المتخاصمين، أو إزالة حقد في قلب مسلم أو دفع شر عنه أو عن غيره. أما الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية فليس بمندوب.
ويكون مباحا كالحلف على فعل المباح أو تركه، أو على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق فيه، ومنه الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية اهـ (الفقه على المذاهب الأربعة).
(1) ابن ماجة (2/ 745) 12 - كتاب التجارات، 30 - باب ما جاء في كراهية الأيمان في الشراء والبيع.
ومن كلام الشافعية:
الأصل في الحلف الكراهة لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (1)، وقد يكون مباحًا غير مكروه كما إذا حلف على فعل طاعة أو ترك مكروه، أو في دعوى عند حاكم مع الصدق، أو كان لتأكيد أمر في حاجة إلى التأكيد، أو كان لتعظيم شأن أمر. ويكون مندوبا إذا توقف عليه فعل مندوب أو ترك مكروه.
أما الحنث فتعتريه الأحكام الخمسة، فتارة يكون واجبًا كما إذا حلف على معصية أو ترك واجب، فمن حلف ليشربن الخمر، أو لا يصلي فإنه يفترض عليه أن يحنث وعليه الكفارة. وتارة يكون حرامًا إذا كان بالعكس، كما إذا حلف أن يقيم الصلاة المفروضة أو لا يزني فإنه يفترض عليه البر باليمين ويحرم عليه الحنث، وتارة يكون مندوبًا كما إذا حلف على فعل مندوب وترك مكروه، وتارة يكون مكروهًا كما إذا حلف على ترك مندوب وفعل مكروه. وتارة يكون خلاف الأولى كما إذا حلف على فعل مباح أو تركه كالأكل والشرب، فالأولى أن يبر باليمين صونًا لاسم الله تعالى وهو في جميع الأحوال تجب عليه الكفارة إذا حنث اهـ (الفقه على المذاهب الأربعة).
ومن كلام الحنفية:
الأصل في اليمين بالله أو بصفة من صفاته أن يكون جائزًا، ولكن الأولى أن لا يكثر منه اهـ (الفقه على المذاهب الأربعة).
وقال في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة:
لا ينعقد اليمين بغير الله تعالى كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة، وجبريل، والولي وغير ذلك من كل معظم، ولا كفارة على الحنث في الحلف به، وإذا قصد الحالف بذلك إشراك غير الله معه في التعظيم كان ذلك شركًا، وإذا قصد الاستهانة بالحلف بالنبي والرسول ونحو ذلك كفر اهـ.
(1) البقرة: 224.
أقول: وقد تفنن الناس خلال العصور أنواعًا من الأيمان وأنواعًا من الطرق لتأكيد ما يريدون فاقتضى ذلك فتاوى مطولة وأبحاثًا كثيرة. وها نحن أولًا ننقل لك صورًا من أقوال المذاهب تبين لك نماذج ما ذكرناه، وإذا أردت التوسع في معرفة ذلك فأمامك كتب المذاهب الفقهية التي تجد فيها مئات الصفحات عن الأيمان وأنواعها وما يترتب على كل صيغة من آثار وأحيانًا من بلاء:
الحنفية- قالوا: الحلف بالتعليق نحو: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا يلزمني الطلاق، إن كان الغرض منه الوثيقة أي اتشاق الخصم بصدق الحالف جاز بدون كراهة، وإن لم يكن الغرض منه ذلك أو كان حلفًا على الماضي فإنه يكره، وكذلك الحلف بنحو: وأبيك ولعمرك ونحو ذلك.
الشافعية- قالوا: يكره الحلف بغير الله تعالى ويكره الحلف بالطلاق.
الحنابلة- قالوا: يحرم الحلف بغير الله تعالى وصفاته ولو بنبي أو ولي، فمن حلف بذلك يستغفر الله تعالى ويتوب ويندم على ما فرط منه ولا كفارة عليه. ويكره الحلف بالطلاق والعتاق.
المالكية- قالوا: الحلف بمعظم شرعا كالنبي والكعبة ونحوهما فيه قولان: الحرمة، والكراهة والمشهور: الحرمة، أما الحلف بما ليس بمعظم شرعا كالحلف بالأنصاب والدماء التي كان يحلف بها في الجاهلية، أو بشيء من المعبودات دون الله تعالى فلا خلاف في تحريمه إذا لم يقصد تعظيمها، وإلا كفر .. وكذلك لا ينبغي الاختلاف في تحريم الحلف بالآباء والأشراف ورؤوس السلاطين وحياتهم وما شاكل ذلك.
أقول: المذاهب الأربعة على كراهة الحلف بالطلاق، وعلى وقوع الطلاق إذا حنث بما حلف عليه.
إذا حلف على غيره أو سأله بالله:
إذا قال لغيره: أقسم عليك بالله، أو أحلف عليك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا ففيه تفصيل المذاهب:
الحنفية- قالوا: إذا قال رجل لآخر: والله لتفعلن كذا وكذا، أو بالله لتفعلن كذا، فإن أراد به استحلاف المخاطب ولم يرد أن يحلف هو فلا يكون يمينًا ولا شيء عليهما، وإن أراد أن يحلف بذلك أو لم يرد شيئًا فإنه يكون يمينًا، ويحنث إذا لم يطعه المخاطب.
وإذا قال له: أقسمت لتفعلن كذا، أو قال: أقسمت بالله، أو أشهد بالله، أو أحلف بالله أو أعزم بالله لتفعلن كذا، سواء قال عليك أو لم يقل فإنه ينعقد يمينًا يلزم به الحالف، ولا شيء على المخاطب إلا إذا أراد به الاستفهام فإنه لا يكون يمينًا حينئذ.
المالكية- قالوا: إذا حلف على رجل بأن قال له: حلفت عليك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا فلم يطعه حنث الحالف وعليه الكفارة، ولا شيء على الآخر: وكذلك إذا قال: أقسمت عليك فإنه إن لم يطعه وجبت الكفارة على من أقسم إلا إذا قصد بذلك غير اليمين، فإنه في هذه الحالة فيه خلاف، والمشهور أنه لا شيء عليه، وكذا إذا لم يقصد شيئًا.
ولو قال: حلفت عليك ولم يقل بالله ولم ينوه فلا كفارة عليه. وكذا لو قال: أعزم عليك بالله، أو عزمت عليك بالله، أو سألتك بالله ولم يقصد به اليمين، فالأصح أنه لا يكون يمينًا.
ويندب لمن سأله أحد بالله أو أقسم عليه به أن يبر قسمه، وأن يجيبه إلى طلبه إذا لم يكن هناك مانع شرعي ولم يتذرع السائل بذلك إلى الإلحاف ومضايقة الناس، ويتأكد الندب فيما تجب فيه الكفارة.
الشافعية- قالوا: إذا قال لغيره: أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن كذا، فإنه يكون يمينًا إذا قصد به يمين نفسه، أما إذا قصد به يمين المخاطب، أو قصد الشفاعة عنده، أو لم يقصد شيئًا فإنه لا يكون يمينًا، فإذا حلف الشخص على آخر أنه يأكل فإذا أراد تحقيق الأكل وأنه لابد منه كان يمينًا، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفا بالله فلا يكون يمينًا، لأنه لم يحلف حينئذ لا هو ولا المخاطب، ويحمل عند الإطلاق على الشفاعة، ويسن للمخاطب إبراره في القسم إذا أراد
به يمين نفسه.
الحنابلة- قالوا: إذا أقسم على غيره فإن قال: والله لتفعلن يا فلان كذا، أو لا تفعلن كذا فلم يطعه حنث الحالف وعليه الكفارة. لا على من لم يطعه على الراجح. وإن قال: أسألك بالله لتفعلن كذا، وأراد بذلك اليمين يكون يمينًا، والكفارة على الحالف أيضًا. أما إذا أراد به الشفاعة فإنه لا يكون يمينًا، ويسن إبرار القسم كما تسن إجابة السؤال بالله. اهـ.