المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث العاشر 10 - عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث العاشر 10 - عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي

‌الحديث العاشر

10 -

عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَلْ» (1).

وَفِي لَفْظٍ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إلَى السَّاقَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ (2) يُدْعَوْنَ غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فَلْيَفْعَلْ» (3).

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: سَمِعْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ» (4).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (136)، كتاب: الوضوء، باب: فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء.

(2)

في (ق): "يدعون يوم القيامة.

(3)

رواه مسلم (246)، (1/ 216)، كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، وعنده:«يأتون» بدل: «يدعون» .

(4)

رواه مسلم (250)، (1/ 219)، كتاب: الطهارة، باب: تبلغ الحلية =

ص: 165

* التعريف:

نعيم المجمر (1): هو نعيم بن عبد الله المُجمر -بضم الميم وإسكان الجيم، وكسر الميم الثانية-، ويقال: المُجَمِّر -بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة (2) -، القرشي، العدوي، المدني.

كنيته: أبو عبد الله، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال له عمر: تُحَسِّنُ تُجَمِّرُر المسجد، أي: تبخره (3): قال: نعم، فكان (4) يجمر المسجد، فعرف به (5).

= حيث يبلغ الوضوء، والنسائي (149)، كتاب: الطهارة، باب: حلية الوضوء.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

«الاستذكار» لابن عبد البر (1/ 192)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 43، 53)، و «المفهم» للقرطبي:(1/ 499)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 140)، و «شرح الإلمام» (4/ 279)، و «شرح عمدة الأحكام» كلاهما لابن دقيق العيد (1/ 45)، و «النكت على العمدة» للزركشي (ص: 20)، و «التوضيح» لابن الملقن (4/ 24)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 235)، و «عمدة القاري» للعيني (2/ 246)، و «فيض القدير» للمناوي (2/ 184)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 157)، و «سبل السلام» للصنعاني (1/ 50).

(1)

في (ق): "نعيم بن مجمر.

(2)

قال في «شرح الإلمام» (4/ 281): والأول هو الأشهر.

(3)

أي تبخره ليس في (ق).

(4)

في (ق): "وكان.

(5)

ذكره ابن منجويه في «رجال مسلم» (2/ 295).

ص: 166

سمع أبا هريرة، وعلي بن يحيى (1) بن خالد، وسالماً مولى شداد، ومحمد بن عبد الله بن زيد.

روى عنه: مالك، وسعيد بن أبي هلال، وفليح بن سليمان، وعمارة بن غزية (2)، وهو تابعيٌّ، أخرج حديثه في «الصحيحين» ، رضي الله عنه (3).

* ثم الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قال الشيخ أبو بكر العزيزي (4) رحمه الله: أمة على ثمانية أوجه:

أمة (5): جماعة؛ كقوله تعالى: {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ

(1) بن يحيى ليس في (ق).

(2)

في (ق): "عزية.

(3)

وانظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (5/ 309)، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (8/ 420)، و «الثقات» لابن حبان (5/ 476)، و «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (1/ 395)، و «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» للخليلي (1/ 216)، و «تهذيب الكمال» للمزي (29/ 487)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/ 227)، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (10/ 414).

(4)

في (ق): "ابن العربي، وهو خطأ، وأبو بكر العزيري هو: محمد بن عزير -بالزاي والراء المهملة- أبو بكر السجستاني المعروف بالعزيري، المتوفى (300 هـ)، وانظر:«هدية العارفين» للبغدادي (6/ 36).

(5)

أمة ليس في (ق).

ص: 167

يَسْقُونَ} [القصص: 23].

وأمة: أتباع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام؛ كما تقول: نحن أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

وأمة: رجل جامع للخير يقتدى به؛ كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120].

وأمة: دين وملة؛ كقوله (1) تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22].

وأمة: حين وزمان؛ كقوله تعالى: {إلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} [هود: 8]، وقوله تعالى:{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45]؛ أي: بعد حين، ومن قرأ:(بعد أمة): -بفتح الهمزة، وتخفيف الميم (2)، فنسيان.

وأمة: قامة، يقال: فلان حسن الأمة، أي: القامة.

وأمة: رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد، قال رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم:«يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده» (4).

(1) في (ق): "لقوله.

(2)

الميم؟ ليست في (ق).

(3)

رسول الله ليس في (ق).

(4)

رواه النسائي في «السنن الكبرى (8187)، وابن أبي عاصم في «الآخاد والمثاني» (2/ 75)، وغيرهما عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها. وفي الباب عن غير واحد من الصحابة والتابعين.

ص: 168

وأمة: أُمٌّ، يقال: أمة زيد (1).

قلت: والمراد (2) بالأمة إذا قلنا: أمة محمد صلى الله عليه وسلم المؤمنون خاصة، هذا هو الحقيقة، وقد يطلق على غيرهم؛ بعلاقة كونه مرسلاً إلى الناس أجمعين، والله أعلم.

الثاني: قوله: «يوم القيامة» : (يوم) من الأسماء الشاذة؛ لوقوع الفاء والعين فيه حرفي (3) علة، فهو من باب ويل، وويح.

و (4) القيامة: فِعالة من قام يقوم، أصله: القوامة، فُقلبت الواو فيه ياء؛ لانكسار ما قبلها.

الثالث: قوله: «يدعون غرا محجلين» ، (غرا ومحجلين)، منصوبان على الحال من الضمير في (يدعون)، وهو الواو، والأصل: يدعوون -بواوين- تحركت الأولى، وانفتح ما قبلها، فُقلبت (5) ألفا، اجتمع ساكنان الألف والواو بعدها، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصار: يدعون.

ومعناه - والله أعلم -: يدعون إلى موقف الحساب، أو إلى (6)

(1) انظر: «غريب القرآن» لأبي بكر العزيري (ص: 89).

(2)

الواو ليست في (ق).

(3)

في (ق): "جزء من علة.

(4)

الواو ليست في (ق).

(5)

في (خ): قلبت.

(6)

إلى ليست في (ق).

ص: 169

الميزان، أو إلى غير ذلك من المواطن (1).

وقد خلط بعض الناس في هذا الموضع في إعراب (غرا)، و (2)(محجلين)، وليس من شأنه.

قال أهل اللغة: الغرة: بياض في جبهة الفرس، والتحجيل: بياض في يديها ورجليها.

قال العلماء: سمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة: غرةً، وتحجيلاً؛ تشبيها بغرة الفرس، والله أعلم (3).

الرابع: ظاهر الحديث يقتضي اختصاص أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالغرة والتحجيل دون سائر الأمم، بل قد جاء مصرحا به في الحديث الآخر الصحيح، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«لكم سيما ليست لأحد من الأمم، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء» (4).

ح: استدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث؛ يعني (5): حديث: «لكم سيما» ، على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة، زادها الله شرفًا.

(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 45).

(2)

الواو ليست في (ق).

(3)

انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 135).

(4)

رواه مسلم (247)، كتاب: الطهارة، باب: استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

في (ق): "أعني.

ص: 170

وقال آخرون: ليس الوضوء مختصا بها، وإنما الذي اختصت (1) به هذه الأمة الغرة والتحجيل، واحتجوا بالحديث الآخر:«هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي» (2).

وأجاب الأولون عن هذا بجوابين:

أحدهما: أنه حديث ضعيف (3)، معروف بالضعف.

والثاني: لو صح، احتمل أن يكون الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- اختصت بالوضوء دون أممهم، إلا هذه الأمة (4).

الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: «فمن استطاع منكم أن يطيل غرته، فليفعل» ، حذف التحجيل؛ للعلم به، فكأنه من باب قوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، ولم يذكر البرد؛ للعلم به.

(1) في (ق): "خصت.

(2)

رواه ابن ماجه (420)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثة [1]، من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، إلا أن لفظه: «

ووضوء المرسلين ....». وقد رواه باللفظ الذي ساقه الشارح: الطيالسي في «مسنده» : (1924)، وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (5898)، وابن حبان في «المجروحين»:(2/ 161 - 162)، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء»:(2/ 246)، والدارقطني في «سننه»:(1/ 79)، والبيهقي في «السنن الكبرى»:(1/ 80)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

ضعيف ليس في (ق).

(4)

انظر: «شرح مسلم» (3/ 135 - 136).

ص: 171

ق: كأن ذلك من باب التغليب لأحد الشيئين على الآخر (1).

قلت: وفي ذلك نظر؛ لأن القاعدة في التغليب: أن يغلّب المذكر على المؤنث، لا العكس، والأمر هاهنا بالعكس؛ لتأنيث الغرة، وتذكير التحجيل، وأيضا: فمثل هذا لا يسمى تغليبا: إذ لم يؤت فيه إلا بأحد الاسمين، والتغليب اجتماع الاسمين أو الأسماء، وتغليب أحدهما على الآخر، نحو: العمرين، والقمرين، والأبوين، وما أشبه ذلك، فهذا كما ترى.

وإطالة الغرة: بأخذ جزء من الرأس، وفي اليدين: غسل بعض العضدين، وفي الرجلين: غسل بعض الساقين، ولم أر لأصحابنا نصا على استحباب ذلك، بل نقل (2) ابن بطال (3)، وع (4): اتفاق (5) العلماء على أنه لا تستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين (6)، واحتجا بقوله صلى الله عليه وسلم:«من زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم» (7).

(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 46).

(2)

في (ق): "قال.

(3)

انظر: «شرح ابن بطال على البخاري» (1/ 221).

(4)

انظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 44).

(5)

في (ق): "من اتفاق.

(6)

في (ق): "على المرفق والكعب.

(7)

رواه أبو داود (135)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء ثلاثا ثلاثا، وغيره من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، من طريق صحيحة كما قال الحافظ في «التلخيص» (1/ 73).

ص: 172

ق: وقد استعمل أبو هريرة رضي الله عنه هذا (1) الحديث على إطلاقه، وظاهره طلب إطالة الغرة، فغسل إلى قريب (2) من المنكبين، ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كثر استعماله في الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، فلذلك لم يقل به الفقهاء (3).

قلت: انظر قوله: ولم يقل به الفقهاء، مع نقل ح عدم اختلاف الشافعية في استحباب ذلك.

قال: واختلفوا في القدر المستحب على أوجه:

أحدها: أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير توقيت (4).

والثاني: إلى نصف العضد والساق.

والثالث: يستحب إلى المنكب والركبتين (5).

ويبعد أن يريد (6) ق بالفقهاء الأئمة الأربعة، ويكون الشافعية كلهم خالفوا الشافعي في ذلك (7)، فتأمل هذا.

(1) هذا ليس في (ق).

(2)

في (ق): "إلى أقرب.

(3)

انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 48).

(4)

في (ق): "توقيف.

(5)

انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 134).

(6)

في (ق): "يزيد.

(7)

في ذلك ليس في (ق).

ص: 173

السادس: المنكب: مجمع عظم العضد والكتف، قاله الجوهري (1).

وقال غيره: المنكب: مجمع رأس العضد والكتف وطرف الترقوة (2).

السابع: انظر إلى قول أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم، مع قوله صلى الله عليه وسلم:«لو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً» (3) الحديث، فقد نفى عليه الصلاة والسلام أن يكون له خليل.

فإن قلت: نفى صلى الله عليه وسلم (4) أن يتخذ هو خليلاً، وما نفى أن يتخذه غيره خليلاً.

قلت: المخاللة مفاعلة، وهي لا تكون إلا من اثنين -غالبا-، والذي يظهر لي: أن أبا هريرة رضي الله عنه إنما أراد مجرد الصحبة فقط، فعبر عنها بالخلة مجازا (5)، والله أعلم.

وقد اختلف الناس في الخليل (6)، فقيل: هو الصاحب، وقيل: هو

(1) انظر: «الصحاح» للجوهري (1/ 128).

(2)

انظر: «تهذيب اللغة» للأزهري (10/ 158).

(3)

رواه البخاري (454)، كتاب: المساجد، باب: الخوخة والممر في المسجد، ومسلم (532)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

في (ق): "هو عليه السلام.

(5)

فعبر عنها بالخلة مجازا ليس في (ق).

(6)

في (ق): "فيه.

ص: 174

الخالص في الصحبة، وهو أخص من الصاحب.

واختلفوا - أيضا - في اشتقاقه، فقيل: من الخلة - بفتح الخاء -، وهي الحاجة، وقيل: من الخُلة - بضم الخاء -، وهي تخلل المودة في القلب، وقيل: من الخلة، وهو نبت تستحليه الإبل، ومن أمثالهم: الخلة خبز الإبل، والحمض فاكهتها.

وقيل: الخليل: هو المختص بشيء دون غيره، ولا يجوز أن يختص النبي صلى الله عليه وسلم أحدا بشيء من (1) الديانات دون غيره، قاله النحاس (2).

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إني أبرأ إلى كل خليل من خلته، ولو كنت متخذًا خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن» يعني: نفسه (3)، فهذا (4) الحديث الصحيح قطع المخالَّة بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، والله أعلم.

* * *

(1) في (ق): "في.

(2)

في (ق): "ابن النحاس.

(3)

رواه ابن ماجه (93)، في المقدمة، والنسائي في «السنن الكبرى» (8105)، والإمام أحمد في «المسند» (1/ 377)، وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(4)

في (ق): "بهذا.

ص: 175