المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 24 - [عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 24 - [عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

‌الحديث الثاني

24 -

[عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ (1)، قَالَ: شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ، قَالَ:«لا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً، أَوْ يَجِدَ رِيحاً» (2).

(1) في (ق) زيادة: الأنصاري.

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (137)، كتاب: الوضوء، با: لا يتوض من الشك حتى يستيقن، و (175)، كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، و (1951)، كتاب: البيوع، باب: من لم ير الوسواس ونحوها من المشبهات، ومسلم (361)، كتاب: الحيض، باب: الدليل على أن من تيقن الطهارة، ثم شك في الحدث، فله أن يصلي بطهارته تلك، وأبو داود (176)، كتاب: الطهارة، باب: إذا شك في الحدث، والنسائي (160)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من الريح، وابن ماجه (513)، كتاب: الطهارة، باب: لا وضوء إلا من حدث.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

«معالم السنن» للخطابي (1/ 64)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 207)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 607)، و «شرح مسلم» للنووي (4/ 49)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق =

ص: 307

* التعريف:

عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو (1) بن مازن، المازني الأنصاري، من بني مازن بن النجار، يعرف (2) بابن أم عمارة، شهد أحدا، ولم يشهد بدرا.

قال ابن عبد البر: وقال أبو نعيم في كتاب «الصحابة» : إنه شهد بدرا.

ولم يذكر الحافظ عبد الغني في كتاب «الكمال» أنه شهدها، ولا بلغني عنه شهودها، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان على ما سيأتي في باب الأذان -إن شاء الله تعالى-.

وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب فيما ذكر خليفة (3) بن خياط: وكان مسيلمة قد قتل أخاه حبيب بن زيد، وقطّعه عضوا عضوا.

قال ابن عبد البر: فقضى الله أن يشارك أخوه (4) عبد الله في قتل مسيلمة.

= (1/ 78)، و «النكت على العمدة» للزركشي (ص: 41)، و «التوضيح» (3/ 37)، وو «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» كلاهما لابن الملقن (1/ 660)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 237)، و «عمدة القاري» للعيني (2/ 250)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 302)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 255).

(1)

في (ق): "عمر.

(2)

في (ق): "ويعرف.

(3)

في (ق): "خارجة بن خياط.

(4)

في (ق): "أخاه.

ص: 308

قال خليفة: اشترك وحشي بن حرب وعبد الله بن زيد في قتل مسيلمة (1)، رماه وحشي بالحربة، وضربه عبد الله بن زيد (2)، فقتله.

وُقتل عبد الله بن زيد يوم الحرة، وكانت الحرة سنة ثلاث وستين، وهو صاحب حديث الوضوء.

روى عنه سعيد بن المسيب، وابن أخيه عباد بن تميم (3).

* ثم الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: الياء في «شُكي» منقلبة عن واو؛ لانكسار ما قبلها؛ لأنه من شكا يشكو، ويجوز أن تكون أصلية غير منقلبة في لغة من قال: شكا يشكي، والذي يقوم مقام الفاعل لشكي: الرجل، لا المجرور؛ لأنه مفعول به -أعني: الرجل-، وإذا وجد المفعول به، لم يقم سواه عند الأكثرين.

والجملة من قوله: «يخيل إليه» : صفة للرجل، وإن كان فيه الألف واللام، وهو من وادي قوله:[الكامل]

(1) قال خليفة: اشترك وحشي بن حرب وعبد الله بن زيد في قتل مسيلمة ليس في (ق).

(2)

في (ق) زيادة: بالسيف.

(3)

وانظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» (8/ 295)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 913)، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 252)، و «تهذيب الكمال» للمزي (31/ 474)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 377)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (4/ 98).

ص: 309

وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ: لا يَعْنِيني (1)

فإنه لم يُرِدْ لئيماً معيناً، فهو نكرة في المعنى - والله أعلم -.

والقائمُ مقامَ المفعول ل «يُخَيَّلُ» : «أَنَّ» وما عملت فيه (2)، والشاكي عبد الله بن زيد الراوي، هكذا جاء في رواية البخاري.

الثاني: ونذكر (3) فيه نواقضَ الوضوء مختصرةً، فنقول: يجب الوضوء من شيئين: أحداث، وأسباب أحداث.

فالأحداث: ما يخرج من القبل والدبر، والخارج من القبل ثلاثة:

وهي: البول، والمذي، والودي، والخارج من الدبر ثلاثة أيضا: هي: الغائط، والريح، والصوت.

وأسباب الأحداث ثلاثة أيضا: مس الذكر، ولمس النساء، والنوم، وما في معناه؛ من فقدان العقل أو استتاره؛ كالجنون، والسكر، والإغماء.

واختلف في الرِّدة هل تُنقض إذا عاد إلى الإسلام، أم لا؟

وكذلك اختلف في رفض الوضوء، هل يؤثِّر أم لا؟ على ما سيأتي تفصيله (4).

فالأحداثُ (5) المذكورةُ إن خرجتْ من المخرج المعتاد على وجه

(1) البيت لرجل من بني سلول، كما ذكر البغدادي في «خزانة الأدب» (1/ 358).

(2)

في (ق): "الشيء أيضا لما تقدم بدل أن وما عملت فيه.

(3)

ونذكر ليس في (ق).

(4)

في (ق): "تفصل ذلك، وفي (خ): تفصيل.

(5)

في (ق): "والأحداث.

ص: 310

الاعتياد، أوجَبَتِ (1) الوضوء، قولاً واحداً.

فقولنا: من المخرج المعتاد، تحرُّز مما يخرج من الفم من دم أو قيء أو ما يخرج من جرح (2) من دم أو قيح؛ فإن أبا حنيفة اعتبر الخارجَ دون المخرَج، والشافعي اعتبرَ المخرجَ دون الخارج (3)، وتابعه على ذلك ابن عبدِ الحكم من أصحابنا.

وقولنا: على سبيل الاعتياد: تحرُّز مما ليس بمعتاد؛ كالدم من الدبر، والدود يخرج جافًا، ومن سلس البول، والمذي، والريح، ودم الاستحاضة، فهذا لا يوجب الوضوء عند مالك، ولا ينقضه، على ما نفصله.

وإن خرجت على غير وجه العادة؛ كالمستنكح؛ فإنه لا (4) يخلو من كانت به تلك العلة من أن يقدر على إزالتها؛ كمن (5) يعتريه المذي لطول عزبة، وهو قادر على رفعه بالنكاح، أو التسرِّي. وَكَمَنْ يعتريه ذلك لأبْرِدَةٍ، أو يعتريه شيء من الأحداث، ويلازمه، فإن قدر على رفع ذلك كما قلناه، فلم يفعل، ففيه قولان لأصحابنا، مشهورُهما: إيجاب الوضوء؛ لأن قدرته على الرفع ألحقته بالمعتاد، والشاذُّ: إسقاط الوضوء؛ لخروجه على غير العادة، فأشبه غير القادر.

(1) في (ق): "وجب.

(2)

في (ق): "من الجرح ..

(3)

والشافعي ليس في (ق).

(4)

في (ق): "فلا يخلو

(5)

في (ق): "كمثل من.

ص: 311

قال ابن بشير: وقد يقال هاهنا: إن هذا على الخلاف فيمن ملك أن يملك، هل يعد مالكًا، أم لا؟

وإن لم يقدر على الرفع، فلا يخلو من أربعة أحوال:

إما أن يلازم ولا يفارق، أو يأتي المرة بعد المرة، أو تكون ملازمته أكثر، أو العكس.

فإن كان يلازم، ولا يفارق، فهذا لا يجب منه الوضوء، ولا يستحب، وهو المعروفُ عندنا.

وقد جسر الركراكي من متأخري أصحابنا، وقال: لكنه مستحب، ولم ينقل ذلك عن غيره، ولم أره لأحد غيره، فلينظر.

فإن بال هذا بول العادة، أو كانت المستحاضة من أهل التمييز، فيجب الوضوء على صاحب السلس، والغسل على المستحاضة.

وإن استوت ملازمته ومفارقته، فقولان: الوجوب، والإسقاط.

وإن كانت ملازمته أكثر، فالمشهور: استحباب الوضوء، والشاذُّ: وجوبُه.

وإن كان العكس، فالمشهور: إيجاب الوضوء، والشاذُّ سقوطه، وهو رأي جماعة من البغداديين.

ومنشأ الخلاف: وجودُ الحَرَجِ وعدمُه، هذا هو التفصيل المعروف في (1) المذهب.

(1) في (ق): "من.

ص: 312

وقال الركراكي أيضا: إن كان غير دائم، ففي هذا الوجه يفترق حكم صاحب البول، وصاحب المذي، فصاحب البول لا خلاف أنه يتوضأ لكل صلاة، وهل ذلك على معنى الوجوب، أو الندب؟ قولان للمتأخرين متأولان على «المدونة» ، والظاهر منها: أنه على

ثم رجع إلى التفصيل في غير البول المتقدم ذكره، ولم أر هذا التفصيل لغيره، فتأمله أيضا.

واختلف

هل يكون ذلك رخصة للإنسان في نفسه لا تتعداه، أو سقوط ذلك يجعل الخارج كالعدم؟ فيه قولان، وتظهر فائدة الخلاف في إمامته لغيره، وكذلك الحكم فيمن كانت تنفصل منه نجاسة لا يقدر على الاحتراز منها؛ كمن به قروح، فيه قولان - أيضا -: هل تجوز له الإمامة أم لا؟

ويقوِّي أحد القولين أخبارُ عمر رضي الله عنه بتحدُّره على وركه كالخُريزة، وأنه لا ينصرف حتى يقضي صلاته، وهذا مشعر بكونه مستنكحا، وقد كان إماما، ولم يذكر أنه ترك الإمامة بسببه، وفي «المدونة» عنه: هذا، وعنه: الأمرُ: بغسله والوضوءِ منه، وتأول بعض الأشياخ أن أخباره على حالتين مختلفتين.

قال ابن بشير: وهذا لا يحتاج إليه؛ لأنه إنما أخبر في أحد الأثرين عن حالته، وأمر في الأثر الآخر (1)، فتكلم على حكم نفسه في الاستنكاح، وعلى حكم غيره إذا لم يكن مستنكحا.

(1) في (ق) زيادة: غيره.

ص: 313

وأما أسباب الأحداث المتقدمة، فالأول مس الذكر.

قال صاحب «البيان والتقريب» : وقد اختلف فيه قول مالك، فله فيه ثلاثة أقوال.

قال: أولاً: لا وضوء فيه.

وقال في سماع ابن وهب: الوضوء من مس الذكر حسن، وليس سنة (1).

وقال في الرواية الأخيرة: يجب منه الوضوء؛ وهي اختيار ابن القاسم.

وروى سحنون: إعادة الوضوء منه ضعيف.

هذا ما قيل في المذهب (2).

وممن قال لا وضوء فيه من الصحابة رضي الله عنهم ثمانية، وهم: علي -كرم الله وجهه-، وعمار، وابن مسعود، وابن عباس، وحذيفة، وعمران بن حصين، وأبو الدرداء، وسعد بن أبي وقاص.

ومن التابعين ومن بعدهم: الحسن البصري، وقتادة، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه.

وممن قال فيه الوضوء، من الصحابة رضي الله عنهم: عمر، وابنه، وعائشة، وأبو هريرة، ورواية عن سعد بن أبي وقاص، وابن عباس.

(1) في (ق): "بسنة.

(2)

وانظر: «الترفيع» لابن الجلاب (1/ 196)، و «القوانين الفقهية» لابن جزي (ص: 21).

ص: 314

ومن التابعين ومن بعدهم: عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، وأبان بن عثمان، وعروة، وسليمان بن يسار، والزهري، وأبو العالية، ومجاهد، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والشافعي، والمزني.

ومنشأ الخلاف فيه: اختلاف الأخبار؛ إذ لا محل للقياس فيه.

فروى أبو داود، والترمذي، والنسائي، عن طلق بن علي، قال: قدمنا وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، وصلينا معه، فلما قضينا الصلاة، جاء رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله! ما ترى في رجل مس ذكره في الصلاة؟ فقال: «وهل هو إلا بضعة، أو -مضغة- منه؟» (1)، فتمسك بهذا الحديث من قال: لا وضوء عليه.

وروى مالك في «الموطأ» ، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن بسرة بنت صفوان: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مس أحدكم ذكره، فليتوضأ» ، وقال أبو عيسى:«فلا يصل حتى يتوضأ» (2).

(1) رواه الترمذي (182)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ذلك، والنسائي (165)، كتاب: الطهارة، باب: ترك الوضوء من ذلك، والترمذي (85)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر. وهو حديث صحيح. انظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 152).

(2)

رواه الإمام مالك في «الموطأ» (1/ 42)، ومن طريقه: أبو داود (181)، كتاب: الطهارة، باب: باب: الوضوء من مس الذكر، والنسائي (163)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر. ورواه الترمذي (82)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر، وابن ماجه (479)، =

ص: 315

قال أبو عيسى: وفي الباب: عن أم حبيبة، وأبي أيوب، وأبي هريرة، وأروى بنت أنيس، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد، وعبد الله بن عمر،

وقال: هذا حديث حسن صحيح (1).

قال: وبه يقول الشافعي، والأوزاعي، وأحمد (2)، وإسحاق.

وقال (3) محمد -يعني البخاري-: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة.

وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح (4).

فأخذ مالك أولاً بالحديث الأول، وقال (5): لا وضوء فيه، وأخذ في القول الثاني بوجوب الوضوء بالحديث الثاني، ورأى في القول الثالث الاستحباب؛ لكون الحديثين متعارضين، فأثار له (6) شكًا، فاستحب الوضوء فيه، وهو أحد أقواله فيمن تحقق الطهارة، وشك في الحدث بعد، هل يعيد الوضوء، أم لا؟ ولذلك اختلف القول فيمن مسه ثم صلى، ولم يتوضأ.

= كتاب: الطاهرة، باب: الوضوء من مس الذكر.

(1)

في (ق): "حديث صحيح حس.

(2)

وأحمد زيادة من (ق).

(3)

في (ق): "وقال.

(4)

انر: «سنن الترمذي» (1/ 128 - 130).

(5)

في (ق): "فقال.

(6)

في (ق): "فأثر له ذلك شكا.

ص: 316

فقيل: يعيد أبدا بناءً على الوضوء، وهو قول ابن نافع.

وقيل: لا إعادة عليه، وهو قوله في «المجموعة» بناءً على أنه لا وضوء فيه.

ثم رجع فقال: يعيد في الوقت، وإن خرج، فلا إعادة؛ بناءً على الاستحباب المتأكد، ولم يصل إلى حد الوجوب.

وقال سحنون في كتاب ابنه، في هذا، وفيمن قبل للذة: يعيد، وإن خرج الوقت، فإن (1) طال، وجاوز اليوم واليومين والثلاثة، فلا وضوء عليه، ووجهه ضعيف إلا في وجوبه، وقوة الاختلاف فيه، فتوسط الأمر فيه، والمشهور من قول ابن القاسم: ما في الكتاب، وهو القول بالوجوب والإعادة أبدا إذا صلى ولم يتوضأ؛ للحديث الثاني.

فإن قيل: فقد قال يحيى بن معين: لا يصح حديث مس الذكر.

قلنا: لا يقبل هذا القول المطلق حتى يتبين وجه الطعن فيه، وقد صححه مالك، وهو النجم في العلم، وأمير المؤمنين في الحديث، وكذلك أحمد، وقال الترمذي: حديث بسرة حسن -صحيح كما تقدم -،

وقال أبو زرعة: حديث أم حبيبة صحيح، فقول هؤلاء الأئمة الأربعة الحفاظ أرجح من قول يحيى بن معين، كيف وقد روى حديث بسرة خمسة عشر نفسا من بين رجل وامرأة من الصحابة وغيرهم؟! ولو تنزلنا على صحة الحديثين وتعارضهما، فحديثنا أكثر رواةً،

(1) في (ق): "وإن.

ص: 317

وأعدل، والأصوليون اختلفوا في الترجيح بكثرة الرواة، ولم يختلفوا في مزية العدالة.

ثم ولو تنزلنا على أن لا مزية في أحدهما، رأينا أن حديثنا ناسخ؛ لتأخره عن حديث طلق، ودليله أمران:

أحدهما: أن في بعض طرق حديث طلق قدمنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يؤسس المسجد.

الثاني: أن أبا هريرة إنما روى بعد إسلامه، فإنه إنما يصغي إلى الرسول، ويحافظ

على ما سمعه منه (1) المؤمنون.

ثم ولو تنزلنا على التعارض، وعدم الترجيح، وعدم العلم بالتاريخ فيهما، فعلماؤنا متفقون على أنه لا يجب الوضوء من مسه على الإطلاق في كل الأحوال، بل لا بد من قيد سنذكره، فلا شك أنَّ ثمّ حالةً لا ينقض مسه فيها، فينزل حديث طلق على تلك الحال، وحديثنا على غيرها، فنكون قد أعملنا الخبرين في حالين، وهو أولى من تعطيل أحدهما بالكلية.

ثم ولو تنزلنا على التعارض في جميع الحالات، وتعذر الجمع على كل حال، فلنا أن نقول: من أصلنا إذا تحقق الإنسان أنه تطهر، ثم شك هل أحدث بعد الوضوء أم لا؟ أنه يجب عليه الوضوء في القول المشهور، فمن توضأ، ثم مس ذكره، قد شك؛ لتعارض الخبرين، هل انتقض وضوءه أم لا؟ فينبغي على ما ذكرناه: أن يجب

(1) منه ليس في (ق).

ص: 318

عليه الوضوء؛ فإذا ثبت ذلك، قلنا: قد اتفق المذهب على أن لإيجاب الوضوء منه قيدا (1)، ثم اختلفوا في تعيينه:

فرأى العراقيون: أنه وجود اللذة، فقال ابن القصار: الذي عليه العمل من الروايات - يعني: عندهم -: على أنه من مسه لشهوة بباطن كفه (2)، أو سائر أعضائه، من فوق ثوب، أو تحته، انتقضت طهارته،

قال الأبهري: وعلى هذا يعمل شيوخنا كلهم.

ورأى (3) في «المجموعة» : أن قيد إيجابه للوضوء العمد.

وكذلك روى عنه ابن وهب في «العتبية» ، قال: لا وضوء إلا في تعمد مسه.

ورأى في رواية أشهب في سماعه منه: أن القيد أن يمسه بباطن الكف، قال: وسئل (4) مالك: إذا مسه بباطن الأصابع؟ فقال: الذي آخذ به لنفسي: إذا مسه بباطن الكف.

ورأي في الكتاب، وهو اختيار ابن القاسم: أن القيد أن يمسه بباطن الكف، أو بباطن الأصابع.

قال ابن بشير: والكل محوِّمون على مراعاةِ وجودِ اللذة ومَظِنَّتِها،

(1) في (ق): "مقيدا.

(2)

في (ق): "كفيه.

(3)

في (ق): "وروي.

(4)

في (ق): "وقال سئل.

ص: 319

فعدوا أن فقدها مع ما قيدوه نادر، فلا يراعى، وراعاه العراقيون.

وقال شيخه الإمام أبو عبد الله المازريُّ: من لم يراعِ اللذةَ من أصحابنا، وراعى مجردَ مسه بباطن الكف، سهوا أو عمدا، انتقض الوضوء؛ رأى أن نقض الوضوء به تعبد.

وهذا الذي أشار إليه المازري هو منشأ الاختلاف، وهو أن وجوب الوضوء منه معّلل، أو تعبد:

فمن عّلله: قيد الوضوء بوجود اللذة في رأي، أو بوجود مظنتها، وهو العمد في رأي، أو بباطن الكف، أو باطنها وباطن الأصابع في رأي. ومن رأى أنه تعبد: تمسك بمقتضى لفظ الخبر، وهو الأظهر، واعتبر ما يسمى مسا، وما يسمى إفضاءً؛ لأن في بعض رواياته:«إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه» (1)، والعرب لا تسمي مسا ولا إفضاءً إلا ما كان بباطن الكف، أو الأصابع، وما كان سوى ذلك، يسمى لمسا لا مسا.

ووافقنا الشافعي على (2) أنه لا ينتقض إذا لمسه بظاهر كفه، أو بساعده.

(1) رواه النسائي (445)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر، من حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها.

وان؟ ر: «التلخيص الحبيؤر» لابن حجر (1/ 125).

(2)

في (ق): "في أنه.

ص: 320

وحكي عن أحمد: أنه ينتقض بذلك، وحجتنا عليه ما قدمناه، انتهى (1).

قلت: وفي المسألة فروع اختصرتها خشية الإطالة.

وأما مس المرأة فرجها:

فعن مالك في ذلك ثلاث روايات:

إحداها: ما في «الكتاب» من قوله: ولا ينتقض.

وروي عنه: على أن عليها الوضوء، وأنكره سحنون (2)، وهو قول الشافعي، وتمسك بقوله -عليه الصلاة

والسلام-: «من أفضى بيده إلى فرجه» .

وروي عن مالك أيضا: أنه لا ينتقض وضوءها إذا مست ظاهره، وأما إن قبضت عليه، أو ألطفت، فعليها الوضوء، وهي رواية إسماعيل ابن أبي أويس، هذه طريقة.

وفي المذهب طريقتان (3) أخريتان:

إحداهما: أن المذهب على قولين: أحدهما: (4) النقض مطلقًا، والثاني: التفصيل.

(1) وانظر: «تهذيب المدونة» للبراذعي (1/ 65)، و «العتبية» للعتبي مهع «البيان والتحصيل» لابن رشد (1/ 77 - 78)، و (1/ 165 - 166).

(2)

وروي عنه على أن عليها الوضوء، وأنكره سحنون: ساقط في (ق).

(3)

في (ق): "طريقان.

(4)

في (ق): "هي.

ص: 321

والثانية: أن المذهب على قول واحد، والتفصيل تفسير (1)؛ فمن قال: لا ينتقض يعني: إذا مست ظاهره، ومن قال بالنقض يعني: إذا ألطفت.

وقد فسر مالك الإلطافَ حين سأله إسماعيل بن أبي أويس بأن قال: تدخل يديها بين الشفرين (2).

وروي عن مالك أيضا: استحباب الوضوء لها.

وأما لمس النساء، فينقض الوضوء عندنا إذا كان على وجه (3) اللذة.

قال ابن بشير: والمعتمد في ذلك: قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النسائي: 43].

تفصيل: اللمس لا يخلو من أربع صور:

إحداها: أن يقصد به اللذة، ويجدها، فيجب الوضوء بلا خلاف.

والثانية: أن يجد، ولا يقصد، فكذلك يجب الوضوء - أيضا - بلا خلاف، قاله القاضي أبو الوليد بن رشد رحمه الله، وغيره (4). والثالثة: ألا يقصد، ولا يجد فلا يجب الوضوء.

والرابعة: أن يقصد، ولا يجد، فهاهنا مقتضى الروايات وجوب الوضوء.

(1) في (ق): "تفسيره.

(2)

في (ق): "الشفرتين.

(3)

في (ق): "جهة.

(4)

انظر: «البيان والتحصيل» لابن رشد (1/ 77).

ص: 322

قال ابن بشير: والأشياخ يحكون عن المذهب قولين:

أحدهما: الإيجاب

والثاني: الإسقاط.

وإنما يعولون في ذلك على الخلاف في الوضوء؛ هل يرتفض بالنية؟ وفي المذهب قولان في ذلك، وهذا الذي يعولون عليه مطلوب؛ لأن اللامس ها هنا قد وجد منه فعل، بخلاف الرفض بمجرد النية من غير فعل.

وهذا التفصيل كله في حق اللامس.

وأما الملموس، فلا تفصيل فيه، وإنما يقال: إن وجد اللذة، توضأ، وإن لم يجد، فلا وضوء عليه.

قال ابن بشير: وكذلك - أيضا - لا تفصيل في القبلة على الفم، على المشهور من المذهب، بل توجب الوضوء إذا كانت فيمن توجد منه اللذة بقبلة على الإطلاق، وهذا لأن الغالب وجود اللذة بها، فإن شَذَّت نادرة، فلا يلتفت إليها، وقيل: هي بمنزلة اللمس، فإن فُقدت اللذة والقصد إليها، لم تنقض وضوءًا، وهذا على الخلاف؛ هل تراعى الصورة النادرة، أو يعطى الحكم للغالب؟

ومتى كان اللمس دون حائل، فإنما يراعى فيه وجدان اللذة، فيجب الوضوء، أو فقدها، فلا يجب.

مسألة: إذا أنعَظ، فله أربعة أحوال:

ص: 323

أحدها: أن يلتذ، فيخرج منه الماء، فهذا لا خلاف في وجوب الوضوء.

والثانية: أن يلتذ ولا يخرج منه ماء، ففيه قولان: المشهور: وجوب الوضوء عليه.

والثالثة: أن يخرج منه الماء عاريا عن اللذة، فالمشهور - أيضا -: وجوب الوضوء؛ إذ الغالب أن خروج المذي لا يكون إلا عن لذة.

والرابعة: أن لا يكون منه إلا مجردُ الإنعاظ، وانكسر عن غير ماء، ففيه - أيضا - قولان قائمان من «المدونة» على اختلاف الروايات في إثبات الألف (1) في قوله: إذا التذ وأنعظ، وفي رواية أخرى إذا التذ، أو أنعظ، هذا مذكور في كتاب الوضوء، وكتاب الصيام، هذا تلخيص كلام الركراكي من المتأخرين من أصحابنا، والله أعلم (2).

وأما النوم وما ذكر معه من فقدان العقل، فتلخيصه أن يقال: هذه المسألة تشتمل على أربعة أنواع: ثلاثة لا تفصيل فيها، أعني: أن القليل منها والكثير (3) يوجب الوضوء، وهي: الإغماء، والسكر، والجنون.

والرابع مختلف فيه، وهو النوم، هل هو حدث في نفسه، وهو الشاذ، وإن كان قد نقل عن ابن القاسم، أو هو سبب للحدث، وهو المشهور؟ قال القاضي عبد الوهاب: وهو قول أكثر أهل العلم، بل

(1) في إثبات الألف ساقط في (ق).

(2)

وانظر: «المدونة» (1/ 13)، و «الذخيرة» للقرافي (1/ 228).

(3)

في (ق): "القليل والكثير منها.

ص: 324

هو عندنا إجماع الصحابة (1).

وإذا بنينا على المشهور، وهو أن النوم سبب للحدث، فقد اختلفت طريقتا الشيخ أبي الحسن اللخمي، والشيخ أبي محمد عبد الحميد في تحرير المشهور من ذلك، فاعتبر أبو الحسن زمانه، وكيفيته، فقسمه بحسب ذلك أربعة أقسام: طويلاً ثقيلاً: يؤثر في نقض الوضوء بلا خلاف، وقصيرا خفيفًا: لا يؤثر على المعروف منه.

وخفيفًا طويلاً: يستحب منه الوضوء.

وثقيلاً قصيرا: في تأثيره في النقض قولان.

وقال بعض المتأخرين: القولان جاريان في الثالث - أيضا -.

واعتبر أبو محمد عبد الحميد الهيئات فقال: إن كان النائم على هيئة يتهيأ منها الطول وخروج الحدث؛ كالساجد، نقض، وإن كان العكس؛ كالقائم والمحتبي؛ لم يؤثر.

قال: وإن انقسم الأمر، وكان (2) إمكان الطول مع عدم إمكان خروج الحدث غالبا؛ كالجالس مستندا، أو عكسه؛ كالراكع، ففي نقضهما قولان، سببها (3): تعارض موجب و (4) مسقط.

(1) وانظر: «المعونة على مذهب عالم المدينة» للقاضي عبد الوهاب (1/ 46).

(2)

في (ق): "فكان.

(3)

في (ق): "ففي كل هيئة منهما قولان سببهما بدل ففي نقضهما قولان سببها.

(4)

الواو ليست في (ق).

ص: 325

قلت: وظاهر هذا: أن الساجد لا خلاف فيه، والمنقول خلافه، والقولان في الساجد - أيضا - نقلهما التلمساني وغيره.

قال ابن بشير: وهذه الطريقة أشبه بمقتضى الروايات.

ثم قال: ومقصود الجميع النظر إلى الغالب؛ فإن كان يمكن خروج الحدث، ولا يشعر به، وجب الوضوء، وإن كان الأمر بالعكس، لم يجب، وإن أشكل الأمر، فهو بمنزلة من تيقن الطهارة (1)، ثم شك في الحدث (2).

وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في شرح «الرسالة)، أعان الله على إكماله.

الثالث: من الكلام على الحديث: ونذكر فيه مسألة أصولية، وهي مسألة استصحاب الحال، وهي أحد أدلة الشريعة الثلاثة التي هي: أصل، ومعقول أصل، واستصحاب حال.

ونعني بالأصل: الكتاب، والسنة، والإجماع.

وبمعقول الأصل: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، والحصر، ومعنى الخطاب، على ما تقرر في كتب الأصول.

ونعني باستصحاب حال الأصل: البقاء عليه حتى يدل دليل على خلافه، وهو على ضربين:

(1) في (ق): "بالطهارة.

(2)

وانظر: «جامع الأمهات» لابنت الحاجب (ص: 56).

ص: 326

أحدهما: استصحاب حال العقل.

والثاني: استصحاب حال الإجماع.

فالأول: نحو أن يدعي أحد الخصمين حكما شرعيا في مسألة، ويدعي الآخر البقاء على حكم العقل؛ مثل: أن يسأل المالكي أو الشافعي عن وجوب الوتر، فيقول: الأصل براءة الذمة، وطريق شغلها الشرع، فمن ادعى شرعا يوجب ذلك، فعليه الدليل، وهذه طريقة صحيحة في الاستدلال.

وأما الثاني: وهو استصحاب حال الإجماع، فمثل استدلال داود على أن أم الولد يجوز بيعها، فإنا (1) قد أجمعنا على جواز بيعها قبل الحمل، فمن ادعى المنع من ذلك بعد الحمل، فعليه الدليل.

قالوا: وهذا غير صحيح من الاستدلال؛ لأن الإجماع لا يتناول موضع الخلاف، وإنما يتناول موضع الاتفاق، وما كان حجة، فلا يصح الاحتجاج به في الموضع الذي لا يوجد فيه؛ كألفاظ صاحب الشرع إذا تناولت موضعا خاصا، لا يجوز الاحتجاج بها في الموضع الذي لا تتناوله.

وهذه القاعدة قيل: إن العلماء اتفقوا على العمل بها، وإن كانوا قد اختلفوا في كيفية استعمالها.

فالشافعي رضي الله عنه أعمل الأصل السابق، وهو الطهارة في مثل هذه

(1) في (خ): بأنا.

ص: 327

المسألة، أعني: مسألة من تيقن الطهارة، وشك في الحدث، على ما يقتضيه لفظ الحديث، ولم يعتبر الشك الطارئ عليها، وأجاز الصلاة بهذه الحالة.

ومالك رحمه الله منع من الصلاة مع الشك في بقاء الطهارة، وكأنه أعمل الأصل الأول، وهو ترتب الصلاة في الذمة، ورأى أن لا تزال إلا بطهارة متيقنة، وظاهر هذا الحديث: إعمال الطهارة الأولى، واطراح الشك.

وأما من يقول من أصحابنا: إن كان في الصلاة والحالة هذه تمادى، فوجهه: أن مورد النص إذا وجد فيه معنى يمكن أن يكون معتبرا في الحكم، فالأصل يقتضي اعتباره، وعدم اطراحه، وهذا الحديث يدل على اطراح الشك إذا وجد في الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«فلا ينصرف حتى يسمع صوتا، أو يجد ريحا» ، وكونه موجودا في الصلاة معنى يمكن أن يكون معتبرا؛ فإن الدخول في الصلاة مانع من إبطالها؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، فصارت صحة الصلاة أصلاً سابقًا على حالة الشك، مانعا من الإبطال، ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع، وصحة العمل ظاهرا معنى يناسب عدم الالتفات إلى الشك، عكس اعتباره، فلا ينبغي إلغاؤه.

وأما من فرق من أصحابنا - أيضا - بين أن يستند إلى سبب حاضر؛ كما في الحديث أولا، حتى لو شك في تقدم الحدث على وقته

ص: 328

الحاضر، لم تبح له الصلاة، فوجهه ما تقدم من أن مورد النص ينبغي اعتبار أوصافه الممكن اعتبارها، ومورد النص قد اشتمل على الشك في سبب حاضر، فلا يلحق به ما في معناه من الشك في سبب متقدم، والله أعلم (1).

* * *

(1) وانظر: «المحصول» لابن العربي (ص: 130)، و «التبصرة» لأبي إسحتق الشيرازي (ص: 526).

ص: 329