المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثامن 8 - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الثامن 8 - عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ،

‌الحديث الثامن

8 -

عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ، سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ، عَنْ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ ، فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَكْفَأَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرِ ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاثاً ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاثاً بِثَلاثِ غَرْفَاتٍ ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ (2)، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَديْهِ مَرَّتَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ ، فَأَقْبَلَ (3) بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ (4).

وَفِي رِوَايَةٍ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ، حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ

(1) في (ق): "النبي.

(2)

في (ق): "يديه.

(3)

في (ق): "أقبل.

(4)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (184)، كتاب: الوضوء، باب: غسل الرجلين إلى الكعبين، ومسلم (235)، (1/ 210)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنهما قالا:«فغسلهما مرتين مرتين إلى المرفقين» ، كما أنهما زادا في آخره: (إلى الكعبين».

ص: 149

رَدَّهُمَا، حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ (1).

وَفِي رِوَايَةٍ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ (2).

(1) رواه البخاري (183)، كتاب: الوضوء، باب: مسح الرأس كله، ومسلم (235)، (1/ 211)، كتاب: الطهارة، باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو داود (118)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي (97)، كتاب: الطهارة، باب: حد الغسل، والترمذي (32)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره، وابن ماجه (434)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في مسح الرأس.

(2)

رواه البخاري (194)، كتاب: الوضوء، باب: الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة، وأبو داود (100)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء في تآنية الصفر، وابن ماجه (471)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء بالصفر، وهذا لفظ ابن ماجه، ولفظ البخاري:«أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجنا ....» . وقال ابن الملقن في «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» : (1/ 385): قول المصنف: وفي رواية: «أتانا رسول الله

)، كذا أخرجه البخاري، ولم أر هذا الإسناد ولا المتن هكذا في مسلم، فكان ينبغي للمصنف إذن أن يقول: وفي رواية للبخاري، فتنبه لذلك، انتهى. ثم إنه ليس في شيء من روايات مسلم لفظة:«التور» ، وإنما هي من أفراد البخاري؛ كما نبه عليه الصنعاني في «حاشية إحكام الأحكام» (1/ 194).

* مصَادر شرح الحَدِيث:

«الاستذكار» لابن عبد البر (1/ 122)، و «المنتقى في شرح الموطأ» لأبي الوليد الباجي (1/ 269)، و «عارضة الأحوذي» لابن العربي (1/ 50)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 24)، و «المفهم» للقرطبي:(1/ 484)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 121)، =

ص: 150

التَّوْرُ: شِبْهُ الطَّسْتِ.

* * *

* التعريف:

عمرو بن يحيى بن عُمارة (1) بن أبي حسن المازني الأنصاري، المدني.

سمع أباه، وعباد بن تميم، وعباس (2) بن سهل، وسعيد بن يسار، ومحمد بن يحيى بن حبان، ومحمد بن عمرو بن عطاء.

روى عنه: يحيى بن سعيد (3) الأنصاري، ومالك بن أنس، ووهيب (4) بن خالد بن عبد الله، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوردي، ويحيى بن أبي كثير، وزيادة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة بن

= و «شرح الإلمام» (3/ 537)، و «شرح عمدة الأحكام» كلاهما لابن دقيق (1/ 40)، و «النكت على العمدة» للزركشي (ص: 17 - 19)، و «التوضيح» (4/ 296)، و «الإعىم بفوائد عمدة الأحكام» كلاهما لابن الملقن (1/ 385)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 290)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 142)، و «سبل السلام» للصنعاني (1/ 45)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 191).

(1)

في (ق): "عمران.

(2)

في (ق): "عباد.

(3)

في (ق): "وسعيد.

(4)

في (ق): "ووهب.

ص: 151

عبد العزيز بن المختار.

مات في الأربعين ومئة، أخرج له في «الصحيحين» (1)(2).

* ثم الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قوله: «فدعا بتور» ؛ أي: طلبه، والتور -بالتاء المثناة فوق-: لفظ مشترك يقع على الطست - بفتح الطاء، وكسرها -، والطسُّ -بحذف التاء (3) وتشديد السين المهملة-، وَالطَّسَّةِ -أيضا -.

وفي «الصحاح» : التور: إناء يشرب فيه، والتور: الرسول بين القوم (4)، فهو مشترك بين هذين.

(1) اظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» للبخاري (6/ 382)، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (6/ 269)، و «الثقات» لابن حبان (7/ 215)، و «تهذيب الكمال» للمزي (22/ 295)، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (8/ 104)، و «تقريب التهذيب» له أيضا (تر: 5139).

(2)

قلت: قد أغفل المؤلف رحمه الله ترجمة والد عمرو بن يحيى، ثم ترجمة عمرو بن أبي حسين، وكذا ترجمة الصحابي عبد الله بن زيد رضي الله عنه. وإذا كان من منهج المؤلف الاقتصار، فالأولى بالترجمة والتعريف هو راوي الحديث الصحابي عبد الله بن زيد رضي الله عنه، والله أعلم.

وقد تكرر مثل هذا في تراجم كثيرة من الكتاب، فليتنبه لذلك.

ولتنظر هذه التراجم في تحقيقنا لكتاب «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 144 - 146). والله الموفق.

(3)

في (ق): "بفتح الطاء.

(4)

انظر: «الصحاح» للجوهري (2/ 602).

ص: 152

وقوله: «من ماء» : الظاهر أنه من باب تسمية الشيء بما يجاوره، كالراوية، و (من) هنا لبيان الجنس، لا تحتمل غير ذلك، والله أعلم.

الثاني: قوله: «فتوضأ لهم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، تقديره: وضوءًا نحو وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فحذف المصدر وصفته، وهو المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وهذا من باب المبالغة في التشبيه، من باب قولهم: زيد أسد، والله أعلم.

الثالث: قوله: «فأكفأ (1) على يديه» ؛ أي: قلب وصب.

قال الجوهري: كفأت الإناء: قلبته، وكببته، فهو مكفوء، وزعم ابن الأعرابي: أن أكفأته لغة (2).

فيه: استحباب غسل اليدين لغير المستيقظ.

وفيه: جواز الوضوء من آنية الصفر، والطهارة جائزة بكل إناء طاهر ما عدا الذهب والفضة؛ لثبوت النهي عن الأكل والشرب فيهما، وقيس الوضوء على ذلك، وسائر الاستعمالات.

قوله: «فغسل يديه ثلاثًا، فمضمض» : قد تقدم الكلام على غسل اليدين مستوعبا في حديث: «إذا استيقظ (3) أحدكم من نومه» .

(1) في (ق): "فكفأ.

(2)

انظر: «الصحاح» للجوهري (1/ 68)، (مادة: كفأ).

(3)

في (ق): "المستيقظ.

ص: 153

وقوله: «فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات» : تقدم - أيضا - الكلام على حد (1) المضمضة والاستنشاق، وذكر الخلاف في أحكامهما، والكلام هاهنا في كيفيتهما فصلاً وجمعا.

وقد اختلف في الأفضل من ذلك، فمذهبنا: أن التفريق أفضل؛ لما في «أبي داود» أنه عليه الصلاة والسلام فصل بين المضمضة والاستنشاق (2)، ولأنهما عضوان متعددان، فيتعدد الماء لهما كبقية الأعضاء.

قال الإمام أبو عبد الله المازري: قيل: المختار أن يغسل الفم ثلاثًا بثلاث غرفات، ثم الأنف بعده كذلك، وقيل: يغسلان ثلاث مرات من غرفة واحدة؛ لأنهما كعضو واحد.

وقيل: يجمعان في كل غرفة؛ لأنهما كالعضو الواحد، فيتكرر فيه أخذ الماء.

قلت: وهو الأصح عند الشافعية (3)، وهو ظاهر الحديث، والله أعلم.

(1) في (ق): "حديث.

(2)

رواه أبو داود (139)، كتاب: الطهارة، باب: في الفرق بين المضمة والاستنشاق، من حديث طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده. وإسناده ضعيف؛ لضعف ليث بن أبي سليم.

(3)

انظر: «فتح العزيز» للرافعي (1/ 398).

قال الإمام ابن دقيق في «شرح الإلمام» (3/ 622) بعد أن ذكر أن المرجح عند الشافعية -أو بعض مصنفيهم-: أن الفصل أفضل، قال: وقد ذكرنا أن =

ص: 154

السادس: قوله: «ثم غسل وجهه» : تقدم الكلام على حد الوجه وحقيقته.

وقوله: «ثم أدخل يده مرتين إلى المرفقين» : هذه إحدى الروايات المتقدم ذكرها، وفيه حذف؛ أي: فغسلهما مرتين، فالعامل في مرتين: أدخل، و (إلى) متعلقة بالمحذوف، والله أعلم.

السابع: قوله: «ثم أدخل يديه، فمسح رأسه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» دليل لمالك رضي الله عنه على عدم استحباب تكرار المسح -كما تقدم-، وبذلك قال أبو حنيفة، وأحمد في المشهور عنهما -كما تقدم أيضا -، ودليلهم: ما جاء في الصحيح من اقتصاره صلى الله عليه وسلم على المرة الواحدة.

قال الشيخان ح، ق، ما (1) معناه: أن المسح ورد في بعض الروايات مطلقًا، وفي بعضها مقيدا بمرة واحدة (2).

قلت: فيتعين حمل المطلق على المقيد، فلا تكرار، ومن جهة المعنى: أن المسح مبني على التخفيف، والتكرار ثقيل، ولا (3) يناسبه،

= أحاديث «الصحيح» تقتضي الجمع، وأن حديث الفصل خارج عنه، وهذا أحد وجوه الترجيح المذكورة في فنه، فينبغي ترجيح الجمع.

(1)

ما ليست في (ق).

(2)

انظر: «شرح مسلم» للننوي (3/ 107)، و «شرح عمتدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 42).

(3)

في (ق): "فلا.

ص: 155

ولا يحسن قياسه على بقية الأعضاء المغسولة؛ لتغاير الحقيقتين.

استدل الشافعي رحمه الله بحديث عثمان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا ثلاثا (1)، وبما رواه أبو داود في «سننه»: أنه (2) صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثًا (3)، وبالقياس على سائر الأعضاء.

وأجاب عن حديث المسح مرة واحدة: بأن ذلك لبيان الجواز.

والجواب عن حديث عثمان رضي الله عنه: أن نقول: ليس فيه دليل بَيِّنٌ لجواز تغليب أكثر الأعضاء على أقلها، وهو الرأس؛ إذ لا يمتنع في لسان العرب أن يقال (4): جاءني القوم ثلاثة ثلاثة، أو غير ذلك من الأعداد، وقد جاء الواحد منهم، أو الاثنان على (5) غير هذه الهيئة؛ تغليبا للأكثر منهم على الأقل، وإذا احتمل ذلك، سقط الاستدلال به (6)، لا سيما والاحتمال قوي؛ بدليل مجيء الأحاديث الصحيحة بمرة واحدة نصا صريحا، مع ذكر العدد في المغسولات، فتعين أن يكون مراد الراوي ثلاثا ثلاثا: في المغسولات خاصة؛ دفعا للتعارض.

وأما حديث أبي داود، فمعارض بأحاديث مسلم، والبخاري،

(1) تقدم تخريجه.

(2)

في (ق): "أن النبي.

(3)

رواه أبو داود (110)، كتاب: الطهارة، باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

(4)

في (ق): "أن يقال في لسان العرب.

(5)

على ليس في (ق).

(6)

به ليس في (ق).

ص: 156

وأحاديثهما تترجح من وجهين:

أحدهما: اشتراط الصحة.

والثاني: تعداد الرواة، وذلك صالح للترجيح عند المعارضة.

وأما قياس الممسوح على المغسول: فقد تقدم أنه لا يحسن؛ لتنافي الحقيقتين، ولا يقال: إن المسح مرة واحدة لبيان الجواز؛ لأنا نقول: القول كاف في ذلك.

فإن قالوا: الفعل أوقع، قلنا (1): مسّلم، ولكن لم (2) لا يكتفى في بيان الجواز بمرة واحدة، ورواية (3) التثليث نادرة بالنسبة إلى رواية الإفراد -على ما تقدم-، فرواية التثليث - إن صحت - كانت هي أولى بأن يقال فيها: إنها لبيان الجواز؛ لندورها، وكثرة غيرها، والله

أعلم (4).

وقوله: «فأقبل بهما وأدبر» : اختلف (5) في كيفية هذا الإقبال والإدبار، فذهب مالك والشافعي: أنه يبدأ بمقدم الرأس، ويذهب إلى القفا، ثم يردهما إلى حيث بدأ، وهو مبتدأ الشعر من حد الوجه، وعلى

(1) في (ق): "قلت.

(2)

لم ليست في (ق).

(3)

في (ق): "فرواية.

(4)

انظر: «شرح الإلمام» لابن دقيق (3/ 499).

(5)

في (ق): "واختلف.

ص: 157

هذا يدل ظاهر الحديث، إلا أنه استشكل من حيث إن هذه الصفة تقتضي: أنه أدبر بهما وأقبل؛ لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبار، ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال.

وأجيب عنه: بأن الواو لا ترتب، والمراد: أدبر بهما، وأقبل، ولكن ابتدأ بذكر الإقبال تفاؤلاً (1).

قلت: وعكس هذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22]، والمراد: على ما (2) قيل: ثم أقبل يسعى، كما تقول: أقبل فلان يفعل كذا، بمعنى: أنشأ يفعل، فوضع أدبر موضع أقبل؛ لئلا يوصف بالإقبال؛ قاله الزمخشري في «تفسيره» (3).

وجواب آخر (4): وهو أن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية، أعني: أنه ينسب إلى ما يقبل إليه، ويدبر عنه، والمؤخر محل يمكن أن ينسب الإقبال إليه، والإدبار عنه. وهو معنى كلام عبد الحق في «النكت» .

وذهب بعض الناس إلى أنه يبدأ بالناصية، ويذهب إلى ناحية الوجه، ثم يذهب إلى جهة مؤخر الرأس، ثم يعود إلى ما بدأ منه،

(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 42).

(2)

في (خ): والمراد: ما.

(3)

انظر: «الكشاف» للزمخشري» (4/ 696).

(4)

في (ق)؛: قال الزمخشري: في تفسيره وجه آخر.

ص: 158

وهو الناصية؛ محافظةً على قوله (1): «بدأ بمقدم رأسه» (2)، فإن الناصية مقدم الرأس، ويصدق عليه أنه أقبل -أيضا-، فإنه ذهب إلى ناحية الوجه، وهو القبل.

ق: إلا أن قوله في الرواية المفسرة بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه قد يعارض هذا؛ فإنه جعله بادئا بها بالمقدم إلى غاية الذهاب إلى قفاه. وهذه الصفة التي لهذا القائل تقتضي أنه بدأ بمقدم رأسه غير ذاهب إلى قفاه، بل إلى ناحية وجهه، وهو مقدم الرأس، انتهى (3).

قال (4) ابن بزيزة من أصحابنا: وحكي عن جدنا الفقيه العابد الولي المشهور محرز بن خلف: أن (أقبل) هنا، مأخوذ من القَبَل في العين، وهو ميل الناظر، وكثيرا ما يكون في الخيل، يقال: فرس أقبل، فمعنى أقبل بهما: أمالهما.

وأما ما يتعلق بغسل الرجلين، فقد تقدم الكلام عليه، وأما الرواية الثانية، فمصرحة بالوضوء من الصفر، وهو الحقيقة، وأما الأولى (5) -أعني قوله:«بتور من ماء» -، فمجاز -على ما تقدم-، أنه من باب تسمية الشيء بمجاوره.

(1) قوله ليس في (ق).

(2)

في (ق): "الرأس.

(3)

انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 42 - 43).

(4)

في (ق): "وقال.

(5)

في (ق): "وأما الأواني.

ص: 159