الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
43 -
عَنْ مُعَاذَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَلتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟! فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلا نُؤَمَّرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (315)، كتاب: الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة، ومسلم (335)، (1/ 265)، كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم عل الحائض دون الصلاة، واللفظ له، وأبو داود (262)، كتاب: الطهارة، باب: في الحائض لا تقضي الصلاة، والنسائي (382)، كتاب: الطهارة، باب: سقوط الصلاة عن الحائض، و (2318)، كتاب: الصيام، باب: وضع الصيام عن الحائض، والترمذي (130) كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة، وابن ماجه (631)، كتاب: الطهارة، باب: الحائض لا تقضي الصلاة.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: (1/ 164): وجعله عبد الغني في العمدة متفقا عليه، وهو كذلك، إلا أنه ليس في رواية البخاري =
* التعريف:
معاذة بنت عبد الله العدوية: امرأة صلة بن أَشْيَم (1)، بصريةٌ، كانت من العابدات، روت عن عائشة في غير موضع.
روى عنها: عاصم الأحول، وأبو قِلَابَةَ، وقتادةُ، وإسحقُ بن سويد، ويزيد الرِّشْكُ.
تابعية، روي حديثها في الصحيحين (2).
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 183)، والمفهم للقرطبي (1/ 595)، وعارضة الأحوذي لابن العربي (1/ 211)، وشرح مسلم للنووي (4/ 26)، وشرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 128)، والعدة في شرح العمدة لابن العطار (1/ 274)، وفتح الباري لابن رجب (1/ 501)، والنكت على شرح العمدة للزركشي (ص: 58)، والتوضيح لابن الملقن (5/ 107)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 421)، وعمدة القاري للعيني (3/ 300)، وكشف اللثام للسفاريني (1/ 525)، ونيل الأوطار للشوكاني (1/ 354).
(1)
قلت: صِلَة: بكسر الصاد المهملة، وفتح اللام مخففة، وأَشْيَم: بفتح الهمزة، وسكون الشين المعجمة، وفتح المثناة تحت، غير منصرف.
(2)
وانظر ترجمتها في: الطبقات الكبرى لابن سعد (8/ 483)، والتاريخ الكبير للبخاري (4/ 300)، وصفة الصفوة لابن الجوزي (4/ 22)، وتهذيب الكمال للمزي (35/ 308)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (4/ 508)، والكاشف له أيضا (2/ 517)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (12/ 479).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: البال هنا: الحال، والبال أيضا: القلب، يقال: ما يخطر فلان ببالي، والبال: رخاء النفس، يقال: فلان رخي البال، والبال: الحوت (1) العظيم من حيتان البحر.
قال الجوهري: وليس بعربي.
والبالة: وعاء الطيب، فارسيُّ معرب، وأصله بالفارسية بِيْلَه (2).
الثاني: أجمعوا على أن الحائض والنفساء تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولا اعتداد بخلاف الخوارج على ما سيأتي.
والفرق بينهما من وجهين:
الأول: تكرار الصلاة وكثرتها، وعدم تكرار الصيام في السنة الواحدة.
الثاني: أن قضاء الصلاة قد يؤدي إلى تفويت الحاضرة؛ بخلاف الصوم.
الثالث: اختلف أهل الأصول هل ما تقضيه الحائض والنفساء بالخطاب الأول، وهو مذهب القاضي عبد الوهاب، والحنفية. أو بخطاب جديد؟ وعليه الجمهور، ودليلهم: أن صوم الحائض والنفساء حرام بإجماع، والمحرم لا يكون واجبا، ولو وجب، لأثمت بتأخيره.
(1) في (خ): «الخوف» .
(2)
انظر: الصحاح للجوهري (4/ 1642)، (مادة: ب ول).
استدل القائلون بالوجوب بأمور:
أحدها: عمومات النصوص الدالة على وجوب الصوم.
وثانيها: أنها تنوي قضاء رمضان، فلولا تقدم الوجوب، وإلا، لكان هذا واجبا مبتدأ، فلا حاجة لإضافته إلى رمضان.
وثالثها: أنه مقدر بقدر الفائت من رمضان، فأشبه تقدير قيم المتلفات بها، فيكون بدلاً؛ كالقيمة بدلاً من المتقوم (1)، ويقوم مقام ما تقدم من الوجوب؛ كما تقوم القيمة مقام المتلف، ولذلك سميت قيمةً.
وأجيب عن الأول: بأن ظاهر النصوص معارضة بأدلة العقل القطعية؛ فإن الصوم حرام، راجح الترك، وما كان راجح الترك لا يكون
راجحا قطعا، وكيف يُتصور فيمن مُنع من الفعل أن يُلزم بذلك الفعل، إلا بناء على تكليف ما لا يطاق، وليس واقعا في الشريعة، وإذا تعارضت الظواهر والقواطع، قدمت القطعيات.
وعن الثاني: أن العبادة لا بد لها من نية مخصصة (2)، مميزة لها عن غيرها، وهذا القضاء ليس نفلاً، ولا كفارة، ولا نذرا، ولا تجدد سببه، فيتعين لإضافته (3) لذلك السبب؛ فلم يبق له معنى إلا إضافته لرمضان؛ ليتميز عن غيره، لا أنه تقدَّمَه وجوبٌ.
(1) في (ق): " «المقوم» .
(2)
في (ق): " «مخصوصة» .
(3)
في (ق): " «بإضافته» .
وعن الثالث: أن التعذر في رمضان جعله الشرع سببا لوجوب ما هو قدره، فلذلك تبعه في المقدار، لا لتقدم الوجوب؛ لأن السبب كذلك نصبه الشارع.
قالت الحنفية: لا يرد علينا مصادمة الوجوب والتحريم في زمن واحد؛ لأنا لم نعين زمن الحيض للوجوب، بل قلنا: هو على السعة، بخلاف القاضي عبد الوهاب.
وأجيب: بأنه، وإن لم يرد عليهم هذا الإشكال، يرد عليهم أن الواجب الموسع شأنه أن يفعل في أول الوقت إن شاء المكلف، وهذه لو أرادت أن تصوم في زمن الحيض، منعت، فلم يبق للوجوب ظرف إلا بعد الحيض، فهو متفق عليه، فذكر التوسعة مغالطة لا يحصل منها طائل، فيتعين إما مذهب القاضي، أو مذهب المازري بعدم الوجوب مطلقًا، والله أعلم.
الرابع: الحرورية: من ينسب إلى حَروراءَ، وهو موضع، أو قرية بظاهر الكوفة (1).
قال السمعاني: هو على ميلين من الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج به (2).
قال الهروي: تعاقدوا في هذه القرية، فنُسبوا إليها (3).
(1) انظر: معجم البلدان لياقوت (2/ 245).
(2)
انظر: الأنساب للسمعاني (2/ 207).
(3)
انظر: شرح مسلم للنووي (4/ 27).
قال غيره: ثم كثر استعماله حتى استعمل في كل خارجي، ومنه قول عائشة لمعاذة: أحروريةٌ أنت؟! هو بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى وكسر الثانية؛ أي: خارجية أنت، وإنما قالت ذلك؛ لأن مذهب الخوارج أن الحائض تقضي الصلاة -على ما تقدم-، فالاستفهام هنا استفهام إنكار، وليس على بابه.
وإنما حسن إنكار عائشة رضي الله عنها على معاذة؛ لأنها أوردت السؤال على غير جهة السؤال المجرَّد، فإن صيغته تشعر بتعجب أو إنكار؛ فلذلك قالت لها: أحرورية أنت؟! فأجابتها بأن قالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، أي: أسأل سؤالاً مجرَدًّا عن التعجب والإنكار، لطلب مجرد العلم بالحكمة في ذلك، فأجابتها (1) عائشة رضي الله عنها بالنص، ولم تتعرض للمعنى؛ لأنه أقوى في الردع عن مذهب الخوارج، وأقطع لمن يعارض، بخلاف المعاني المناسبة فإنها بصدد المعارضة.
واكتفت عائشة رضي الله عنها في الاستدلال (2) على سقوط القضاء بكونه لم تؤمر به.
ق: ويحتمل ذلك عندي (3) وجهين:
أحدهما: أن تكون أخذت إسقاط (4) القضاء من سقوط الأداء،
(1) في (ق): " «وأجابته» .
(2)
في (ق): " «بالاستدلال» .
(3)
«عندي» ليست في (خ)، وكذا ليست في المطبوع من شرح العمدة.
(4)
في (ق): " «سقوط» .
ويكون مجرد سقوط الأداء دليلاً على سقوط القضاء، إلا أن يوجد معارض، وهو الأمر بالقضاء كما في الصوم.
الثاني- وهو الأقرب-: أن يكون السبب في ذلك: أن الحاجة داعية إلى بيان هذا الحكم؛ فإن الحيض يتكرر، فلو وجب قضاء
الصلاة فيه، لوجب بيانه، وحيث لم يتبين، دلّ على عدم الوجوب، لا سيما وقد اقترن بذلك قرينة أخرى، وهي الأمر بقضاء الصوم، وتخصيص الحكم به (1).
قلت: وكلا الوجهين حسن جميل، والله أعلم.
الخامس: في الحديث: دليل على ما يقوله أرباب الأصول والحديث: من أن الصحابي إذا قال: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو كنا نؤمر بكذا، أو ننهى عن كذا: أن ذلك في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا، لم تقم الحجة به (2).
وهذه المسألة على مراتب سبع:
أعلاها: أن يقول الصحابي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، أو أخبرني، أو
(1) انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 128).
(2)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في شرح الإلمام (1/ 524): قول الراوي «أَمَر» تعبير عن أمره صلى الله عليه وسلم، لا حكاية للفظ، وهو حجة على المختار في علم الأصول، لأن علمه باللغة وأوضاع الكلام مع ديانته مقتضٍ لمطابقة ما حكاه للواقع، واحتمال كونه اعتقد ما ليس بأمرٍ أمراً، يبعده الأمران المذكوران، انتهى.
شافهني، وهذا بخلاف ما لو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن قوله: قال، يصدق مع الواسطة، بخلاف ما تقدم.
الثانية: قال -عليه الصلاة؛ والسلام-.
الثالثة: أمر عليه الصلاة والسلام، أو نهى؛ لأنه يدخله احتمال الوسائط، ويقع الخلل من قبلها مضافًا إلى الخلل الحاصل من اختلاف الناس في صيغتي الأمر والنهي، هل هما للطلب الجازم، أم لا؟ واحتمال آخر: وهو أن ذلك الأمر للكل، أو البعض، وهل دائما، أو غير دائم؟
الرابعة: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، فعندنا، وعند الشافعي -رحمه الله تعالى- يحمل على أمره عليه الصلاة والسلام؛ خلافًا للكرخي.
الخامسة: أن يقول: السنة كذا، فيُحمل عندنا على سنته عليه الصلاة والسلام؛ خلافًا لقوم.
السادسة: أن يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: يحمل على سماعه هو، وقيل: لا.
السابعة (1): كنا نفعل كذا: يقتضي كونه شرعا؛ لأن مقصود الصحابي: أن يخبرنا بما يكون شرعا، بسبب أنهم كانوا يفعلون ذلك، وأن الغالب اطلاعه عليه الصلاة والسلام على ذلك، وتقريره عليه، وذلك يقتضي الشرعية (2).
(1) «أن يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: يحمل على سماعه هو، وقيل: لا.
السابعة» ليس في (ق).
(2)
انظر: الذخيرة للقرافي (1/ 123).
وأيضا: فالصحابة - رضوان الله عليهم - يقتضي حالهم أنهم لا يقرون بين أظهرهم إلا ما يكون شرعا، فيكون شرعا.
وأما غير الصحابي، فله - أيضا - مراتب مذكورة في كتب الأصول، والحديث (1)، وإنما ذكرنا ما يتعلق بغرضنا من لفظ هذا الحديث، والله الموفق، وهو المستعان، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.
* * *
(1)«والحديث» ليس في «ق» .