الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
53 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَاَللَّهِ! مَا صَلَّيْتُهَا» ، قَالَ: فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا ، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (175)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، واللفظ له، و (573)، باب: قضاء الصلوات، الأولى فالأولى، و (6015)، كتاب: الأذان، باب: قول الرجل: ما صلينا، و (903)، كتاب: صلاة الخوف، باب: الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، و (3886)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الخندق، ومسلم (631)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، والنسائي (1322)، كتاب: السهو، باب: إذا قيل للرجل: هل صليت؟ هل يقول: لا؟، والترمذي (180)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل تفوته الصلوات، بأيتهن يبدأ؟ =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قد تقدم معنى قوله: (يوم الخندق).
وفي الحديث: دليل على جواز سب كفرة الحربيين؛ لتقريره عليه الصلاة والسلام عمر على ذلك، ولم يعين السب في الحديث،
فيحمل على ما لا فحش فيه؛ إذ هو اللائق بمنصب عمر رضي الله عنه (1).
وفيه: الاعتناء بأمر الصلاة، وشدة المحافظة عليها؛ كما هو الواجب على كل أحد، لا سيما الصحابي.
الثاني: (جعل)، و (كاد) من أفعال المقاربة، وقد تقدم أنها ترفع الاسم، وتنصب الخبر، وأن خبرها لا يكون -غالبا- إلا فعلاً مضارعا فيه ضمير يعود على اسمها؛ كقوله: / «جعل يسب» ، وقول عمر: ما كدت أصليها، وبذلك تتميز عن كان، وإن اشتركتا في رفع الاسم ونصب الخبر.
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
«عارضة الأحوذي» لابن العربي (1/ 293)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 596)، و «المفهم» للقرطبي (2/ 255)، و «شرح مسلم» للنووي (5/ 132)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 154)، و «العدة في شرح العمدة» لابن العطار (1/ 336)، و «فتح الباري» لابن رجب (3/ 343)، و «النكت على العمدة» للزركشي (ص: 70)، و «التوضيح» لابن الملقن (6/ 280)، و «فتح الباري» لابن حجر (2/ 68)، و «عمدة القاري» للعيني (5/ 89)، و «كشف اللثام» للسفاريني (2/ 78).
(1)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 155).
والفرق بين (كاد) و (جعل): أن (كاد) مقاربة ذات الفعل، و (جعل) للأخذ فيه.
لكن اختلف في (كاد) إذا دخل عليها حرف النفي، كما هو في قوله:«ما كدت أصلي العصر» هل يكون نفيها نفيا كسائر الأفعال، أو يكون نفيها إيجابا، أو التفرقة بين كون الفعل ماضيا، فيكون للإثبات، أو مضارعا فتكون كسائر الأفعال؟
وتوجيه ذلك وتحريره في كتب النحو.
فيخرج قول عمر رضي الله عنه: «ما كدت أصليها» على هذا الخلاف.
فإن قلنا: إن نفيها إيجاب، فيكون صلى العصر قبل المغرب، وإلا، فبعدها (1).
فائدة:
يقال كاد النعام يطير، كاد العروس يكون أميرا، كاد القمر يكون نهارا، كادت الشمس تكون ظلا، كاد السيئ الخلق يكون سبعا، كاد البخيل يكون كلبا، كاد الخائف يشرق بالريق، كاد الحريص يكون عبدا، كاد المنتعل يكون راكبا، كاد الفقر يكون كفرا، كاد الحسد يغلب القدر، كاد المريب يقول خذوني، كاد العلماء تكونون (2) أربابا، كاد المسافر يكون أسيرا، كاد البيان يكون سحرا، كادت الغربة تكون كربة.
الثالث: فيه: جواز الحلف من غير استحلاف، إذا ترتبت على ذلك مصلحة دينية، وهو كثير في القرآن، وقد قيل: إنه عليه الصلاة والسلام إنما حلف تطييبا لقلب عمر رضي الله عنه؛ لأنه لما شق عليه تأخيرها،
(1) في (ق): "قد صلى العصر بعد المغرب وإلا فبعدها.
(2)
في (ق): "يكومون.
أخبره عليه الصلاة والسلام بأنه لم يصلها هو - أيضا -؛ ليتأسى ويتسلى به عليه الصلاة والسلام، ثم إنه أكد ذلك باليمين؛ ليكون أبلغ في هذا المعنى (1).
ق: وقيل: في هذا القَسم إشفاق منه صلى الله عليه وسلم من تركها، وتحقيق ذلك: هو أن القسم تأكيد للمقسم عليه، وفي هذا القسم إشعار ببعد وقوع هذا المقسم عليه، حتى كأنه لا يعتقد وقوعه، فأقسم على وقوعه، وذلك يقتضي تعظيم هذا الترك، وهو يقتضي الإشفاق منه، أو ما يقارب هذا المعنى، انتهى (2).
وقيل: يحتمل أنه تركها نسيانا؛ لاشتغاله بقتال المشركين، قال (3): فلما قال له عمر ذلك، تذكر، فقال:«والله ما صليتها» .
قلت: والنسيان عذر واضح شرعي في تأخير الصلاة، ويكون في هذا النسيان فائدة تقتضي بيان حكم شرعي؛ كما قال عليه الصلاة والسلام:«إني لأنسى أو أنسى لأسن» ، (4)؛ كما وقع بنومه -عليه
(1) انظر: «شرح مسلم» للنووي (5/ 131).
(2)
انظر: «شرح عدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 155).
(3)
قال ليست في (ق).
(4)
رواه الإمام مالك في «الموطأ» (1/ 100) بلاغا، قال ابن عبد البر في «التمهيد» (24/ 375): أما هذا الحديث بهذا اللفظ، فلا أعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في وجه من الوجوه مسندا ولا مقطوعا من غير هذا الوجه، والله أعلم. وهو أحد الأحاديث الأربعة في «الموطأ» التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة، والله أعلم. ومعناه صحيح في الأصول.
الصلاة والسلام- في حديث الوادي بيان حكم من نام عن الصلاة بالفعل، حتى تظافر على ذلك قوله وفعله صلى الله عليه وسلم.
ق: وفيه: جواز قول القائل: ما صلينا، خلاف ما يتوهمه قوم (1) من الناس، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة؛ لشغله بالقتال؛ كما ورد مصرحا به في حديث آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«شغلونا عن الصلاة الوسطى» (2)، فتمسك به بعض المتقدمين في تأخير الصلاة في حال الخوف إلى حالة الأمن، والفقهاء على إقامة الصلاة في حالة الخوف (3)، وهذا الحديث ورد في غزاة الخندق، وصلاة الخوف فيما قيل شرعت في غزوة ذات الرقاع، وهي بعد ذلك.
قلت: وقد تقدم التنبيه على هذا.
قال: ومن الناس من سلك طريقًا آخر، وهو أن الشغل إن أوجب النسيان، فالترك للنسيان، وربما ادعى الظهور في الدلالة على النسيان، وليس كذلك، بل الظاهر تعلق الحكم بالمذكور لفظًا، وهو الشغل (4).
قلت: وهو كما قال الشيخ رحمه الله تعالى.
الرابع: «بطحان» ، قيل: إنه واد بالمدينة، واختلف في ضبطه؛ فالمحدثون يقولونه بضم الباء وإسكان الطاء، واللغويون يفتحون الباء
(1) في (خ): قليل.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
إلى حالة الأمن، والفقهاء على إقامة الصلاة في حالة الخوف ليس في (ق).
(4)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 155).
ويكسرون الطاء (1)، ويجوز فيه الصرف وتركه على تأويل المكان أو البقعة (2).
الخامس: قد تقدم أن الحديث مصرح بتقديم الفائتة على (3) الحاضرة، وتقدم -أيضا - نقل الخلاف بين العلماء في وجوب الترتيب، وعدم وجوبه بما يغني عن الإعادة.
لكن يزاد هنا أن يقال: إن ضم إلى هذا الحديث الدليل على تضيق وقت المغرب، كان فيه دليل على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة عند ضيق الوقت؛ لأنه لو لم يجب، لم تخرج الحاضرة عن وقتها لفعل ما ليس بواجب، أو نقول: إن فعله عليه الصلاة والسلام للوجوب، فبأحد هذين الأمرين يستدل على وجوب الترتيب في الفوائت مع الحاضرة، والله أعلم (4).
السادس: ظاهر قوله: «فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها» يعطي أنهم صلوا معه عليه الصلاة والسلام جماعة، فيؤخذ منه التجميع للفوائت، وقد جاء ذلك صريحا في حديث الوادي، والله أعلم.
(1) في (ق): "ويسكنون.
(2)
انظر: «معجم ما استعجم» لأبي عبيد البكري (1/ 258)، و «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (1/ 115).
(3)
في (ق): "عن.
(4)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 155) ..