الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
26 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ ، فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ، أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ؛ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (219)، كتاب: الوضوء، باب: يهريق الماء على البول، وهذا لفظه. ورواه أيضا (216)، كتاب: الوضوء، باب: ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد، و (218)، باب: صب الماء على البول في المسجد، و (5679)، كتاب: باب: الرفق في الأمر كله. ورواه مسلم (284، 285)، (1/ 235)، كتاب: الطهارة، باب: وجوب غسل البول وغير من النجاسة، والنسائي (53، 54، 55)، كتاب: الطهارة، باب: ترك التوقيت في الماء، و (329)، كتاب: المياه، باب: التوقيت في الماء، وابن ماجه (528)، كتاب: الطهرة، باب: الأرض التي يصيبها البول كيف تغسل؟
* مصَادر شرح الحَدِيث:
«الاستذكتر» لابن عبد البر (1/ 358)، و «المنتقى» لأبي الوليد الباجي (1/ 462)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 107)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 543)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 190)، و «شرح عمدة الأحكام» لبان دقيق (1/ 82)، و «النكت على العمدة» للزركشي (ص: 43)، و «التوضيح» لابن الملقن =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: (الأعرابي): الذي يسكن البادية، وإن لم يكن من العرب، والعربي: منسوب إلى العرب، وإن كان في الحضر، والعربُ: ولد إسماعيل عليه السلام، وإنما نسب (1) الأعرابي إلى الجمع دون الواحد؛ لأنه جرى مجرى القبيلة؛ كأنمار، وقيل: لأنه لو نسب إلى الواحد، وهو عرب، لقيل: عربي، فيشتبه المعنى؛ فإن العربي كل من هو من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام؛ كما تقدم، سواء كان ساكنا في البادية، أو لا، وهذا عين المعنى الأول (2).
الثاني: (الطائفة من الشيء): القطعة منه.
و (المسجد) - بكسر الجيم وفتحها-، وقيل: بالفتح: اسم لمكان السجود، وبالكسر اسم للموضع المتخذ مسجدا.
ح: قال الإمام أبو حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي في كتابه «تثقيف (3) اللسان» : ويقال للمسجد: مَسْيِد -بفتح الميم -، حكاه غير
= (4/ 401)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 323)، و «عمدة القاري» للعيني (3/ 124)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 320)، و «سبل السلام» للصنعاني 01/ 24)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 53).
(1)
في (ق): "ينسب.
(2)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 82)، وانظر:«الصحاح» للجوهري (1/ 178)، و «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (ص: 145)، (مادة: عرب).
(3)
في (خ): تنظيف.
واحد من أهل اللغة (1).
و (الزجر): المنع والنهي (2)، يقال: زجره، وازدجره، فانزجر، وازدجر (3).
والذَّنوب - بفتح الذال المعجمة -: من الألفاظ المشتركة، وهو في الحديث: الدلو الملأى ماء (4).
وقال (5) ابن السكيت: فيها قريب من الملء، تؤنث وتذكر (6)، ولا يقال لها وهي فارغة: ذنوب (7). والجمع في أدنى العدد أَذْنِبَةٌ، والكثير ذَنَائِبُ، مثل قَلُوصٌ وَقَلَائِصُ، والذنوب - أيضا ت: - الفرس الطويل والنصيب، ولحم أسفل المتن (8).
و (أهريق عليه): صُبَّ عليه، والأصل: أريق (9)، والهاء زائدة.
الثالث: أما أحكامه:
(1) انظر: «تحرير ألفاظ التنبيه» للنووي (ص: 40).
(2)
والنهي ليس في (ق).
(3)
انظر: «المحكم» لابن سيده (7/ 289).
(4)
انظر: «الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي» للأزهري (ص: 178).
(5)
في (ق): "فقال.
(6)
في (خ): يؤنث ويذكر.
(7)
انظر: «إصلاح المنطق» لابن السكيت (ص: 361).
(8)
انظر: «تفسير القرطبي» (17/ 57).
(9)
في (ق) زيادة: عليه.
ففيه: إثبات نجاسة بول الآدمي، وهو مجمع عليه إذا أكل الطعام.
وفيه: احترام المسجد، وتنزيهه عن الأقذار.
وفيه: أن الأرض تطهر بصب الماء عليها، من غير حفرها، ونقل ترابها؛ خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله في اشتراطه حفرها.
قال الفقهاء: يصب على البول ما يغمره من غير تحديد، واستحب بعضهم أن يكون محددا بسبعة أمثال البول (1).
وفيه: أن غُسالة النجاسة طاهرة، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها، ومذهبنا: إذا انفصلت الغُسالة عن المحل متغيرة، فهي نجسة، وإن انفصلت غير متغيرة، فهما طاهران، وأنه لا يشترط الاستقصاء في إزالة الغُسالة عن محل النجاسة بعد انفصال الماء غير متغير، بل يطهر، وإن لم يعصر الثوب، وكذلك لا يستقصي في إزالة الرطوبة عن الإناء؛ لأن المنفصل من الماء عن المحل جزء من المتصل، والمتصل طاهر، فالمنفصل (2) مثله، فيستوي انفصال الكل والبعض (3).
وللشافعية في المسألة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها طاهرة.
والثاني: نجسة.
(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 83).
(2)
في (ق): "والمنفصل طاهر، فالمتصل مثله.
(3)
«الذخيرة» للقرافي (1/ 189).
والثالث: إن انفصلت وقد طهر المحل، فهي طاهرة، وإن انفصلت ولم يطهر المحل (1)، فهي نجسة، وهو الصحيح عندهم.
وهذا كله إذا انفصلت غير متغيرة، أما إذا انفصلت متغيرة، فهي نجسة إجماعا، سواءً تغير طعمها، أو لونها، أو ريحها، وسواء كان التغير قليلاً، أو كثيرا، كان الماء قليلاً أو كثيرا، والله أعلم (2).
وفيه: الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، إذا لم يأت بالمخالفة استخفافًا ولا عنادا.
وفيه: دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما؛ لنهيه عليه الصلاة والسلام عن زجره.
قال العلماء: كان قوله صلى الله عليه وسلم: «دعوه» لمصلحتين:
إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله، تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.
والثانية: إن التنجيس قد حصل في جزء يسير (3) من المسجد، فلو أقاموه في أثناء بوله، لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد، والله أعلِم (4).
(1) فهي طاهرة، وإن انفصلت ولو يطهر المحل ليس في (ق).
(2)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 191).
(3)
في (ق): "ليس.
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
قلت: ففي هذا: الإبانة عن كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وعظيم علمه وسني حكمته، وجميل (1) صفاته؛ من اللطف، والرفق بالجاهل، وغيره صلى الله عليه وسلم.
مسألة:
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: وإذا أصابت الأرض نجاسة، ومطرت مطرا عاما، كان ذلك مطهرا لها، وكانت في معنى صب الذنوب وأكثر.
قلت: ولا ينبغي أن يختلف في ذلك، والله أعلِم.
وقال - أيضا -: روي عن أبي قلابة: أنه قال: جفوف الأرض طهورها (2).
وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: الشمس تزيل النجاسة عن الأرض إذا ذهب الأثر.
وقال الشافعي، وأحمد بن حنبل: في الأرض إذا أصابتها النجاسة: لا يطهرها إلا الماء.
قلت: ولا أعلم في مذهبنا ما يخالف هذا؛ أعني: أن الماء مشترط في التطهير، إلا ما حكي عن أشهب، من أن النجاسة تزال بالخل ونحوه، والله أعلم (3).
* * *
(1) في (ق): "وجميع.
(2)
رواه عبد الرزاق في «المصنف» (5143)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (625).
(3)
انظر: «معالم السنن» للخطابي (1/ 117).