المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كِتْابُ الطهارة   ‌ ‌الحديث الأول 1 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: كِتْابُ الطهارة   ‌ ‌الحديث الأول 1 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله

كِتْابُ الطهارة

‌الحديث الأول

1 -

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ - وَفِي رِوَايَةٍ: بِالنِّيَّاتِ -، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1)، كتاب: بدء الوحي،‌

‌ باب:

كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، و (54)، كتاب: الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، و (2392)، كتاب: العتق، باب: الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، و (4783)، كتاب: النكاح، باب: من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى، و (6311)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النية في الأيمان، و (6553)، كتاب: الحيل، باب: في ترك الحيل، ومسلم (1907)، كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنية» ، وأبو داود (2201)، كتاب: الطلاق، باب: فيما عني به الطلاق والنيات، والنسائي (75)، كتاب: الطهارة، باب: النية في الوضوء، و (3437)، كتاب: الطلاق، باب: الكلام إذا قصد به فيما يحتمل معناه، و (3794)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النية في اليمين، والترمذي (1647)، كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء فيمن =

ص: 11

* الشرح:

مادة (كتب)(1) مع هذا التبويب دالة على الجمع والضم، ومنه الكتيبة، والكتابة، والكتب، واستعملوا ذلك فيما (2) يجمع أشياء من الأبواب والفصول والمسائل؛ لحصول معنى الجمع والضم فيه، ثم قد يحتمل أن يكون حقيقة إذا جنحت (3) بالضم إلى المكتوب من الحروف بالنسبة (4) إلى محلها، ويحتمل أن يكون مجازا بالنسبة إلى المعنى المدلول عليه بالألفاظ المذكورة، فإن الجمع والضم حقيقة في الأجسام (5).

والطهارة: فعالة من الطُّهر، وهي على قسمين: لغوية، وشرعية.

= يقاتل رياء وللدنيا، وابن ماجه (4227)، كتاب: الزهد، باب: النية.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

«معالم السنن» للخطابي (3/ 244)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (6/ 332)، و «المفهم» للقرطبي (3/ 744)، و «شرح مسلم» للنووي (13/ 53)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 7)، و «العدة في شرح العمدة» لابن العطار (1/ 41)، و «التوضيح» لابن الملقن (2/ 118)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 10)، و «عمدة القاري» للعيني (1/ 16)، و «إرشاد الساري» للقسطلاني (1/ 51).

(1)

في (ق): "كتاب.

(2)

في (ق): "في الذي.

(3)

في (ق): "إذا اجتمعت.

(4)

في (ق): "بالتنبيه.

(5)

انظر: «شرح الإلمام» لابن دقيق (1/ 33).

ص: 12

فاللغوي: النزاهة والخلوص من الأدناس، قال الله (1) -تعالى-:{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55]؛ أي: مخلصك من أدناسهم، وقال -تعالى-:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، وليس على المجاز، والتشبيه بالتطهير (2) بالماء لتأكيد الفعل بالمصدر، وهو في الأغلب يمنع المجاز.

وأما الشرعية: فرفع الحدث، وإزالة الخبث، أو ما (3) في معناهما؛ من تجديد الوضوء، وإزالة النجاسة (4)، والتيمم، وغير ذلك مما لا يرفع حدثا، ولا يزيل خبثا، ولكنه في معناه.

وأما الطُّهارة -بضم الطاء-، فقيل: هي بقية الماء المتطهر به (5).

* التعريف:

عمر رضي الله عنه: هو الفاروق، وكنية أبو حفص بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح -بكسر الراء المهملة بعدها المثناة تحت- ابن عبد الله بن قرطِ بن رزاح -بفتح الراء المهملة-، بعدها زاي معجمة ابن عدي بن كعب القرشي العدوي؛ يجتمع (6) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) لفظة الجلالة الله ليس في (ق).

(2)

في (ق): "وليس على المجاز، والتطهير .... .

(3)

في (ق): "وما.

(4)

وإزالة النجاسة ليس في (ق).

(5)

انظر: «شرح الإلمام» لابن دقيق (1/ 34).

(6)

في (ق): "يجمع.

ص: 13

في كعب بن لؤي.

وأمه: حنتمة -بحاء مهملة بعدها نون، بعدها المثناة فوق- بنت هاشم بن المغيرة، أخي هشام بن المغيرة، والد أبي جهل بن هشام، والحارث بن هشام، وهاشم جد عمر لأمه -على الأصح-، يقال له: ذو الرمحين.

أوصى له أبو بكر رضي الله عنه بالخلافة، فتولاها يوم مات أبو بكر رضي الله عنه، وهو يوم الثلاثاء، لثلاث بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة.

أسم قديما، وهاجر إلى المدينة قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وشهد المشاهد كلها، ومناقبه أشهر من أن تذكر، ومآثره أكثر من أن تحصر.

ولي الخلافة عشر سنين وخمسة أشهر، وقيل: ستة أشهر، وقتل يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وقيل: لثلاث بقين منه (1) سنة ثلاث وعشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، سِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه على الصحيح من ذلك.

ودفن مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر رضي الله عنه في بيت عائشة، وصلى عليه صهيب بن سنان الرومي.

مات شهيدا، قتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، طعنه وهو

(1) وقيل: لثلاث بقين منه ليس في (ق).

ص: 14

يصلي بالناس صلاة الصبح، فأقام ثلاثة أيام ومات، وقيل: سبعة أيام.

قال عمرو (1) بن علي: «مات يوم السبت غرة المحرم، سنة أربع وعشرين» (2).

* وقد روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد خلق كثير، ينيِّف عن المئتين بكثير (3).

وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية؛ قالوا: «ولا يصح مسندا إلا من (4) أربعة حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقد اتفق على صحته مع أنه غريب، إذ لم يصح إلا من رواية

(1) في (ق): "عمر وهو خطأ، وعمرو بن علي هو الفلاس، أحد الحفاظ البصريين الكبار.

(2)

وانظر ترجمته في: «الطبقات البرى» لابن سعد (3/ 265)، و «حلية الأوياء» لأبي نعيم (1/ 38)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 1144)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (44/ 3)، و «صفة الصفوة» لابن الجوزي (1/ 268)، و «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 137)، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 324)، و «تهذيب الكمال» للمزي (21/ 316)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (4/ 588).

(3)

نقل ابن الملقن في «التوضيح» (2/ 157) عن الحافظ محمد بن علي الخشاب أنه قال: روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد نحو مئتين وخمسين رجلا.

(4)

من ليست في (ق).

ص: 15

عمر رضي الله عنه، ولم يروه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي (1)، ولم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنثاري، ورواه عن يحيى بن سعيد نحو من مئتين وخمسين رجلا، كما تقدم.

* ثم (2) الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: هذا الحديث متفق على صحته -كما تقدم-، مجمع على عظم موقع وجلالته، وهو وأحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وقد اختلف فيها؛ فقيل: هي أربعة أحاديث: «الأعمال بالنيات» ، «الحلال بين والحرام بين» (3)، و «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (4)

(1) في (ق): "التميمي.

(2)

ثم ليست في (ق).

(3)

رواه البخاري (52)، كتاب: الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599)، كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، من حديث النعمان بن بشير

رضي الله عنه.

(4)

رواه الترمذي (2317)، كتاب: الزهد، باب: 11، وقال: حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وابن ماجه (3976)، كتاب: الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة، وابن حبان في «صحيحه» (229)، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ثم رواه الترمذي (2318)، كتاب: الزهد، باب: 11، من طريق الإمام مالك، عن الزهري، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، مرسلا. =

ص: 16

«وازهد في الدنيا يحبك الله» (1)، وقد نظمها أبو الحسن طاهر بن الْمُفَوَّز (2) رحمه الله تعاتلى-، فقال:

عُمْدَةُ الدِّينِ عِنْدَنَا كَلِمَاتٌ

أَرْبَعٌ مِنْ كَلَامِ خَيْرِ الْبَرِيَّهْ

اِتَّقِ الشُّبُهَاتِ وَازْهَدْ وَدَعْ مَا

لَيْسَ يَعْنِيكَ وَاعْمَلَنَّ بِنِيَّهْ (3)

وقال أحمد بن حنبل: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث؛ «الأعمال بالنية» ، و «الحلال بين، والحرام بين» ، و «من أحدث في أمرنا ما ليس منه (4) فهو رد» (5)(6).

= قال: وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري، عن الزهري، عن علي ابن الحسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلا، وهكذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، اهـ.

(1)

رواه ابن ماجه (4102)، كتاب: الزهد، باب: الزهد في الدنيا، والحاكم في «المستدرك» (7873)، وصححه، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، وإسناده حسن.

(2)

هو الإمام الحافظ المجود أبو الحسن طاهر بن مفوز بن احمد بن مفوز المعافري الشاطبي، المتوفى سنة (484 هـ).

انظر: «تذكرة الحافظ [1]» للذهبي (4/ 1222).

(3)

انظر: «جامع العلوم والحكم» لابن رجب (ص: 10).

(4)

في (ق): "فيه، وكلاهما ورد في «الصحيح» .

(5)

رواه البخاري (2550)، كتاب: الصلح، باب: إذا اصطلحوا على صلح جور، فالصلح مردود، ومسلم (1718)، كتاب: الأقضية، باب: نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(6)

رواه ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (1/ 47) عن الإمام أحمد.

ص: 17

وقال أبو داود: «الفقه يدور على خمسة أحاديث، «الأعمال بالنيات» ، و «الحلال بين، والحرام بين» (1)، و «وما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» (2)، و «لا ضرر ولا ضرار» (3)(4).

وروي عن أبي داودالسجستاني، قال:«كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مئة ألف حديث، الثابت منها أربعة آلاف حديث، وهي ترجع إلى أربعة أحاديث: قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات» ، وقوله:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (5)، وقوله:«لا يكون المؤمن مؤمنات حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه» (6)

(1) تقدم تخريجه قريبا.

(2)

رواه البخاري (6858)، كتاب: الاعتصام، بابا: الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم (1337)، (4/ 1830)، كتاب: الفضائل، باب: توقيره صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

رواه ابن ماجه (2340)، كتاب: الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ورواه كذلك (2341)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وانظر الكلام عن الحديث وطرقه في «الدراية» لابن حجر (2/ 282).

(4)

رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (2/ 290) عن الإمام أبي داود.

(5)

تقدم تخريجه قريبا.

(6)

رواه البخاري (13)، كتاب: الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم (45)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، من =

ص: 18

الحديث (1)، وقوله:«الحلال بين، والحرام بين» (2).

وقال الشافعي رحمه الله: «يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه» (3).

قلت: يحتمل أن يريد بالسبعين: التحديد، ويحتمل أن يريد: المبالغة (4) في التكثير؛ لأن العرب تستعمل السبعين في ذلك، ومن ذلك (5) قوله -تعالى-:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} (6) الآية [التوبة: 80]، والله أعلم.

وكان السلف وتابعوهم رحمهم الله يستحبون استفتاح المصنفات بهذا الحديث؛ تنبيها للمطالع على حسن النية، واهتمامه بذلك، واعتنائه به.

وقال أبو سليمان الخطابي: «كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون

= حديث أنس رضي الله عنه بلفظ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» .

(1)

الحديث ليس في (ق).

(2)

رواه عن الإمام أبي داود الخطيب في «تاريخ بغداد» (9/ 57)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (22/ 196).

(3)

رواه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» (2/ 290).

(4)

في (ق): "بالمبالغة.

(5)

في (ق): "فمن ذلك.

(6)

في (ق) زيادة: {فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} .

ص: 19

تقديم حديث: «الأعمال بالنيات» ، أمام كل شيء ينشأ ويبدأ (1) من أمور الدين؛ لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها (2).

قلت: ومثل هذا الحديث في اعتبار النية قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (3)، وكلاهما يشير إلى قوله -تعالى-:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقوله -تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، والمراد من ذلك: أن تكون أفعال العبد وأقواله متمحضة (4) لإرادة التقرب إلى الله -تعالى-، أعاننا الله على ذلك.

الثاني: كلمة (إنما) تقتضي الحصر لوجهين:

أحدهما: أن (5) ابن عباس رضي الله عنهما لم يعارض في فهمه الحصر منها في قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الربا في النسيئة» (6)، وعورض بدليل آخر يقتضي

(1) في (ق): "ويبدأ.

(2)

انظر: «الأذكار» للنووي (ص: 5).

(3)

رواه مسلم (2564)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، إلا أنه قال:«وأموالكم» بدل «وأبشاركم» .

(4)

في (ق): "منضحضة.

(5)

أن ليست في (ق).

(6)

رواه مسلم (1596)، كتاب: المساقاة، باب: بيع الطعام مثلا بمثل، من حديث ابن عباس، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهم.

ص: 20

ربا الفضل، ففي ذلك أيما اتفاق على أنها للحصر.

الثاني: قالوا: إنها مركبة من الإثبات والنفي، فإما أن تفيد نفي المذكور وإثبات غيره، أو العكس، والأول لا سبيل إليه، فتعين الثاني، وهو المطلوب.

و (1) قال أبو علي الفارسي في «شيرازياته» : «يقول ناس من النحويين في قوله -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} [الأعراف: 33]: إن المعنى: ما حرم ربي إلا الفواحش، قال: ووجدت ما يدل على صحة قولهم في هذا، وهو قول الفرزدق:[من الطويل]

أَنَا الذَّئِدُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإِنّمَا

يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي

و (2) قال الزجاج: «والذي أختاره في قوله -تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} [البقرة: 173]: أن تكون (ما) هي التي تمنع (إن) من العمل، ويكون المعنى: ما حرم عليكم إلا الميتة؛ لأن (إنما) تأتي إثباتا لما يذكر بعدها، ونفيا لما سواه.

وقال أبو علي: التقدير في البيت: وما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي (3).

وقال ابن عطية: (إنما) لفط لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث

(1) الواو ليست في (ق).

(2)

الواو ليست في (ق).

(3)

انظر: «دلائل الإعجاز» للجرجاني (ص252 - 253).

ص: 21

وقع، ويحصل مع ذلك للحصر، فإذا دخل في قصة (1) وساعد معناها على الانحصار، صح ذلك، وترتب؛ مثل قوله -تعالى-:{إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171]، وغير ذلك من الأمثلة، وإذا كانت (2) القصة لا يتأتى فيها انحصار، بقيت (إنما) للمبالغة والتأكيد فقط؛ كقوله عليه الصلاة والسلام:«إنما الربا في النسيئة» ، وقولهم (3): إنما الشجاع عنترة.

قال: وأما من قال: (إنما) لبيان البموصوف، فهي عبارة فاترة؛ إذ بيان الموصوف يكون في مجرد الإخبار دون (إنما) انتهى كلامه (4).

قلت: وأبسط من هذا أن يقال: إن (إنما) تارة تقتضي الحصر المطلق، وتارة تقتضي حصرا مخصوصا، ويفهم ذلك بالقرائن والسياق.

فالأول: كقوله -تعالى-: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: 171]، هاهنا على إطلاقه؛ لشهادة العقول والنقول على وحدانيته -تعالى-، وغير ذلك من الأمثلة مما في هذا المعنى.

والثاني: كقوله -تعالى-: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد: 7]؛ أي: بالنسبة

(1) في قصة زيادة من (ق).

(2)

في (خ): كان.

(3)

في (ق): "وكقولهم.

(4)

انظر: «المحرر الوجيز» لابن عطية (2/ 500.

ص: 22

لمن لا يؤمن، وإلا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا تحصر صفاته الجميلة من البشارة، والشجاعة، والكرم، وغير ذلك، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي» (1)، أي: بالنسبة إلى الاطلاع على بواطن الخصم، لا بالنسبة إلى كل شيء، على ما تقرر، وكذلك قوله -تعالى-:{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: 36]؛ أي: باعتبار من آثرها، والله أعلم، وإلا، فقد تكون سبيلا إلى الخيرات، وموصلة إلى الدرجات، عليها يبلغ الخير، وبها ينجو من الشر، أو يكون ذلك من باب التغليب لحال الأكثر؛ إذ الواقع كذلك، فاعتبر هذا الأص، فحيث دل السياق على الحصر في شيء مخصوص، فقل به، وإلا (2)، فالأصل الإطلاق، ومن قوله عليه السلام:«إنما الأعمال بالنيات» .

فائدة: قال ابن خطيب زملكا (3) رحمه الله: أودع فهمك أن الأصل في

(1) رواه البخاري (6566)، كتاب: الحيل، باب: إذا غصب جارية، ومسلم (1713)، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.

(2)

وإلا ليست في (ق).

(3)

هو الإمام العالم عبد الواحد بن عبد الكريم، كمال الدين أبو المكارم ابن خطيب زملكا، كانت له معرفة تامة بالمعاني والبيان، وله فيه مصنف، هو جد الإمام الزملكاني، توفي سنة (651 هـ). انظر:«طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 316).

ص: 23

في (إنما): أن تجيء بخبر لا يجهله المخاطب، أو لما هو منزل (1) هذه المنزلة، ومثال الأول: قولهم: إنما يعجل من يخشى الفوت، وفي التنزيل:{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} [الأنعام: 36]، و {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45]، كل ذلك يذكر بأمر معلوم، فإن كل عاقل يعلم أنه لا تكون استجابة إلا ممن يسمع، وأن الإنذار إنما يجدي إذا كان مع من يصدق بالبعث، ومنه قولك: إنما هو أخوك، وإنما هو صاحبك القديم لمن يقر به ويعلمه (2)، غير أنك تريد أن تنبهه على ما يجب من حق الأخوة عليه.

ومثال الثاني قوله: [الخفيف]

إِنَمَا مُصْعَبٌ شِهَابٌ مِنَ اللَّ

هِ تَجَلَّتْ عَنْ وَجْهِهِ الظَّلْمَاءُ (3)

ادعى أن الممدوح بهذه الصفة ثابت له ذلك، معلوم لا خفاء به، على عادة الشعراء في دعواهم أن الصفات التي ذكرت للممدوح لا يكتنفها النزاع، كما قال البحتري:[الكامل]

لَا أَدَّعِي لِأَبِي الْعَلَاءِ فَضِيلَةً

حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ عِدَاهُ

ومثله: إنما هو أسد وسيف صارم، كان ذلك مما لا يدفع (4).

(1) في (خ): تتنزل.

(2)

في (ق): "تقربه وتعلمه.

(3)

البيت لعبيد الله بن الرقيات.

(4)

قلت: ما نقله المؤلف عن ابن خطيب زملكا، هو بعينه في «دلائل الإعجاز» =

ص: 24

الثالث: الأعمال ثلاثة: بدنية، وقلبية، ومركبة منما:

فالأول: كل عمل لا يشترط فيه النية؛ كرد الغصوب والعواري، والودائع والنفقات، وإزالة النجاسات، ونحو ذلك.

والثاني: كالاعتقادات، والتوبة، والحب والبغض في الله -تعالى-، وما أشبه ذلك.

والثالث: كالوضوء، والصلاة، والحج، وكل عبادة بدنية مشترط في حصولها النية، قولا كان أو فعلا، وبعض الخلافيين يخصص العمل بما لا يكون قولا (1)، واستبعد؛ لأن القول (2) عمل جارحي، ولا فرق في ذلك بين جارحة وجارحة، أما الأفعال فقد استعملت مقابلة للأقوال (3)، ولا شك أن هذا الحديث يتناول الأقوال، والله أعلم.

الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: (بالنيات» يتعلق بمحذوف هو الخبر.

فمن أوجب النية، قدره: إنما الأعمال مجزئة، أو: معتبرة بالنيات، أو (4): إنما صحت الأعمال، أو: اعتبار الأعمال بالنيات، فيكون قد

= للجرجاني (ص: 524 - 525)، وقد كانت وفاة الجرجاني سنة (471 هـ) وقيل:(474 هـ).

(1)

في (ق): "لا يكون فيه قول.

(2)

في (ق): "العمل.

(3)

في (خ): الأقوال.

(4)

في (ق): "و.

ص: 25

حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه.

ومن لم يوجبها، قدره: إنما الأعمال كاملة بالنيات، أو (1): إنما كمال الأعمال بالنيات.

ورجح الأول من حيث إن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى؛ لأن ما كان ألزم للشيء، كان أقرب خطور بالبال عند إطلاق اللفظ، وهذا الحديث أصل في وجوب النية في سائر العبادات.

واحتجوا -أيضا- بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية» الحديث (2).

واحتجوا -أيضا- بقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن مسعود: «إذا أنفق الرجل على أهله، وهو يحتسبها، فهي له صدقة» (3).

وفي حديث سعد: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا

(1) في (ق): "و.

(2)

رواه البخاري (2631)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الجهاد والسير، ومسلم (1353)، كتاب: الإمارة، باب: المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

رواه البخاري (5036)، كتاب: النفقات، باب: فضل النفقة على الأهل، ومسلم (1002)، كتاب: الزكاة، باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، لكن من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.

ص: 26

أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك» (1)، وغير ذلك من الأحاديث.

وأما ما في الكتاب العزيز، فقوله -تعالى-:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].

وقوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84]، قال البخاري: على نيته (2)(3).

وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20]، فأخبر سبحانه أنه لا يكون في الآخرة نصيب إلا لمن قصدها بالعمل، والله أعلم.

الخامس: وجه إفراد النية على هذه الرواية كونها مصدرا، وإنما جمعت (7) في رواية «بالنيات» ؛ لاختلاف أنواعها ومعانيها؛ لأن المصدر إذا اختلفت أنواعه، جمع، نحو: الحلوم، والعلوم، وما أشبه ذلك، فمتى أريد مطلق النية من غير نظر لأنواعها، تعين الإفراد، ومتى

أريد

(1) رواه البخاري (56)، كتاب: الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ومسلم (1628)، كتاب: الوصية، باب: الوصية بالثلث.

(2)

قال البخاري: على نيته ليس في (ق).

(3)

انظر: «صحيح البخاري» (1/ 29).

ص: 27

غير (1) ذلك جمعت.

السادس: حقيقة النية قصد المكلف (2) الشيء المأمور به، وقيل: قصد الشيء وتخصيصه ببعض أحكامه وأوصافه.

ومحلها القلب عند الجمهور، لا الدماغ؛ لقوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، والإخلاص إنما يكون بالقلب.

وقال تعالى: {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37].

وقال صلى الله عليه وسلم (3): «التقوى ها هنا» وأشار إلى صدره ثلاثًا (4)(5).

وهذا مما لا يدرك إلا بالسمع، وظواهر السمع تقتضي الأول، وإذا ثبت أن محلها القلب، فالذي يقع به الإجزاء عندنا أن ينوي العبادة بقلبه من غير نطق بلسانه، وهو الأفضل -أيضا-؛ إذ اللسان ليس محلاً للنية على ما تقرر.

ونقل التلمساني من أصحابنا عن صاحب «الاستلحاق» (6):

(1) غير ليست في (خ).

(2)

المكف ليست في (ق).

(3)

في (ق): "وقال علي بن أبي رضي الله عنه.

(4)

ثلاثا ليس في (ق).

(5)

رواه مسلم (2564)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم ظلم المسلم واحتقاره ودمه وعرضه وماله، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

لابن فتحون محمد بن خلف بن سليمان أبو بكر الأندلسي المالكي، المتوفى سنة (520 هـ) كتاب: «الاستلحاق على الاستيعاب في معرفة =

ص: 28

استحباب النطق، وهو غير المعروف من مذهب مالك رحمه الله.

فائدة:

قيل: جميع النيات المعتبرة في العبادات لا بد لها من المقارنة للفعل، إلا الصيام، والكفارات، فإنه يجوز تقديمها على الفعل والشروع (1).

السابع: إن قلت: ما فائدة قوله عليه الصلاة والسلام: «وإنما لكل امرئ ما نوى» بعد تقدم لفظ يقتضي التعميم، وهو قوله:«إنما الأعمال بالنيات» ؟

قلت: فيه معنى جليل، وهو أن اللفظ الأول إنما يقتضي اشتراط النية لكل عمل، وذلك لا يقتضي منع الاستنابة في النية؛ إذ لو نوى واحد عن غيره لصدق عليه أنه عمل بنية، وذلك ممتنع، فلما قال صلى الله عليه وسلم:«وإنما لكل امرئ ما نوى» ، أفادنا النص على منع الاستنابة في النية، فاعرفه.

وقد استثني من هذا نية الولي عن الصبي في الحج، والمسلم عن زوجته الذمية عند طهرها من الحيض، على القول بذلك، وحج الإنسان عن غيره.

الثامن: يقال: امرؤ، وَمَرْءٌ، قال الله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ

= الأصحاب لابن عبد البر»، وقد كان رحمه الله فقيها محدثا.

انظر: «هدية العارفين» (6/ 84).

(1)

من قوله: فائدة .... إلى هنا سقط من (ق).

ص: 29

يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، وفي المؤنث: امرأة، ومَرْأة، ومَراة، بغير همز في الثالث (1).

و (ما) بمعنى الذي، وصلته (نوى)، والعائد محذوف، أي: نواه، وإن قدرت (ما) مصدرية، لم يحتج إلى حذف؛ إذ (ما) المصدرية عند سيبويه حرف، والحروف لا تعود عليها الضمائر (2)، والتقدير: لكل امرئ نيته.

التاسع: قوله عليه الصلاة والسلام: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله» إلى آخره.

القاعدة في صناعة النحو: التغاير بين فعلي (3) الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر في الأمر العام، ولم يتغايرا هنا، فلا بد من تقدير محذوف يصح معه الكلام، وقد قدره بعضهم: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وعقدا، فهجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا.

العاشر: الهجرات الواقعة في الإسلام، قيل: هي خمس:

الأولى: الهجرة إلى الحبشة، حين آذى المشركون أصحاب (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) في (خ): في الثاني.

(2)

الضمائر ليس في (ق).

(3)

فعلي ليس في (ق).

(4)

أصحاب ليس في (ق).

ص: 30

الثانية: الهجرة المفترضة على أهل مكة، أن يهاجروا إلى المدينة عند مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها.

وفي هذه الهجرة نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: 72]، وقال صلى الله عليه وسلم:«لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار» (1)، إشارة (2) إلى هذه الهجرة.

الثالثة: هجرة القبائل للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح، كانوا يأتونه يقتبسون منه الشرائع، ويتعلمون منه سنن الهدى والإسلام؛ كوفد عبد القَيْس، وغيرهم، ثم يرجعون إلى مواطنهم، ويعلمون قومهم.

الرابعة: الهجرة الواجبة على من أسلم من أهل مكة أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجعوا إلى مكة؛ كفعل صفوان بن أمية.

الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه، وهي المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام:«والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (3).

قال بعض المتأخرين من أصحابنا: وهي الهجرة العظمى التي اندرج جميع الأقسام تحتها.

ولقوله عليه الصلاة والسلام: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» .

فائدتان:

(1) رواه البخاري (4057)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الطائف، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.

(2)

في (ق): "أشار.

(3)

رواه البخاري (10)، كتاب: الإيمان، باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

ص: 31

فائدة ترجع للمهاجرين؛ لكي لا يتكل على نفس الهجرة، فبين لهم عليه الصلاة والسلام أن الهجرة التامة الكاملة هي (1) هجران الفواحش، ففيه حض على التزام الطاعات (2)، وعدم الاغترار بالهجرة، وحث على الجد في الفضائل، وأن لا يعتمدوا على الهجرة ويتركوا

العمل.

والفائدة الثانية: ترجع إلى من لم يهاجر، ففيه ترجية لهم، وإيناس وتبيين أن سبل الطاعات باقية، وأعمال الخير متلاحقة، وأن اسم الهجرة باقٍ لهم مقول عليهم عند هجران المحارم

وجميع ما نهى الله عنه، بل هو أعظم هجرة، وأكبر فضيلة.

قلت: وينبغي أن تُسَدَّسَ بهجرة من أمكنه من المسلمين الخروج من دار الكفر؛ كما قيل، والله أعلم.

ومعنى الحديث يتناول الجميع، غير أن السبب يقتضي الهجرة من مكة إلى المدينة (3)؛ لما نقل: أنَّ رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة، لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأةً تسمى: أم قيس، فسمي: مهاجر أم قيس (4)؛ ولهذا خص عليه الصلاة والسلام

(1) في (ق): "في بدل هي.

(2)

في (ق): "الالتزام.

(3)

في (ق): "للمدينة.

(4)

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (8540)، عن ابن مسعود رضي الله عنه.

وذكر الحافظ ابن حجر في «الفتح» (1/ 10)، رواية ثانية عند الطبراني ومن =

ص: 32

في الهجرة ذكر المرأة دون سائر ما تنوى به الهجرة من أفراد الأغراض الدنيوية.

فإن قلت: لم ذم على طلب الدنيا، وهو أمر مباح، والمباح لا ذم فيه، ولا مدح؟

قلت: لم يخرج في الظاهر لطلب الدنيا، وإنما خرج في صورة طالب (1) فضيلة الهجرة، فأبطن خلاف ما أظهر؛ فلذلك

توجه عليه الذم، والله أعلم.

الحادي عشر: إن قلت: لم أعاد صلى الله عليه وسلم ما بعد الفاء الواقعة جوابا للشرط بلفظ الأول، أعني: قوله: «فهجرته إلى الله ورسوله» ، ولم يعده في قوله:«ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها» ، بل قال:«فهجرته إلى ما هاجر إليه» ؟

قلت: سر ذلك والله أعلم الإعراض عن تكرير ذكر (2) الدنيا، والغض منها، وعدم الاحتفال بأمرها، وذلك مناسب؛ لما قيل: من أحب شيئًا، أكثر من ذكره، وهو عليه الصلاة والسلام أبعد الناس عن حبها، وهذا معنى لطيف، فاعرفه، وبالله التوفيق.

= طريق أخرى عن ابن مسعود، ثم قال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك.

(1)

في (ق): "طلب.

(2)

ذكر ليست في (ق).

ص: 33