الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
37 -
عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ ، فَأَجْنَبْتُ ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ؛ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ:«إنَّمَا يَكْفِيَكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا» ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ، وَوَجْهَهُ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (340)، كتاب: التيمم، باب: التيمم ضربة، وانظر:(331)، باب: التيمم هل ينفخ فيهما؟ و (336)، باب: التيمم للوجه والكفين، و (339)، باب: إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت، أو خاف العطش، تيمم. رواه مسلم (368)، (1/ 280 - 281)، كتاب: الحيض، باب: التيمم، واللفظ له، وأبو داود (321 - 328)، كتاب: الطهارة، باب: التيمم، والنسائي (312)، كتاب: الطهارة، باب: التيمم في الحضر، و (317)، باب: نوع آخر من التيمم، و (319)، باب: نوع آخر، و (320)، باب: تيمم الجنب، والترمذي (144)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم، وابن ماجه (569)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم ضربة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
معالم السنن للخطابي (1/ 98)، وعارضة الأحوذي لابن العربي (1/ 239)، وإكمال المعلم للقاضي عياض =
* التعريف:
عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين، العنسيُّ، ثم المذحجيُّ، يكنى: أبا اليقظان حليف لبني مخزوم بن يقظة.
قال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: وممن شهد بدرا عمار بن ياسر.
وقال الواقديُّ، وطائفة من أهل (1) العلم بالنسب والخبر: إن ياسرا أبا عمار بن ياسر عربيٌّ قحطاني، مذحجي، من عنس (2) بن مذحج، إلا أن ابنه عمارا مولى لبني مخزوم؛ لأن أباه ياسرا تزوج أمة لبعض بني مخزوم، فولدت له عمارا، وذلك أن ياسرا والد عمار قدم
= (2/ 219)، والمفهم للقرطبي (1/ 613)، وشرح مسلم للنووي (4/ 56)، وشرح الإلمام (5/ 17)، وشرح عمدة الأحكام كلاهما لابن دقيق (1/ 111)، والعدة في شرح العمدة لابن العطار (1/ 241)، وفتح الباري لابن رجب (2/ 43)، والتوضيح لابن الملقن (5/ 214)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 444)، وعمدة القاري للعيني (4/ 17)، وكشف اللثام للسفاريني (1/ 470)، وسبل السلام للصنعاني (1/ 95)، ونيل الأوطار للشوكاني (1/ 332).
(1)
أهل زيادة من «ق» .
(2)
قلت: هو بفتح العين، وإسكان النون، وآخره سين مهملة، وهو الذي تنسب إليه القبيلة. انظر: الإكمال لابن ماكولا (6/ 91).
مكة مع أخوين له يقال لهما: الحارث، ومالك، في طلب أخ لهم رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وأقام ياسر بمكة، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فزوجه أبو حذيفة أمةً له، يقال لها: سمية، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة، فمن هنا هو عمار، مولى لبني مخزوم، وأبوه عربي كما ذكرنا، قال ابن عبد البر: لا يختلفون في ذلك.
قال أبو عمر: كان عمار وأمه سمية ممن عذب في الله عز وجل، ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه، واطمأن بالإيمان قلبه، فنزلت فيه:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106]، وهاجر إلى أرض الحبشة، وصلى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرا، والمشاهد كلها، وأبلى ببدر إبلاءً حسنا، ثم شهد اليمامة، فأبلى فيها أيضا، ويومئذ قُطعت أذنه.
وكان -فيما ذكر الواقدي- طويلاً، أشهل، بعيدَ ما بين المنكبين.
زاد غيره: آدم اللون، أصلع، في مقدم رأسه شعرات، وفي مؤخره شعرات، مجدع الأنف.
قال ابن عبد البر: روى سفيان، عن قابوس أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، في قول الله عز وجل:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام: 122]، قال: عمار بن ياسر، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، قال: أبو
جهل بن هشام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ عَمَارًا مُلِئَ إِيماناً إِلىَ مُشَاشِهِ» (1).
ومن حديث خالد بن الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَبْغَضَ عَمَّارًا، فَقَدْ (2) أَبْغَضَهُ اللهُ» ، قال خالد: فما زلتُ أحبه من يومئذ (3).
وروى عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «اشْتَاقَتِ الجَنَّةُ إِلَى عَمَّارٍ، وَسَلْمَانَ، وَبِلَالٍ» (4). وجاء عمار يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال:«مَرْحَبَا باِلطَّيِّبِ المُطَيِّبِ، ائْذَنُوا لَهُ» (5).
(1) رواه النسائي (5007)، كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان، من حديث رجل من الصحابة رضي الله عنه. وفي الباب عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهما أجمعين.
(2)
فقد ليس في «ق» .
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 89)، والنسائي في السنن الكبرى (8269)، وابن أبي شيبة في المصنف (32252). والطبراني في المعجم الأوسط (4796)، والحاكم في المستدرك (5674)، وفيه انقطاع في إسناده بين علقمة وخالد.
(4)
رواه الحاكم في المستدرك (4666)، من حديث أنس رضي الله عنه. وإسناده ضعيف.
(5)
رواه الترمذي (3798)، كتاب: المناقب، باب: مناقب عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (146)، في المقدمة، باب: فضل عمار ابن ياسر، والإمام أحمد في المسند (1/ 99)، وابن حبان في صحيحه (7075)، والحاكم في المستدرك (5662)، من حديث علي رضي الله عنه.
قلت: وفي هذا فائدة أخرى (1)، وهو أن يقال: مرحبا؛ للغائب عنك.
وروى الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: ما من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشاء أن أقول فيه إلا قلت، إلا عمار بن ياسر؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول-:«ملئ عمار إيمانا حتى أخمص قدميه» .
وقال عبد الرحمن بن أبزى: شهدنا مع علي صفين في ثمان مئة ممن بايع بيعة الرضوان، قُتل منا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر، لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام يتبعونه كأنه علم لهم، وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم! تقدم، الجنة تحت الأبارقة، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه، والله! لو هزمونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر، لعلمنا أنا على الحق، وأنهم على الباطل، ثم قال:
نحن ضربناكم على تنزيله .. فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل (2) الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبي له
(1) في (ق): "لغوية بدل أخرى.
(2)
في (خ): يزل.
قال: فلم أر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ.
وقال ابن مسعود وطائفة لحذيفة حين احتضر، وقد ذكر الفتنة: إذا اختلف الناس بمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سمية؛ فإنه لن يفارق الحق حتى يموت، أو قال: فإنه يزول مع الحق حيثما زال.
وبعضهم يرفع هذا الحديث.
قُتل مع علي رضي الله عنه بصفين، وسنه ثلاث وتسعون سنة، سنة سبع وثلاثين.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وستون حديثًا، اتفقا منها على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بحديث واحد.
روى له الجماعة (1).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: يقال: (بعثه)، وابتعثه بمعنى؛ أي: أرسله، فانبعث،
(1) وانظر ترجمته في: (الاطبقات الكبرى» لابن سعد (3/ 246)، و «حلية الأولياء» لأبي نعيم (1/ 139)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 1135)، و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (1/ 150)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (34/ 359)، و «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 122)، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 352)، و «تهذيب الكمال» للمزي (21/ 217)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 406)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (4/ 575).
فهو من المطاوع، ومنه: بعثت الناقة أثرتها (1)، وبعثه من منامه؛ أي: أهبه، وبعث الله (2) الموتى؛ أي: نشرهم ليوم البعث، وأبعث في السير: أسرع فيه (3).
الثاني: (الحاجة) معروفة.
قال الجوهري، والجمع (4) حاج، وحاجات، وحِوَجٌ، وحوائج، على غير قياس، كأنهم جمعوا حائجة، وكان الأصمعي ينكره، ويقول: هو موّلد، وإنما أنكره؛ لخروجه (5) عن القياس، وإلا، فهو كثير في كلام العرب، والحَوْجاء: الحاجة، يقال: ما في صدري به حوجاء ولا لَوْجاء، ولا شك، ولا مرية، بمعنى واحد (6).
الثالث: قوله: «فأجنبت» : قد تقدم أنه يقال: جَنَبَ، وجَنُبُ - بالفتح والضم -، وأجنب - أيضا -.
والتمرغ في الشيء: التمعك فيه، ويقال للموضع المتمرغ فيه: متمرغ، ومَراغ، ومَراغة (7).
(1) في (ق): "أثرها.
(2)
في (ق): "وبعث الموتى: نشرهم.
(3)
انظر: «الصحاح» للجوهري (1/ 273)، (مادة: بعث).
(4)
والجمع ليس في (ق).
(5)
في (خ): بخروجه.
(6)
انظر: «الصحاح» للجونهري (1/ 370)، (مادة: حوج).
(7)
انظر: «الصحاح» للجوهري (4/ 1325)، (مادة: مرغ).
وقوله: «كما تمرغ الدابة» : الأصل: تتمرغ، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا، وهو قياس في كل تاءين اجتمعتا في أول الفعل المضارع، بشرط اتحاد حركتهما، فإن اختلفتا، وجب الإثبات، نحو تتغافر الذنوب، وتتواضع الأمة، وشبه ذلك، ومنه قوله تعالى:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} (1)، [القدر: 4]، وقوله تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا} [النمائدة: 2]، وهو كثير، وفي الحديث:«إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به نفوسها، ما لم تكلم أو تعمل» (2).
الرابع: «الدابة) في أصل اللغة: كل ماشٍ على الأرض، وقد أخرجها العرف عن هذا الأصل، فاستعملها أهل العراق في الفرس خاصة، وأهل مصر في الحمار.
وقال الجوهري: وقولهم: أكذب من دب ودرج؛ أي: أكذب الأحياء والأموات (3).
الخامس: ق: كأنه استعمال لقياس، لا بد فيه من تقدم العلم بمشروعية (4) التيمم، وكأنه لما رأى أن الوضوء خاص ببعض
(1) فيها ساقط في (ق).
(2)
رواه البخاري (6287)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: إذا حنث ناسيا في الأيمان، ومسلم (127)، كتاب: الإيمان، باب: تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
انظر: «الصحاح» للجوهري (1/ 124)، (مادة: دبب).
(4)
في (خ): لمشروعية.
الأعضاء، وكان بدله - وهو التيمم - خاصا، وجب أن يكون بدل الغسل الذي يعم جميع البدن عاما لجميع (1) البدن.
قال أبو (2) محمد بن حزم الظاهري: في هذا الحديث إبطال القياس؛ لأن عمارا قدر أن المسكوت عنه من التيمم للجنابة حكمه حكم الغسل للجنابة؛ إذ هو بدل منه، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعلمه أن لكل شيء حكم المنصوص عليه فقط.
والجواب عما قال: إن الحديث دل على بطلان هذا القياس الخاص، ولا يلزم من بطلان الخاص بطلان العام، والقائسون لا يعتقدون صحة كل قياس، ثم في هذا القياس شيء آخر، وهو أن الأصل الذي هو الوضوء قد ألغي فيه مساواة البدل له؛ فإن التيمم لا يعم جميع أعضاء الوضوء، فصار مساواة البدل للأصل ملغى في محل النص، وذلك لا يقتضي المساواة في الفرع.
بل لقائل أن يقول: قد يكون الحديث دليلاً على صحة أصل القياس؛ فإن قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما يكفيك» كذا وكذا، يدل على أنه لو كان فعله، لكفاه، وذلك دليل على صحة قولنا: لو كان فعله، لكان مصيبا، ولو كان فعله، لكان قائسا التيمم على الجنابة، للتيمم على الوضوء، على تقدير أن يكون (3) اللمس المذكور
(1) في (خ): بجميع.
(2)
أبو ليس في (ق).
(3)
أن يكون ليس في (ق).
في الآية ليس هو الجماع؛ لأنه لو كان عند عمار هو الجماع، لكان حكم التيمم مبينا في الآية، فلم يكن (1) يحتاج إلى أن يتمرغ، فإذن فعله ذلك يتضمن (2) اعتقاد كونه ليس عاملاً بالنص (3)، بل بالقياس (4)، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يكفيه التيمم على الصورة المذكورة، مع ما بينا من كونه فعل ذلك لفعله بالقياس عنده [لا] بالنص (5).
قلت: وهذا من مستحسنات بحثه رحمه الله تعالى.
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: «أن تقول كذا بيديك» (6)؛ أي: أن تفعل، فأطلق القول على الفعل مجازا.
وقيل (7): إن العرب أطلقت القول في كل فعل.
السابع: قوله: «ثم ضرب بيديه (8) الأرض ضربة واحدة» دليل على المشهور من مذهب مالك، وهو الإعادة في الوقت عند الاقتصار
(1) في (ق): "فلن يحتاج بدل فلم يكن يحتاج.
(2)
في (خ) و (ق) زيادة: أن، ولا وجه لها.
(3)
في (خ) و (ق): "للنص، والصواب ما أثبت.
(4)
في (خ) و (ق): "للقياس، والصواب ما أثبت.
(5)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 111).
(6)
جاء على جهامش النسخة (خ) حاشية غير ظاهرة عن الجزولي على قول صاحب الرسالة.
(7)
في (ق): "وقد قيل.
(8)
بيديه ليس في (خ).
على ضربة واحدة؛ لأن الإعادة في الوقت دليل على إجزاء الفعل إذا وقع ظاهرا، ولا يعيده (1)، وقد تقدم ذكر، الخلاف في ذلك في الحديث الأول، وإن كان ورد في حديث آخر: ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين (2)، قالوا: إلا أنه لا يقاوم هذا الحديث في الصحة، ولا يعارض مثله بمثله.
الثامن: قوله: «ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، ووجهه» : قدم في اللفظ مسح اليدين على مسح الوجه؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وقد جاء في غير هذه الرواية:«ثم مسح وجهه» (3)؛ يعني بعد اليدين، و (ثم) للترتيب، فاستدل (4) بذلك على أن ترتيب اليدين على الوجه ليس بواجب؛ لأنه إذا ثبت ذلك في التيمم، ثبت في الوضوء ضرورة عدم القائل بالفرق بينهما، فاعرفه (5).
التاسع: قوله: «وظاهر كفيه» دليل على الاجتزاء بالكفين، وقد تقدم تقرير الخلاف في المسألة، وتوجيه كل قول بما يغني عن الإعادة.
العاشر: فيه: أن [على] من أرسل في أمر عظيم أن يتحفظ
(1) ولا يعيده في (ق).
(2)
رواه الدارقطني في «سننه» (1/ 181) بلفظ: «التيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعيني إلى المرفقين» ، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
قال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات، والصواب موقوف.
(3)
تقدم تهخريجه عند البخاري برقم (340) عنده.
(4)
في (ق): "فابتدأ.
(5)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 112) وما بعدها.
ويتثبت، ولا يشهر ما أرسل فيه إلا إذا رأى ذلك مصلحة، ويفعل كما فعل عمار حيث قال: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ولم يقل: في كذا، فيصرح بما أرسل فيه (1).
وفيه من الفقه: أن المتأول المجتهد لا إعادة عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمارا بالإعادة، وإن كان قد أخطأ في اجتهاده؛ لأنه إنما ترك هيئة الطهارة (2).
* * *
(1) انظر: «شرح الإلمام» لابن دقيق (5/ 41).
(2)
قاله القاضي عياض في «إكمال المعلم» (2/ 223).
وتعقبه الإمام ابن دقيق في «شرح الإلمام» (5/ 48) بأن أول الكلام. وهو الاستدلال بأنه لم يأمره بالإعادة، فيمكن أن يقال فيه: إنه إنما لم يأمره فيه بالإعادة، لأنه قد أتى بالواجب وزيادة، كما دل آخر الكلام عليه، فآخر الكلام يمنع صحة الاستدلال بعدم إلزام الإعادة على المجتهد المتأول، لأن الإتيان بالواجب وزيادة عليه خطأ في الزيادة، لا يمنع من الاكتفاء بفعل القدر الواجب، وهذا الاعتراض مبني على أن التمرغ في التراب يجزئ إذا حصل فيه مسح الوجه واليدين، وغيه منع لبعض الشافعية.