الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السواك
الحديث الأول
17 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي؛ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضَوءٍ (1)» (2).
(1) كذا وقع في (خ) و (ق): "وضوء، والذي في متن «العمدة»:«عند كل صلاة» .
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (847)، كتاب: الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، (6813)، كتاب: التمني، باب: ما يجوز في اللو، ومسلم (252)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، وأبو داود (46)، كتاب: الطهارة، باب: السواك، والنسائي (7)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في السواك بالعشي للصائم، والترمذي (22)، كتاب: الطاهرة، باب: ما جاء في السواك، وابن ماجه (287)، كتاب: الطهارة، باب: السواك.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
«معالم السنن» للخطابي (1/ 28)، و «عارضة الأحوذي» لابن العربي (1/ 39)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 57)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 508)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 143)، و «شرح الإلمام» (3/ 93)، و «شرح عمدة الأحكام» كلاهما لابن دقيق (1/ 65)، و «النكت على العمدة» للزركشي (31)، و «التوضيح» لابن الملقن (7/ 419)، و «طرح التثريب» للعراقي (2/ 62)، =
قال أهل اللغة: السواك: - بكسر السين -، وهو يطلق على الفعل، وعلى العود الذي نتسوك به، وهو مذكر، وقيل: يذكر (1) ويؤنث، والأول هو الصحيح، يقال: ساك فاه، يسوكه سوكًا، فإن قلت: استاك، لم تذكر الفم، وجمع السواك: سُوُك - بضمتين - ككتاب، وكُتُب.
ح: وذكر صاحب «المحكم» (2): أنه يجوز - أيضا - سؤك بالهمز (3).
قلت: وهو القياس في كل واو مضمومة ضمة لازمة، نحو وقتت، وأقتت، وسماع في المفتوحة اتفاقًا، قالوا: ولم يجئ من ذلك إلا كلمتان: أحد في وحد، وإناة في وناة، وهي المرأة البطيئة القيام، وهل ذلك في المكسورة (4) قياس أو سماع؟ خلاف.
ثم قال (5): ثم قيل: إن السواك مأخوذ من ساك: إذا دلك، وقيل من: جاءت الإبل تساوك، أي: تتمايل هزالاً.
= و «فتح الباري» لابن حجر (2/ 375)، و (4/ 158)، و «عمدة القاري» للعيني (11/ 19)، و «فيض القدير» للمناوي (5/ 338)، و «كشف اللثام» لسفاريني (1/ 230)، و «سبل السلام» للصنعاني (1/ 41)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 127).
(1)
وقيل: يذكر ليس في (ق).
(2)
انظر: «المحكم» لابن سيده (7/ 125)، (مادة: سوك).
(3)
انظر: «شرح مسلم» للنووي 03/ 142).
(4)
في (ق): "وهل ذلك مكسور.
(5)
ثم قال ليس في (ق).
وهو في اصطلاح العلماء: استعمال عود ونحوه في الأسنان (1)؛ لتذهب الصفرة وغيرها عنها، انتهى (2).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: السواك مطلوب في الشرع على سبيل الندب، وليس بواجب بإجماع (3) من يعتد به في الإجماع، وقد (4) حكى الشيخ أبو حامد الإسفراييني من الشافعية، عن داود الظاهري: أنه أوجبه للصلاة، وحكاه - أيضا - الماوردي عنه، وقال: هو عنده واجب، لو تركه لم تبطل صلاته.
وحكي - أيضا - وجوبه عن إسحاق بن راهويه، والإبطال بتركه عمدا.
ح: وقد أنكر بعض أصحابنا المتأخرين على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود، وقالوا (5): مذهبه أنه سنة؛ كالجماعة، قال: ولو صح إيجابه عن داود، لم تضر مخالفته في انعقاد الإجماع، على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون.
قال: وأما إسحاق، فلم يصح هذا المحكي عنه، والله أعلم (6).
(1) قال الإمام ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» (3/ 13): قلت: تخصيصه في اصطلاح العلماء باستعمال (عود أو نحوه) ليس على كل المذاهب.
(2)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 142).
(3)
بإجماع ليس في (ق).
(4)
في (ق): "فقد.
(5)
في (ق): "وقالا.
(6)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 142).
قلت: وهو عندنا من فضائل الوضوء، ووقته قبل الوضوء، ولا يكره الاستياك عندنا في وقت من الأوقات لصائم ولا لغيره، بل يستاك الصائم عندنا أول النهار، ووسطه، وآخره.
وقالت الشافعية: يكره الاستياك للصائم بعد الزوال خوف إزالة رائحة الخلوف المستحبة، وسيأتي الكلام (1) في شيء من هذا بعد.
قالوا: ويتأكد استحبابه في خمسة أوقات:
[الأول]: عند الصلاة، سواء كان متطهر بها بماء، أو تراب، أو غير متطهر؛ كمن لم يجد ماء ولا ترابا.
الثاني: عند الوضوء.
الثالث: عند قراءة القرآن.
الرابع: عند الاستيقاظ من النوم.
الخامس: عند تغير الفم، وتغيره يكون بأشياء، منها: ترك الأكل والشرب، ومنها: ما له رائحة كريهة، ومنها: طول السكوت، ومنها: كثرة الكلام (2).
وأما سر (3) مشروعيته: فقيل: إن العبد إذا قام إلى الصلاة يقرأ القرآن، لا يزال الملك يدنو منه حتى يستقبله إعجابا منه بالقرآن،
فيضع فاه على فيه، فلا تخرج آية إلا في جوف ملك، فأُمر بالسواك لتطيب (1) الفم للملائكة الذين معك، حافظيك، والملك الذي يستقبلك ويضع فاه على فيك، وقد قال (2) عليه الصلاة والسلام:«من أكل من هاتين الشجرتين - يعني: الثوم والكراث- فلا يقرب مسجدنا» ، قيل: يا رسول الله! فإذا (3) كان أحدنا خاليا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه (4) ابن آدم» (5).
هذا كلام الحكيم الترمذي رحمه الله تعالى في بعض كتبه.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: في السواك عشر خصال: يذهب الحفر، ويجلو البصر، ويشد اللثة، ويطيب الفم، وينقي البلغم، وتفرح له الملائكة، ويرضي الرب- تبارك وتعالى، ويوافق السنة، ويزيد في حسنات الصلاة، ويصح الجسم (6).
وزاد الحكيم الترمذي: ويزيد الحافظ حفظًا، وينبت الشعر، ويصفي اللون.
(1) في (خ): «لتطيب» .
(2)
في (ق): " «فقد» .
(3)
في (ق): " «إذا» .
(4)
في (خ): «تتأذى منه بما يتأذى به» .
(5)
رواه مسلم (564)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: نهي من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوهما، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(6)
رواه الدارقطني في «سننه» (1/ 58) وقال: معلى بن ميمون ضعيف متروك.
وأحسن ما يستاك به: الأراك رطبا أو يابسا، إلا الصائم، فإنه يكره له أن يستاك (1) بالأخضر الذي يجد له طعما، وأما الجوزة المحمرة، فحرام للصائم، فإن لم يجد الأراك؛ فبشيء خشن، ويجزئ) (2) عندنا الأصبع (3).
وللشافعية فيه خلاف، قالوا: إن كانت لينة، لم يحصل بها السواك، وإن كانت خشنة، فثلاثة أوجه:
المشهور: لا تجزئ.
والثاني: تجزئ.
والثالث: تجزئ إن لم يجد غيرها (4).
ويستحب أن يكون السواك متوسطًا بين الليونة واليبوسة، وينبغي أن يستاك عرضا؛ فإن الشيطان يستاك طولاً، إلا في اللسان، فإنه يستاك فيه (5) طولاً.
وينبغي أن يبدأ بالسواك من الجانب الأيمن (6) من فيه.
قال الترمذي الحكيم رضي الله عنه: وتجعل الخنصر من يمينك أسفل السواك
(1)«أن يستاك» ليس في «ق» .
(2)
(ق): " «فشيء حسن، ويجوز» .
(3)
انظر: «مواهب الجليل» (1/ 265).
(4)
انظر: «فتح العزيز» للرافعي (1/ 370).
(5)
(فيه) ليس في «ق» .
(6)
«من الجانب الأيمن» ليس في «ق» .
تحته، والبنصر والوسطى والسبابة فوق السواك، والإبهام أسفل السواك تحته (1)، ولا تقبض القبضة على السواك، فإن ذلك يورث البواسير.
ح: ويستحب أن يمر (2) السواك على أطراف أسنانه، وكراسي أضراسه (3)، وسقف حلقه إمرارا لطيفًا (4).
قال الترمذي الحكيم: وابلع ريقك من أول ما تستاك به (5)؛ فإنه ينفع من الجذام، والبرص، وكل داء سوى الموت، ولا تبلع بعده شيئًا؛ فإنه يورث الوسوسة، يرويه علاثة.
ولا تمص السواك مصا (6)؛ فإن ذلك يورث العمى.
قال: ولا تضع (7) السواك إذا وضعته عرضا، وانصبه نصبا؛ فإنه (8) يروى عن سعيد بن جبير، قال: من وضع سواكه بالأرض، فجن من ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.
قال: ويروى عن كعب: أنه قال: من أحب أن يحبه الله، فليكثر
(1)«والإبهام أسفل السواك تحته» ليس في (ق).
(2)
«فإن ذلك يورث البواسير. ح: ويستحب أن» ليس في (ق).
(3)
في (ق): " «أسنانه» .
(4)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 143).
(5)
«به» ليس في (ق).
(6)
في (ق): " «ولا يمس السواك شيئا» .
(7)
في (ق): " «وقال: لا تضع» .
(8)
في (ق) زيادة: «قال» .
من السواك والتخلل؛ فالصلاة بهما مئة (1) صلاة.
قال: ويروي خالد (2) عن أبيه، قال: السواك شطر الوضوء، والوضوء شطر الصلاة، والصلاة شطر الإيمان.
قلت: وهذه آداب حسنة ينبغي تعاهدها في السواك؛ فإن ذلك لا يجلب إلا خيرا، والله أعلم.
الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك).
اعلم أن كلمة (لولا) تستعمل في كلام العرب على وجهين:
أحدهما: أن تكون حرف تخصيص، بمعنى هلا، فلا يليها إلا الأفعال؛ نحو: لولا صليت، لولا (3) تصدقت، ومنه قوله تعالى:{لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف: 15]، و (4) {لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} [المجادلة: 8]، وأشباه ذلك من الآي وغيرها.
والثاني: أن يكون حرفًا يدل على امتناع الشيء لوجود غيره، كما هي في هذا الحديث، إذ المعنى: امتنع أمري بالسواك لوجود المشقة الحاصلة، فهذه لا يليها إلا الأسماء، عكس التي قبلها، تقول: لولا زيد، لأكرمتك؛ أي: امتنع إكرامي إياك لوجود زيد.
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: «لأمرتهم بالسواك» : لأمرتهم أمر إيجاب وإلزام، وإلا، فمعلوم أنا مأمورون (1) به على طريق الندب، كما تقدم، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وجماعات (2) من المتكلمين، وقد أخذ بعض الأصوليين من هذا أن الأمر يقتضي الوجوب، وهو الصحيح، ما لم تقترن به قرينة تصرفه عن ذلك، ووجه الاستدلال منه: أن الممتنع (3) لأجل المشقة إنما هو الوجوب دون الاستحباب- كما تقدم-، فاقتضى ذلك أن يكون الأمر للوجوب، والله أعلم (4).
الثالث: هذا الحديث بظاهره يقتضي عموم استحباب الاستياك عند كل صلاة، فيدخل في ذلك الظهر والعصر، للصائم وغيره، وقد تقدم ذكر كراهية الشافعية الاستياك للصائم بعد الزوال، وهو ضعيف.
ق: ومن يخالف في تخصيص عموم هذا الحديث، يحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت يخص به هذا العموم، وفيه بحث (5).
الرابع: في ظاهر الحديث دليل لمن يرى (6) أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يحكم
(1) في (ق): " «أنهم مأمورون به» .
(2)
في (ق): " «وجماعة» .
(3)
في (ق): " «أن المنع» .
(4)
انظر: شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 65).
(5)
المرجع السابق، (1/ 66).
(6)
في (خ): «يروي» .
بالاجتهاد؛ لكونه عليه الصلاة والسلام جعل المشقة سببا لعدم أمره، ولو كان الحكم موقوفًا على النص، لكان (1) سبب انتفاء أمره صلى الله عليه وسلم عدم ورود النص به، لا (2) وجود المشقة (3).
وقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة على أربعة أقوال: ثالثها: كان له صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في الحروف والآراء دون الأحكام.
ورابعها: الوقف.
والمسألة مبسوطة في كتب الأصول، والله أعلم.
* * *
(1) في (ق): " «لقال» .
(2)
في (ق): " «لولا» .
(3)
المرجع السابق، الموضع نفسه.