المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 16 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 16 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله

‌الحديث السادس

16 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ ، فَقَالَ:«إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا، فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ، فَأَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً ، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا» (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (213)، كتاب: الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله، وهذا لفظه، و (215)، باب: ما جاء في غسل البول، و (1295)، كتاب: الجنائز، باب: الجريد على القبر، و (1312)، كتاب: الجنائز، باب: عذاب القبر من الغيبة والبول، و (5705)، كتاب: الأدب، باب: الغيبة، و (5708)، باب: النميمة من الكبائر، ورواه مسلم (292)، (1/ 240 - 241)، كتاب: الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه، وأبو داود (20، 21)، كتاب: الطهارة، باب: الاستبراء من البول، والنسائي (31)، كتاب: الطهارة، باب: التنزه عن البول، و (2068، 2069)، كتاب: الجنائز، باب: وضع الجريدة على القبر، والترمذي (70)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التشديد في البول، وابن ماجه (347)، كتاب: الطهارة، باب: التشديد في البول. =

ص: 225

* التعريف:

عبد الله بن عباس: هو أبو العباس بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي أبيه، حبر الأمة، وبحر العلم، أبو الخلفاء، وترجمان القرآن، ولد وبنو هاشم في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين.

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وقد ناهز الاحتلام، وقيل: ابن عشر سنين، وقيل: ابن خمس عشرة سنة، قاله (1) أحمد بن حنبل. قيل (2): وهو الأصح (3)، والذي عليه أهل التواريخ هو الأول.

وروى الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عنه، في حجة الوداع:

* مصَادر شرح الحَدِيث:

«معالم السنن» للخطابي (1/ 19)، و «عارضة الحوذي» لابن العربي (1/ 90)، و «إكمال المعلم) للقاضي عياض (2/ 118)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 551)، و «شرح مسلم) للنووي (3/ 200)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيبق (1/ 61)، و «النكت على عمدة الأحكام» للزركشي (ص: 28)، و «التوضيح» (4/ 390)، و «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» كلاهما لابن الملقن (1/ 526)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 317)، (10/ 470)، و «عمدة القاري» للعيني (3/ 114)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 218)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 111).

(1)

في (خ): قال.

(2)

قيل ليس في (ق).

(3)

انظر: «العلل» لعبد الله بن الإمام أحمد (2/ 104).

ص: 226

أنه قال: وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام (1)، وهو يشهد لذلك.

وروي عنه: أنه قال: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ختن، ولم يثبت.

وقيل: إنهم كانوا يختتنون بالبلوغ.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه (2) أنه قال: «اللهم فَقِّههُّ في الدين، وعلمه التأويل» (3).

وروي عنه أنه قال (4): «اللهم عّلمه الحكمة، وتأويل القرآن» (5).

وروي عنه أنه قال: «اللهم بارك فيه، وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين» (6).

(1) رواه البخاري (76)، كتاب: العلم، باب: متى يصح سماع الصغير، ومسلم (504)، كتاب: الصلاة، باب: سترة المصلي. إلا أنه ليس فيه ذكر حجة الوداع.

(2)

من وجوه ليس في (ق).

(3)

رواه الإمام أحمد في «المسند» (1/ 266)، وابن حبان في «صحيحهه» (7055)، والحاكم في «المستدرك» (6280). وهو في «صحيح البخاري» (برقم143) دون قوله:«وعلمه التأويل» .

(4)

وروي عنه أنه قال ليس في (خ).

(5)

رواه ابن ماجه (166) في المقدة، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (2/ 365). وانظر:«فتح الباري» لابن حجر «1/ 170).

(6)

رواه ابن عدي في «الكامل في الضعفاء» (3/ 86)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 315)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، دون قوله:«واجعله من عبادك الصالحين» . وانظر: «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 9359

ص: 227

وأنه قال: «اللهم زده علِمًا وفقها» (1).

وهي أحاديث صحاح كلها.

وروى مجاهد عنه: أنه قال: رأيت جبريل عليه السلام مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين (2).

وكان عمر يقول: ابن عباس فتى (3) الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول (4). وكان يحبه ويدخله مع كبار الصحابة، ويستشيره، ويعده للمعضلات.

وروى مسروق، عن ابن مسعود، قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا، ما عاشره منا أحد (5).

وقال طاوس: أدركت نحو خمس مئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا خالفوا ابن عباس، لم يزل يقررهم حتى يرجعوا إلى ما قال (6).

(1) رواه يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (1/ 284)، دون قوله:«وفقها» .

(2)

رواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1/ 286)، والطبرلااني في «المعجم الكبير» (1615).

(3)

في (ق): "في.

(4)

رواه عبد الرزاق، كما عزاه الحافظ في «الإصابة» (4/ 145).

(5)

رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (2/ 366)، والحاكم في «المستدرك (6289).

(6)

انظر: «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 935).

ص: 228

وعن مسروق، قال: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أحكم الناس، وإذا تكلم، قلت: أفصح الناس، وإذا حدث، قلت: أعلم الناس (1).

وقال محمد بن القاسم: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلاً قط، وما سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه (2).

وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس (3).

وقال يزيد بن الأصم: خرج ابن عباس حاجا مع معاوية، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباس موكب لمن يطلب العلم (4).

وقال شقيق: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم، فافتتح سورة النور، فجعل يقرأ ويفسر، فقلت: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، لو رآه الروم وفارس والترك، لأسلمت (5).

وكان ابن عباس قد عمي في آخر عمره.

وروي أنه رأى رجلاً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعرفه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم

(1) رواه الطبري في «تهذيب الآثار» : (1/ 179)، وعبد الله بن الإمام أحنمد في «فضائل الصحابة»:(2/ 960)، لكن من الأعمش.

(2)

انظر: «الاشستيعاب» (3/ 936).

(3)

رواه عبد بن الإمام أحمد في «فضائل الصحابة» (2/ 954).

(4)

رواه عبد الله بن الإمام أحمد في «فضائل الصحابة» (2/ 983).

(5)

انظر: «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 936).

ص: 229

عنه، فقال:«أرأيته؟» ، قال: نعم، قال:«ذاك جبريل، أما إنك ستفقد بصرك» ، وفي ذلك يقول:

إِنْ يَأْخُذِ اللَّه مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُمَا

فَفِي لِسَانِي وَقَلْبِي مِنْهُمَا نُورُ

قَلْبِي ذَكِيٌّ وَعَقْلِي غَيْرُ ذِي دَخَلٍ

وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ (1)

وعن ميمون بن مهران، قال: شهدت جنازة ابن عباس، فلما وضع ليصلى عليه، جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل، فالتمس، فلم يوجد، فلما سوي عليه، سمعنا من يسمع صوته ولا يرى شخصه:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30](2).

روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث، وست مئة وستون حديثًا، اتفقا منها على خمسة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بثمانية وعشرين حديثًا، ومسلم بتسعة وأربعين.

روى عنه: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل عامرو بن واثلة، وثعلبة بن الحكم، وأبو أمامة ابن سهل بن حنيف، وأخوه كثير بن العباس، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وكريب، وعكرمة، وشعبة، ونافذ

(1) المرجع السابق، (3/ 937 - 938).

(2)

رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (1/ 329).

ص: 230

أبو معبد مواليه، وطاوس، وكيسان، وابن (1) علي بن عبد الله بن عباس، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وطلحة بن عبد الله بن عوف الزهري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخلق سواهم.

مات بالطائف سنة ثمان وستين، في أيام ابن الزبير، وقيل: سنة تسع، وقيل: سنة سبعين، والأول أكثر، وأشهر، وكان سنه يوم مات إحدى وسبعين سنة، وقيل: اثنتان وسبعون، وقيل: أربع وسبعون، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة (2).

روى له الجماعة رضي الله عنهم (3).

(1) في (ق): "وأبو.

(2)

رواه الحاكم في «المستدرك» (6284).

(3)

وانظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (2/ 365)، و «التاريخ الكبير» للبخاري (5/ 3)، و «فضائل الصحابة» لعبد الله بن الإمام أحمد (2/ 949)، و «الثقات» لابن حبان (3/ 207)، و «المستدرك» للحاكم (3/ 614)، و (حلية الأولياء» لأبي نعيم (1/ 314)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 933)، و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (1/ 173)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (29/ 285)، و «أسد الغابة» لابن الأثير (3/ 291)، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 258)، و «تهذيب الكمال» للمزي (15/ 154)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (3/ 331)، و «تذكرة الحفاظ» له أيضا (1/ 40)، و «البداية والنهاية» لابن كثير (8/ 295)، و «الوافي بالوفيات» للصفدي (17/ 121)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (4/ 141)، و «تهذيب التهذيب» له أيضا (5/ 242).

ص: 231

* ثم الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قوله: «إنهما» : من الضمير الذي يفسره سياق الكلام؛ إذ ليس في اللفظ ما يعود عليه الضمير، فهو من باب قوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32]، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وأشباه ذلك، و (أن) يجوز أن تكون مبتدأة، ويجوز أن تكون جوابا لقسم محذوف، أي: والله إنهما ليعذبان.

الثاني: فيه نص صريح على إثبات عذاب القبر - أجارنا الله منه (1) - كما هو مذهب أهل السنة، وقد اشتهرت الأخبار بذلك.

ق (2): وفي إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية تخصه دون سائر المعاصي، مع العذاب بسبب (3) غيره - أيضا -، وإن أراد الله ذلك في [حق] بعض عباده، وعلى هذا جاء الحديث:«تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه» (4)، وكذا (5) جاء - أيضا -: أن بعض من ذُكر عنه (6) أنه ضمه القبر أو ضغطه، فسئل أهله، فذكروا أنه كان منه (7)

(1) أجارنا الله منه ليس في (ق).

(2)

ق ليس في (ق).

(3)

في (ق): "ليست.

(4)

رواه الدارقطني في «سننه» (1/ 127)، من حديث أنس رضي الله عنه ثم قال: المحفوظ مرسل.

(5)

في (ق): "وكذلك.

(6)

في (ق): "منه.

(7)

في (ق): "معه

ص: 232

تقصير في الطهور (1).

الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: «وما يعذبان في كبير» هكذا هو في مسلم، وجاء في

رواية البخاري: «وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول» ، الحديث، ذكره في كتاب:

الأدب، في باب: النميمة من الكبائر، وفي كتاب: الوضوء من البخاري - أيضا -: «وما

يعذبان في كبير، بلى إنه كبير»، فثبت هاتين الزيادتين الصحيحتين أنه كبير، فذكر العلماء

في ذلك ثلاث تأويلات:

أحدها: «وما يعذبان في كبير» في زعمهما.

الثاني (2): «في كبير» تركه.

والثالث: ما قاله ع؛ أي: ليس ذلك بأكبر الكبائر (3).

ح: فعلى هذا يكون المراد بهذا: الزجر والتحذير لغيرهما؛

أي: لا يتوهم أحد أن التهذيب لا يكون إلا في الكبائر الموبقات، فإنه يكون في غيرهما (4)، والله أعلم.

وسبب كونهما كبيرين: أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة، والسعي بالفساد

(1) انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 61).

(2)

في (ق): " «والثاني).

(3)

انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 118).

(4)

في (خ): «غيرهما» .

ص: 233

من أقبح القبائح، لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم «كان يمشي بالنميمة» بلفظ (كان) التي هي للحال المستمرة غالبا، والله أعلم (1).

تنبيه:

(في) من قوله صلى الله عليه وسلم: «في كبير» للسبب؛ أي: وما يعذبان بسبب أمر كبير، وقد أنكر أن تكون «في» للسبب جماعة من الأدباء، والصحيح ثبوته؛ لهذا الحديث، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«في النفس المؤمنة مئة من الإبل» (2)؛ فإن النفس ليست ظرفًا للإبل، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الإسراء:«فرأيت في النار امرأة حميرية عجل بروحها إلى النار؛ لأنها حبست هرة (3) حتى ماتت جوعا وعطشا، فدخلت النار فيها» (4)، معناه: بسببها؛ لأنها ليست

في الهرة، وكذلك قولهم: أحب في الله، وأبغض في الله؛ أي: أحب بسبب طاعة الله، وأبغض بسبب معصية الله.

الرابع: (أما) حرف تفصيل، نائب عن حرف الشرط وفعله،

(1) انظر: شرح مسلم للنووي (3/ 201).

(2)

رواه النسائي (4853)، كتاب: القسامة، باب: حديث عمرو بن حزم في العقول.

(3)

في (ق): " «في هرة» .

(4)

رواه مسلم (904)، كتاب: الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مختصرا. ورواه الإمام أحمد في المسند (3/ 374) نحوا مما ذكره المؤلف هنا، إلا أن ذلك كان في حديث الكسوف لا الإسراء كما ذكر المؤلف رحمه الله.

ص: 234

وبيان ذلك أن يقول القائل: زيد عالم، كريم شجاع - مثلاً (1) -، فيعدد أوصافًا لا يعلم السامع إلا بعضها، فيقول حينئذ: أما زيد، فعالم، أي: وفي الباقي نظر، ففصل (2) ب (أما) ما أجمله الأول، هذا معنى التفصيل.

وأما كونه نائبا عن حرف الشرط وفعله، فإن معنى قولنا: أما زيد فعالم: مهما يكن (3) من شيء، فزيد عالم، فناب أما مناب حرف الشرط، وهو (مهما)، والمجزوم (4) وهو (يكن) وما تضمنه من الفاعل، فلذلك ظهر بعده الجواب، ولم يظهر الشرط؛ لقيامه مقامه، وأجيب بالفاء كما يجاب الشرط (5)، وجوابه هنا (6) الفاء في قوله صلى الله عليه وسلم:«فكان يمشي بالنميمة» .

ولتعلم أن (أما) المفتوحة الهمزة تستعمل في الكلام على وجهين:

أحدهما: ما تقدم.

والثاني: أن تكون بمعنى كان، فترفع الاسم، وتنصب الخبر، ومنه قول الشاعر:[البسيط]

(1) مثلا ليس في (ق).

(2)

ففصل ليس في (ق).

(3)

في (ق): "يكون.

(4)

في (ق): "والحذوف.

(5)

في (ق): "بالشرط.

(6)

هنا: ليس في (ق).

ص: 235

أَبَا خُرَاشَةَ أَمَّا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ

فَإِنَّ قَوْمِيَ لَمْ تَأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ (1)

أي: لئن كنت ذا نفر، ف (أنت) اسمها، و (ذا) خبرها؛ لقيامها مقام كان.

الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يستتر من البول» فيه ثلاث روايات: «لا يستتر من البول» -بتاءين-، و «يستنزه» -بالزاي والهاء-، و «يستبرئ» -بالباء الموحدة، [و] بالهمز بعد الراء، وهذه الثلاثة في البخاري وغيره، ومعناها (2): لا يتجنبه، ولا يتحرز منه.

ق: وهذه اللفظة -أعني: (يستتر) -اختلف فيها الرواة على وجوه، وهذه اللفظة تحتمل وجهين:

أحدهما: أن تحمل على حقيقتها؛ من الاستتار عن الأعين، ويكون العذاب على كشف العورة.

والثاني: -وهو الأقرب-: أن تحمل على المجاز، ويكون المراد بالاستتار: التنزه عن البول، والتوقي منه، إما بعدم ملابسته، وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به؛ كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقي بالاستتار مجازا، ووجه العلاقة بينهما: أن المستتر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما (3) رجحنا

(1) البيت للعباس بن مرداس، كما في «الكتاب» للسيبويه (1/ 293).

(2)

في (ق): "ومعناهما.

(3)

في (ق): "وإن.

ص: 236

المجاز- وإن كان الأصل الحقيقة -لوجهين (1):

أحدهما: أنه لو كان المراد العذاب على مجرد كشف العورة، كان ذلك سببا مستقلاً أجنبيا عن البول؛ فإنه حيث حصل الكشف للعورة، حصل العذاب المرتب عليه، وإن لم يكن ثمّ بول، فيبقى تأثير البول بالنسبة إلى عذاب القبر بخصوصه مطرحا عن الاعتبار، والحديث (2) يدل على أن للبول (3) بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى، وأيضا: فإن لفظه (من) لما أضيفت إلى البول، وهي لابتداء الغاية حقيقة، أو ما يرجع إلى معنى ابتداء (4) الغاية مجازا، يقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب (5) العذاب إلى البول، بمعنى: أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حملناه على كشف العورة، زال هذا المعنى.

والوجه الثاني: أن بعض الروايات في هذه اللفظة تشعر بأن المراد: التنزه من البول، وهي رواية وكيع:(لا يتوقى)، وفي رواية بعضهم:(لا يستنزه)، فتحمل هذه اللفظة على تلك؛ ليتفق معنى (6) الروايتين (7).

(1) في (ق): " «فلوجهين» .

(2)

«والحديث» ليس في «ق» .

(3)

في (ق): " «البول» .

(4)

«ابتداء» ليس في «خ» .

(5)

(ق): " «بسبب» .

(6)

في «ق» : «مع» .

(7)

انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 62).

ص: 237

قلت: فتكون أربع روايات، وتزاد إلى الثلاثة المتقدمة:(لا يتوقى)، على ما ذُكر.

السادس: النميمة: فعيلة من نمّ الحديث، ينمه، وينمه: إذا قته، أي: نقله عن المتكلم به إلى غيره (1)، وهي حرام بإجماع إذا قُصد بها الإفساد بين المسلمين، وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمها، قال الله تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، وقال تعالى:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]، وروينا في «صحيحي» البخاري ومسلم، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يدخل الجنة نمام» (2)، والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.

قال الغزالي رحمه الله تعالى: النميمة إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول فيه،؛كقوله: فلان يقول فيك كذا، وليست النميمة مخصوصة بذلك، بل حدها كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو ثالث، وسواء كان الكشف بالقول، أو الكناية، أو الرمز، أو بالمكاتبة أو الرمز (3) الإيماء (4)، أو نحوها،

(1) انظر: «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (2/ 13)، و «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (4/ 11).

(2)

رواه البخاري (5709)، كتاب: الأدب، باب: ما يكره من النميمة، إلا أنه قال:«قتات» بدل «نمام» ، ومسلم (105)، كتاب: الإيمان، باب: بيان غلظ تحريم النميمة، واللفظ له، عن حذيفة رضي الله عنه.

(3)

«بالمكاتبة أو بالرمز» زيادة من «ق» .

(4)

في «ق» : «بالإيحاء» .

ص: 238

وسواء كان المنقول من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان عيبا، أو غيره، فحقيقة النميمة: إفشاء السر، وهتك الستر (1) عما يكره كشفه. قال: وينبغي للإنسان أن يسكت (2) عن كل ما يراه من أحوال الناس، إلا ما (3) في حكايته فائدة لمسلم، أو دفع معصية، وإذا رآه يخفي مال نفسه، فذكره، فهو نميمة.

قال: فكل من حملت إليه نميمة، وقيل له: قال فيك فلان كذا، لزمه (4) ستة أمور:

الأول: أن لا يصدقه؛ لأن النمام فاسق، وهو مردود الخبر.

الثاني: أن ينهاه عن ذلك، وينصحه، ويقبح فعله.

الثالث: أن يبغضه في الله تعالى؛ فإنه بغيض عند الله تعالى، والبغض في الله تعالى واجب.

الرابع: أن لا يظن بالمنقول عنه السوء؛ لقول الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12].

الخامس: ألا يحمله ما حكي له (5) على التجسس، والبحث

(1)«وهتك الستر» ليس في «ق» .

(2)

في (ق): " «أن لا يكشف» .

(3)

في (ق): " «من الأحوال الناس إلا ما في» .

(4)

في (ق): " «لزمته» .

(5)

في (خ): «أن لا يحملك ما حكي لك» .

.

ص: 239

عن تحقيق ذلك، قال الله تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].

السادس: ألا يرضى لنفسه ما نهى (1) النمام عنه، فلا يحكي نميمته، انتهى (2).

وقد حكي أن رجلاً ذكر لعمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه رجلاً بشيء، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا، فأنت من أهل هذه الآية:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6]، وإن كنت صادقًا، فأنت من أهل هذه الآية {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]، وإن شئت، عفونا عنك، قال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه (3) أبدا (4).

وحكى ح: أن إنسانا رفع إلى الصاحب ابن عباد رقعة يحضه فيها على أخذ مال يتيم، وكان مالاً كثيرا (5)، فكتب على ظهرها: النميمة قبيحة، وإن كانت صحيحة، والميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمرة الله، والساعي لعنه الله (6).

السابع: وأما وضعه (7) الجريدتين على القبرين، فقال العلماء:

(1) في (ق): " «ما نمى» .

(2)

انظر: «إحياء علوم الدين» للغزالي (3/ 156). وقد نقل المؤلف كلام الغزالي - رحمهما الله - عن النووي رحمه الله في كتابه «الأذكار» .

(3)

في (ق): " «إليهما» .

(4)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(5)

في (ق): " «كبيرا» .

(6)

انظر: «الأذكار» للنووي (ص: 277)

(7)

في «ق» : «وضع» .

ص: 240

هو محمول على أنه صلى الله عليه وسلم سأل الشفاعة لهما، فأجيبت شفاعته صلى الله عليه وسلم للتخفيف عنهما إلى أن ييبسا.

وقد ذكر مسلم -رحمه الله تعالى- في آخر الكتاب في الحديث الطويل، حديث جابر في صاحبي (1) القبرين:«فأجيبت شفاعتي أن يرفه (2) عنهما ما دام الغصنان (3) رطبين» (4).

وقيل: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو لهما تلك المدة.

وقيل لكونهما يسبحان ما داما رطبين، وليس لليابس تسبيح، وهذا مذهب كثيرين، أو (5) الأكثرين من المفسرين في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]، قالوا: معناه (6): وإن من شيء حي، ثم قالوا: حياة كل شيء بحسبه، فحياة الخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع.

وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى أنه على عمومه.

ثم اختلف هؤلاء: هل يسبح حقيقة، أم فيه دلالة على الصانع،

(1) في (ق): " «صاحب» .

(2)

في (ق): " «فأجيبت شفاعته أن يرفع» .

(3)

في (خ): «القضيبان» .

(4)

رواه مسلم (3012)، كتاب، الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل.

وقصة أبي اليسر، من حديث أبي اليسر رضي الله عنه.

(5)

«كثيرين أو» ليس في «ق» .

(6)

«معناه» ليس في «ق» .

ص: 241

فيكون مسبحا منزها بصورة حاله؟

والمحققون على أنه يسبح حقيقة، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى فقال:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74]، وإذا كان العقل لا يحيل جعل التمييز فيها، وجاء النص به، وجب المصير إليه، والله أعلم.

واستحب العلماء قراءة القرآن عند القبر؛ لهذا الحديث؛ لأنه إذا كان يرجى التخفيف لتسبيح الجريد، فبتلاوة (1) القرآن أولى، والله أعلم.

وقد ذكر البخاري في «صحيحه» : أن بريدة بن الحصيب الصحابي- رضي الله عنه -أوصى (2) بأن يجعل في قبره جريدتان (3)، ففيه: أنه- رضي الله عنه تبرك بفعل مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد أنكر الخطابي ما يفعله (4) الناس على القبور من الأخواص (5) ونحوها، متعلقين بهذا الحديث، وقال: لا أصل له، ولا وجه له (6).

(1) في (ق): " «الجريدة فتلاوة» .

(2)

في (ق): " «وصى» .

(3)

ذكره البخاري في «صحيحه» معلقا بصيغة الجزم. ورواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» : (7/ 8) موصولا، مورق العجلي، قال: أوصى بريدة الأسلمي أن توضع في قبره جريدتان.

(4)

في (ق): " «يفعل» .

(5)

في (ق): " «الأخواض» .

(6)

انظر: شرح مسلم للنووي (3/ 202)، وعنه نقل المؤلف الفائدة السابعة كاملة. =

ص: 242

وقال القرطبي في «تذكرته» : قال علماؤنا -رحمة الله عليهم-: ويستفاد من هذا- يشير إلى وضع الجريدتين- غرس الأشجار، وقراءة القرآن على القبور، وإذا خّفف عنهم بالأشجار، فكيف بقراءة (1) الرجل المؤمن القرآن (2)؟!

والعجب من الخطابي رحمه الله في قوله: لا أصل له، ولا وجه له، مع هذا الحديث المتفق عليه، والله سبحانه أعلم.

* * *

= قلت: قال الخطابي في «معالم السنن» : (1/ 19): وأما غرسه شق العسيب على القبر، وقوله:«لعله يخففه عنهما ما لم ييبسا» ، فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم، ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه، والله أعلم.

(1)

في (ق) زيادة: «القرآن» .

(2)

انظر: «التذكرة في أحوال الموتى والآخرة» للقرطبي (ص: 276).

ص: 243