الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المذي (1) وغيره
الحديث الأول
23 -
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ مِنِّي ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ:«يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ، وَيَتَوَضَّأُ» (2).
وَلِلْبُخَارِيِّ: «اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَتَوَضَّأْ» (3).
وَلِمُسْلِمٍ: «تَوَضَّأْ، وَانْضَحْ فَرْجَكَ» (4).
(1) في (ق): "في المذي».
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه مسلم (303)، كتاب: الحيض، باب: المذي.
(3)
رواه البخاري، (226)، كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه، لكن بلفظ:«توضأ واغسل ذكرك» . وترك الشارح التنبيه عليه.
(4)
رواه مسلم (303)، (1/ 247)، كتاب: الحيض، باب: المذي، والنسائي (438)، كتاب: الغسل والتيمم، باب: الوضوء من المذي. وقد رواه البخاري (132)، كتاب: العلم، باب: من استحيا، فأمر غيره بالسؤال، و (176)، كتاب: الوضوء، باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين، ومسلم (303)، (1/ 247)، كتاب: الحيض، باب: المذي، =
* التعريف:
علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد المطلب جده، القرشي، الهاشمي، يكنى: أبا الحسن، وكناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي تراب (1).
وأمه، فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي هاشميا، أسلمت، وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليها، ونزل في (2) قبرها.
= وأبو داود (207، 208، 209)، كتاب: الطهارة، باب: في المذي، والنسائي (156، 157)، كتاب: الطهارة، باب: ما ينقض الوضوء، وما لا ينقض الوضوء من المذي، و (435، 436، 437، 438، 439، 440)، كتاب: الغسل والتيمم، باب: الوضوء من المذي، وابن ماجه (504)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من المذي، بألفاظ وطرق مختلفة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
«معالم السنن» للخطابي (1/ 73)، و «الاستذكار» لابن عبد البر (1/ 238)، و «المنتقى شرح الموطأ» لأبي الوليد الباجي (1/ 378)، و «عارضة الأحوذي» لابن العربي (1/ 174)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 136)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 562)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 212)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 75)، و (فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن رجب (1/ 379)، و «التوضيح» لابن الملقن (3/ 669)، و «عمدة القاري» للعيني (2/ 214)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 289)، و «سبل السلام» للصنعاني (1/ 65)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 63).
(1)
رواه البخاري (3500)، كتاب: فضائل الصتحابة، باب: مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
(2)
في ليست في (خ).
ولي الخلافة بعد قتل عثمان، وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة (1) خمس وثلاثين.
وكانت خلافته أربع سنين، وستة أشهر، وثلاثة أيام، وقيل: خمس سنين إلا أربعة أشهر، وقيل: إلا شهرين.
وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها إلا تبوك، فإنه استخلفه، فقال له (2): يا رسول الله! تخلفني في (3) النساء والصبيان؟! فقال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي» ، وهذا الحديث في الصحيح، رواه البخاري، عن مسدد (4).
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أول من آمن بعد خديجة رضي الله عنها، وأول من صدق الرسول بعدها، فيما قاله ابن
عباس، وروي عنه بالأسانيد الصحيحة (5).
وكان أصغر ولد أبي طالب، كان علي أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وكان عقيل أصغر من
(1) سنة ليست في (ق).
(2)
له ليس في (خ).
(3)
في (ق): "مع.
(4)
رواه البخاري (3503)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب علي بن أبيس طالب رضي الله عنه، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(5)
انظر: «تهذيب الأسماء واللفغات» للنووي (1/ 316).
طالب بعشر سنين، أم (1) الجميع فاطمة بنت أسد المتقدم ذكرها.
واختلف في سنه حين أسلم، فقيل: أسلم وهو ابن ثمان سنين، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة (2)،
وقيل: ست عشرة، وقيل: ثماني عشرة، وقيل: ابن عشرين، وأصح ما قيل في ذلك: ثلاث عشرة سنة.
وعن أنس، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.
وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية لعلي يوم بدر وهو ابن عشرين سنة؛ ذكره محمد بن إسحاق السراج في تاريخه.
روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بنوه؛ أبو محمد الحسن، وأبو عبد الله الحسين، وأبو القاسم محمد بن الحنفية، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن قيس، وخلق سواهم من الصحابة، ومن التابعين: النزال بن سبرة، ومروان بن الحكم، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعبد الله بن أبي رافع، والأحنف بن قيس، وعلقمة، وغيرهم.
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الشجاعة بالمحل الأعلى الذي يضرب به المثل، وزهده في الدنيا في المنزلة
العليا، وكان رضي الله عنه ممن
(1) في (ق) وخ): أمهم والصواب ما أثبت.
(2)
وقيل: خمس عشرة ليس في (ق).
بذل نفسه في الله عز وجل، ووقى (1) رسوله بنفسه، فنام على فراشه، وخلفه في مكانه حين أرادوا قتله، فعلم الله مكانه وصدقه، فوقاهما سيئات ما مكروا.
وكان رضي الله عنه آدم، شديد الأدمة، أقبل (2) العينين، عظيمهما، ذا بطن، أصلع، إلى القصر أقرب ..
قُتل بالكوفة صبيحة يوم الجمعة لسبع بقين، وقيل: لسبع عشرة خلت، وقيل: لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة على الأصح رضي الله عنه.
روى له الجماعة (3).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: «مذاءً» : فعال، من المذي، كضراب من الضرب، وهو من كثر منه، والمذي -: بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة،
(1) في (ق): "تعالى وفي.
(2)
في (ق): "تقيل.
(3)
وانظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (3/ 19)، و «التاريخ الكبير» للبخاري (6/ 259)، و «حلية الأولياء» لأبي نعيم (1/ 61)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (3/ 1089)، و «الثقات» لابن حبان (2/ 302)، و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (1/ 133)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (72/ 7)، و «صفة الصفوة» لابن الجوزي (1/ 308)، و «أسد الغابة» لابن الأثير (4/ 87)، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي 01/ 315)، و «تهذيب الكمال» للمزي (20/ 472)، و «الإصابة في تمييز الصجحابة» لابن حجر (4/ 564)، و «تهذيب التهذيب» له أيضا (7/ 294).
وتخفيف الياء، وبكسر الذال وتشديد الياء (1)، وبكسر الذال وإسكان الياء، فالأوليان (2) مشهورتان، أولاهما أفصحهما، والثالثة: حكاها أبو عمر الزاهد، عن ابن الأعرابي، يقال منه (3): مَذَى، وأَمْذَى، ومَذَّى، الثالثة بالتشديد، وهو ماء أبيض رقيق لزج، يخرج عند شهوة، لا بشهوة، ولا دفق (4)، ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة، قيل (5): وهو في النساء أكثر منه
في الرجال (6).
وقوله: «كنت» : يحتمل أن يكون حكاية لحاله فيما مضى، وقد انقطع المذي عنه حين (7) إخباره به، ويحتمل أن تكون هذه الحالة مستديمة له، ويكون من باب قوله تعالى:{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [للنساء: 17]؛ أي: أنه لما علم الناس أنه -تعالى- عليم حكيم، قيل لهم: وكذلك كان في الأزل على ما هو عليه الآن.
وقوله: «فاستحييت» ، قيل، الحياء: تغير وانكسار يعرض (8) للإنسان من خوف ما يعاتب به (9)، أو يذم عليه. وهذه هي اللغة
(1) وبكسر الذال وتشديد الياء ليس في (ق).
(2)
في (ق): "فاللغتان.
(3)
منه ليس في (ق).
(4)
في (ق): "ولا تدفق.
(5)
قيل ليس في (ق).
(6)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 213).
(7)
في (ق): "عند.
(8)
في (ق): "ويعرض.
(9)
به ليس في (ق).
الفصحى (1)، وقد يقال: استحيت، بياء واحدة (2).
وقوله: «أن أسأل» : تقديره: من أن أسأل، وحرف الجر يحذف من «أنْ» و «أنَّ» قياسا، ثم اختلف هل يكون «أنّ» و «أنْ» في موضع نصب، أو جر؟ للنحويين خلاف.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «وانضح» هو بكسر الضاد المعجمة، نص عليه الجوهري (3)، وغيره، ولا يكاد قراء الحديث يقرؤونه إلا بفتح الضاد، وهو خطأ على ما تقدم، فليحذر، والله أعلم.
قال الباجي في «المنتقى» : المراد بالنضح هنا: الغسل، وروي نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (4).
ق: وهو (5) بالحاء المهملة، لا يعرف غيره، ولو روي بالخاء المعجمة، لكان أقرب إلى معنى الغسل؛ فإن النضخ -بالمعجمة- أكثر منه بالمهملة (6).
قلت: ومنه قوله -تعالى-: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66].
الثاني: في حكم المذي، وهو ينقض الوضوء بلا خلاف أعلمه
(1) في (ق): "هذه هي اللغة الفصيحة.
(2)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 75).
(3)
انظر: «الصحاح» للجوهري (1/ 411)، (مادة: نضح).
(4)
انظر: «المنتقى» للباجي (1/ 88).
(5)
في (ق): "فهو.
(6)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 76).
بين الأئمة (1)؛ لهذا الحديث، واختلف أصحابنا هل يجب غسل جميع الذكر منه، أو محل النجاسة خاصة؟
والمشهور: الأول، ووجهه (2): أن الذكر حقيقة يقع على العضو كله، وقد قال (عليه الصلاة
والسلام): «يغسل ذكره» .
ووجه القول الآخر، وهو مذهب الشافعي والجمهور: النظر إلى المعنى، وهو أن الموجب للغسل إنما هو خروج الخارج، وذلك يقتضي الاقتصار على محله، وهذا كلام بعض المتأخرين (3).
وخرجه ابن بشير من أصحابنا على الخلاف بين الأصوليين في الأسماء، هل تحمل على أوائلها، أو على أواخرها؟
قال: فمن (4) حملها على الأوائل، قال: يقتصر على مخرج المذي (5)، ومن حملها على الأواخر، قال: يغسل الجميع.
قلت: وفي هذا التخريج نظر، وذلك أن الحكم المتعلق (6) بالشيء المذكور في مثل الركوع والسجود مثلاً؛ -الذي هو قدر مشترك بين أشياء، فيه أقل أو أكثر (7)، فأقله هو أوله، ويصدق اللفظ عليه حقيقة؛
(1) في (ق): "من الأمة.
(2)
في (ق): "ومشهوره.
(3)
هو الإمام ابن دقيق في (شرح العمدة» (1/ 75 - 76).
(4)
في (ق): "ومن.
(5)
في (ق): "محل الأذى.
(6)
في (ق): "المعلق.
(7)
في (ق): "في أقل أو أكثر.
لوجود القدر المشترك.
قال: واختلف القائلون بغسل جميعه، هل يفتقر إلى نية، أم لا (1)؟ وسبب الخلاف: هل غسل جميع الذكر تعبد، أو عبادة تعدت محل سببها، فأشبهت الوضوء والغسل في افتقارهما إلى النية، أو غسله لتنقطع مادة الأذى، فلا يفتقر إلى نية؟ وهذا على القول بأن المذي مختص بأحكام ينفرد بها عن البول والوَدْي، وفيما يخالف البول، المشهور: أنه لا يجزئ فيه الاستجمار بالحجارة؛ لأنه -في الغالب- إنما
يأتي مستجلبا؛ بخلاف البول والغائط؛ فإنهما يخرجان بطبع الغداء، انتهى.
وقال سند [في]«طرازه» : ولما فيه من اللزوجة والتخيط؛ فقد ينتشر بالمسح إلى محل آخر، فينجسه؛ ولأن الحديث إنما جاء فيما يذهب فيه إلى الغائط، وليس هذا بغائط، ولا يذهب فيه إلى الغائط، ولا في معنى الغائط، حتى يلحق به.
قال ابن بشير: وأما على القول إنه بمنزلة البول، فلا تفريع.
قلت: وقد غّلط اللخمي القول بغسل جميع الذكر، وخالف مشهور المذهب، وقد بسطت الكلام عليه في شرح «الرسالة» ، أعان الله
على إكماله.
تنبيه: لا يؤخذ من هذا الحديث وجوب الوضوء على صاحب سلس المذي، وإن كان علي رضي الله عنه قد وصف نفسه بكونه مذاءً، وهو
(1) في (ق): "أو لا.
الذي يكثر منه المذي؛ لأنا نقول: الكثرة قد تكون مع الصحة؛ لغلبة الشهوة؛ بحيث يمكن رفعه، وقد يكون على وجه
المرض والاسترسال؛ بحيث لا يمكن رفعه، ففي الأول: يجب دون الثاني، على تفصيل سيمر بك - إن شاء الله تعالى- في الحديث ما يعين أحد الوجهين (1).
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: «يغسل ذكره» ، هو برفع اللام، أمر بلفظ الخبر، ومثله قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233]، {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228]، وجاء أيضا الخبر بلفظ الأمر، ومنه قوله تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75].
فإن قلت: ما السر في العدول عن الأصل فيهما؟.
قلت: أما ورود الأمر بلفظ الخبر، فسره - والله أعلم -: أن الخبر يستلزم ثبوت مخبره ووقوعه إذا كان مثبتا؛ بخلاف الأمر، فإذا عبر عن الأمر بلفظ الخبر، كان ذلك آكد لاقتضاء (2) الوقوع، حتى كأنه واقع، ولذلك اختير للدعاء لفظ الخبر؛ تفاؤلاً بالوقوع.
وأما سر التعبير عن الخبر بلفظ الأمر، فإن الأمر شأنه أن يكون بما فيه داعية للأمر، وليس الخبر كذلك، فإذا عبر عن الخبر بلفظ الأمر، أشعر ذلك بالداعية، فيكون ثبوته وصدقه أقرب. ويبعد فيه الجزم بلام مقدرة، نحو قوله:[الوافر]
مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ
…
إِذَا مَا خِفْتَ مِنْ أَمْرٍ تَبَالا (1)
لأن ذلك بابه الضرورة دونَ السَّعة.
الرابع: ق: قد (2) يُتمسك به، أو تُمُسِّكَ به في قبول خبر الواحد؛ من حيث إن عَلِيًّا رضي الله عنه أمر المقدادَ بالسؤال؛ ليقبلَ خبرَه.
والمراد بهذا: ذكرُ صورة من الصور التي تدل على قبول خبرٍ واحد، وهي فرد من أفرادٍ لا تحصى، والحجة تقوم بجملتها، لا بفردٍ معينٍ
منها؛ فإنه لو استدل بفرد معين، لكان ذلك إثباتاً للشيء نفسه (3)، وهو محال، وإنما تذكر (4) صورة مخصوصة؛ [على أمثالها، لا] للاكتفاء بها، فليعلم ذلك؛ فإنه مما انتقد على بعض العلماء، حيث استدل بآحاد.
وقيل: أثبت خبر الواحد بخبر الواحد، وجوابه ما ذكرناه.
ومع هذا، فالاستدلال عندي لا يتم بهذه الرواية وأمثالها؛ لجواز أن يكون المقداد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن المذي (5) بحضرة عليٍّ رضي الله عنه، وسمع عليُّ الجوابَ (6)، فلا يكون من باب قبولِ خبرِ الواحد، وليس من ضرورةِ كونِه سأل عن المذي بحضرة عليٍّ رضي الله عنه أن يذكر أنه هو
(1) البيت منسوب لأبي طالب، وقيل: لحسان، وقيل: للأعشى.
انظر: «خزانة الأدب» للخطيب البغدادي (9/ 11 - 14).
(2)
في (ق): "فقد.
(3)
في (خ): نفسه.
(4)
في (خ): بذكر.
(5)
عن المذي ليس في (ق).
(6)
واسمع على الجواب ليس في (ق).
السائل، نعم، إن وجدت رواية تصرِّح أن عَلِيًّا رضي الله عنه أخذ هذا الحكم من المقداد، ففيه الحجة، انتهى (1).
قلت: وهو كما قال الشيخ رحمه الله.
الخامس: فيه من الفوائد: أن المذي لا يوجب الغسل.
وفيه: أن الاستنجاء لا يجزئ في المذي؛ بخلاف غيره من النجاسة المعتادة، وهو المشهور عندنا، كما تقدم.
وفيه: استحباب حسن العشرة مع الأصهار، وأن الزوج يُستحب له ألا يذكر ما يتعلق بأمور النساء، من وجوه (2) الاستمتاع بحضرة أبيها أو أخيها أو ابنها، وغيرهم من أقاربها (3).
ولا ينبغي لأحد الزوجين أن يذكر ما يجري بينهما من ملاعبة ونحوها (4) لقريب ولا أجنبي؛ فإن ذلك ليس من مكارم الأخلاق، نعم يجوز أن يقول الرجل: أتيت أهلي، ونحو ذلك، وكذلك المرأة، قالت عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن الغسل: «فعلته أنا ورسول
الله صلى الله عليه وسلم، فاغتسلنا» (5)، وإن كانت لم تذكر ذلك رضي الله عنها إلا لإفادة حكم شرعي دعت الحاجة إليه، والله أعلم.
(1) انظر «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 76).
(2)
في (ق): "بوجوه.
(3)
انظر: (شرح مسلم» للنووي (3/ 214).
(4)
ونحوها ليس في (ق).
(5)
رواه الترمذي (108)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، وابن ماجه (608)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان، والنسائي في «السنن الكبرى» (196)، وغيرهم.
وانظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 134).