الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
34 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ، ثُمَّ جَهَدَهَا؛ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» (1)، وَفِي لَفْظٍ:«وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ» (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري: (287)، كتاب: الغسل، باب: إذا التقى الختانان، واللفظ له، ومسلم (348)، (1/ 271)، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، وأبو داود (216)، كتاب: الطهارة، باب: في الإكسال، والنسائي (191، 192)، كتاب: الطهارة، باب: وجوب الغسل إذا التقى الختانان، وابن ماجه (610)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان.
(2)
رواه مسلم (348)، (1/ 217)، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
معالم السنن للخطابي (1/ 74)، والاستذكار لابن عبد البر (1/ 276)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 197)، والمفهم للقرطبي (1/ 601)، وشرح مسلم للنووي (4/ 39)، وشرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 104)، والعدة في شرح العمدة =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الضمير المستتر في (جلسَ)، والضميران البارزُ والمستتر في (جهدَها) للرجل والمرأة، وإن لم يجرِ لهما ذكر، فهو من المضمر الذي يفسره سياق الكلام؛ كقوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32]، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وأشباه ذلك، وقد تقدم مثله.
الثاني: (الشُّعَب): جمع شُعْبَة، وهي من الألفاظ المشتركة: واحدة الأغصان، والفُرْقة، يقال: شعبتهم المنيةُ؛ أي: فَرَّقتهم، والرؤبة.
وهي قطعة يشعب بها الإناء، والشعبة - أيضا -: الطائفة من الشيء، وهي القطعة منه (1).
واختلف في المراد بالشعب الأربع في الحديث، فقيل: يداها ورجلاها، وقيل: يداها وفخذاها، وقيل: فخذاها وإسكتاها - بكسر الهمزة وإسكان السين وفتح الكاف -، وهما حرفا شقِّ فرج المرأة، وقيل: نواحي الفرج الأربع، واختار هذا الأخير ع (2).
= لابن العطار (1/ 225)، وفتح الباري لابن رجب (1/ 366)، والتوضيح لابن الملقن (4/ 658)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 395)، وعمدة القاري للعيني (3/ 247)، وكشف اللثام للسفاريني (1/ 436)، وسبل السلام للصنعاني (1/ 85)، ونيل الأوطار للشوكاني (1/ 276).
(1)
انظر: مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 192)، ولسان العرب لابن منظور (1/ 501)، (مادة: شعب).
(2)
انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 197)، ومشارق الأنوار له أيضا (2/ 254).
وقال ق: الأقربُ عندي أن يكون المراد: اليدين والرجلين، أو الرجلين والفخذين، ويكون الجماع مَكْنِيًّا عنه بذلك، فاكتفى بما ذكر عن التصريح.
قال: وإنما رجحنا هذا؛ لأنه أقرب إلى الحقيقة، أو هو حقيقة في الجلوس بينهما، وأما إذا حمل على نواحي الفرج، فلا جلوس بينهما حقيقة (1).
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: «ثم جهدها» : قال الخطابي: معناه: حفزها، وقال بعضهم: بلغ مشقَّتها، يقال: جَهَدْتُه، وأَجْهَدْتُه: بلغتُ مشقته (2).
ع: والأَوْلى هنا أن يكون جهد؛ أي: بلغ جهدَه في عمله فيها، والجهد: الطاقة، والاجتهاد منه، وهي إشارة إلى الحركة وتمكّن صورة العمل، وهو نحو من قول من قال: حَفَزَها؛ أي كدَّها بحركته، وإلا فأيُّ مشقة تبلغ بها في ذلك؟
وقال ابن الأنباري: جَهَدْتُ الرجلَ: إذا حملته على أن يبلغ مجهوده، وهو أقصى قوته، ولعله - أيضا - من هذا؛ أي: طلب منها مثل ما فعل، وهي بمعنى قوله في الحديث الآخر:«إِذَا خَالَطَ» (3)،
(1) انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 105).
(2)
انظر: شرح مسلم للنووي (4/ 40).
(3)
رواه مسلم (349)، كتاب: الحيض، باب: نسخ الماء من الماء، ووجوب الغسل بالتقاء الختانين، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
وهي كناية عن مبالغة الجماع، ومغيب الحشفة، واختلاط العضوين.
والخِلاط: الجماع، قاله الحربي، وخالطها: جامَعَهَا.
وقال الخطابي: الجهدُ: من أسماء النكاح (1).
قلت: فعلى قول الخطابي لا يكون قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا جَلسَ بينَ شُعبها الأربع، ثم جهدَها» كنايةً عن النكاح، بل هو صريح، ولم أر هذا القول -أعني: قول الخطابي - في شيء من دواوين اللغة المشهورة، وأكثر ما قال الجوهري وغيره مما رأيت: الجاهد: الشهوان (2)، فإن كان أخذَه من هذا، فلا دليلَ له فيه؛ إذ الشهوان فَعْلان؛ من الشهوة، وهو أعمُّ من أن يكون للنكاح أو غيره، وليس من باب عَيْمان لمشتهي اللبن جداً، ولا قَرِمٍ لمشتهي اللحم جداً، فإن ذلك مخصوص بهما، والله أعلم.
الرابع: المقصود من الحديث: وجوب الغسل بالجماع، وإن لم ينزل، وهذا هو الحكم عند الجمهور، ولم يذهب إلى غير ذلك إلا داودُ الظاهريُّ.
ق: وخالفه بعضُ الظاهرية، ووافقَ الجماعة.
ومستند الظاهري: قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الماءُ مِنَ الماءِ» (3)، وقد جاء في الحديث: إنما كان الماءُ من الماء رخصةً في
(1) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 198).
(2)
انظر: الصحاح للجوهري (2/ 460)، (مادة: جهد).
(3)
رواه مسلم (343)، كتاب: الحيض، باب: إنما الماء من الماء، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
أول الإسلام، ثم نُسخ، ذكره الترمذي (1)، انتهى (2).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين-: أنهم لم يروا غُسلاً إلا من إنزال الماء، ثم رُوي أنهم رجعوا عن ذلك، حتى روي عن عمر: أنه قال: من خالفَ في ذلك، جعلتُهُ نكالاً.
واختلف الفقهاء في وجوب الغسل بالتقاء الختانين وإن لم ينزل، وما خالف في ذلك إلا داودُ، ولا يُعبأ به؛ فإنه لولا الخلاف ما عرف، وإنما الأمر الصعب خلاف البخاري لذلك، وحكمه بأن الغسل مستحب، وهو أحد علماء الدين، ومن أجلّ علماء المسلمين معرفةً وعدلاً، وما بهذه المسألة خفاءً؛ فإن الصحابة اختلفوا فيها، ثم رجعوا عنها، واتفقوا على وجوب الغسل بالتقاء الختانين، وإن لم يكن إنزال.
هذا مالك قد روى عن عثمان رجوعَه وعن أبي بن كعب، وقد روى أبو موسى أن الصحابة اختلفوا، وأسندوا أمرهم إلى عائشة، وقد
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فأحال على فعله مع عائشة، وهذا يدل على أن فعله في الدين متبع، وهي مسألة بديعة من أصول الفقه، والعجبُ من البخاري أن يساوي بين حديث عائشة في إيجاب الغسل بالتقاء الختانين وحديث عثمان وأُبي في نفي الغسل إلا بالإنزال،
(1) رواه الترمذي (110)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء، من حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح.
(2)
انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 105).
وحديث عثمان ضعيف؛ لأن مرجعه إلى الحسين بن ذكوان المعلم يرويه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن الحسين، لم يسمعه من يحيى، وإنما نقله له قال يحيى بن أبي كثير.
وكذلك أدخله البخاري عنه بصفة المقطوع، وهذه علة، وقد خولف حسين فيه عن يحيى، فرواه عنه غيره موقوفًا على عثمان، ولم يذكر
فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه علة ثانية.
وقد خولف أيضا فيه أبو سلمة، فرواه زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار، عن زيد بن خالد: أنه سأل خمسة أو أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأمروه بذلك، ولم يرفعه، وهذه علة ثالثة.
وكم من حديث ترك البخاريُّ إدخاله بواحدة من هذه العلل الثلاث، فكيف بحديث اجتمعت فيه؟!
وحديث أُبي- أيضا - يَضْعُفُ التعلق (1) به؛ لأنه قد صح رجوعه عما روى لما سمع وعلم، مما كان أقوى منه.
ويحتمل قول البخاري: الغسل أَحْوَطُ، يعني: في الدين من باب حديثين تعارضا، فقدَّم الذي يقتضي الاحتياطَ في الدين، وهو باب مشهور في أصول الفقه، وهو الأشبه بإمامة الرجل وعلمه، والله أعلم (2).
مسألة: قال ابن العربي ما معناه: إذا غاب الذَّكَرُ في فرج امرأة غير متلذذ، أو أدخلته هي بيدها مرغوما، أو استدخلته وهو نائم، وجب
(1) في (خ) و (ق): "التعليق.
(2)
انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي (1/ 169).
عليهما الغسلُ لمغِيبِ الحشفة، وكذا لو أدخله في دبر أو فرج البهيمة (1)،
أو في فرج ميتة.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الغسل في هذه والتي قبلها.
ولا يعاد غسل الميتة عندنا إن كانت غُسلت قبل ذلك، وبه قال بعض أصحاب الشافعي، وكذلك لو استدخلت المرأة ذكر بهيمة، فهو كوطء البهيمة.
فإن غيب بعض الحشفة، أو قدرَ دونها من مقطوعها، فلا غسل.
فإن أولجه في دُبر خنثى مشكل، فالغسل، وإن أولجه في قُبله، فقد خرج على من تيقَّن (2) الطهارة، وشك في الحدث.
فلو لفَّ خِرقة على ذَكَره فأولجه في فرج امرأة، فثلاثة أقوال: ثالثها - وهو الأشبه (3) بمذهبنا -: يفرق بين خفة الخرقة، فيجب، وكثافتها، فلا يجب.
مسألة: لو انتقل المني، ولم يظهر، لم يوجب غسلاً، خلافًا لأحمد.
مسألة: لو جومعت بكر (4)، فحملت، وجب الغسلُ عليها؛ لأن المرأة لا تحمل حتى تُنزل.
(1) أو فرج بهيمة ليس في «ق» .
(2)
في (ق): "يتيقن.
(3)
في (ق): "أشبه.
(4)
في (خ): بكراً.
قال ابن العربي: أفادناها شيخنا الفهري رحمه الله (1).
وهذا كله في البالغين، فلو عدم البلوغ فيهما، أو في أحدهما، فإن كانا غير بالغين، فقال ابن بشير: مقتضى المذهب: أن لا غسل، وقد
يؤمران به على جهة الندب، وأما إن وطئ الصغير كبيرةً، فلا يجب عليها الغسل إلا أن تُنزل، وقيل: يجب.
وإن وطئ الكبيرُ صغيرةً ممن تؤمر بالصلاة، فهل تغتسل الصغيرة، أو لا (2)؟ قولان.
فلو جامع فيما دون الفرج، فأنزل، فوصل الماء إليه، فإن أنزلت وجب الغسل، وإن لم تنزل، ولم تلتذَّ، لم يجب، وإن التذَّت، ولم يظهر منها إنزال، فقولان:
وجوب الغسل؛ لأن التذاذها قد يحصل به (3) الإنزال، ولا يبرز، وغالب حالها الإنزال عند ذلك.
قال الشيخ أبو إسحق: وهو الاختيار؛ للاحتياط (4).
قال القاضي أبو الوليد: وهو عندي قول مالك.
والقول الثاني: نفيُ الغسل، وهو تأويلُ قول ابن القاسم عن مالك، والله أعلم (5).
(1) انظر: عارضة الأحوذي لابن العربي (1/ 170 - 172).
(2)
في (ق): "أم لا.
(3)
في (ق): "منه.
(4)
في (خ): للاختلاط.
(5)
انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص: 60).