الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
2 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» (1).
* * *
* التعريف:
أبو هريرة كنيته، واختلف في اسمه على نحو من ثلاثين قولاً،
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (135)، كتاب: الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور، و (6554)، كتاب: الحيل، باب: في الصلاة، واللفظ له، ومسلم (225)، كتاب: الطهارة، باب: فرض الوضوء، والترمذي (76)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من الريح.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
«إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 12)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 479)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 103)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 12)، و «التوضيح» لابن الملقن (4/ 15)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 235)، و «عمدة القاري» للعيني (2/ 243)، و «إرشاد الساري» للقسطلاني (1/ 227)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 233).
وقد أفرد بعض الحفاظ له جزءً، وأصح ما قيل فيه: عبد الرحمن بن صخر.
وأما نسبه: فهو عبد الرحمن بن صخر، وهو دوسي النسب، نسبة إلى دَوْس -بفتح الدال وسكون الواو، وآخره سين مهملة-،
وهي قبيلة في (1) الأسد، وهو دَوْسَ ابن عُدْثَان -بضم العين وسكون الدال (2) المهملتين بعدها ثاء مثلثة- ابن عبد الرحمن بن زهران (3) بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن أزد، هكذا نسب.
وأما اتصال نسبه بدوس، فقال خليفة بن خياط: هو عمير بن عامر بن عبد ذي الشرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعب بن منبه بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس (4).
قال ابن إسحاق: حدثني بعض أصحابناعن أبي هريرة، قال: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس، فسميت في الإسلام عبد الرحمن، وإنما كنيت بأبي هريرة؛ لأني وجدت هرةً، فحملتها في كمي، فقيل لي: ما هذه؟ فقلت: هرة، فقيل: فأنت أبو هريرة (5).
(1) في (ق): "من بدل في.
(2)
الدال ليست في (ق).
(3)
في (ق): "زهر وهو خطأ.
(4)
انظر: «الطبقات» لخليفة بن خياط (ص: 114).
(5)
رواه ابن إسحاق في «السيرة» (ص: 266)، ومن طريقه: الحاكم في «المستدرك» (6141)، وإسناده ضعيف.
قال أبو عمر بن عبد البر: وقد روينا (1) عنه: أنه قال: كنت أحمل هرة يوما في كمي، فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«ما هذه؟» ، فقلت: هرة، فقال:«يا أبا هريرة» .
قال أبو عمر: أشبه ما عندي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كناه بذلك، والله أعلم.
قال أبو عمر: أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه، وواظبه (2) رغبة في العلم راضيا بشبع بطنه، كانت يده مع [يد] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيثما دار، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله! إني سمعت منك حديثًا كثيرا، وإني أخشى أن أنساه، قال:«ابسط رداءك» ، فبسطته، فغرف بيده فيه، ثم قال:«ضمه» ، فضممته، فما نسيت شيئًا بعد (3).
وقال البخاري: روى عنه أكثر من ثمان مئة رجل من بين صاحب وتابع، وممن روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس، وواثلة بن الأسقع، وروى عنه من التابعين: أبو سلمة، وسعيد بن المسيب، والأعرج، وأبو صالح، وسعيد المقبري (4)،
(1) في (ق): "رأينا.
(2)
في المطبوع من «الاستيعاب» : وواظب عليه.
(3)
رواه البخاري (119)، كتاب: العلم، باب: حفظ العلم.
(4)
في (ق): "المغربي" وهو خطأ.
وابن سيرين، وعكرمة.
استعمله عمر على البحرين، ثم عزله، ثم أراده على العمل، فأبى، ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته.
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف حديث، وثلاث مئة حديث، وأربعة وسبعون حديثًا، اتفقا على ثلاث مئة وخمسة وعشرين، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمئة وتسعين (1).
(1) جاء على هامش النسخة (خ) تنكيت على كلام المؤلف رحمه الله هنا، منقول من كتاب الحافظ العلائي:«كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب» ، قال فيه: الذي نقله الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه المسمى ب «كشف النقاب» : أن الذي انفرد به رحمه الله مما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مئة حديث وتسعة وثمانون حديثا، والمصنف رحمه الله نقل هاهنا أنه انفرد بمئة وتسعين، والأول أصح، والله أعلم.
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وهاهنا تنبيه، وهو أن الحافظ صلاح الدين العلائي الذي حكى في كتابه المسمى ب «كشف النقاب»: أن أبا هريرة رضي الله عنه روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف حديث، وثلاثمئة حديث، وأربعة وسبعون حديثا، اتفق الشيخان منهاى على ثلاث مئة وخمسة وعشرين حديثا، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثا، وانفرد مسلم بمئة وتسعة وثمانين حديثا، وأن ابن عمرو رضي الله عنه روي له سبع مئة حديث، اتفق الشيخان منها على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة منها، وانفرد مسلم بعشرين حديثا؛ وهذا مناف في الظاهر لقول أبي هريرة: إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، ففيه إشكال، وقد يجاب عنه، فتأمله، والله أعلم.
قال خليفة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين.
وقال الهيثم بن علي: توفي أبو هريرة سنة ثمان وخمسين.
وقال الواقدي: سنة تسع وخمسين.
وقال غيره: مات بالعقيق، وصلى عليه الوليد بن عتبة (1) بن أبي
سفيان، وكان أميرا يومئذ على المدينة، ومروان معزول.
روى له الجماعة، والله أعلم (2).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله» هو (3) بفتح الموحدة في المضارع،
وكسرها في الماضي؛ كَعَلِمَ يَعْلَمُ، والقبول فُسِّرَ بترتب (4) الغرض المطلوب من الشيء على
الشيء، يقال: قبل فلان عذر فلان: إذا رتب على عذره الغرض المطلوب منه، وهو محو
الجناية والذنب.
(1) في (ق): "عقبة.
(2)
وانظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» لابن سعد (4/ 325)، و «حلية الأولياء» لأبي نعيم (1/ 376)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (4/ 1768)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (67/ 295)، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 313)، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 546)، و «تهذيب الكمال» للمزي (34/ 366)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 578)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (7/ 425).
(3)
هو ليس في (ق).
(4)
في (ق): "بترتيب.
قال القرطبي في «المفهم» : هذا الحديث دليل لمالك، وابن نافع على قولهما: إن من عَدِمَ الماء والصعيد، لم يصلِّ، ولم يقض، إن خرج وقت الصلاة؛ لأن عدم قبولها (1) لعدم شرطها، يدل على أنه ليس مخاطبا بها حالة عدم شرطها، فلا يترتب شيء في الذمة، فلا يقضي، وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب.
واختلف أصحاب مالك في هذه المسألة؛ لاختلافهم في هذا الأصل انتهى (2).
وفي هذه المسألة أربعة أقوال معروفة في مذهب مالك، والمشهور منها: أنه (3) يصلي، ويقضي، وقد نظمها بعض أصحابنا من (4) المتأخرين:
[وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا مُتَيَمَّمًا
…
فَأَرْبَعَةُ الْأَقْوَالِ يَحْكُونَ مَذْهَبا (5)]
يُصَلِّي وَيَقْضِي عَكْسَ مَا قَالَ [1]
…
وَأَصْبَغُ يَقْضِي وَالْأَدَاءُ لِأَشْهَبا (6)
(1) في (ق): "قبولهما.
(2)
انظر: «المفهم» للقرطبي (1/ 478).
(3)
في (ق): "أنها.
(4)
من: ساقطة في (ق).
(5)
ما بين معكوفتين زيادة من (ق).
(6)
ذكر هذين البيتين: السخاوي في «الضوء اللامع» (4/ 324) في ترجمة عبد اللطيف بن أحمد السراج الْفُوِّي القاهري الشافعي المولود سنة (740 هـ)، والمتوفى سنة (801 هـ) أنه قالهما.
قلت: وفي نسبتهما إليه نظر مع ما نقله المؤلف رحمه الله هنا، فتأمله.
وتوجيه (1) هذه الأقوال في كتب الفقه، وقصدنا هاهنا ما يتعلق بلفظ الحديث.
الثاني: هذا الحديث نص في وجوب الوضوء وشرطيته في الصلاة، وهو مما أجمعت عليه الأمة.
ع: واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة؟ فذهب ابن الجهم: إلى أن الوضوء كان في أول الإسلام سنة، ثم نزل فرضه في آية التيمم.
وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا.
واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم (2) إلى الصلاة، أم على المحدث خاصة؟
فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض، بدليل قوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية [المائدة: 6]، وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ.
وقيل: الأمر به لكل صلاة على الندب، وقيل: بل لم يشرع إلا لمن أحدث، ولكن تجديده لكل صلاة مستحب، وعلى
هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه خلاف، ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم محدثين.
(1) في (ق): "وتوجه.
(2)
في (ق): "إلى الصلاة.
وأما الوضوء لغير الفرائض: فذهب بعضهم إلى أن الوضوء بحسب ما يفعل له من نافلة أو سنة.
وذهب بعضهم إلى أنه فرض على كل حال، ولكل عبادة لا تستباح إلا به، إذا عزم على فعلها، فالمجيء بها بغير الطهارة معصية، واستخفاف بالعبادة، فلزمه المجيء بشرطها فرضا (1)؛ كما إذا دخل في عبادة نفلًا، لزمته (2)، ووجب عليه تمامها لهذا الوجه (3).
ح: ولو صلى محدثًا متعمدا بلا عذر، أثم، ولا يكفر عندنا، وعند الجمهور، وحكي عن أبي حنيفة: أنه يكفر بتلاعبه، ودليلنا أن الكفر بالاعتقاد، وهذا المصلي اعتقاده صحيح (4).
قلت: وفي هذا الاستدلال عندي نظر؛ للاتفاق على تكفير من استهان بالمصحف استهانة مخصوصة في الصورة المخصوصة، والله أعلم.
الثالث: ظاهر هذا الحديث يقتضي انتفاء الصحة عند انتفاء القبول، ويحتاج ذلك إلى تحقيق؛ إذ لا يتم الاستدلال على وجوب (5) الطهارة إلا بذلك.
(1) في (ق): "شرطا.
(2)
في (خ): لزمه.
(3)
انظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 10).
(4)
انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 103).
(5)
في (ق): "بوجه.
ق (1): وقد حرك في هذا بحثا؛ لأن انتفاء القبول قد ورد في مواضع مع ثبوت الصلاة؛ كالعبد إذا أبق لا تقبل له صلاة، وكما ورد فيمن أتى عرافًا، وفي شارب الخمر، فإذا أراد أن يقوي الدليل على انتفاء الصحة بانتفاء القبول، فلا بد من تفسير معنى (2) القبول.
وقد فسر (3) بأنه تَرَتُّبُ الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، فإذا ثبت ذلك، فيقال مثلاً: في هذا
المكان الغرض من الصلاة؛ وقوعها مجزئة لمطابقتها للأمر، فإذا حصل هذا الغرض، ثبت القبول على ما ذكر من التفسير، وإذا ثبت القبول على هذا التفسير، ثبتت الصحة، وإذا انتفى القبول على هذا التفسير، انتفت الصحة.
وربما قيل من جهة بعض المتأخرين: إن القبول كون العبادة بحيث يترتب الثواب والدرجات عليها، والإجزاء كونها مطابقة للأمر.
والمعنيان إذا تغايرا، وكان أحدهما أخص من الآخر، لم يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، والقبول على هذا التفسير أخص من الصحة، فإن (4) كل مقبول صحيح، وليس كل صحيح مقبولاً، وهذا إن نفع في تلك الأحاديث التي نفي (5) فيها القبول مع بقاء الصحة، فإنه يضر في
(1) ق ليست في (ق).
(2)
في (ق): "لهذا.
(3)
في (ق): "فسرناه.
(4)
في (ق): "وإن كان.
(5)
نفي ليست في (ق).
الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة؛ كما حكينا عن الأقدمين، اللهم إلا أن يقال: دلَّ الدليل على
كون القبول من لوازم الصحة، فإذا انتفى، انتفت، فيصح الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة، ويحتاج في تلك الأحاديث التي نفي فيها القبول مع بقاء الصحة إلى تأويل أو تخريج جواب على أنه يَرِدُ على من فسر القبول بكون العبادة مثابا عليها ومرضية، أو ما أشبه
ذلك، إذا كان مقصوده بذلك أن لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة أن يقال: القواعد الشرعية تقتضي أن العبادة إذا أتي بها مطابقة للأمر، كانت سببا للثواب، والظواهر في ذلك لا تحصى انتهى (1).
وحاصل هذا أن الإشكال باقٍ حتى تتأول تلك الأحاديث التي نفي فيها القبول مع بقاء الصحة بما يكون جمعا بينها وبين هذا الحديث.
ويحتمل أن يقال في ذلك -والله الموفق-: إنَّ الأصل فيمن أتى بالعبادة المأمور بها ناقصة عما أمر به (2)؛لترك شرط من شروطها، ونحو
ذلك: أن تكون غير صحيحة؛ إذ لم يأت بما أمر به، صح لنا ذلك في هذا الحديث، وخالفناه في تلك الأحاديث الأخر لدليل دلَّ على ذلك، فبقي ما كان على ما كان، فثبت بذلك انتفاء الصحة عند انتفاء القبول، والله أعلم.
الرابع: ق: الحدث قد يطلق بإزاء معان ثلاثة:
أحدها (1): الخارج المخصوص الذي يذكره الفقهاء في باب نواقض الوضوء، ويقولون: الأحداث كذا، وكذا.
الثاني: نفس خروج الخارج.
الثالث: المنع المرتب على ذلك الخروج، وبهذا المعنى يصح قولنا: رفعت الحدث، أو (2): نويت رفع الحدث، فإن كل واحد من الخارج والخروج قد وقع، وما وقع يستحيل رفعه؛ بمعنى أن لا يكون واقعا، وأما المنع المرتب على الخروج، فإن الشارع حكم به، ومد غايته إلى استعمال المكلف الطهور، فباستعماله يرتفع المنع، فيصح قولنا: رفعت الحدث، وارتفع الحدث؛ أي: ارتفع المنع الذي كان ممدودا إلى استعمال المطهر.
وبهذا التحقيق يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث؛ لما بينا أن المرتفع إنما هو المنع من الأمور المخصوصة، وذلك المنع مرتفع بالتيمم، فالتيمم يرفع الحدث.
غاية ما في الباب: أن رفعه للحدث (3) مخصوص بوقت ما، أو بحالة ما، وهو عدم الماء، وليس ذلك ببدع؛ فإن الأحكام قد تختلف
(1) أحدهما ليس في (ق).
(2)
في (ق): "و.
(3)
للحدث ليس في (ق).
لاختلاف محالها، وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة على ما حكوه، ولا شك أنه كان رافعا للحدث في وقت مخصوص، وهو وقت الصلاة، ولم يلزم من انتهائه بانتهاء وقت الصلاة في ذلك الوقت (1) أن لا يكون رافعا للحدث، ثم نسخ ذلك الحكم عند الأكثرين، ونقل عن بعضهم أنه مستمر، ولا شك أنه لا يقول: إن الوضوء لا يرفع الحدث.
نعم (2) هاهنا معنى رابع يدعيه كثير من الفقهاء، وهو أن الحدث وصف حُكْمِيٌّ مقدر قيامه بالأعضاء على مقتضى الأوصاف الحسية، ويُنْزِلُون ذلك الحكمي منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء.
فما نقول: إنه يرفع الحدث؛ كالوضوء، والغسل يزيل ذلك الأمر الحكمي، فيزول المعنى المرتب على ذلك الأمر المقدر الحكمي.
وما نقول بأنه لا يرفع الحدث، فذلك المعنى (3) المقدر القائم بالأعضاء حكما باق لم يزل، والمعنى المرتب عليه زائل.
فبهذا الاعتبار نقول: إن التيمم لا يرفع الحدث، بمعنى: أنه لم يزل ذلك الوصف الحكمي المقدر، وإن كان المنع زائلاً.
وحاصل هذا: أنهم أثبتوا للحدث معنى رابعا غير ما ذكرناه من
(1) الوقت ليس في (ق).
(2)
في (ق): "فنعم.
(3)
المعنى: ليس في (ق).
المعاني الثلاثة، وجعلوه مقدرا قائما بالأعضاء حكما كالأوصاف الحسية، وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا المعنى الرابع الذي ادعوه مقدرا قائما بالأعضاء، فإنه منفي بالحقيقة (1)، والأصل موافقة الشرع لها، ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك، وأقرب ما يذكر فيه: أن الماء المستعمل قد انتقل إليه المانع؛ كما يقال.
والمسألة متنازع فيها، فقد قال جماعة بطهورية الماء المستعمل، ولو قيل بعدم طهوريته، أو بنجاسته، لم يلزم منه انتقال مانع إليه، فلا يتم الدليل، والله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله (2).
وهذا تحقيق لا ينازع فيه منصف، ولا ينكره إلا مجحف متعسف، فلينظر توجيه المذهبين؛ أعني: مذهب مالك، والشافعي رحمهما الله تعالى، فإن المشهور فيهما أن التيمم لا يرفع الحدث، والله أعلم (3).
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: «حتى يتوضأ» معناه: أو يتيمم بشرطه، وإنما اكتفى بالوضوء عن التيمم؛ لأصالته، وأكثريته.
السادس: لا بد في الحديث من تقدير حذف وهو: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، ويصلي؛ إذ يستحيل قبول صلاة غير مفعولة.
ق: استدل بهذا الحديث على أن الوضوء لا يجب لكل صلاة، ووجه الاستدلال منه: أنه عليه الصلاة والسلام نفى القبول ممتدا (1) إلى غاية الوضوء، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها، فيقتضي ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، وتدخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء (2) لها ثانيا (3).
قلت: ويحققه أن (صلاة)(4) اسم جنس، وقد أضيف، فعم، وبالله التوفيق.
* * *
(1) في (ق): "مبتدئا.
(2)
في (ق): "بغير وضوء.
(3)
انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 15).
(4)
في (ق): "الصلاة.