الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
45 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قد تقدم أن (كان) هذه تعطي الملازمة والاستمرار على الشيء؛ أي: من عادته عليه الصلاة والسلام أن يصلي الصبح في هذا الوقت.
ومعنى (يشهد) هنا: يحضر، ومنه قوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} [البقرة: 185]، أي: حضره.
(والنساء): من الجمع الذي لا واحد له من لفظه؛ إذ الواحد امرأة، وله نظائر كثيرة.
الثاني: (التلفع): التلحف بالشيء والالتفاف به، فيقال: تلفع الرجل بالثوب، والشجر بالورق إذا اشتمل به، وتغطى، ومنه قول الشاعر:[المنسرح]
لَمْ تَتَلَفَّعْ بِفَضْلِ مِئْزَرِهَا
…
دَعْدُ وَلَمْ تُغْذَ دَعْدُ فِي الْعُلَبِ (1)
وروي: «متلففات» -بتكرير الفاء-، رواه يحيى بن يحيى في
= للقرطبي (2/ 269)، و «شرح مسلم9) للنووي (5/ 143)، و «شرح عمدة الأحكام» لبا ندقيق (1/ 133)، و «العدة في شرح العمدة» لابن العطار (1/ 287)، و «فتح الباري» لابن رجب (3/ 224)، و «التوضيح» لابن الملقن (6/ 250)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 482)، و «عمدة القاري» للعيني (4/ 89)، و «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 547)، و «نيل الأوطار» للشوكاني (1/ 420).
(1)
انظر: «الصحاح» للجوهري (3/ 1279)، (مادة: لفع)
«الموطأ» (1) والأكثرون على متلفعات بالعين، وهما متقاربان، إلا أن التلفع يستعمل مع تغطية الرأس (2).
والمروط: أكسية مربعة من صوف أو خز، وقيل: سداها شعر، الواحد: مِرْط - بكسر الميم وسكون الراء المهملة -.
والغلس: الظلمة آخر الليل، والتغليس: السير بغلس، يقال منه: غلسنا الماء؛ أي: وردناه بغلس، وكذلك إذا فعلنا الصلاة بغلس، فالغلس (3) والغبش متقاربان؛ لكن يفترقان من أن الغلس آخر الليل، والغبش قد يكون في أول الليل، وفي آخره (4).
وأما الغبس - بالسين المهملة - فلون كلون الرماد.
قال ابن فارس: الأغبس: لون كلون الرماد، والأغبس من ألوان
(1) جاء على هامش النسخة (خ): «هي رواية يحيى بن يحيى وجماعة كثيرة من راوة «الموطأ» ، وقد ذهب الحافظ أبو عمر إلى أن التلفع والتلفف معناهما واحد، وذهب عياض إلى أن بينهما فرقا، وهو أن التلفع مع تغطية الرأس، والتلفف: بدون تغطية الرأس، ونحوه .... كشفه، وما ذكره الشيخ في تفسير «المرط» ذكره عياض قال: هو كساء من صوف أو خز أو كتان، قال الخليل، وقال ابن الأعرابي: هو الإزار، وقال النضر: لا يكون المرط إلا درعا، وهو من خز أخضر ولا تلبس إلا النساء. وما ذكره في (الغلس).
(2)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 134).
(3)
في (خ): والغلس.
(4)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
الخيل الذي يسمى (1): السَّمَنَّد (2).
الثالث: قولها: «ما يعرفهن أحد من الغلس» ، وفي «الموطأ»:«ما يُعرفن من الغلس» على البناء للمفعول.
قال الباجي في «منتقاه» : يحتمل أمرين:
أحدهما: لا يُعرف أرِجالٌ هن أم نساء من شدة الغلس، إنما يظهر للرائي أشباحهن خاصة، قال ذلك الداودي (3).
ويحتمل - أيضا -: أن يريد: لا يعرف من هن من الناس من شدة الغلس، وإن عرف أنهن نساء، إلا أن هذا الوجه يقتضي أنهن سافرات عن وجوههن، ولو كن غير سافرات، لمنع النقاب وتغطية الوجه من معرفتهن، لا الغلس.
إلا أنه يجوز أن يبيح لهن كشف وجوههن، أحد أمرين:
إما أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب، أو يكون بعده، لكنهن أَمِنَّ أن تُدرَك صورهن من شدة الغلس، فأبيح لهن كشف وجوههن (4).
الرابع: الحديث دليل لمالك، والشافعي، وأحمد، على تقديم الصبح في أول وقتها؛ لانصرافهن بعد الصلاة بغلس، لا سيما مع
(1) الذي يسمى ليس في (ق).
(2)
انظر: «مقاييس اللغة» لابن فارس (4/ 409).
(3)
في (ق): "الداروردي، وفي المطبوع من «المنتقى»: الراوي.
(4)
انظر: «المنتقى» للباجي (1/ 214).
ما روي من طول قراءته صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، وخالف في ذلك أهل الكوفة، فقالوا: الإسفار بها أفضل، متمسكين بما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام:«أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر» أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1).
وفي حديث رافع بن خديج: «أصبحوا بالفجر؛ فإنه أعظم لأجوركم «أو: «أعظم للأجر» (2).
وقال الترمذي: حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح.
وأجاب بعضهم: بأن ذلك محمول على تحقق طلوع الفجر عند خفائه في مبدأ طلوعه.
وحمله بعض الشافعية على الليالي المقمرة، التي يصبح فيها القمر، فإن الفجر يخفى فيها غالبا؛ لغلبة نور القمر عليه (3).
وفي هذا الجواب نظر، من حيث إن أفعل التي للمفاضلة تقتضي المشاركة والتفضيل، فيلزم منه: أنه إذا صلى قبل الإسفار بالفجر أن
(1) رواه بهذا اللفظ: الترمذي (154)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الإسفار بالفجر، وقال: حسن صحيح، والنسائي (548)، كتاب: المواقيت، باب: الإسفار، وابن حبان في «صحيحه» (1490)، من حديث رافع بن خديج. وانظر رواية أبي داود وابن ماجه في الحديث الآتي.
(2)
رواه أبو داود (424)، كتاب: الصلاة، باب: في وقت الصبح، وابن ماجه (672)، كتاب: الصلاة، باب: وقت صلاة الفجر، الإمام أحمد في «المسند» (4/ 140).
(3)
انظر: «المجموع في شرح المهذب» للنووي (3/ 55).
يكون للمصلي حينئذ أجر عظيم، لا أعظم، وليس الأمر كذلك؛ لأنه إذا لم يتبين له الفجر، لا يجوز له أن يصلي حينئذ، ومن صلى في وقت تحرم عليه فيه الصلاة، كيف يكون له أجر، فضلاً عن كونه عظيما؟! إلا أن يقال: إن (أعظم) هنا، بمعنى: عظيم؛ كما قالوا في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]: إنه بمعنى: هين، وأشباه ذلك، فيكون المعنى: أسفروا بالفجر، فإنه عظيم أجركم، وذلك بسبب التثبت والتبين (1) لطلوع الفجر على طريق التحقيق، والله أعلم.
الخامس: فيه دليل على خروج النساء للمساجد لصلاة الصبح، وينبغي أن تقاس عليها العشاء الآخرة؛ لكونها في معناها من حيث وجود الظلمة فيهما، وهذا كله بشرط أمن الفتنة عليهن أو بهن، وليس في الحديث ما يدل على كونهن عُجَّزًا، أو شواب.
وقد كره بعضهم للشواب الخروج لذلك، وهو الأليق بزماننا، وقد قال بعض العلماء: لا تخرج المرأة إلا بخمسة شروط:
أن يكون ذلك لضرورة.
وأن تلبس أدنى ثيابها.
وأن لا يظهر عليها ريح الطيب.
وأن يكون خروجها في طرفي النهار.
(1) في (ق): "والتبيين.
وأن تمشي في أطراف الطريق دون وسطه، أو قريبًا من هذا، والله أعلم.
* * *