الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
19 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ - عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إلَى صَدْرِي ، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ؛ فَأَبَدَّهُ النبي (1) صلى الله عليه وسلم بَصَرَهُ؛ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ، فَقَضَمْتُهُ ، فَطَيَّبْتُهُ ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إلَى رسول صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَنَّ اسْتِنَانًا أَحْسَنَ مِنْهُ ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَهُ، أَوْ إصْبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ:«فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» ، ثَلاثاً، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي (2).
(1) في (ق): "رسول الله.
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (4174)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم وفاته، واللفظ له. ورواه أيضا بطرق وألفاظ مختلفة برقم:(850)، كتاب: الجمعة، باب: من تسوك بسواك غيره، و (1323)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، و (2933)، كتاب: الخمس، باب: ما جاء في بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وما نسب من البيوت إليهن، و (4181)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، و (4184 - 4186)، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم، و (4919)، كتاب: النكاح، باب: إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرض في بيت بعضهن، فإذن له.
وَفِي لَفْظٍ: فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ (1) لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ؛ أَنْ: نَعَمْ، لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (2) وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (3).
* * *
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: معنى يستن (4): يستاك، قال الخطابي: وأصله من السن، وهو (5) إمرار الشيء الذي فيه حروشة على شيء أخر، ومنه المسن الذي يستحد (6) عليه الحديد ونحوه، يريد: أنه كان يدلك به أسنانه.
(1) في (ق): "آخذ.
(2)
وهو المتقدم تخريجه برقم (4184).
(3)
لعل الحافظ رحمه الله يشير إلى حديث عائشة رضي الله عنها التي قالت فيه: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفقد يقول: «أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟» استبطاء ليوم عائشة. قالت: فلما كان يومي، قبضه الله بين سحري ونحري. رواه مسلم (2443)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل عائشة رضي الله عنه، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، به. وهذا الطريق أحد طرق البخاري التي أخرجها في صحيحه، وتقدم تخريجها قريبا.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
إكمال المعلم للقاضي عياض (7/ 451)، وشرح مسلم للنووي (15/ 208)، وشرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 68)، والتوضيح لابن الملقن (7/ 424)، وفتح الباري لابن حجر (8/ 138)، والنكت على العمدة» للزركشي (ص: 33)، وعمدة القاري للعيني (18/ 65)، وكشف اللثام للسفاريني (1/ 248).
(4)
في (ق) زيادة: «أي» .
(5)
«هو» ليس في «ق» .
(6)
في (ق): "يشحذ.
الثاني: معنى «أبده» : أطال النظر إليه.
ق: فكأن أصله من معنى التبديد، الذي هو التفريق.
قلت: بل هو بالجمع أولى منه بالتفريق؛ فإن من أطال نظره إلى الشيء، فقد جمع نظره فيه.
قال: ويروى: أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما حضرته الوفاة، قال:
أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله،
ثم رفع رأسه، فأبد النظر، ثم قال: إني لأرى حضرة ما هم بإنس، ولا جن، ثم قُبض (1).
قلت: وهذا - أيضا - كما تقدم، من أنه بمعنى: جمع نظره في الحضرة؛ لا أنه فرق نظره وبدده.
الثالث: فيه: العمل بما يفهم من الإشارة والحركات، وقد أعملها الفقهاء في غير ما
مسألة من الأخرس وغيره.
وفيه: جواز الاستياك بسواك الغير من غير كراهة.
قال الخطابي: على ما يذهب إليه بعض من يتقزز.
وفي كلام الترمذي الحكيم ما يشعر بكراهة ذلك، وهذا الحديث يرده.
قال الخطابي: إلا أن السنة أن يغسله، ثم يستعمله (2).
(1) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (5/ 335)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 254). وانظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 68).
(2)
انظر: معالم السنن للخطابي (1/ 62).
وفيه: إصلاح السواك، وتهيئته؛ لقول عائشة رضي الله عنها:(فقضمته).
قال ابن هشام: والقضم: لكل شيء يابس؛ كالبسر (1)، والشعير، والخضم - يعني: بالخاء المعجمة - لكل شيء رطب؛
كالقثاء وغيره.
وذكر ابن جني: أن العرب اختصت اليابس بالقاف، والرطب بالخاء؛ لأن في القاف شدة، وفي الخاء رخاوة (2).
وقيل: إن القضم بمقدم الأسنان، والخضم بالفم كله (3)، وقالوا في تصريف فعله: خضم وخضِم، بفتح الضاد وكسرها.
وقولها: «فطيبته» : يحتمل أن تريد: أنعمته ولينته، ويحتمل أن تريد: غسلتُه، والأول أظهر؛ لعطفها بالفاء السببية؛ إذ التليين والتنعيم مسبب عن القضم، وليس الغسل كذلك، ولذلك لما لم يكن الدفع مسببا عن القضم، أتت ب:(ثم) التي لا سبب فيها، ولما بين الأخذ والدفع من التراخي، والله أعلم.
الرابع: قولها: «فأشار بيده، أو إصبعه» ، في الإصبع عشر لغات: ضم الهمزة، وكسرها، وفتحها، وكذلك الباء، فهذه تسع، والعاشرة:
(1) في (ق): "البر.
(2)
انظر: الخصائص لابن جني (2/ 156 - 157).
(3)
انظر: غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 412).
أُصبوع، ويجمعها هذا البيت:
تَثْلِيثُ بَا إِصْبَعٍ مَعْ شَكْلِ هَمْزَتِهِ
…
بِغَيْرِ قَيْدٍ مَعَ الْأُصْبُوعِ قَدْ كَمُلَا (1)
فائدة: قال القرطبي رحمه الله فيأحكام القرآن له (2): وروي عن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشيرة فيها (3) كانت أطول من الوسطى، ثم الوسطى أقصر منها، ثم البنصر أقصر من الوسطى.
قال: وروى يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الله بن مقسم، [من أهل الطائف، قال حدثتني سارة بنت مقسم](4)، أنها سمعت ميمونة بنت كردم، تقول (5): خرجت مع أبي في حجة حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) على راحلته، وسأله أبي عن أشياء، فلقد رأيتُني أتعجب وأنا جارية، من طول إصبعه التي تلي الإبهام على سائر أصابعه (7).
(1) من نظم ابن مالك كما نسبه السيوطي في «بغية الوعاة» (1/ 136).
(2)
له ليس في (ق).
(3)
في (ق): "منها.
(4)
في (ق): "الطائفي، قال: حدثني عمتي سارة بنت مقسم، وهو كذلك في المطبوع من «تفسير القرطبي» .
(5)
في (خ): قالت.
(6)
فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست في (ق).
(7)
انظر: «تفسير القرطبي» (2/ 15).
قلت: وفي «دلائل النبوة» للبيهقي رحمه الله: أن ذلك في أصابع رجليه عليه الصلاة والسلام، لا في يده، فانظره (1) هناك (2).
الخامس: الرفيق هنا يؤخذ من) (3) معنى الجمع؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [الحج: 5]، وهو منه صلى الله عليه وسلم إشارة منه إلى قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، والله أعلم.
ق (4): وقد ذكر بعضهم: أن قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] إشارة إلى ما في هذه الآية، وهو قوله:{مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69]، فكأن هذا تفسير لتلك.
قال: وبلغني: أنه صنف في ذلك كتاب يفسر فيه القرآن بالقرآن.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «في الرفيق الأعلى» : من الصفات اللازمة التي ليس لها (5) مفهوم يخالف المنطوق؛ كما (6) في قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
(1) في (ق): "فانظر.
(2)
رواه البيهقي في «دلائل النبوة» (1/ 246) بإسناده إلى ميمونة بنت كردم، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهو على ناقة له، وأنا مع أبي، وبيد رسول الله درة كدرة الكتاب، فدنا منه أبي، فأخذ بقدمه، فأقر له رسول الله، قال: فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه.
(3)
في (ق): "في.
(4)
ق ليست في (ق).
(5)
لها ليست في (ق).
(6)
في (ق): "وكما.
آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117]، وليس ثمّ داع آخر له (1) برهان.
قلت: فهو من وادي (2) قوله: [الطويل]
عَلَى لَاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ (3)
ثم قال: وكذلك {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61]، ولا يكون القتل للنبيين (4) إلا بغير حق.
قلت: بل ليس من هذا الباب، على ما قاله صاحب «الكشاف» ، ولفظه: إن قلت: فقتل (5) الأنبياء لا يكون إلا (6) بغير حق، فما فائدة ذكره؟ قلت: معناه: أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم؛ لأنهم لم يقتلوا، ولا أفسدوا في الأرض، ولا استوجبوا القتل لسبب (7) يكون شبهة لهم ومستندا، بل نصحوهم، ودعوهم إلى ما ينفعهم، فقتلوهم، فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم، لم يذكروا وجها يوجب عندهم القتل، انتهى (8).
(1) في (ق): "آخر ليس له.
(2)
في (ق): من مرادي.
(3)
صدر بيت لانرئ القيس، وعجزه:
إذا سافه العود النبطي جرجرا
(4)
في (ق): للنفس.
(5)
في (ق): فلفظ.
(6)
لا يكون إلا ليس في (ق).
(7)
في (ق): بسبب.
(8)
انظر: «الكشاف» للزمخشري (1/ 174).
فهذه فائدة حسنة جليلة، أعني: قوله تعالى: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61]، فليعل ذلك (1).
ثم قال: فيكون الرفيق لم يطلق إلا على الذي اختص الرفيق به، ويقوي هذا ما ورد في بعض الروايات:«وألحقني بالرفيق» (2)، ولم يصفه بالأعلى، وذلك دليل على أن المراد بلفظ الرفيق:«الرفيق الأعلى» ، ويحتمل أن يراد بالرفيق: ما يعم الأعلى وغيره، ثم ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يختص الفريقان معا بالمقربين المرضيين، ولا شك أن مراتبهم متفاوتة، فيكون صلى الله عليه وسلم طلب أن يكون في أعلى مراتب الرفق، وإن كان الكل من السعداء المرضيين.
الثاني: أن يطلق (3) الرفيق بالمعنى الوضعي الذي يعم كل رفيق، ثم يخص منه الأعلى بالطلب، وهو مطلق المرضيين، ويكون الأعلى بمعنى: العالي، ويخرج عنه (4) غيرهم، وإن كان اسم الرفيق منطلقًا (5) عليهم، انتهى (6).
قلت: والوجه الأول أليق بمحله صلى الله عليه وسلم.
(1) فليعلم ذلك ليس في (ق):.
(2)
رواه مسلم (24444)، (1/ 1893)، كتاب: الفضائل، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها.
(3)
في (ق):: يطلب.
(4)
في (ق): "عنهم.
(5)
في (ق): "مطلقا.
(6)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 69).
السادس: الحاقنة، قال الجوهري: هي النقرة بين الترقوة وحبل (1) العاتق.
قلت: والعاتق: موضع الرداء.
ثم قال: وهما حاقنتان، وفي المثل: لألحقن حواقنك بذواقنك، والذاقنة: طرق الحلقوم، قال: ويقال: الحاقنة: ما سفل من البطن (2).
وقال غيره: الذاقنة: أعالي البطن، والحوقن: أسافله (3).
قلت: وقد جاء في رواية أخرى: مات بين سحري ونحري (4)، والسحر: الرئة، والله أعلم.
* * *
(1) في (خ): وحد.
(2)
انظر: «الصحاح» للجوهري (5/ 2103)، (مادة: حقن).
(3)
انظر: «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (1/ 271).
(4)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (4184) في حديث الباب.