الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
33 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كُنْت أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلاةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ (1).
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكاً، فَيُصَلِّي فِيهِ (2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (227، 228)، كتاب: الوضوء، باب: غسل المني وفركه، وغسل مايصيب من المرأة، و (229، 230)، باب: إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره، واللفظ له، ومسلم (289)، كتاب: الطهارة، باب: حكم المني، وأبو داود (3730)، كتاب: الطهارة، باب: المني يصيب الثوب، والنسائي (295)، كتاب: الطهارة، باب: غسل المني من الثوب، وابن ماجه (536)، كتاب: الطهارة، باب: المني يصيب الثوب، كلهم من طريق عمرو بن ميمون الجزري، عن سليمان بن يسار، عن عائشة، به.
(2)
رواه مسلم (288)، (1/ 238 - 239)، كتاب: الطهارة، باب: حكم المني، وأبو داود (317، 372)، كتاب: الطهارة، باب: المني يصيب الثوب، والنسائي (296 - 301)، كتاب الطهارة، باب، فرك المني من =
ليس في هذا الحديث من الأحكام إلا ما يتعلق بنجاسة المني أو (1) طهارته.
قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله في شرح الترمذي: اختلف العلماء في المني على أربعة أقوال:
الأول: قال مالك: إنه نجس يجب غسله، وأحمد في إحدى روايتيه.
الثاني: قال أبو حنيفة: إنه نجس يجزئ فركه.
قلت: ونُقل عن (2) ابن هبيرة: أنه إن كان رطبا، فيغسل، وإن كان يابسا، فيفرك، والفرك - بفتح الفاء -: الدلك، وبكسرها: البُغْض.
الثالث: قال الشافعي: هو طاهر لا غَسْلَ فيه، ولا فركَ إلا على
= الثوب، والترمذي (116)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في المني يصيب الثوب، وابن ماجه (537 - 539)، كتاب: الطهارة، باب: في فرك المني من الثوب.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
معالم السنن للخطابي (1/ 114)، والاستذكار لابن عبد البر (1/ 286)، وعارضة الأحوذي لابن العربي (1/ 177)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 114)، والمفهم للقرطبي (1/ 548)، وشرح مسلم للنووي (3/ 196)، وشرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 102)، والعدة في شرح العمدة لابن العطار (1/ 222)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 332)، وعمدة القاري للعيني (3/ 144)، وكشف اللثام للسفاريني (1/ 430)، وسبل السلام للصنعاني (1/ 36)، ونيل الأوطار للشوكاني (1/ 64).
(1)
في (ق): "و.
(2)
في (ق): "عنه.
معنى الاستحباب؛ لقباحة منظره، واستحياءً مما يدل عليه من حالته.
الرابع: قال الحسن بن صالح بن حيي (1): لا يعيد الصلاة من المني في الثوب، ويعيدها من المني في البدن، وإن قَلّ.
قال: وللعلماء فيه طرق من الأثر والنظر:
فأما طريق الشافعي من الأثر: فما تقدم من إنكار عائشة على من غسل ثوبه، وإخبارها: أنها كانت تفركه من ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن الطاهرات.
وأما طريقه من جهة النظر، فمن ثلاثة أبواب:
أحدها: أنه قال: نظرت، فإذا المني يخلق منه البشر، وإذا الطين يخلق منه البشر، فألحقته به، وتحريره: أن يقال في المني: مبتدأ
خلق بشر، فكان طاهرا كالطين.
الثاني: أنه قال: نظرت المني، فإذا به في الآدميين كالبيض في البهائم، فألحقته به. وتحريره أن يقال في المني: خارج من حيوان طاهر يخلق منه مثل أصله، فكان طاهرا كالبيض.
الثالث: أنه قال: حرمة الرضاع إنما هي مشبهة بحرمة النسب، ثم اللبن (2) الذي يحصل به الرضاع طاهر، فالمني الذي يحصل به النسب أولى.
وأما طريق أبي حنيفة من الأثر، فأحاديث ضعاف، وربما تعلق
(1) في (ق): "ابن جني وهو خطأ.
(2)
في (ق): "المني.
بالفرك، وهو ضعيف؛ إذ (1) قال: إنه يجزئ دون الغسل (2).
وأما طريقه من النظر، فمن بابين:
أحدهما: أنه قال: إن خروج المني يوجب الطهارة، ولا تجب الطهارة إلا عن خارج نجس، وهذا أصل ينفرد به دوننا.
الثاني: أنه قال: إن المني لا يتكلم في أصله، إنما علينا النظر في فصله، وهو ينفصل من مخرج البول، وهو نجس، فإذا مرعلى مجرى نجس، وجب أن ينجس بنجاسة مجراه.
وأما طريق الحسن بن صالح؛ فلأنه رأى الفرك يجرئ في يابسه، فدل ذلك على طهارته، ورأى أن الحديث الصحيح (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، غسل ما بفرجه (4) من الأذى، فدل ذلك على نجاسته.
وأما طريقة مالك في الأثر والنظر، فمهيع، يشارك أبا حنيفة والحسن في بعض الطرق، ويخالفهما في المناقضة.
أما تعويله من جهة النظر، فعلى أنه خارج من مخرج البول، فينجس بنجاسة المجرى، فإن زعموا أن له مخرجا آخر، وتحكموا بنسبة ذلك إلى أهل التشريح، لم يتشعب معهم فيه، وإن كان الدعوى عريضة.
(1) في (ق): "إذا.
(2)
في (ق): "غسل.
(3)
في (ق): "ورأى الحديث أن النبي.
(4)
في (ق): "يعرض.
بيد أنا نقول: إنهما عند أصل الثقب يجتمعان، وهو نجس بما (1) يخرج عليه، ولا جواب لهم عن هذا، ولا يصح لأصحاب أبي حنيفة التعلق به، فإن لبن الميتة عندهم طاهر مع نجاسة وعائه، فهو تناقض ظاهر منهم.
وأما تعويله على الأثر، فغسل النبي صلى الله عليه وسلم البدن منه والثوب، وهذا دليل على نجاسته؛ فإن الغسل حكم النجاسة
المخصوص بها، وأقرب دليل على الشيء خصيصته التي لا يشارك فيها؛ كالحل (2) دل على النكاح وجودا وعدما، والملك على البيع نفيا وإثباتا، والنكتة العظمى في ذلك: أن الأحاديث الصحاح ليس فيها أكثر من أن عائشة قالت: «كنت أفركه من ثوب رسول الله
صلى الله عليه وسلم»، والمراد: إزالة عينه، فأما الصلاة به كذلك، فليس بمروي عنها (3)، بل المروي فيها: غسله عنها.
روى القشيري (4) عن علقمة والأسود جميعا: أن رجلاً نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة:«إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تره، نضحت حوله، لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا، فيصلي فيه» (5). وهذا الرجل الذي أصبح يغسل
(1) في (خ): مما.
(2)
في (ق): "كالحمل.
(3)
في (ق): "فيها.
(4)
يعني به: الإمام مسلم في صحيحه.
(5)
رواه مسلم (288)، كتاب: الطهارة، باب: حكم المني.
ثوبه، لم يكن رأى فيه شيئًا، إنما شك هل احتلم أم لا؟ كما قدمنا (1) من رواية عبد الله بن شهاب الخولاني، ولذلك أنكرت عليه الغسل، ثم أخبرته أنه إنما يجزئه الغسل إذا رآه، فإن لم يره نضحه، وهذا نص في الغسل، ثم قالت بعد:«لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصلي فيه» ، معناه: أفركه وأغسله؛ بدليل رواية سليمان بن يسار عنها، ولولا ذلك لنقض آخر كلامها (2) أوله، لا سيما وحديث عائشة هذا بزيادة قولها (3):«ثم يصلي فيه» من رواية علقمة والأسود، والأسود متكلم (4) عليه؛ فإن القشيري خرجه عن يحيى بن يحيى، عن خالد بن عبد الله، عن خالدٍ -يعني: الحذّاء - (5)، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، فذكره، وغمزه الدارقطني وغيره، فإذا كان حديث هذه الزيادة مغموزا، فلم يبق إلا حديث الفرك وحده دون زيادة فيه كما بيناه، وهذه هي الغاية في المسألة، انتهى (6).
قلت: ونقل ح عن الشافعية قولا: بأن مني المرأة نجس، دون مني الرجل، قال: وهو شاذ ضعيف، ثم قال: وقول أشذ منه: إن مني
(1) في (ق): "قدمناه.
(2)
في (ق): "كلامه.
(3)
في (خ): قوله.
(4)
في (ق): "علقمة والأسود يتكلم.
(5)
في (خ) و (ق) زيادة: عن ابن مقيس، وليس في سند الإمام مسلم هذا، ولا في «عارضة الأحوذي» لابن العربي.
(6)
انظر: «عارضة الأحوذي» لابن العربي (1/ 178) وما بعدها.
الرجل والمرأة نجس (1).
هذا حكم مني الآدمي.
فأما غيره (2)، فأما الكلب والخنزير، وما توّلد من أحدهما، فنجس بلا خلاف أعلمه، وأما غيرهما فعلى قسمين: مأكول، وغير مأكول:
فالمأكول منيه طاهر (3) إن عّللنا نجاسة (4) المني بجريانه على مجرى البول؛ لأن بول (5) ما يؤكل لحمه طاهر عندنا، وإن عّللناها بأن أصله دم، كان نجسا.
وأما غير المأكول تحريما، فيلحق بالكلب والخنزير؛ لأنا إن عللنا النجاسة بمجرى البول، فالبول نجس، وإن عللناها بأن المني دم في الأصل، فذلك موجود - أيضا -، والله أعلم، هذا مذهبنا.
وفي «الروضة» للشيخ ح: وأما مني غير الآدمي: فمني الكلب والخنزير وفرع أحدهما نجس، ومن غيرهما فيه أوجه؛ أصحها: نجس، والثاني: طاهر، والثالث: طاهر من مأكول اللحم، نجس من غيره؛ كاللبن.
(1) انظر: «شرح مسلم» للنووي (3/ 198).
(2)
فأما غيره ليس في (ق).
(3)
منيه طاهر ليس في (ق).
(4)
في (ق): "بنجاسة.
(5)
في (ق): "فإن البل.
قلت: الأصح عند الأكثرين والمحققين الوجه الثاني، انتهى (1).
فصل: المني مشدد، سمي منيا؛ لأنه يمنى، أي: يصب، وسميت (منى)؛ لما يمنى فيها من الدماء، ويقال: أَمْنَى ومَنَى، ومنَّى -بالتشديد -، وبالأولى جاء القرآن، قال الله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58].
فمنيُّ الرجل -في حال صحته- أبيض ثخينٌ يتدفق في خروجه دفعةً بعد دفعة، يخرج بشهوة ولذة، ويعقب خروجه فتورٌ، ورائحته كرائحة الطَّلْع، قريبة من رائحة العجين، وإذا يبس، كان كرائحة البيض، وقد تفقد بعض هذه الصفات، ويسمى -مع ذلك- منيا بأن يرق ويصفر لمرض، أو يخرج بلا شهوة ولا لذة؛ لاسترخاء وعائة، أو يحمر لكثرة الجماع، ويصير كماء اللحم، وربما خرج دما عبيطًا.
قالوا: وخواصه ثلاث:
الأولى: الخروج بشهوة مع الفتور عقبه.
الثانية: الرائحة كرائحة الطلع، على ما سبق.
الثالثة: الخروج بتدفق.
وكل واحدة من هذه الثلاث إذا انفردت، اقتضت كونه منيا، فإن فقدت كلها، فليس بمني.
وماء المرأة أصفر رقيق، وقد يبيض بفضل قوتها، والله أعلم (2).
(1) انظر: روضة الطالبين للنووي (1/ 17).
(2)
انظر: تحرير ألفاظ التنبيه للنووي (ص: 38 - 39)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله هذا الفصل.
مسألة: فإن خرج عريا عن اللذة، فهل يجب الغسل، أو لا؟ قولان.
فلو قارنته لذة غير معتادة، كالمحتك ينزل، أو المغتسل بماء حار فينزل، وكمن لدغته عقرب، أو ضرب بالسياط، أو بالسيف، فأنزل، فقولان.
وإذا قلنا: لا يجب الغسل، فهل يجب الوضوء؟ قولان.
فلو التذ ثم خرج منه مني بعد ذهاب اللذة جملة، ففي مذهبنا ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث: بين أن يكون عن جماع، وقد اغتسل، فلا يعيد، وضعف القول بالتفرقة.
وعلى وجوب الغسل إن كان قد صلى، ففي وجوب الإعادة قولان.
وإذا قلنا: لا غسل، فهل يؤمر بالوضوء على الوجوب، أو الندب؟ قولان (1).
مسألة: فلو انتبه، فوجد بللاً لا يدري أمنيٌّ أم مذيٌ، وجبَ الغسل على المشهور، ولو رأى في ثوبه احتلاماً، اغتسل، وفي إعادته من أول نوم، أو من أحدثِ نوم، ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين أن [
…
] أو لا؟ ففي الأول، وفي الثاني، من [
…
] (2).
والمرأة في ذلك كالرجل.
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/ 295 - 296).
(2)
في النسختين «خ» و «ق» بياض بمقدار كلمة. والذي وجدته في: جامع الأمهات لابن الحاجب (ص: 60): وفي إعادته من أول نوم، أو أحدث نوم قولان.
وفي عقد الجواهر لابن شاس (1/ 54): قال في كتاب ابن حبيب: إلا أن يكون يلبسه -يعني: ثوبه- ولاينزعه، فإنه يعيد من أولنومٍ نام فيه.