الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
15 -
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ، وَلا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلاءِ بِيَمِينِهِ، وَلا يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ» (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (153)، كتاب: الوضوء، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، و (153)، باب: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال، و (5307)، كتاب: الأشربة، باب: النهي عن التنفس في الإناء، ومسلم (267)، و (1/ 225)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، وهذا لفظه، ورواه أيضا (267)، و (1/ 225)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، وهذا لفظه، ورواه أيضا (267)(3/ 1602)، كتاب: الأشربة، باب: كراهة التنفس في نفس الإناء، واستحباب التنفس ثلاثا خارج الإناء، مختصرا. ورواه أبو داود (31)، كتاب: الطهارة، باب: كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، والنسائي (24، 25)، كتاب الطهارة، باب: النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة، و (47، 48)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين، والترميذي (15)، كتاب: الطهارة، باب: ماجاء في كراهة الاستنجاء باليمين، و (1889)، كتاب: الأشربة، باب: ماجاء في كراهية التنفس في الإناء، وابن ماجه (310)، كتاب: الطهارة، باب: كراهة مس الذكر باليمين، والاستنجاء باليمين. =
* التعريف:
أبو قتادة: الحارث بن ربعي بن بلدمة- بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح الدال (1) -، ويقال: بلدمة- بضم الباء الموحدة (2) والدال-، ويقال: بالذال المعجمة.
فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا، والخندق، وما بعد ذلك من المشاهد.
وقيل: اسمه عمرو بن ربعي، وهو مشهور بكنيته، غلبت عليه.
مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة، وقيل: بالكوفة، سنة ثمان وثلاثين، والأصح الأول، وصلى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
= * مصَادر شرح الحَدِيث:
«معالم السنن» للخطابي (1/ 23)، «الاستذكار» لابن عبدالبر (8/ 352)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 74)، و «المفهم» للقرطبي (1/ 519)، و «شرح مسلم» للنووي (3/ 159)، و «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 59)، و «التوضيح» لابن الملقن (4/ 141)، و «فتح الباري» لابن حجر (1/ 253) و (10/ 92)، و «عمدة القاري» للعيني (2/ 294) و (21/ 200)، و «فيض القدير» للمناوي (1/ 386)، «كشف اللثام» للسفاريني (1/ 206)، و «سبل السلام» للصنعاني (1/ 77).
(1)
«وفتح الدال» : زيادة من «ق» .
(2)
«الموحدة» ليست في «ق» .
وذكر ابن عبد البر: أن عَلِيًّا عليه السلام كبر عليه سبعا.
وذكره الحافظ ابن قانع في «الوفيات» له، وابن طاهر المقدسي الحافظ في «رجال الصحيحين» .
روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة حديث، وسبعون حديثًا، اتفقا منها على أحد عشر حديثًا، وانفرد البخاري بحديثين، وانفرد مسلم بثمانية أحاديث.
روى عنه: ابنه عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمرو بن سليم الزرقي، وعبد الله بن معبد الزماني (1) -بالزاي المعجمة المكسورة والميم المشددة-، وعطاء بن يسار.
روى له الجماعة (2).
(1) في (ق): "الذماني.
(2)
وانظر ترجمته في: «الطبقابت الكبرى» لابن سعد (6/ 15)، و «التاريخ الكبير» للبخاري (2/ 258)، و «الاستيعاب» لابن عبد البر (4/ 1731)، و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (1/ 159)، و «تاريخ دمشق» لابن عساكر (67/ 141)، و «صفة الصفوة» لابن الجوزي (1/ 647)، و «المنتظم» له أيضا (5/ 268)، و «أسد الغابة» لابن الأثير (6/ 244)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 449)، و «تهذيب الكمال» للمزي (24/ 194)، و «الوافي بالوفيات» للصفدي (11/ 185)، و «الإصابة في تمييز الصحابة» لابن حجر (7/ 327)، و «تهذيب التهذيب» له أيضا (12/ 224).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: هذا من الآداب النبوية الجامعة.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى (1) لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه، وما كان من أذى (2).
وروينا في «الحلية الكبرى» لأبي نعيم الحافظ: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: ما تغنيت ولا تمنيت -يعني: كذبت -، وما مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
وهذا من التقوى والأدب، الذي يؤيد الله به من يشاء من عباده المتقين.
وروي (5) عن علي رضي الله عنه: أنه قال: يميني لوجهي، وشمالي لحاجتي.
وقد امتخط ابنه الحسن بيمينه عند معاوية فأنكر عليه (6)، فقال له: بشمالك.
(1) اليمنى: ليست في (ق).
(2)
رواه أبو داود (33 - 34)، كتاب: الطهارة، باب: كراهية مس الذكر اليمين في الاستبراء. انظر: «التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 111).
(3)
بها: ليست في (ق).
(4)
رواه ابن ماجه (311)، كتاب: الطهارة، باب: كراهة مس الذكر باليمين والاستنجاء باليمين.
(5)
وروي: ليس في (خ).
(6)
فأنكر عليه ليس في (خ).
ولا (1) مفهوم لقوله عليه الصلاة والسلام: «وهو يبول» ؛ إذ المعنى على (2) النهي مطلقًا، في حال البول وغيره، بل قد وردت رواية أخرى في النهي عن مسه باليمنى غير مقيدة ببول ولا غيره (3)؛ تنزيها لليمين، وتكريما لها عن الشمال.
ق: وقد يسبق إلى الفهم أن العام محمول على الخاص، فيختص (4) النهي بهذه الحالة.
وفيه بحث؛ لأن هذا الذي يتجه في باب الأمر والإثبات.
قالوا: لو جعلنا الحكم للمطلق في صورة الإطلاق مثلاً، كان فيه إخلال باللفظ الدال على المقيد، وقد تناوله لفظ الأمر، وذلك غير جائز.
وأما في باب النهي، فإذا جعلنا الحكم للمقيد، أخللنا بمقتضى اللفظ المطلق، مع تناول النهي له، وذلك غير سائغ، هذه كلها بعد مراعاة أمر من صناعة الحديث، وهو أن ينظر في الروايتين، أعني: رواية الإطلاق، والتقييد، هل هما حديثان، أو حديث مخرجه واحد؟ فإن كانا حديثين، فالأمر على ما ذكرناه في حكم الإطلاق والتقييد.
(1) في (ق): "فلا.
(2)
في (خ): عن.
(3)
كما في إحدى روايتي مسلم المتقدم تخريجها في حديث الباب.
(4)
في (خ) و (ق): "فيخص.
وإن كان حديثًا واحدا مخرجه واحد، اختلف (1)[عليه] الرواة، فينبغي حمل المطلق على المقيد؛ لأنها تكون زيادة من عدل في حديث واحد، فتقبل، وكذلك (2) -أيضا - يكون بعد النظر في دلالة المفهوم، وما لايعمل به، وبعد أن ينظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم، انتهى (3).
قلت: وهذا كلام حسن، وتفصيل جيد كما ترى.
الثاني: جمهور الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، على أن النهي على الكراهة دون التحريم، وإن كان ظاهر الحديث التحريم، وكذلك (4) حمله أهل الظاهر على التحريم (5)، فقالوا: لا يجوز مس الذكر باليمين إلا من ضرورة، والعجب منهم أنهم أجازوا مس المرأة فرجها بيمينها وشمالها، وأجازوا لها مس ذكر زوجها بيمينها وشمالها، وأجازوا مس الخاتن ذكر الصغير للختان باليمين، وكذا الطبيب، وحرموا مس الإنسان ذكره (6).
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: «ولا يتمسح من (7) الخلاء
(1) في (خ): اختلفت.
(2)
في (ق): "ولذلك.
(3)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 60).
(4)
في (ق): "ولذلك.
(5)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(6)
انظر «المحلى» لابن حزم (2/ 77).
(7)
في (ق): "في.
بيمينه»، معنى التمسح هنا: الاستنجاء، فيدخل فيه القبل والدبر، وقد تقدم أن الخلاء ممدود، وهو الغائط.
وقد اختلف أصحاب الشافعي رحمه الله في كيفية التمسح في القبل إذا كان الحجر صغيرا، لا بد من إمساكه بإحدى اليدين، فمنهم من قال: يمسك الحجر باليمنى، وتكون الحركة باليسرى واليمنى قارة، ومنهم من قال: يأخذ الذكر باليمنى (1)، والحجر باليسرى، ويحرك اليسرى، والأول أشبه بظاهر الحديث (2)، ولم أر لأصحابنا في ذلك نصا صريحا.
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: «ولا يتنفس في الإناء» : النهي - أيضا - على الكراهة -كما تقدم-، وذلك حمل لأمته صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب؛ لأنه إذا تنفس في الإناء، ربما انفصل من ريقه شيء، فيعافه الغير، ويستقذره، هذا مع ما في ذلك من الضرر (3)، فهو مكروه نزاهة وطبا، ولا يختص ذلك بالشراب، بل بالطعام (4)، والكتاب كذلك، أعني: أنه يكره النفخ فيهما كالشراب، أما الشراب: فكما تقدم، وأما الطعام والكتاب فللاحترام والتنزيه.
والتنفس في معنى النفخ، يدل على ذلك حديث مالك رضي الله عنه: أن
(1) في (ق): "يؤخذ الذكر باليمين.
(2)
انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 60 - 61).
(3)
في (ق): "الضرورة.
(4)
في (ق): "الطعام.
أبا سعيد الخدري رضي الله عنه دخل على مروان بن الحكم، فقال له مروان: أسمعت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الشراب؟ فقال أبو سعيد: نعم، فقال رجل: يا رسول الله! إني لا أروى من نفس واحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فَأَبِن القدح عن فيك، ثم تنفس» ، قال: إني أرى القذى فيه، قال:«فأهرقه» (1).
قال بعض من شرح هذا الحديث: قوله: «نهى عن النفخ في الشراب» ، المعنى: ما ذكرناه في التنفس، وهو خشية أن يقع من ريقه شيء، وقول الرجل: يا رسول الله! إني لا أروى من نفس واحد، يقتضي أن التنفس (2) في الإناء في معنى النفخ يتقذره الناظر (3)، كما ذكرناه.
قلت: ومن آداب الشرب: أن يمص الماء مصا، ولا يعبه، كما في الحديث.
وظاهر حديث مالك المذكور آنفًا جواز الشرب من نفس واحد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الرجل القائل: إني لا أروى من نفس واحد، بل أقره عليه، فاقتضى ذلك إباحته، وإن كان الأولى التنفس ثلاثًا؛ أعني:
(1) رواه الإمام مالك في «الموطأ» (2/ 925)، ومن طريقه الترمذي (1887)، كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في كراهية النفخ في الشراب، وقال: حسن صحيح، والإمام في «المسند» (3/ 57).
(2)
في (ق): "التنفيس.
(3)
انظر: «المنتقى» للباجي (7/ 237).
أن يبِين الإناء عن فيه ثلاث مرات، ويتنفس في كل مرة، فإنه أهنأ وأمرأ؛ كما في الحديث (1).
فائدة:
التنفس يستعمل حقيقة ومجازا: فالحقيقة؛ كقولنا: تنفس الرجل، وتنفس الصعداء.
قال الجوهري: وكل ذي رئة متنفس، ودواب الماء لا رئات لها.
والمجاز؛ كقوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18]؛ أي: تَبَلَّجَ، وكذا: تنفست (2) القوس: إذا تصدعت، وتنفس النهار، إذا زاد، وكذلك الموج: إذا نضح الماء، والله أعلم (3).
* * *
(1) رواه مسلم (2028)، كتاب: الأشربة، باب: كراهة التنفس في الإناء، واستحباب التنفس ثلاثا خارج الإناء، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
في (ق): "تنفس.
(3)
انظر: «الصحاح) للجوهري (3/ 984)، (مادة: نفس).