المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع 4 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ١

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتْابُ الطَّهَارَة

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌بابُ الجنابةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌بابُ التَّيَمُّمِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الحيضِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌كِتْابُ الصَّلَاة

- ‌بابُ المواقيتِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌بابُ فضلِ صلاة الجماعةِ ووجوبِها

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع 4 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ

(1) في (ق): "فليستنثر.

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (160)، كتاب: الوضوء، باب: الاستجمار وترا، بلفظ:«إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» .

ورواه مسلم (278)، كتاب: الطهارة، باب: كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوكَ في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا، وأبو داود (103)، كتاب: الطهارة، باب: في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها، والنسائي (1)، كتاب: الطهارة، باب: تأويل قوله عز وجل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ

} [المائدة: 6]، والترمذي (24)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء: «إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها» ، وابن ماجه (393)، كتاب: الطهارة، باب: الرجل يستيقظ من منامه، هل يدخل يده في الإناء قبل أن =

ص: 62

= يغسلها؟ بلفظ: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء، حتى يغسلها ثلاثا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده» .

ورواه مسلم (237)، كتاب: الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار، وأبو داود (140)، كتاب: الطهارة، باب: في الاستنثار، والنسائي (86)، كتاب: الطهارة، باب: اتخاذا الاستنشاق، بلفظ:«إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه ماء، ثم لينتثر» ، وهذا لفظ مسلم.

ةهذا يدل على أن البخاري أورد الحديثين في سياق واحد.

(1)

رواه مسلم (237)، (1/ 212)، كتاب: الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار.

ورواه البخاري (2/ 683) معلقا بصيغة الجزم، إلا أنه قال:«بمنخره» .

(2)

كذا في جميع النسخ هنا: «فليستنشق» ، والرواية المعتمدة في كتاب «العمدة» هي:(فليستنثر»، وقد رواه البخاري (159)، كتاب: الوضوء، باب: الاستنثار في الوضوء، ومسلم (237)، (1/ 212)، كتاب: الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار، والنسائي (88)، كتاب: الطهارة، باب: الأمر بالاستنثار، وابن ماجه (409)، كتاب: الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

الاستذكار لابن عبد البر (1/ 148، 158)، وعارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي لابن العربي المالكي (1/ 41)، وإكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 98)، والمفهم للقرطبي (1/ 536)، وشرح مسلم للنووي (3/ 225، 178)، وشرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 16)، وشرح الإلمام له -أيضا (4/ 65)، والتوضيح لابن الملقن (4/ 195)، وفتح الباري لابن حجر =

ص: 63

* الشرح:

الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا توضأ أحدكم» معناه: إذا أراد الوضوء، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]؛ أي: إذا أردت القراءة. الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: «فليجعل في أنفه» ؛ أي: ماء: فحذف ذلك؛ للعلم به، وقد جاء مبينا في الرواية الأخرى، ومعنى (يجعل) هنا يلقي.

ول (جعل)(1) معان أربعة: خلق، وصير، وألقى، وشرع: فمن الأول قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1]، فيتعدى إلى مفعول واحد، ومن الثاني: جعلت البصرة بغداد، فيتعدى إلى مفعولين بنفسه.

ومن الثالث: جعلت المتاع بعضه على بعض، فيتعدى للأول بنفسه، وللثاني بحرف الجر.

ومن الرابع: جعل زيدٌ يقول كذا، فيكون من أفعال المقاربة، يرفع الاسم، وينصب الخبر، إلا أن خبره لا يكون إلا فعلاً مضارعا

= (1/ 262) و (4/ 160)، وعمدة القاري للعيني (3/ 14)، و (7/ 24)، وكشف اللثام للسفاريني (1/ 56)، وسبل السلام للصنعاني (1/ 47)، ونيل الأوطار للشوكاني (1/ 169).

(1)

في (خ): وليجعل.

ص: 64

فيه ضمير يعود على اسمها كما تقدم تمثيله.

الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: «ثم لينتثر» : الاستنثار: إيصال الماء إلى الأنف، ونثره منه بنفَس، أو بأصبعه.

قال القرطبي: وسمي استنثارا لآخر (1) الفعل، وقد يسمى استنشاقًا بأوله (2)، وهو استدعاء الماء بنفس الأنف (3)(4).

ق: قال جمهور أهل اللغة، والفقهاء، والمحدثين (5): الاستنثار: هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق.

وقال ابن الأعرابي، وابن قتيبة: الاستنثار: هو الاستنشاق (6).

والصواب: الأول، وتدل عليه الرواية الأخرى:«استنشق» ، و «استنثر» ، فجمع بينهما (7).

قلت: ولعل الجمع بينهما على ما ذكر القرطبي من تسميته بأول الفعل وآخره، فلا يكون في هذه الرواية دليل.

قال أهل اللغة: وهو مأخوذ من النَّثْرَة، وهو طرف الأنف.

(1) في (ق): "الأخير.

(2)

في (ق): "لأوله.

(3)

الأنف ليس في (ق).

(4)

انظر المفهم لقرطبي (1/ 480).

(5)

في (خ): والمحدثون.

(6)

انظر: غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 160).

(7)

انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 17).

ص: 65

وقال الخطابي وغيره: هي (1) الأنف (2).

والمشهور الأول.

قال الأزهري: روى سلمة عن الفراء: أنه يقال: نثر الرجل، وانتثر، واستنثر: إذا حرك النثرة في الطهارة (3).

الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: «ومن استجمر، فليوتر» الاستجمار: هو التمسح من الغائط والبول (4) بالجمار، وهي الحجارة الصغار، ومنه الجمار التي يرمى بها في الحج، وقد نص عليها في حديث سلمان (5).

وقال القاضي أبو الحسن بن القصار: ويجوز أن يقال: إنه أخذ من الاستجمار بالبخور؛ لأنه يزيل الرائحة القبيحة، وقد روي ذلك عن مالك -أيضا-، يريد: فيأخذ منه ثلاث قطع، أو يأخذ منه ثلاث مرات، والصحيح الأول.

وقد تمسك الشافعي، وأحمد رضي الله عنهما بقوله: «فليوتر) على وجوب

(1) في (ق): "هو.

(2)

انظر: غريب الحديث للخطابي (1/ 136).

(3)

انظر: تهذيب اللغة للأزهري (15/ 55). وانظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (5/ 14)، ولسان العرب لابن منظور (5/ 191)، مادة:(نثر).

(4)

في (ق): "من البول والغائط.

(5)

رواه مسلم (262)، كتاب: الطهارة، باب: الاستطابة.

ص: 66

تعداد ثلاثة أحجار، وإن حصل الإنقاء بدونها، وبذلك قال القاضي أبو الفرج، والشيخ أبو إسحاق من أصحابنا -رحمهما الله-، ولا دليل لهم في ذلك؛ لأن الإيتار أعم من أن يكون بواحد، أو بثلاث، أو بغير ذلك، ولا يلزم من وجود الأعم وجود الأخص.

ونقل عن الخطابي أنه قال: فيه دليل؛ إذ معقول أنه لم يرد الوتر الذي هو واحد فرد؛ لأنه زيادة وصف على الاسم، والاسم لا يحصل بأقل من واحد، فعلم أنه قصد به ما زاد على الواحد، وأقّله (1) الثلاث (2).

قلت: أما قوله: إنه (3) لم يرد به الواحد، فممنوع؛ إذ ليس في اللفظ ما يدفعه، ولا في العقل ما يمنعه، وأما قوله: لأنه زيادة وصف، فلم أفهمه.

وأما مذهب مالك، وأبي حنيفة -رحمهما الله-، فالواجب الإنقاء لا غير، كان ذلك بحجر، أو أكثر.

وقد استدل القاضي عبد الوهاب رحمه الله بهذا الحديث نفسه على عدم وجوب التعداد، فقال: لأن أقل ما يقع عليه اسم الوتر مرة واحدة، فإذا أتى بذلك، فيجب أن يجزئه.

وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استجمر،

(1) في (ق): "وأنه.

(2)

وانظر: عمدة القاري للعيني (3/ 15).

(3)

إنه ليست في (ق).

ص: 67

فليوتر؛ من فعل فقد أحسن، ومن لا، فلا حرج» (1)، وهذا نص؛ ولأن الإنقاء قد وجد (2) بما يجوز الاستنجاء به، دليله: إذا أتى بالثلاث؛ ولأن الاعتبار في ذلك بالإنقاء دون العدد، بدلالة أنه لو لم ينق بالثلاث، زاد عليها، فلما وجبت الزيادة على الثلاث مع عدم الإنقاء، جاز الاقتصار على ما دونها عند وجوده، ولأن القصد من الاستنجاء بالأحجار التجفيف، والأصل هو الماء؛ بدلالة أنه لا يلزمه قلع الأثر بالحجر، وإذا ثبت ذلك، ثم لم يجب في الماء الذي هو أغلظ حكما من الأحجار عدد، ولا عبادة (3) غير الإنقاء، فأن (4) لا يجب ذلك في الأحجار أولى، ولأنه أحد نوعي ما يستنجى به، فوجب (أن يكون المستحق فيه الإنقاء دون (5) العدد أصله الماء، ولأنه إزالة نجس، فأشبهت النجاسة على سائر البدن (6)، ولأنها طهارة مسح، فوجب أن لا يستحق تكراره في الحدث، ولأن ما زاد على الإنقاء لما كان مسحا

(1) رواه أبو داود (35)، كتاب: لطهارة، باب: الاستتار في الخلاء، وابن ماجه (337)، كتاب: الطهارة، باب: الارتياد في الغائط والبول، والإمام أحمد في المسند (2/ 371)، وابن حبان في صحيحه (1410)، وغيرهم.

(2)

في (ق): "يوجد.

(3)

في (ق): "ولا عادة.

(4)

في (خ): كان بأن.

(5)

في (ق) زيادة: دون أن يكون المستحق فيه الانتقاء دون العدد.

(6)

البدن ليست في (ق).

ص: 68

لا يحتاج إليه في تجفيف النجاسة، لم يكن واجبا؛ كالحجر الرابع والخامس.

الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: «وإذا استيقظ أحدكم من نومه» إلى آخره، فإن (1) قلت: ما الفائدة في قوله عليه الصلاة والسلام: «من نومه» ، ومعلوم (2) أن الاستيقاظ إنما يكون من النوم؟

قلت: لا ينحصر الاستيقاظ في النوم؛ مشاركة الغفلة والغشية في ذلك، ألا ترى أنه يقال: استيقظ فلان من غشيته، أو من غفلته.

فإن قلت: لم أضاف عليه الصلاة والسلام النوم (3) إلى ضمير أحدنا، ومعلوم قطعا أن أحدا لا يستيقظ من نوم غيره، فما فائدة هذه الإضافة، حتى لم يقل: من النوم، أو من نوم، وكان ذلك مغنيا عنها، مع خفة الإفراد، وثقل التركيب الإضافي؟

قلت: إنما كان ذلك لمعنى جليل (4) جدا، وهو الإشارة والتنبيه على أن نومه (5) صلى الله عليه وسلم مغاير لنومنا؛ إذ كان عليه الصلاة والسلام تنام عيناه، ولا ينام قلبه.

فإن قلت: قوله: (أحدكم) يعطي هذا المعنى المذكور.

(1) في (ق): "إن.

(2)

في (ق): "وهو معلوم.

(3)

النوم ليست في (ق).

(4)

في (ق) زيادة: لطيف.

(5)

في (ق): "إلى نومه بدل على أن نومه.

ص: 69

قلت: أجل، ولكنه جاء على طريق المبالغة والتأكيد، وربما سمى أهل علم البيان مثل هذا توطئة (1)، وهو أن يكون المعنى مستقلاً بالأول، ويؤتى باللفظ الثاني لما ذكر، فتنبه لها إشارة ما أسناها، ولطيفة ما أحلاها (2)، زادنا الله فهما وعلما من كلامه وكلام رسوله، وبّلغ كُلاً منا غاية قصده وسؤله (3)، آمين، بمنه وَطوله.

السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: «فليغسل يديه):) اختلف أصحابنا في غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء، هل هو تعبد، أو معلل؟

فمن نظر إلى العدد، قال بالتعبد؛ لأن هذا الغسل إما للنجاسة، وإما للشك في وجودها، وكلاهما لا يقتضي عدداا مخصوصا.

ومن نظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «فإنه لا يدري أين باتت يده)،) قال بالتعليل، قالوا: وذلك أنهم كانوا يستنجون بالأحجار، وربما عرق الإنسان، وجالت يده، فوقعت على المحل، أو على بثرة في جسمه، أو قملة، وشبه ذلك، فأمروا بغسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء؛ إذ الغالب من آنية الوضوء أن تكون صغيرة يؤثر فيها ما يتحلل من اليدين، هكذا يقول من نحا إلى التعليل.

وتظهر فائدة هذا الخلاف في موضعين:

(1) في (خ): تطرئة.

(2)

في (ق): "ما أجلاها.

(3)

في (ق): "وسؤاله.

ص: 70

أحدهما: من انتقض وضوؤه وهو قريب عهد (1) بغسل يديه، فعلى التعبد: يعيد الغسل، وعلى التعليل: لا يعيد؛ لوجود النظافة فيهما.

والثاني: من قال بالتعبد، قال بغسلهما مفترقتين؛ لأن صفة التعبد في غسل الأعضاء: أن لا يشرع في عضو حتى يكمل غسل ما قبله.

قال المازري: وهو ظاهر حديث ابن زيد (2)؛ لأنه ذكر في صفته لوضوئه عليه الصلاة والسلام: أنه غسل يديه مرتين مرتين، وإفراد (3) كل واحدة بالذكر يدل على إفرادها بالغسل.

ومن قال بالتعليل المذكور، قال: يغسلان مجتمعتين؛ لأنه أبلغ في المراد من تنظيفهما (4).

وعلى القولين جميعا، فالغسل ليس بواجب.

وهل هو سنة أو فضيلة؟

قولان لأصحابنا.

وهل يفتقر غسلهما إلى نية؟

قال الباجي ما معناه: إن من جعلهما من سنن الوضوء؛ كابن القاسم، اشترط النية في غسلهما، ومن (5) رأى النظافة فيها؛ كأشهب، ويحيى بن يحيى، لم يشترطها.

(1) عهد ليست في (ق).

(2)

سيأتي تخريجه في الحديث الثامن.

(3)

في (ق): "وأفرد.

(4)

انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري (1/ 359).

(5)

في (ق): "قال ومن.

ص: 71

قال ابن حبيب: فإن أدخل يده في الإناء قبل الغسل، فسد الماء.

وقال مالك: لا يفسد، وإن قلَّ، إِلَّا أن تتبين نجاسته (1).

قال سند (2): يستحب إراقة ذلك الماء؛ لأن قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يدري أين باتت يده» منه يقتضي كراهية (3) ذلك الماء إن لم يغسلهما، وقد طرح سؤر الدجاج، وإن لم تتيقن نجاسته، وقال بإراقته الحسن البصري، وابن حنبل.

قلت: إنما يقول الحسن بإراقته إذا كان من نوم الليل خاصة، وحكي عن أحمد رواية: أنه إن قام من نوم الليل، كره كراهة تحريم، وإن قام من نوم النهار، كره كراهة تنزيه، ووافقه داود الظاهري، اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث، وهذا ضعيف جدا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلّة بقوله:«فإنه لا يدري أين باتت يده» ، ومعناه: لا يأمن النجاسة على يده، وهذا عام؛ لاحتمال وجود (4) النجاسة في نوم الليل والنهار، وفي اليقظة، وذكر الليل أولاً؛ لأنه (5) الغالب، ولم يقتصر

(1) انظر: المنتقى لابن الباجي (1/ 297).

(2)

هو سند بن عنان بن إبراهيم، أبو علي الأزدي، كان فاضلا من أهل النظر، وألف كتابا حسنا في الفقه سماه:«الطراز» شرح به «المدونة» في نحو ثلاثين سفرا، وتوفي قبل إكمال.

توفي سنة (541 هـ). انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (ص: 126).

(3)

في (ق): "كراهة.

(4)

وجود ليست في (ق).

(5)

في (ق): "لكونه.

ص: 72

عليه خوفًا من توهم أنه مخصوص به، بل ذكَر العلة بعده، والله أعلم.

وأما دليل مالك، والشافعي على عدم الوجوب، فأمران:

أحدهما: حديث الأعرابي (1).

والثاني: أنه قد قامت القرينة على عدم الوجوب، وهي تعليله عليه الصلاة والسلام للغسل بأمر يقتضي الشك، وهو قوله:«لا يدري أين باتت يده» .

والقواعد: أن الشك لا يقتضي وجوب الحكم إذا كان الأصل المستصحب على خلافه موجودا، والأصل في اليد الطهارة، فليستصحب.

ولتعلم أن القائلين باستحباب غسل اليدين قائلون باستحباب ذلك في ابتداء الوضوء مطلقًا، سواء قام من النوم، أم لا؛ لوجهين:

أحدهما: أنه صفة (2) وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كاف.

والثاني: أن المعنى المعلل به في الحديث، وهو جولان اليد موجود في كل منتقض الطهارة، فيعم الحكم؛ لعموم عِلَّتِه.

السابع: ق: فرق أصحاب الشافعي بين حالة المستيقظ من النوم وغير المستيقظ، فقالوا في المستيقظ من النوم: يكره له (3) أن يغمس يده في الإناء قبل غسلها ثلاثًا، وفي غير المستيقظ: يستحب له (4) غسلها

(1) سيأتي تخريجه في الحديث الرابع من باب المذي.

(2)

في (ق): "لوجهين: أنه وضوء.

(3)

له ليست في (خ).

(4)

له ليست في (ق).

ص: 73

قبل إدخالها في الإناء، قال: ولتعلم الفرق بين قولنا: يستحب فعل كذا، وبين قولنا: يكره تركه؛ فإنه لا تلازم بينهما، فقد يكون الشيء مستحب الفعل، ولا يكون مكروه الترك؛ كصلاة الضحى، وكثير من النوافل، فغسلهما لغير المستيقظ من النوم قبل إدخالهما الإناء من المستحبات، وترك غسلهما للمستيقظ من المكروهات، فقد ورد صيغة النهي عن إدخالهما في الإناء (1) قبل الغسل في حق المستيقظ من النوم، وذلك يقتضي الكراهة على أقل الدرجات (2).

قلت: وظاهر كلام أصحابنا، أو نصه: أنه لا فرق بين المستيقظ وغيره، وإن كانوا يفرقون بين المكروه وترك الأولى، كما قال.

الثامن: قوله عليه الصلاة والسلام: «فإنه (3) لا يدري أين باتت يده» ، فيه استحباب استعمال الكنايات فيما يستحيى من التصريح به، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:«لا يدري أين باتت يده» ، ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره، أو ذكره، أو على نجاسة ونحو ذلك، وإن كان هذا في معنى قوله عليه الصلاة والسلام، ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز، والأحاديث الصحيحة.

وهذا إذا علم أن (4) السامع يفهم بالكناية

(1) في الإناء ليست في (ق).

(2)

انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 20).

(3)

فإنه ليس في (ق).

(4)

أن ليس في ق).

ص: 74

المقصود، فإن لم يكن كذلك، فلا بد من التصريح؛ لينتفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب، وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به، والله أعلم.

التاسع: قوله عليه الصلاة والسلام: «فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر» .

ع: يدل على أنهما مشروعان -كما تقدم-، وهما عندنا سنتان، وقد عدهما بعض شيوخنا سنة واحدة.

وقال ابن قتيبة: الاستنشاق والاستنثار سواء، مأخوذ من النَّثْرَة، وهو طرف الأنف.

ولم يقل شيئًا، بل الاستنشاق) (1) من التنشق، وهو جذب الماء إلى الأنف بالنفس، والنشوق: الدواء الذي يصب في الأنف، والاستنثار من النثر، وهو الطرح، وهو هنا طرح الماء الذي ينشق، قيل: ليخرج ما تعلق به (2) من قذر الأنف، وقد فرق بينهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«فليستنشق بمنخريه من الماء، ثم لينتثر» .

قلت: قد تقدم أنه يحتمل أن يكون سماه استنشاقًا باعتبار أول الفعل، واستنثارا باعتبار آخره.

(1) مأخوذ من النثرة، وهو طرف الأنف، ولم يقل شيئا، بل الاستنشاق ليس في (ق).

(2)

به ليس في (ق).

ص: 75

ثم قال: وقد احتج بعضهم بأمره (1) صلى الله عليه وسلم بهما على وجوبهما على المتوضئ، وذلك عند أكثر العلماء على الندب.

وإلى أنهما سنتان في الوضوء والغسل ذهب مالك، والأوزاعي، وربيعة، والشافعي.

وذهب الكوفيون إلى وجوبهما في الغسل دون الوضوء.

وذهب ابن أبي ليلى وغيره إلى وجوبهما (2) فيهما.

وذهب أحمد، وإسحاق، وأبو ثور (3) إلى وجوب الاستنثار فيهما دون المضمضة؛ بدليل هذا) (4) الحديث (5).

العاشر: قال الشافعية: يؤخذ من هذا الحديث الفرق بين ورود الماء على النجاسة، وورود النجاسة على الماء، ووجهه: أنه نهى (6) عن إدخالهما في الإناء؛ لاحتمال النجاسة، وذلك يقتضي أن ورود النجاسة على الماء (7) مؤثر فيه، وأمر بغسلهما بإفراغ الماء عليهما للتطهير،

(1) في (ق): "قوله.

(2)

في (ق): "وجوبه.

(3)

وأبو ثور ليست في (ق).

(4)

في (ق): "بدون.

(5)

انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 30).

(6)

في (ق): "قد نهى.

(7)

على الماء ليس في (ق).

ص: 76

وذلك يقتضي أن ملاقاتهما للماء (1) على هذا الوجه غير مفسد للماء بمجرد الملاقاة، وإلا، لما حصل المقصود من التطهير.

الحادي عشر: ق: استنبط من هذا الحديث أنّ الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه؛ فإنه منع من (2) إدخال اليد فيه؛ لاحتمال النجاسة، وذلك دليل على أنّ يقينها (3) مؤثر، وإلا، لما اقتضى احتمال النجاسة المنع.

وفيه عندي نظر؛ لأنَّ مقتضى (4) الحديث: أنَّ ورود النجاسة على الماء مؤثر فيه، ومطلق التأثير أعم من التأثير بالتنجيس، ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص المعين، فإذا سلم الخصم أن الماء القليل بوقوع النجاسة فيه يكون مكروها، فقد ثبت مطلق التأثير، ولا يلزم ثبوت (5) خصوص التأثير بالتنجيس (6).

الثاني عشر: الْمَنْخِرُ: ثقب الأنف، وقد تكسر الميم إتباعا لكسرة الخاء، كما قالوا: مِنْتِنٌ، قال الجوهري: وهما نادران؛ لأنَّ مِفْعِلًا ليس من الأبنية.

(1) في (ق): "الماء.

(2)

من ليس في (ق).

(3)

في (ق): "تيقنها.

(4)

في (ق): "معنى.

(5)

ثبوت ليس في (ق).

(6)

انظر: شرح عمدة الأحكام لابن دقيق (1/ 21).

ص: 77

وَالْمُنْخُورُ لغة في الْمَنْخِرِ، قال الشاعر: مِنْ لَدُ لِحْيَيْهِ (1) إلى مُنْخُورِهِ (2) قلت: ومثله فيما كسر للإتباع، قولهم: الْمِغِيرَة، وَرِغِيفٌ، بكسر أولهما.

وانظر ذكر المنخرين في الحديث ما فائدته؛ فإن الاستنشاق لا يكون إلا بهما؟ وليس لقائل أن يقول: إن ذلك من باب قوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38]؛ لأن ذلك جاء لرفع المجاز؛ كما قيل؛ إذ كان يقال: فلان (3) يطير في حاجتك، ونحو ذلك، وقد استغني عن ذكرهما في الرواية الأخرى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«من توضأ فليستنشق» ، والله الموفق.

* * *

(1) في (ق): "لحيته.

(2)

انظر الصحاح للجوهري (2/ 824)، مادة:(نخر).

(3)

في (ق): "إذا كان فلان.

ص: 78